للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: المسيو شاتليه


الغارة على العالم الإسلامي
أو فتح العالم الإسلامي [*]
مقدمة المسيو شاتليه [١]

(١)
إرساليات التبشير البروتستانية
قلنا في سنة ١٩١٠ عندما كنا نخوض على صفحات هذه المجلة في موضوع
السياسة الإسلامية:
(ينبغي لفرنسة أن يكون عملها في الشرق مبنيًّا قبل كل شيء على قواعد
التربية العقلية ليتسنى لها توسيع نطاق هذا العمل والتحقق من فائدته , ويجدر بنا
لتحقيق ذلك بالفعل أن لا نقتصر على المشروعات الخاصة التي يقوم بها الرهبان
المبشرون وغيرهم؛ لأن لهذه المشروعات أغراضًا خصوصية وليس للقائمين بها
حول ولا قوة في هيئتنا الاجتماعية التي من دأبها الاتكال على الحكومة وعدم الإقبال
على مساعدة المشروعات الخاصة التي يقوم بها الأفراد فتبقى مجهوداتهم ضئيلة
بالنسبة إلى الغرض العام الذي نحن نتوخاه , وهو غرض لا يمكن الوصول إليه إلا
بالتعليم الذي يكون تحت إشراف الجامعات الفرنسية؛ نظرًا لما اختص به هذا التعليم
من الوسائل العقلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة.
وأنا أرجو أن يخرج هذا التعليم إلى حيز الفعل ليبث في دين الإسلام الأوضاع
المستمدة من المدرسة الجامعة الفرنسية.
هذا ما ارتأيناه يومئذ وسيظهر ما يؤيده في الفصول التالية المتعلقة
بإرساليات التبشير البروتستاني الأنجلو سكسونية والجرمانية الدائبة على العمل
في العالم الإسلامي حتى أصبحت أهميتها تفوق بكثير ما اعتاد الفرنسيون أن
يتصوروه؛ لأن النشاط وقوة الجأش التي يظهرها القائمون بأعمال هذه
الإرساليات تختلف عما تمتاز به أمتنا.
وكنا منذ أمد بعيد نود أن نخوض في ذكر تفاصيل أعمال هذه الإرساليات
التي اشتهرت بخطتها ووفرة الوسائل التي أعدتها وتوسلت بها لمقاومة دين
الإسلام.
وحسبنا أن نستشهد بإرسالية التبشير الكاثوليكية في بيروت لتكون موضوع
التفكير والتأمل في فرنسة. إن (كلية القديس يوسف) اليسوعية التي تدبر أعمالها
هذه الإرسالية لا تأثير لها على النشوء الفكري في المحيط الإسلامي ولكن التعليم الذي
تنشره وتبثه كان له الحظ الأوفر من نشر الأفكار الفرنسية في سورية والقطر
المصري.
نعم إن غاية المدرسة اليسوعية وطريقة التعليم فيها تختلفان عن غاية وطريقة
المدرسة الكلية الفرنسية في غلطة (الآستانة) إلا أن النتائج كانت متقاربة من حيث
تعميم المبادئ والأفكار التي تنشرها اللغة الفرنسية , ومن هذا يتبين لنا أن إرساليات
التبشير الدينية التي لديها أموال جسيمة وتدار أعمالها بتدبر وحكمة تأتي بالنفع الكثير
في البلاد الإسلامية من حيث إنها تبث فيه الأفكار الأوروبية.
إلا أن لإرساليات التبشير مطامع أخرى كما يتبين من الجملة الآتية التي
أستخرجها من رسالة أرسلها إليَّ من جزيرة البحرين (قرب عمان) في ٢ أغسطس
سنة ١٩١١ حضرة القسيس المحترم صموئيل زويمر منشئ مجلة
العالم الإسلامي الإنجليزية، وهو يبني فيها صروح آمال شامخة على أعمال
المبشرين البروتستانيين قال:
(إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإٍسلامية مزيتين - مزية تشييد ومزية
هدم، وبعبارة أخرى مزيتي تحليل وتركيب , والأمر الذي لا مرية فيه هو أن حظ
المبشرين من التغيير الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه الأخلاقية في البلاد
العثمانية والقطر المصري، وبلاد أخرى هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية
منه , ولا ينبغي لنا أن نعتمد على إحصائيات (التعميد) في معرفة عدد الذين
تنصروا رسميًّا من المسلمين؛ لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور ومتحققون من
وجود مئات من الناس انتزعوا الدين الإسلامي من قلوبهم واعتنقوا النصرانية من
طرف خفي) اهـ.
ولا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانية وكاثوليكية تعجز عن أن تقتلع
العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها أو تزحزحها، ولا يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار
التي تتسرب من اللغات الأوروبية، فبنشرها اللغات الإنكليزية والألمانية والهولندية
والفرنسية يتحكك الإسلام بصحف أوروبة وتتمهد السبيل لتقدم إسلامي مادي وتقضي
إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وقوتها
إلا بعزلتها وانفرادها؟
أما ما يقوله حضرة مكاتبنا من وجود مئات من المسلمين اعتنقوا
النصرانية سرًّا وهم ينتظرون فرصة للجهر بها فذلك أمر لا يمكننا البت فيه
مع حضرة المكاتب , على أنه ليس من الحوادث الغريبة أن يتنصر بعض أفراد
ينتمون إلى أصل فارسي أو هندي؛ لأن اختلاف النِّحَل والاعتقادات في هذه
العناصر هو من مزاياها الاجتماعية وكذلك الحال في الوسط السامي المتصل
بالأصل العبري ولكن من النادر المستغرب أن تقع حوادث التنصر في بيوت
السادات العلوية وبين الباتان (الأفغانيون الخُلَّص الموجودون في بلاد الهند)
ومشايخ الهند وجيرانهم الأفغانيين والأتراك والتركمان والعرب الحقيقيين
والبربر.
ولا ينبغي لنا أن نتوقع من أكثرية العالم الإسلامي بأن يتخذ له أوضاعًا
وخصائص أخرى إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية إذ الضعف
التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية، وما يتبع هذا الضعف من الانتقاض
والاضمحلال الملازم له سوف يفضي - بعد انتشاره في كل الجهات- إلى انحلال
الروح الدينية من أساسها لا إلى نشأتها بشكل آخر.
على أن المناقشة في هذه المسألة لا طائل تحتها؛ لأن الآراء تنبعث عن
وجهة التفكير، فتقتصر إذن على القول بأن سير العالم الإسلامي يتدرج نحو
انحلال أفكاره الدينية وزوالها وذلك أمر طبيعي ممكن التحقق، أما فرض
تدرج المسلمين في اعتناق المسيحية فخارج عن حد الإمكان؛ لأن المسلم
كالمسيحي واليهودي لا يجذبه التعليم العصري إلى الاعتقادات الدينية.
ولكننا نعود فنقول: إنه مهما اختلفت الآراء في نتائج أعمال المبشرين من حيث
الشطر الثاني من خطتهم (الهدم) فإن نزع الاعتقادات الإسلامية ملازم دائمًا
للمجهودات التي تبذل في سبيل التربية النصرانية , والتقسيم السياسي الذي طرأ على
الإسلام سيمهد السبيل لأعمال المدنية الأوروبية، إذ من المحقق أن الإسلام يضمحل
من الوجهة السياسية وسيكون بعد زمن في حكم مدنية محاطة بالأملاك
الأوربية.
قد يظهر لإخواننا المسلمين أننا نتصرف في مستقبلهم بحرية وعدم
تكلف، ولكن من منهم ينكر أن العالم الإسلامي أصبح هدفًا لغلطات فتيان
جمعية الاتحاد والترقي الذين ورثوا عبد الحميد واستعانوا بوسائله السياسية
بعد أن خلعوه، ولم تكن أمامهم وسيلة لإنقاذ السلطنة العثمانية والخلافة
الإسلامية غير تنظيم حكومة مؤلفة من ولايات إسلامية متحدة، وكل وسيلة
غير هذه كانت لنتيجة لا بد منها وهي تقسيم المملكة؟
إننا لم نكن نرمي الكلام على عواهنه وما كنا نقصد غير تقرير حقيقة
راهنة، عندما نبهنا المسلمين من قراء مجلتنا - قبل احتلال طرابلس الغرب
بستة أشهر - إلى ما تخبئه الأيام للآستانة التي ستقع بين مخالب ألمانية
وروسية.
إن إرساليات التبشير البروتستانية الأنجلو سكسونية تعلق أهمية كبرى
على الحال الجديدة التي ظهر بها العالم الإسلامي وقد رأينا أن نذكر معها
إرساليات التبشير الألمانية لما عقد بينهما من الأواصر والروابط في مؤتمري
سنة ١٩٠٦ وسنة ١٩١١ ولم يبق ارتباطهما مقتصرًا كسابق عهده على
تناوب كرسي الأسقفية البروتستانية في بيت المقدس.
وليس من المستغرب، ونحن نبدي إعجابنا بأعمالها، أن نلح بمزاحمتها
ومسابقتها، خصوصًا، وأن السيطرة على أهم الأسواق البشرية صارت متوقفة على
هذه المزاحمة والمسابقة، وكنا نود لو كان في الوقت متسع لبسط القول وإيضاح
مجرى الأمور في هذه المسألة بحذافيرها؛ لأنها جديرة باهتمام رجال فرنسة بلا
إضاعة وقت، إلا أننا اضطررنا إلى الاقتصار على جمع بعض أمور وقفنا عليها
وسنبينها هنا بقدر الإمكان.
ونحن نكتفي بعرض هذه الأمور من غير تعليق عليها؛ لأننا اقتطفناها من
مؤلفات وفصول شتى ونظمناها على الترتيب المتبع في مثل هذه الظروف، وإن
المسألة التي تهمنا سوف تتبدد شكوك ذوي البصيرة والرواية لدى اطلاعهم على ما
نعرضه أمام أنظار قراء مجلة العالم الإسلامي.
ونؤمل من ذوي الشأن في إرساليات التبشير البروتستانية أن لا ينكروا علينا
انتهاج هذه الخطة التي هي خطة مجلتنا، وهم أعلم الناس بعواطفنا وشعورنا نحو
عملهم الذي لا يمكننا أن نذكر أهميته إلا مقرونة بإلحاحنا في ذكر الضرورات التي
تقتضيها السياسة الفرنسية الوطنية لأجل تحول مجهوداتنا إلى التعليم التابع لطريقة
المدارس الجامعة الفرنسية وذلك أشد العوامل تأثيرًا على بلادنا لندخل في حلبة
المسابقة لنشر التعليم العقلي.
***
(٢)
تاريخ التبشير
اقتصرت مجلة العالم الإسلامي في هذا الفصل على تلخيص كتاب (مشروع
التبشير) الذي ألفه المستر (إدوين بلس) البروتستاني، ثم أعاد طبعه قبل عشر
سنوات فزاد عليه زيادات أخرى وسماه (ملخص تاريخ التبشير) ذكر فيه تاريخ
إرساليات التبشير البروتستانية على اختلاف نزعاتها منذ نشأتها في القرون الغابرة
إلى تاريخ الطبعة الثانية لكتابه، مع بيان ما بين هذه الإرساليات من ارتباط
وتضامن.
ثم قالت: (إن هذا السِّفر نفيس في بابه يتسنى لقارئه أن يقف على حقيقة
أعمال الإرساليات البروتستانية في بلاد الإسلام حتى أواخر القرن التاسع عشر،
إلا أننا ننكر على مؤلفه عدم إشارته إلى الإرساليات الكاثوليكية وهذا موضعالضعف
في كتابه بل في أعمال إرساليات التبشير جميعًا على اختلافها، ولو كان المبشرون
الكاثوليك والبروتستان الذين يجتمعون في بلاد إسلامية يتنبهون إلى أن انقسامهم يحط
من قدرهم ويقلل هيبتهم ويوطد أركان الإسلام لكانوا على الأقل يوهمون الناس بأنهم
متفقون ظاهرًا، خصوصًا وأن انقسامهم هذا يمهد للإسلام السبيل لاستمداد مبادئ
الحضارة من إرساليات المبشرين من غير أن يقتبس أفكارها الدينية، ولا ريب أن
نخبة الأذكياء المسلمين في مصر وسورية - عندما يقفون على هذه التفرقة الموجودة
بين الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانية والعلمانية التي تتجاهل كل منهن الأخرى
- لا يترددون في الحكم على مذاهب النصرانية بأنها قد فقدت التوازن بالرغم من
الخدم التي تأتي بها الحضارة الأوربية.
واستأنفت المجلة بعد هذا الاستطراد كلامها على كتاب المستر بلس فقالت:
إنه ينقسم إلى قسمين الأول في تاريخ التبشير العام وطرائقه، والثاني في وصف
موقف الإرساليات البروتستانية وأعمالها في البلاد الإسلامية.
ويقول المؤلف: إن تاريخ التبشير المسيحي يرجع إلى صدر النصرانية
ومبدإ أسيسها، وذكر الذين قاموا بوظيفة التبشير بالنصرانية في القرون الوسطى،
فقال: إن (ريمون لول) الإسباني هو أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب
الصليبية في مهمتها. فتعلم (لول) هذا اللغة العربية بكل مشقة وجال في بلاد
الإسلام وناقش علماء المسلمين في بلاد كثيرة.
وذكر المؤلف في الفصل الثالث المبشرين الكاثوليك والدور الذي لعبوه في ثورة
(البوكسر) الصينية وتداخلهم في شئون القضاء، وهنا انتقدت مجلة العالم الإسلامي
الكاثوليكية على هذا المؤلف البروتستاني اقتصاره على ذكر تاريخ المبشرين
الكاثوليك في ثمان صفحات فقط، وقوله: إن المسلمين ينظرون إلى الطقوس
والاحتفالات الكاثوليكية باشمئزاز , ووصفت المجلة هذا القول بأنه لا يشف عن
محبة مسيحية.
وفي الفصل الرابع: وصف المؤلف تنظيم إرساليات التبشير في القرون
الوسطى في الهند وجزائر السند وجاوه واختلاط المبشرين بالمسلمين منذ ذلك
الحين، وأشار إلى (بترهيلنج) الذي احتك بمسلمي سواحل أفريقية وإلى اهتمام
هولندا بالتبشير في جاوه في أوائل القرن الثامن عشر حتى قسمت جاوه لهذه الغاية
إلى مناطق لكل منها كنيسة ومدرسة، وقال: إن عدد الذين تنصروا فيها
سنة ١٧٢١ بلغ ١٠٠٠٠٠ وكان عدد النصارى في سيلان سنة ١٧٢٢ - وكانت
يومئذ تحت سلطة هولندا - يبلغ ٤٢٤٠٠٠ وتساءل عما بقي منهم إلى الآن، وقال
: إن المسلمين كانوا فيها قليلين فصاروا الآن فئة كثيرة.
ثم ذكر تحريك البارون (ده ويتز) ضمائر النصارى سنة ١٦٦٤ إلى
تأسيس مدرسة كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي تعلم فيها لغات الشرق
للطلاب الذين يناط بهم أمر التبشير، فارتأى أحد أحبار الكنيسة أن تعهد إلى
الأروام مسئولية تبشير الأتراك ثم فشل البارون في مشروعه.
ثم سرد المؤلف تاريخ تنظيم الإرساليات البروتستانية من دانمركية
وإنكليزية وألمانية وهولندية واتصال بعضها ببعض وما كان من مساعدة
فردريك الرابع وكرستيان السادس ملكي الدانمارك وحكومة هولندا وتأييدهم
لأعمالها في القرن السابع عشر وما بعده في كل أقطار العالم.
وانتقل إلى البحث في أعمال هذه الإرساليات في القرنين الأخيرين فقال:
إن المستر (كاري) هو الذي فاق أسلافه في مهنة التبشير فدرس لغة اللاتين
واليونان والفرنسيس والهولنديين والعبرانيين كما تعلم كثيرًا من العلوم، ولما
نشر كتبه في التحريض على التبشير قوبلت بالاستحسان ففتح له باب الاكتتاب
وذهب إلى الهند لهذا الغرض وصارت الأموال ترسل إليه ثم طلب أن يرسل
إليه ناس يؤازرونه في التبشير فتأسست سنة ١٧٩٥ (جمعية لوندرة التبشيرية)
وسرعان ما تأسست جمعيات على شاكلتها في (اسكوتلندة) و (نيويورك)
وانتشرت هذه الفكرة في ألمانية والدانمارك وهولندة والسويد ونروِج
وسويسرا وغيرها وتعذر على الفرنسيين أن يقوموا بشيء من هذا القبيل لانشغالهم
بالثورة التي آلت إلى الانقلاب المشهور.
وتأسست جمعيات فرعية كثيرة مثل (جمعية التبشير في أرض التوراة
العثمانية) وبلغ الشغف بهذا العمل أن أسست (إرساليات تبشير طبية) لتلحق
بالإرساليات العامة فنجحت نجاحًا باهرًا؛ لذلك أخذت تنمو وتزداد وتألفت لها
أقسام نسائية وأرسل بعضها إلى الهند والأنضول.
وفي سنة ١٨٥٥ تأسست جمعية (الشبان المسيحيين) من الإنكليز
والأمريكان ووظيفتها إدخال ملكوت المسيح بين الشبان، وعقد تلاميذ
المدارس النصرانية في (نورثفيلد) مؤتمرًا اجتمع فيه ٢٥٠ مندوبًا عن ٨٠
مدرسة تكلفت بتقديم ١٠٠ شاب للتطوع في نشر الدين المسيحي، ومن هؤلاء
تألفت (جمعية الشبان المتطوعين) للتبشير في البلاد الأجنبية.
ويقول المؤلف: إنها لعبت دورًا هامًّا في تبشير المسلمين على الخصوص!
لأن شعارها كان نشر (الإنجيل بين أبناء الجيل الحاضر) ثم تبع ذلك تأسيس
جمعيات التبشير في كل بلاد البروتستان. وفي سنة ١٨٩٥ تأسست (جمعية اتحاد
الطلبة المسيحيين في العالم) وهي تهتم بدرس أحوال التلاميذ في كل الأقطار وبث
روح (المحبة) بينهم فالتحق بها ١٠٠.٠٠٠ طالب وأستاذ يمثلون ٤٠ قومًا، فتولد
من وجود هذا العدد العظيم ميل إلى الانتفاع به؛ ولذلك تأسست سنة ١٩٠٢ (جمعية
تبشير الشبان) ومن وظائف هذه الجمعية الأخيرة استمالة النساء والبنات والشبان
والطلبة إلى استماع صوت المبشرين , ثم تقرر سنة ١٩٠٧ أن تؤسس جمعية أخرى
لتبشير الكهول وقد تأسست بالفعل وأخذت تباشر أعمالها وترفع التقارير بهذا الشأن.
هذا ملخص القسم الأول من كتاب المستر (بلس) فيما يتعلق بتاريخ إرساليات
التبشير وأعمالها في بلاد الإسلام , وأما القسم الثاني فخاص بذكر مراكز تنظيم هذه
الإرساليات وإدارة أعمالها في كل قطر على حدة , وإلى القارئ ملخص هذا القسم:
***
أفريقية
قال المستر (بلس) : إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم
التبشير بالنصرانية في أفريقية , والمسلم وحده هو العدو اللدود لنا؛ لأن انتشار
الإنجيل لا يجد معارضًا لا من جهل السكان ولا من وثنيتهم ولا من مناضلة الأمم
المسيحية وغير المسيحية وليس خصمنا هو العربي الذي يرتاد البلاد للاتجار بالرقيق
- لأن هذه التجارة صارت صعبة - بل إن هذا الخصم المعارض هو الشيخ أو
الدرويش صاحب النفوذ في أفريقية أكثر مما هو كذلك في فارس , فالشيخ أو
الدرويش يجوبان شواطئ البحر الأحمر والنيجر ومراكش وواداي ويبثان في
الأهالي أن المهدي ينتظر ظهوره وسينشر الإسلام في كل الأقطار , وقد ظهر مهدي
منذ سنين فحارب الإنكليز ثم توفي فتولى الأمر بعده خليفة غلب على أمره.
أما الشيخ السنوسي العدو الألد للنفوذ الفرنسي والإنكليزي فله تقاليد
أخرى , ويقول المستر (بلس) : إن طلبة الأزهر يعتقدون بالمهدي , وأما
المراكشيون فلا يزال يدور في خلدهم إمكان الجهاد، وهو يرى أن الملحمة الكبرى
بين أوروبة والإسلام ستنشب في غربي أفريقية، أو في شماليها , لا ينبغي أن نستدل
على حقيقة هذه الملحمة المنتظرة بالقتال الذي حدث في السودان.
دخل المبشرون الكاثوليك ربوع أفريقية منذ القرن الخامس عشر (أي في
أثناء الاكتشافات البرتغالية) وبعد ذلك بكثير أخذت ترد إليها إرساليات التبشير
البروتسانية من إنكليزية وألمانية، وكذلك إرساليات التبشير الفرنسية.
ولم تهتم جمعية الكنيسة البروتستانية بالتبشير في أفريقية الغربية إلا منذ
سنة ١٨٠٤ حيث تعاضدت إرسالياتها وانكفأت على الكونغو، وهذه الجمعية
تقاتل الآن بمؤازرة الأسقف (صموئيل كرونز) الزنجي سلطة الإسلام المتدفق
في النيجر وأفريقية الغربية. وفي سنة ١٨١٩ اتفقت هذه الجمعية مع الأقباط
وألفت في مصر إرسالية عهدت إليها بنشر الإنجيل في أفريقية الشرقية وقررت
إرسال مبشرين إلى الحبشة ولكنها فشلت على أثر المناظرة بين اليسوعيين
والبروتستان , ثم أخذ المبشرون السويديون والإنكليز يرتادون غربي أفريقية وتبعهم
مبشرو المدرسة الجامعة فهبطوا مدينة (منبسة) ثم عززت ألمانية إرسالياتها عقب
اتساع مستعمراتها لكن سرعان ما ظهرت المنازعات بين الكاثوليك والبروتستان،
وكان أهم ذلك في (أوغندا) بين مبشريها الوطنيين والرهبان البيض
الذين ألف إرساليتهم الكاردينال لافيجري [٢] .
وتوافد المبشرون على أفريقية الوسطى عقب بعثة (لفنستون) و (ستانلي)
سنة ١٨٧٨ فاقتسموا مناطقها مع اختلاف جنسياتهم بين ألماني واسكتلندي
وإنكليزي ومورافي وهؤلاء انتشرت إرسالياتهم بدون انقطاع من شرقي
أفريقية إلى أواسطها حتى الخرطوم والحبشة وبلاد الجلا , وجاءت هذه
الإرساليات بنتائج حسنة.
أما بلاد المغرب فلها مبشرون خاصون بها ترسلهم (جمعية تبشير شمال
أفريقية) وهم منتشرون في مراكش والجزائر وتونس وسائر بلاد الغرب ومنهم
المبشرون والأطباء التابعون لهم , ولقد شاع أن ذوي الأمر في فرنسة وإيطالية
حانقون على رجال التبشير، إلا أن حاكم الجزائر طمأن بال الأسقف (هارتزل)
في الأيام الأخيرة، وصرح له بأنه ينظر إلى أعمال المبشرين بعين الاستحسان.
وقبل الانتهاء من الكلام على أفريقية لا نرى بدًّا من الإشارة إلى جزيرة
مدغسكر التي يقوم فيها المبشرون البروتستان بخدمة مهنتهم بكل جد ونشاط.
***
آسية الغربية
كان للمبشر (هنري مارتين) يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد
آسية الغربية فبعد أن أقام في الهند مدة عرج على فارس والبلاد العثمانية
وتوفي سنة ١٨١٢، وهو الذي ترجم التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمينية
ومن بعده أخذت إرساليات التبشير تشد الرحال إلى الأنضول وفلسطين واتخذت لها
مراكز في أزمير والقسطنطينية وبيت المقدس وتصدرت للتبشير في صفوف
النسطوريين على حدود فارس والسلطنة العثمانية وفي صفوف اليعقوبيين في
ما بين النهرين , وفي مقدمة هذه الجمعيات لجنة التبشير الأمريكية إلا أن
جمعيات اليهود الإنكليزية سبقتها إلى بعض البلاد العثمانية مثل أزمير والآستانة
وسلانيك فافتتحت فيها مدارس دينية ومعابد , ومنذ سنة ١٨٤٩ أخذت ترد إرساليات
أخرى على هذه البلاد فقسمتها إلى مناطق وأصابت لجنة التبشير الأمريكية
منطقة قبائل النصيرية في سورية فأخذت على عاتقها تنصير هذه القبائل
وذهب قسم من هذه الجمعية إلى بلغاريا لينفذ خطته هناك.
ولما حدثت حوادث سنة ١٨٦٠ في سورية توجهت الأنظار إلى جبل
لبنان وبعد عشر سنوات انتشرت لجنة التبشير الأمريكية في البلاد العثمانية
عدا سورية , وعلى أثر تأسيس الكنيسة البروتستانية في الآستانة سنة ١٨٤٦
صارت الآستانة مركزًا عامّا آمنًا لأعمال المبشرين؟ ! !
أما موقف الحكومات الإسلامية أمام إرساليات التبشير فكان يختلف باختلاف
البلاد. فالقبائل المستقلة في بلاد العرب عدوات لدودات للمبشرين، وبلاد الفرس
سائد فيها نفوذ روسية , والسلطة الإسلامية في القطر المصري اسمية فقط ,
وكانت الحكومات العثمانية تبدي ضروب الاستبداد نحو المبشرين على اختلاف
مذاهبهم بسبب الدور السياسي الكبير الذي يمثله نفوذ المبشرين على مسرح المسألة
الشرقية , وكانت معاملة الحكومة العثمانية للمبشرين تتحسن بواسطة سفراء
الولايات المتحدة.
وقد اجتهد المبشرون في ترجمة الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) إلى
كل لغات الشرق بأسلوب سهل يتسنى فهمه لكل الطبقات.
وأكبر ما يثير قلق المستر (بلس) مؤلف هذا الكتاب هو الدور الذي ستقوم به
الدولة العثمانية في الحوادث المقبلة! ... ما دامت أنظار القبائل السنوسية الشديدة
البأس متجهة نحو السلطنة العثمانية التي يحكمها أمير المؤمنين فيها بيضة الإسلام ,
ومثل السنوسيين الأمم الأخرى البعيدة عن الآستانة مثل بخارى وخيوة والهند والبلاد
الإسلامية الشاسعة.
***
الهند
انتشرت إرساليات التبشير في الهند عقب إرسالية (جمعية لوندرة
التبشيرية) التي قام بها (كاري) ثم تبعتها الإرساليات الأمريكية والاسكوتلندية
والهولندية والنرويجية وكلها تؤدي وظيفتها بنشاط وتقوم بأعمالها بكل دقة.
وكان كل هؤلاء في بادئ الأمر قد وقعوا في الحيرة؛ لأنهم لم يعلموا بمن
يبدأون التبشير، وهل يسهل بث النصرانية في البرهمي أو المسلم المتنور أو
الهندي العامي!
ثم اهتدوا إلى التقاط الأطفال الذين يعضُّهم ناب الفاقة والفقر وجعلوا
يحسنون إليهم ويستجلبونهم نحوهم.
ومؤتمر التبشير الذي عقد في (شيكاغو) قرر أن ينظر في وسائل تعميم
التبشير في الهند ونشر النصرانية وتفسير تعاليمها بين كل طبقات الأهالي.
***
جزائر الملايو
يوجد في شبه جزيرة الملايو وجزائرها المجتمعة عقائد ونزعات سقيمة؛ لأن
أهل هذه البلاد اعتنقوا الإسلام في القرن الثالث عشر ومزجوا به ما علق بهم من
عقائدهم القديمة ثم اقتبسوا شيئًا من مذهب الكاثوليك عقب ظهور البرتغاليين ومن
مذهب البروتستانت بعد استيلاء الهولنديين على هذه البلاد والهولنديون أبدوا قسوة
وعدم تسامح في القرون الوسطى في نشر عقيدتهم وفي هذه الأيام ذهبت إرساليات
كثيرة إلى الملايو لتبشيرهم بالنصرانية.
***
الصين
في هذه المملكة مسلمون كثيرون بعددهم قليلون بالنسبة إلى مجموع سكان البلاد
وتاريخ ذهاب إرساليات التبشير إلى الصين يرجع إلى سنة ١٨١٣ ولما افتتحت
الثغور الصينية بعد ذلك انتشر فيها المبشرون والأطباء والممرضون التابعون لهم
انتشارًا هائلاً واتسع نطاق أعمالهم وجاء بثمرات كثيرة.
(يُتلى)
((يتبع بمقال تالٍ))