للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: محمد رشيد رضا


التقاريظ

(فتاوى ابن تيمية)
طبع في هذين العامين خمسة مجلدات , أطلق عليها فتاوى شيخ الإسلام أحمد
تقي الدين بن تيمية؛ لأن أكثر ما فيها فتاوى له، وفيها أيضًا كتب ورسائل أخرى
له في الكلام وفي مسائل معينة من الفقه، حتى إن الجزء الخامس من هذه المجلدات
كله في علم الكلام يحتوي على شرح العقيدة الأصفهانية وعلى السبعينية والتسعينية
وهي من كتبه المشهورة.
أما كتب شيخ الإسلام في الكلام فتمتاز على كتب جميع المتكلمين ببيان
الفصل وبيان مذاهب الفلاسفة والمتكلمين على اختلاف فرقهم وتحرير دلائلهم , أو
شبههم عليها وبيان مذهب السلف الصالح المأخوذ من نصوص الكتاب والسنة , وفهم
علماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لها - ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة -
ووالله إنه لا يغني عنها ولا عن شيء منها الوقوف على أشهر كتب الأشاعرة
وأمثالهم: كشروح وحواشي الدوانية والتفتازانية والمواقف والمقاصد , فإن أكثر هذه
الكتب فلسفة يونانية , ولا يمكن الوصول إلى معرفة عقيدة سلف الأمة الصالح منها.
وأما فتاواه الفقهية فهي تمتاز على جميع ما نعرف من فتاوى العلماء بذكر
أقوال أشهر أئمة الفقه في المسألة وأدلتهم عليها، وإذا رجح أحد الأقوال فإنما
يرجحه بالدلائل الشرعية المبنية على القواعد الأصولية، فمن كان من أهل الدليل
يزداد بها بصيرة في دينه، ومن كان من أهل التقليد يعرف منها أقوال الفقهاء الذين
يقلدهم الناس.
وفي هذه المجلدات المعبر عنها بالفتاوى قواعد في العقود والشروط
والمعاملات قد أظهر فيها الشيخ من حكمة الشريعة الإسلامية ويسرها وسماحتها
وموافقتها لعقول البشر ومصالحهم ما لا نعهد مثله من غيره , وهي جديرة بأن يطلع
عليها كل مشتغل بالفقه مهما كان مذهبه فيه.
وفيها أيضًا كتاب المسائل التي اختارها ابن تيمية والتي انفرد بها وهي مرتبة
على أبواب الفقه.
فنحث جميع المشتغلين بالعلم الديني بل ننصح لهم بأن يطلعوا على هذه
الفتاوى - أو الكتب الفقهية والكلامية - وعلى جميع ما يمكنهم الاطلاع عليه من
كتب شيخي السنة ونصيريها: ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية , فإنه ما من أحد
يطلع عليها إلا ويرى نفسه قد ارتقى في علوم الدين ارتقاء لا يجد له وسيلة أخرى
في كتب غيرهما من العلماء , وقد قال لي أحد علماء المالكية الأعلام الواسعي
الاطلاع المعروفين في الشرق والغرب: إنني عندما اطلعت على هذه الكتب ندمت
وأسفت أنني لم أكن اطلعت عليها في أوائل زمن اشتغالي بالعلم... وهذه الفتاوى
تطلب من طابعها الشيخ فرج الكردي ومن مكتبة المنار في شارع عبد العزيز
بمصر
(يا حسرتي عليك يا زعيتر)
لما أنشأ شكري أفندي الخوري جريدته (أبوالهول) في (سان باولو)
عاصمة البرازيل , جعل ينشر فيها نبذًا متتابعة من قصة لها سماها (يا حسرتي
عليك يا زعيتر) يكتبها باللغة العربية العامية الرائجة في لبنان وغيره من البلاد
السورية - موضوعها تاريخ المهاجرة من لبنان وغيره إلى الممالك الأمريكية
لطلب الرزق وكيف كان بدؤها والترقي فيها , وهو موضوع جليل مفيد، وكتابته
باللغة العامية تجعل فائدته أعم إذ يفهمه العوام والخواص، ثم رأيناه ترك نشر هذه
القصة في الجريدة , وتوسع في المسائل السياسية ومناقشات الجرائد فيها , فاستبدل
الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولعله راعى في ذلك ميل جمهور القراء الذين لا
يرون للجرائد قيمة إلا بالسياسة وفتنها، ولا يعرفون قيمة الكتابة في تاريخ جيلهم
وبيان عاداته وأحواله وهي أنفع ما يكتب للجمهور وأكثره فائدة , ولا سيما ما يكتب
منه بقلم الانتقاد والعبرة كقلم شكري أفندي.
ثم جاءنا الجزء الأول من قصة (يا حسرتي عليك يا زعيتر) فعلمنا أن
صاحبنا عزم على طبع هذه القصة المفيدة أجزاء متفرقة , فسرَّنا أنه سارع في
إتمامها ونشرها، وقد وضعت هذا الجزء على مكتبي لأتذكره إذا سنحت لي فرصة
فراغ , فأقرأه فيها فلم تسنح هذه الفرصة إلا في سفري إلى الهند فكان لي تسلية ,
وتمنيت لو كان سفرًا كبيرًا، فهو قد جمع بين اللذة والفائدة , فقد أضحكني وأبكاني
غير مرة، وأفادني فوائد متعددة، وإذا كنت قد استفدت منه فوائد تاريخية
واجتماعية فإن فوائده للعوام أهم , فإنه يعلمهم كيف يحافظون في السفر والحضر
على صحتهم وعلى أموالهم، وعلى آدابهم وأخلاقهم، ويبصِّر مريدي المهاجرة بما
يقدمون عليه، وما يحتاجون إليه فيه، فأشكر للكاتب عمله شكرًا أرجو أن يكون
منشطًا له على الإسراع بإنجاز هذه القصة وطبعها، وحبذا لو عاد إلى نشرها تِبَاعًا
في جريدته غير ملتفت إلى من يجهلون فوائدها من المتنطعين.
يظن بعض الناس أن مثل هذه الكتب والرسائل التي يكتبها شكري أفندي
باللغة العامية تُضعف اللغة العربية الفصيحة , وهذا الظن خطأ بل هي سُلم لترقية
العامة فيها فإنها ليست عامية محضة , بل هي ممزوجة بالفصيح السهل، وهي لا
تضر الخاصة إذا قرأوها.