للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الخطبة الرئيسية في ندوة العلماء
بلكنهوء الهند [*]
لصاحب المنار

أيها الأساتذة الكرام!
إنكم تعلمون أن جميع القواعد الكلية للعلوم منتزعة من الجزئيات، فالعلم
بالجزئيات مقدم بالطبع , فيجب أن يكون مقدمًا بالوضع، فإذا ذكرت الأجناس
والفصول المقومة والمقسمة لأنواع من الحيوان والنبات , وألقيت على من لم يرَ
شيئًا من أفراد تلك الأنواع أو رأى قليلاً منها , ثم دخل في بستان يوجد فيه أفراد
من تلك الأنواع كلها أتحسب أنه يستطيع أن يعرف كلاًّ منها بهداية تلك التعريفات
والقواعد الكلية؟ ؟ لا! لا! أما من يعرف أفراد تلك الأنواع فإنه لا يحتاج إلا
لتنبيه قليل لمعرفة ما بينها من الفصل والاختلاف , وإذا ذكرت تلك الكليات يتناولها
فهمه بسهولة وسرعة.
ومفردات اللغة وأساليبها كمفردات أنواع الكائنات يشترك بعضها في الفاعلية
أو المفعولية وفي الحقيقة أو المجاز وفي غير ذلك من أنواع الاتفاق , فالقاعدة
الموضوعة لضبط الفاعل والمفعول والحقيقة والمجاز لا يفهمها بسهولة وسرعة من
لا يعرف الكثير من مفرداتها بالاستعمال , ثم إذا هو فهمها لا يسهل عليه أن يطبق
مفرداتها عليها , وأما من عرفها بالاستعمال فإنه يفهمها بغاية السهولة , ولا سيما إذا
عرض عليه عند ذكرها كثير من الأمثلة والشواهد عليها.
التعليم على هذه الطريقة هو التعليم الموافق للفطرة - فطرة الله التي خلق
الناس عليها - ومخالفته مخالفة للفطرة، فالناس يتعلمون اللغات بتلقي مفرداتها
بالعمل , وكذلك تعرف الموجودات والكائنات بمعرفة أفرادها، والذين وضعوا
قواعد العلوم هم جماعة من أصحاب العقول الكبيرة , عرفوا تلك الأشياء حق
المعرفة , ثم بالتأمل فيها انتزعوا منها تلك القواعد، فإذا كلفنا التلاميذ الصغار أن
يعرفوا تلك القواعد الكلية قبل أن نعرض عليهم تلك الجزئيات نكون كأننا نكلفهم أن
يكونوا رجالاً علماء حكماء قبل أن يشبوا وأن يتعلموا , وبذلك نكون قد أرهقناهم من
أمرهم عُسْرًا.
إن علماءنا المتقدمين لم يكونوا محتاجين إلى تسهيل طريقة تعليم اللغة العربية
كحاجتنا إليها الآن؛ لأنها كانت ملكة لهم , ومع هذا كانت كتبهم ككتاب سيبويه
أقرب إلى التعليم الفطري من كتبنا؛ لكثرة ما كان فيها من الشواهد والأمثلة
الموضحة للقواعد الكلية.
وما لي أضرب الأمثلة لتعليم فنون اللغة والمنطق ولا أذكر ما هو أهم من ذلك
وأعلى , وهو تعلم القرآن ودراسة تفسيره وهو المقصد الأعلى والغاية الفُضلى؟
لعلي إذا أنشأت أبين كيف يجب علينا أن نتعلم تفسير القرآن تعلمًا يعيننا على
الاهتداء به أكون قد استهدفت لنقد كثير من الناس , الذين يظنون أن القرآن الحكيم
لا يحتاج إلى فهمه إلا المجتهدون , الذين يتصدون لاستنباط الأحكام الفقهية العملية
في أحكام ظواهر العبادات والمعاملات القضائية التي يحتاج إليها الحكام في المحاكم
والمُفتون , أولئك الذين يظنون غير الحق , وترتعد فرائصهم من ذكر القرآن،
ويرون أنهم ببعدهم عن فهمه وصد الناس عنه يخدمون دينهم ويحافظون عليه.
أيها السادة الكرام:
إن الله تعالى أنزل القرآن هدى للناس أجمعين , وإن الاهتداء ليس خاصًّا
بالمجتهدين الذين يستنبطون الأحكام العملية الفقهية , وإن آيات الأحكام فيه هي أقل
عددًا من سائر الآيات التي تهدي العقول والأرواح، وترقى بها إلى أعلى معارج
الفلاح، وكان سلفنا في القرون الأولى يهتدون به ويحيون بحياته , ولم يكونوا كلهم
ولا أكثرهم مجتهدين بهذا المعنى المعروف في الأصول.
لولا هداية القرآن وسلطانه على أرواح أولئك الأخيار لما كانوا خير أمة
أُخرجت للناس , ولما انتشر الإسلام بفضل الاقتداء بهم , فقد زكى القرآن أنفسهم
ورقى عقولهم حتى كانوا لا يدخلون بلادًا إلا ويجذبون أهلها إلى الإسلام بمحض
القدوة، ذلك بأنهم ما كانوا يعرفون لغة أولئك الأقوام ولا كانوا يفتحون لهم المدارس
ويعلِّمون أحداثهم دينهم ولغة دينهم، فكيف انتشر الإسلام من أقصى الهند إلى أقصى
أفريقية وأوربة في تلك المدة القصيرة؟
يقول الجاهلون: إن الإسلام قد انتشر بقوة السيف! يا سبحان الله! إن هذا
الدين بُدئ برجل واحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم , وكان قومه يجالدونه
بسيوفهم طول حياته , ولم يظفر بهم الظفر التام إلا قبيل وفاته - أعني عام فتح مكة -
ثم إن أولئك الشراذم من أصحابه الكرام انتشروا في شرقي أرض الحجاز وغربها
فهل كان في استطاعتهم أن يُكرهوا أهل المشرق والمغرب على الإسلام وهم يقبلون
منهم الجزية التي كانت أقل ما يأخذه حاكم من محكوم , ثم هم يعاملونهم بالعدل
والمساواة في الحقوق القضائية , ويتركون لهم حرية دينهم , ويسمحون لهم أن
يتحاكموا إلى رؤساء ملتهم في كل خصام يقع بينهم؟ ؟ كلا , إنهم لم يُكرهوا أحدًا
على الإسلام بحد السيف وإنما جذبوا قلوبهم وعقولهم إليهم؛ لأنهم رأوهم أعدل
الناس وأرحم الناس وأفضلهم أخلاقًا وآدابًا , فاقتدوا بهم وأحبوا أن يكونوا مثلهم بل
منهم , فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجًا ويقبلون على تعلم اللغة العربية؛ لأجل أن
يهتدوا بنور ذلك الكتاب العربي المبين، الذي جعل أولئك الفقراء المستضعفين هم
الأئمة الوارثين، ولهذا انتشرت اللغة العربية بانتشار الدين بسرعة غريبة قبل أن
يكون لها مدارس منشأة ولا كتب مدونة.
يمكن لمن يفهم اللغة العربية حق الفهم أن يهتدي بالقرآن ويعتبر بمواعظه
وآدابه , وإن لم يقرأ شيئًا من كتب الفقه , فإن تأثير القرآن في قلوب من يفهمونه
عجيب، حتى إن بعض أدباء النصارى عندنا بمصر يعجبون منه ويعترفون به , وقد
سمعت غير واحد منهم يقول عند حضور بعض احتفالات المدارس وسماع القرآن
المجيد فيها: إن لهذه القراءة تأثيرًا عميقًا في النفس , هذا وهم لا يؤمنون به فما
بالكم بالمؤمنين المخلصين , أولئك الذين هم مرآة قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ
وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: ٢٣) وقوله: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: ١٥) فهل يمكن لمن لا يفهم العربية فهمًا صحيحًا أن يكون من
هؤلاء المؤمنين الصادقين؟ وقال عز وجل: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ
لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر: ٢١) فاعتبروا بقوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ} (العنكبوت: ٤٣) فإنه
تعالى هدانا بهذا المثل إلى أن نربأ بأنفسنا أن تكون قلوبنا أقسى من الحجارة ,
وهكذا شأن من يخشع بالقرآن ولا يتأثر بمواعظه.
إذا سمع من يفهم العربية فهمًا صحيحًا مثل قوله تعالى في الآيات الكريمة التي
افتتح بها هذا الاحتفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (الأنفال:
٢٤) فإنه يمكنه أن يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دعانا بهذا الكتاب
الحكيم إلا إلى ما نحيا به حياة معنوية طيبة نكون , بها أمة عزيزة كريمة، وأن
ينتقل ذهنه من ذلك إلى تدبر القرآن؛ ليهتدي به إلى السنن الاجتماعية والنفسية
التي بين الله تعالى فيها أسباب هذه الحياة وهي كثيرة في القرآن، وليست مما يلحقه
النسخ الذي تشترط معرفته في الاجتهاد.
بيان هذه الحياة في كتاب الله تعالى أعلى مرتبة من بيان بعض أحكام
المعاملات، كأحكام الحيض والبيع والسلم والشركات، قال تعالى: {يُنَزِّلُ
المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (النحل: ٢) وما سمى الله
الوحي روحًا لا لأنه ينفخ في المهتدين روح الحياة المعنوية التي يكونون فيها أئمة
الخير في الدنيا وأصحاب السعادة في الآخرة , تلك الحياة التي ظهر أثرها في سلفنا
فسادوا العالم كله كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ونحن ننشدها ونبحث عن أسبابها
الآن.
إنني كنت أود لو أبني خطابي وتذكيري هذا على الآيات التي افتتح بهما
الاحتفال والإفاضة في الكلام على هذه الحياة، ولكن اقترح علي مولانا الشيخ شبلي
أمس أن أقول شيئًا في التعليم , فلم يكن لي بد من الامتثال، وإنني قد افتتحت
خطابي بقوله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه
النشور) للإشارة إلى هذه الحياة وحظنا منها الآن, تعلمون أن هذه الجملة تتلى عند
الاستيقاظ من النوم، وقد أشرت بافتتاح الخطاب بها إلى أن حظنا من هذه الحياة
الآن هو أننا أنشأنا نستيقظ من ذلك النوم الطويل - والنوم ضرب من الموت {اللَّهُ
يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (الزمر: ٤٢) - فلست
أعني بهذا أننا عدنا أمة حية كما كنا، والله تعالى يحمد على كل حال.
موت الأمم يشبه النوم، وحياتها تشبه اليقظة، ولا أقول: إن أمتنا قد
استيقظت كلها من ذلك النوم الطويل، والسبات المستغرق، الذي مرت عليها
القرون وهي فيه لا تشعر بما تعمله الأمم الحية المستيقظة من حولها، ولا بما فعلته
حوادث الأيام في جسمها، وإنما استيقظ الآن بشدة قوارع تلك الحوادث طائفة من
أفرادها، وهم دعاة الإصلاح الذين ارتفع صوتهم في بلادها.
أيها الإخوة الكرام:
إننا مرضى ودواؤنا في الكتاب الذي أنزله الله إلينا، قال الله عز وجل:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء: ٨٢) وكيف
يرجى الشفاء لمن جهل الدواء، وإنما يعرف هذا الدواء بمعرفة اللغة العربية، ثم
بتلاوته وتدبره بقصد الاستشفاء والاهتداء به، فإذا كان بين مسلمي العرب وبينه
حجاب وهو ترك التدبر بهذا القصد، فإن بين مسلمي العجم وبينه حجابين وهما:
جهل لغته، وعدم تدبره، وأن إزالة كل من الحجابين، من أسهل الأعمال على
الفريقين، وقد جربنا تذكير عوام العرب بمواعظ القرآن فنفعت الذكرى، وكذلك
تنفع غيرهم إذا رفع الحجاب، وتوفرت الأسباب، وأتيت البيوت من الأبواب،
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} (الذاريات: ٥٥) {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ
الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} (الأعلى: ٩-١٠) .
إنني أعتقد أيها الإخوة - بالدليل - أن تعلم اللغة العربية فرض على
جميع المسلمين، فإن ما فرضه الله تعالى عليهم من تدبره والتذكر والاعتبار به
، والاهتداء بهديه، كل ذلك يتوقف على معرفة لغته، وقد روي هذا القول عن بعض
علماء السلف ومنهم الشافعي، وهو ما جرى عليه العمل في الصدر الأول وهو
أبلغ من القول، ولولا هذا الاعتقاد لما انتشرت اللغة العربية بانتشار الإسلام في الشام
والعراق وفارس من بلاد المشرق، ومصر وأفريقية الشمالية كلها والأندلس من جهة
المغرب، وهي البلاد التي فتحها الصحابة والتابعون رضي الله عنهم، ثم امتدت
إلى غيرها من بلاد الإسلام كهذه البلاد وغيرها من قبل أن تنشأ المدارس لها، ولولا
فتنة العصبية الجنسية التي أثارها بعض زنادقة العجم في الإسلام لأجل هدمه
وإزالة سلطته لكانت الأمة الإسلامية كلها اليوم تنطق بلسان واحد، وتُدعى إلى
فلاحها فتستجيب بلسان واحد.
من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب تدبر القرآن والاهتداء به قوله تعالى:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: ٨٢) , وقوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا * إِنَّ الَّذِينَ
ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *} (محمد: ٢٤-٢٦) {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ
يَعْرِفُوا رَسُوَلَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (المؤمنون: ٦٨-٦٩) وقوله تعالى: {وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر: ١٧) أي: سهلناه لأجل أن يتذكر
ويتعظ به من يتذكر فهل من متذكر؟ وهواستفهام بمعنى الأمر , وقوله تعالى:
{ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (البقرة: ٢) وقوله: {هَذَا بَصَائِرُ مِن
رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: ٢٠٣) , وقوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ
أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} (الأنعام: ٧٠) وقوله: {فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: ١٧-١٨) , ومنها الآيات التي تبين تأثيره في قلوب المؤمنين , وقد
ذكرنا منها قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} (الزمر: ٢٣) الآية وقوله عز وجل: {لَوْ أَنزَلْنَا
هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً} (الحشر: ٢١) الآية , ومنها الآيات الكثيرة الهادية إلى كونه تعالى أنزله ليعقلوه وجعله تبيانًا لكل شيء , وكل ذلك لا يكون إلا بفهم اللغة العربية فهمًا صحيحًا , يؤثر في النفس , وهذه الضروب من هداية القرآن لا تقتبس إلا منه , وليست من المسائل الاجتهادية التي تُنال بالتقليد.
وخلاصة القول: أننا لا شفاء لنا ولا حياة إلا بكتاب ربنا، وأن الاهتداء به لا
يكون إلا بإحياء لغته، فإن الترجمة ليست من كلام الله المنزل وليس لها تأثيره في
النفوس، وإحياء اللغة وسهولة تعلمها إنما يكون بما أشرنا إليه من إصلاح التعليم،
فعليكم أن تساعدوا الذين يتصدون للإصلاح كهذه الندوة المباركة , وقد ضاق الوقت
عن بيان إصلاح تدريس سائر العلوم الإسلامية , ثم بيان ما نحتاج إليه من العلوم
الدنيوية، وحان موعد حل الجلسة، وقد بينا كل ذلك في الفصل الملحق بنظام
مدرسة دار الدعوة والإرشاد، فليراجعه من أراد، وإنني أختم الجلسة الآن.