للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(مسلمو الصين)
يظهر أن الحياة المِلِّيَّة قد تمشت في أعضاء جماعة مسلمي الصين، فقد نشرنا
في الجزء السابع طائفة من عوائدهم الدينية وحالتهم الاقتصادية.
ومما يدلك على هذه الحياة اللائحة التي قدموها للحكومة الجديدة، وقد عربناها
عن جريدة (وقت) التترية، المعروفة لقراء المنار بعد أن عربتها بعض الجرائد
تعريبًا جاء فيه سقط بعض الكَلِم , وتحريف في البعض الآخر، وهذه هي اللائحة
تحت العنوان الآتى:
(مطالب مسلمي الصين)
مسلمو كاشغر يطلبون من حكومة بكين الجديدة ما يأتي:
١- إطلاق الحرية الدينية التامة , وأن تكون شئون المسلمين الدينية في يد
رؤسائهم الدينيين.
٢- أن يكون للمسلمين في العاصمة رئيس ديني باسم (شيخ الإسلام) وأن
يكون لديه محكمة شرعية , ووكيل درس (ناظر المدارس) وأمين فتوى وإدارة
أوقاف، وأن يكون الموظفون الشرعيون من مثل القاضي والمفتي والإمام تحت
إدارة شيخ الإسلام , وفي يده وحده نصبهم وعزلهم. وشيخ الإسلام نفسه ينتخبه
المسلمون. وأن ينصب في مراكز الولايات التي يسكن فيها المسلمون حاكم شرعي
ينفذ أحكام الشريعة الإسلامية.
٣- الموظفون الدينيون للمسلمين لا يكلفون بالخدمة العسكرية , وكذلك الطلبة
المقيدة أسماؤهم في المدارس الدينية.
٤- المسلمون يكونون أحرارًا في بناء المساجد والمدارس والزوايا , وغيرها
من الأماكن الدينية في أيِّ مكان شاءوا.
٥- وكذلك يكونون أحرارًا في الإعانات للمساجد والمدارس والمكاتب ,
وغيرها من طُرُقِ الخير الدينية والمِلِّيَّة.
٦- أن لا تتداخل الحكومة مطلقًا في إدارة أوقاف المسلمين , وأن لا تأخذَ شيئًا
من الضريبة على أملاك الوقف (كما لا تأخذ من أوقاف الصينيين) وإدارة
الأوقاف في بكين تراعي في تنفيذها شروط الواقفين وفقًا لأحكام الشريعة.
٧- أن تكون مساعدة الحكومة لرجال الدين بالمساواة. فإذا عَيَّنَتْ الحكومة
الجديدة للكهنة الصينيين مرتبًا شهريًّا تُعَيِّن مثلَه من خزينة الدولة لرؤساء الدين
المسلمين.
٨- أوامر الحكومة الجديدة في تبديل الألبسة والشكل لا تسري على المسلمين.
٩- لا يمنع المسلمين مانع من السياحة في الممالك الأجنبية. وينبغي أن تفتح
القنصليات لحكومة الصين في المدن الكبيرة على طريق الحج حتى يجد الحجاج
بذلك سهولة في سفرهم. ويجب حينئذ إبرام معاهدة مع الحكومة العثمانية؛ لتبادل
السفراء بين الحكومتين. ولتكن ورقة الجواز للسياحة في الممالك الأجنبية بلا مدة
أو لمدة سنة على الأقل (والآن تعطي لستة أشهر فقط) .
١٠- يتساوى المسلمون مع غيرهم في حقوق انتخاب الوكلاء عنهم لمجلس
النواب ولدوائر الحكومة.
١١- يكون المسلمون متمتعين بالحرية والمساواة والعدالة كغيرهم سواءً بسواء.
١٢- وكذلك يكونون أحرارًا في تأسيس المطابع وافتتاح دور الكتب ونشر
الكتب والجرائد والمجلات.
١٣- كل واحد من المسلمين يحق له أن يشغل منصبًا في دوائر الحكومة على
نسبة معرفته ومقدرته.
١٤- مساعدة الحكومة لمكاتب ومدارس المسلمين تكون على نسبة مساعدتها
لمكاتب ومدارس مِلَّة الصين.
١٥- والذين يريدون الدخول إلى مدارس الحكومة من أولاد المسلمين يقبلون
فيها، وإذا أرسلت الحكومة طلبة إلى مكاتب الحكومات الأجنبية ترسل أيضًا من
المسلمين.
١٦- حينما تؤخذ العساكر لمحافظة الوطن يكون المسلمون من الجنود على
حِدَة في الأكل والشرب والمسكن حتى يمكنهم المعيشة والعبادة على موجب الشريعة.
١٧- ويكون في أماكن العساكر مساجدُ ويعيّن فيها الأئمة، وأن لا يمنع
المسلمين مانعٌ من الرقي إلى أي رتبة من الرتب العسكرية.
١٨- في كل سنة يُعْطَى إذن للعساكر المسلمين مدة شهر رمضان مثلاً
للرجوع إلى وطنهم.
يوجد في الصين ٥٥ مليونًا من المسلمين على حساب الحكومة , وهم يعدون
أنفسهم ١٠ ملايين ينسبون إلى قبائل تركية. ومسلمو الصين وقت مراجعتهم
حكومتهم يراجعون دائمًا متّحدين وباسم جميع المسلمين في الصين. ومسلمو
التركستان الصينية منهم يريدون الاتحاد مع الدنكانيين؛ لأنهم كما قلنا يتفاهمون
بلسان الحكومة , ويوجد بينهم دور المعارف؛ لذلك هم أرفع شأنًا عند الحكومة عن
الآخرين، عَلَم (لواء) جمهورية الصين الآن ذو خمسة ألوان إشارة إلى خمسة
أجناس كبيرة وهي: من فوق إلى تحت:
١- أحمر للصين الداخلية.
٢- أسود للمنشوريين.
٣- أبيض للمسلمين.
٤- أخضر للتبت.
٥- أصفر للمغول.
الشوق للعِلم قد كثر بين مسلمي الصين في السنين الأخيرة , ولكن يعوزهم
الآن الزعماء العاملون في طريق العلم.
(أمة الجاويين) [١]
القطر الجاوي مؤلف من جزائر متعددة يحدها من الشمال بحر الصين ومن
الجنوب والغرب بحر الهند ومن الشرق المحيط الهادي.
وأكبر هذه الجزائر (بورنيو) ثم (صومطرا) ثم (جاوا) ثم (سمبيس)
وحول هذه الجزائر جزائر أخرى أصغر منها، أما جزيرة (الغنوا الجديدة) فلا
تعد منها؛ لأن سكانها من جنس غير جنس الجاويين , وإن تكن داخلةً تَحْتَ سُلْطَانِ
الهولنديين بمقدار ١٤٢ درجة طولاً.
وكل هذه الجزائر يستعمرها الهولنديون عَدَا جزء صغير منها تحت حكم
الإنكليز , وهو (رأس ملوك) وشمال (بورنيو) والذي تحت حكم البرتغال
الشرق الشمالي من جزيرة (تيمور) .
ويبلغ عدد سكان جاوا نحو ٤٠.٠٠٠.٠٠٠ وهم مختلفون في الأديان
والأكثرية داخلة في الإسلام، ومن المذاهب الشائعة هناك الوثنية والمجوسية
والمتدينون بهما لم تبلغهم الدعوة بَعْدُ.
والجاويون متأخرون في علوم الدين وعلوم الدنيا , فقراء في الصناعة
ووسائل الارتقاء. ورغبتهم بالعلم ضعيفة، وربما لا يتعلمون أكثر من القراءة
والكتابة في لغتهم، وهذا التعلم يجيئهم من طريق الهولنديين، ومما يؤسف له عدم
وجود علماء منهم , أو من الخارج يعلمونهم أمر دينهم. ولم يقم منهم لتأسيس
مدرسة إلا واحد نهض أخيرًا , وطلب من حكومة هولندة إذنًا بإنشاء مدرسة لتعليم
الأطفال فأذنت له.
ومن أدواء الجاويين عدم اتفاقهم واتحادهم على شيء، وذلك خلق انتقل إليهم
بطريق الإرث، وهو الذي كان سببًا في دخول هولندا إلى جاوا؛ لأن كل واحد من
أعيانها كان يريد أن يكون رئيسًا.
وأنا لا أريد بهذا القول أن أذم جاوا، بل أنا منها ومن أبنائها , وإنما أردت أن
أذكر الحقيقة مَهْمَا كَانت مؤلِمَةً.
ومما سُرِرْتُ له أنه يوجد من أبناء وطني في القاهرة ثلاثة شبان يتلقون العلم
الشريف في مدرسة دار الدعوة والإرشاد وهم - ولله الحمد - على جانب من النباهة
والاجتهاد , ورجاؤنا أن يكونوا في الغد - بعناية الله ونظر الأستاذ السيد رشيد رضا
ناظر المدرسة - يدًا عاملة على تنوير وطنهم بنور العلم وإنقاذه من الضلال.
وفي القاهرة غير هؤلاء ثلاثون شخصًا من أبناء جاوا يتلقون العلم بالأزهر
الشريف ومعلوم أن المسيحيين قد تمكنوا تمكُّنًا شديدًا من نشر دينهم في بلادنا حتى
إنهم افتتحوا في كل مدينة , وفي كل قرية مدرسةً لنشر الدين، ويُخْشَى مع كثرة
استعدادهم وعدم وجود عالم أو مرشد من المسلمين أن يرتدَّ الناس عن دينهم والعياذ
بالله، ودعاة المسيحية هناك يتبعون المسلم حيث وجد , فيجلسون إلى جانبه في
القهوة , ويناقشونه في مسائل الدين التي يجهلها بالطبع , ولا يجد جوابًا عليها لجهله
وينتهي الأمر بإخراجه من دينه. وهناك خطر آخر وهو أن فقدان التعليم الديني
الإسلامي في بلادنا يجعل الشبان الذين يذهبون للتعليم في أوربة جاهلين أمور دينهم
فيعودون وقد دخلوا بالبروتستانتية، أو اعتنقوا الكاثوليكية.
والألمان المتخرجون في مدرسة المبشرين البروتستان في مدينة (برمن)
الشهيرة يأتون إلى بلادنا , وينفقون النفقات الطائلة في كل سنة؛ ليجرّوا المسلمين
إلى مذهبهم، والإسلام لا يكسب أحدًا من المجوسيين أو الوثنيين؛ لأن هؤلاء
يتنصرون بعناية الدعاة للنصرانية , ولا يسلمون لفقد الدعاة للإسلام.
وأنا أختم كلامي ضارعًا إلى الله أن ينبه المسلمين إلى تعضيد دعاتهم؛ لينقذوا
أبناء دينهم , خصوصًا في جاوا من هذه الحالة التي لا تسر المسلم، ولكل عامل
على ذلك أجر وثواب من الله سبحانه وتعالى.
... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله بن عبد الواحد
... ... ... ... ... ... طالب برواق الجاويين بالأزهر الشريف