للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: المسيو شاتليه


الغارة على العالم الإسلامي [*]
(١٠)

التنظيم المادي لإرساليات التبشير
استمرت مجلة العالم الإسلامي الفرنسية في تلخيص تقرير جمعية التبشير
الكنيسية فأشارت إلى ما جاء فيه بخصوص أعمال مبشري هذه الجمعية في أفريقيا
الشرقية، وقد كان الدكتور (كريف) أول من دخل هذه الديار وذلك أنه طرد من
بلاد الحبشة سنة ١٨٤٤ فهبط إلى (منبسه) ثم تبعه مبشرون آخرون أخذوا
يطوفون عرض البلاد فاتسعت أعمالهم على الشواطئ منذ سنة ١٨٧٤ وكانوا
يؤسسون قرى يقطنها الأرقاء المعتوقون وشملت أعمالهم التبشيرية أفريقيا الألمانية
وبلاد (أوغندا) ثم أسسوا بعد ذلك إرساليتي تبشير: واحدة على مقربة من جبال
(كليما جارو) وأخرى في سفح جبل (كانيا) ويبلغ عدد معاهدهم التبشيرية في
أفريقيا الشرقية الإنكليزية فقط ٢٢ معهدًا ولهم ٢١ معهدًا علميًّا يتعلم بين جدرانها
١٠٧٢ تلميذًا وتبلغ الإيرادات التي يتناولونها من المبشرين ٧٠ ألف فرنك،
والمبشرون القاطنون في (منبسه) وفي (مزبزيمة) يجدون أنفسهم في بلاد
إسلامية محضة، كما أن المسلمين مسيطرون على كل ولاية (السيدية) وتوجد
في الجهة الشمالية من هذه البلاد إرسالية تبشير في (جيلوري) التابعة لبلدة
(مالندة) واقعة على مقربة من معهد عربي إسلامي قديم العهد، ويرى مبشرو
هذه الجهات أن الإسلام ينتشر في الداخل بين صفوف القبائل الوثنية المدمنة شرب
الخمر، وأخذ يتطرق إلى الوثنيين المنتمين إلى قبائل (وادا بيدة (رغمًا عما
تمتاز به هذه القبائل من كثرة السحرة والدجالين بينها ويوجد كثير من وثني
(واديفو) ينقادون للإسلام بسهولة، ولتجار الساحل المسلمين قرى بنوا فيها
مساجد حتى في جوف بلاد (كباره) الواقعة في سفح جبل (كانيا) على مقربة من
المبشرين، وقد أصبحت الحال موجبة للروية والتفكير لدرجة أن السير (بارسي
جيروار) حاكم أفريقيا الشرقية الإنكليزية صرح في المؤتمر الذي أقامه
المبشرون على ظهر الباخرة (غالف) في البحر الأحمر بأنه يجب على
الحكومة وعلى المبشرين أن يشتركوا في العمل ضد الإسلام!
وقد جاء في تقرير جمعية التبشير أن المسلمين ليسوا إلا قسمًا من أهالي هذه
المقاطعة إلا أنهم يؤلفون العنصر التجاري العامل الذي يتنقل من جهة إلى أخرى،
ولذلك فإن المبشرين يوجهون مجهوداتهم لتأليف كتب بالرطانة الساحلية، وينشرون
مجلة شهرية يبلغ عدد قرائها ٢٠٠ شخصًا فضلاً عن الكتب الدينية التبشيرية التي
نشرت بهذه الرطانة.
ويعلق مبشرو هذه الجمعية أهمية على انتشار الإسلام في أفريقيا الشرقية
الألمانية، وقد قالت المبشرة المس (فورسيت) : إنها كانت تجد مساجد صغيرة
حيثما مرت، وفي بعض الأوقات كانت ترى هذه المساجد بشكل أكواخ صغيرة إلا أن
هذه الأكواخ بمثابة مراكز للتبشير الإسلامي، وأشار أحد المبشرين إلى المجهودات
التي يبذلها المبشرون لإيقاف انتشار الإسلام، وذكر آخر أن اثنين وثنيين متنصرين
اعتنقا الإسلام، ويرى المبشرون أن الخصم الوحيد لهم في هذه الجهات هو المسلم،
ويرون أن بعض المسلمين الذين وزعت عليهم كتب تبشيرية مكتوبة بالرطانة
الساحلية طفقوا يشترون التوراة والإنجيل، وقالوا: إن امرأة مسلمة في منبسة عني
المبشرون بمعالجتها فاعتنقت النصرانية.
ويرجع عهد دخول المبشرين إلى مقاطعة (أوغندا) إلى سنة ١٨٧٥ عندما
صرح (متيسة) ملك هذه البلاد بارتياحه إلى اقتباس التربية الأوروبية، وما ذاع
خبر هذا التصريح الذي فاه به حتى تبرع اثنان رغبَا بإخفاء اسمهما بمبلغ ٢٥ ألف
فرنك ليتسنى لجمعية التبشير إنفاذ إرسالية إليها، وتمكنت فعلاً من بعث إرسالية
سنة ١٨٧٦ لكنها هوجمت في الطريق وفقدت بعض المبشرين ثم بقيت في (أوغندا)
وتبعتها إرسالية تبشير كاثوليكية، وقد أخذ الإرساليتان بتوسيع أعمالهما بعد موت
(متيسة) دون حصول أدنى منافسة بينهما ترجع فائدتها إلى المسلمين، إلا أن
(موانغا) الذي تقلد الملك بعد (متيسة) كان ارتياحه قليلاً لأعمال المبشرين، ولذلك
أصبح المسيحيون الوطنيون عرضة للاضطهادات الشديدة، لكن (موانغا) ما عتم
أن خلع فأصبح المسلمون أصحاب الحول والطول في البلاد وطردوا المبشرين من
كاثوليك وبروتستانت في سنة ١٨٨٨ وما مضت سنة واحدة حتى أعيد (موانغا)
إلى منصبه بفضل رعاياه المسيحيين فوافق سنة ١٨٩٠ على رفع العلم الإنكليزي
لشركة أفريقيا الشرقية البريطانية أي قبل أن تعلن الحماية الإنكليزية على بلاده
بأربع سنوات. وفي سنة ١٨٩٦ بارح (موانغا) بلاده [١] فخلفه ابنه (شوا) الذي
تعمد وسمي (داود) رغمًا عن ثورة قامت بها الجيوش السودانية، ومن ذلك الحين
توطدت أحوال مقاطعة (أوغندا) السياسية ويوجد عدا الأهالي المسلمين في هذه
المقاطعة كثير من التجار الهنود والعرب والسوريين الذين يؤلفون كمية وافرة من
المسلمين، ثم جاء في تقرير الجمعية أن اثنين من المسلمين اعتنقا النصرانية في
(بوغندا) بعد أن عُني المبشرون بمعالجتهما، ويشعر المبشرون بالصعوبات التي
يثيرها زعيم مسلم في (كبيرا) الواقعة شرقي أوغندا حيث الإسلام ينمو ويتقدم
سريعًا، وحاصل القول أن للمبشرين في هذه المقاطعة ١٠١٠ معاهد أو محطات
للتبشير و١٤٧ مدرسة يتعلم بين جدرانها ٤٢٤، ٤٧ تلميذًًا، ويبلغ ما يتناولونه من
الإيرادات ٥٠٠ ألف فرنك، وتقدر ميزانية مبشري هذه المقاطعة بمليون فرنك،
وهذا المبلغ الجسيم يؤيد وجود ١٠١٠ معاهد، وقد كان للمنافسة التي حصلت ضد
المبشرين الكاثوليك شأن كبير في توسيع نطاق التبشير أكبر من فكرة مناوأة الإسلام
ومناضلته، وعلى كل فسيرى الإسلام نفسه أمام قوة التربية والحضارة الإنكليزية
التي يقوم بها المبشرون الإنجيليون.
وجاء بعد ذلك في التقرير ذكر إرساليات التبشير في مصر والسودان، التي
يرجع عهد تأسيسها إلى سنة ١٨١٥ عقيب حروب نابليون حيث هبطت إرسالية
التبشير جزيرة مالطة وأخذ نطاقها يمتد وينتشر حتى بلغ مصر والحبشة واليونان
وبلاد الدولة العثمانية وفلسطين، ومن شأن هذه الإرساليات إرجاع كنائس الشرق
سيرتها الأولى وتنصير المسلمين، لكن مع كل ما بذله المبشرون من الغيرة في هذه
البلاد لم تكلل أعمالهم بالنجاح حتى إنهم أقفلوا مدرسة التبشير في القاهرة في سنة
١٨٦٢ بعد أن تخرج فيها بعض المبشرين ثم تأسست إرسالية تبشيرية في مصر
ستة معاهد للتبشير فيها كثير من النساء المبشرات لها مدرسة تبشيرية ومدرسة
داخلية ومدرستان للبنات في القاهرة ومدرسة عالية في حلوان، ولهذه الجمعية مكتبة
عامة في القاهرة، ويقوم مبشروها بنشر مجلة الشرق والغرب، وتبلغ ميزانيتهم في
القطر المصري ١٦٠ ألف فرنك، أما الإيرادات التي يتلقا المبشرون من الوطنيين
فلا تكاد تبلغ ٤٥٠ فرنكًا، وهذه الجمعية لا ترى إرساليتها التبشيرية في مصر أهم
ما لديها كما يتضح من تقريرها السنوي. وقد كانت سنة ١٩١٠ مهددة بصعوبات
وعقبات، إذ حملت الصحف الإسلامية في هذه السنة حملة شعواء على المبشرين
عمومًا، وقد كانت الصحف الوطنية خصوصًا تمتاز بما كانت تصب عليهم من
كلمات السب والشتم.
وكان الشيخ (سكندا؟ ؟) وامرأته عُرضة للاضطهادات الأليمة، وهذه
المعاملة لم تمنع بائعة كتب مسلمة متنصرة أن تقوم بواجباتها بمزيد الغيرة والنشاط
والأعمال الطبية مستمرة النمو إلا أنها لا تأتي بفائدة من الوجهة الدينية؛ لأنه لا يكاد
الطبيب يظهر بمظهر المبشر حتى تحيط به الاعتراضات كما كان شأن الدكتور
(هربور) التابع لإرسالية تبشير النيل، وقد قام إمام جامع (حامول) حيث كانت
إقامة الدكتور ستة أشهر فحث الأهالي على عدم حضور مذاكرة هذا الدكتور الذي
استطاع مع ذلك إبراز بعض مناظر بالفانوس السحري في قرية (سترى) وأسس فيها
مدرسة صغيرة لتعليم التوراة، وللجمعية أيضًا مدرسة في منوف وأخرى
في شبرا زنج بقرب منوف بين سكان كلهم مسلمون.
وقد أصدرت الجمعية بعض أموال لإقامة ذكرى (غردون) عقب موته في
الخرطوم، وهذه الأموال مكنت الجمعية بعد فشل الخليفة من تأسيس إرساليات
تبشير في أم درمان والخرطوم وأتبره ومليك وفي أواسط السودان مع مدارس
بنات، ولها أيضًا ثلاث مدارس للبنات في السودان الشمالية، وأحوال مدرسة أتبرة
سائرة من حسن إلى أحسن؛ لأنه أصبح في استطاعة المبشرين في (أتبره) أن
يطلبوا من التلاميذ الصغار المسلمين أن يصلوا معهم صلاة الصبح! وهم يطلبون
أيضًا مثل هذا الطلب من المرضى المسلمين في مستشفى أم درمان! واختتمت
الجمعية نبذة تقريرها عن هذه الجهة قائلة أنه على أثر موت (ليوبولد الثاني) ملك
بلجيكا أرسلت الحكومة ٥٠ جندي مسلم إلى مقاطعة (اللادو) فانتشر هؤلاء الجنود
في البلاد وأخذوا يفتحون المدارس الإسلامية وسط القبائل الوثنية.
وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير عديدة في فلسطين أخذت تنتشر في هذه البلاد
منذ ١٨٥١، وتفضل الجمعية إرسال مبشرات غير متزوجات؛ لأن لهن تأثيرًا
على النساء المسلمات! ولها مدرسة ومعهد للتبشير في بغداد والموصل.
ويرجع عهد التبشير في بلاد فارس إلى سنة ١٨١١ وسنة ١٨٣٤ حيث ابتدأ
المبشرون الأمريكيون بالتبشير بين النسطوريين ثم بين المسلمين. وقد اتضح
للمبشر (بروس) سنة ١٨٦٩ أن المسلمين في أصفهان يميلون إلى المجادلات
الدينية فجاء إلى (جولفة) ومكث فيها حيث فتح مدارس. ثم شدت أزره جمعية
التبشير الكنيسية الإنكليزية، واتسع بذلك نطاق التبشير إذا أسست مدارس
ومستشفيات منها مستشفى للبنات. وفتحت مدرسة داخلية للبنات في أصفهان. وقد
قالت الجمعية: إن الثورة الفارسية مهدت السبل للحصول على حرية الأديان إلا أن
نفوذ العلماء لم يزل ثابتًا والفوضى منتشرة في عرض البلاد حيث يدأب الأشرار
والسلابون في قطع طرق المواصلات.
أوسعت جمعية التبشير الكنيسية مكانًا من تقريرها لمقدمة صغيرة استهان بها
أقوالها عن البلاد الإسلامية، وذكرت فيها مزايا الدين الإسلامي من حيث الاعتقاد
بوحدانية الله. ثم بحثت في هذه الوحدانية فقالت: إنها تحتك من بعض الأوجه
بمذهب اللا أدرية! ومن وجه آخر بمذهب وحدة الوجود القائل: أن الله والكون
واحد! وتقرب أيضًا من مذهب تعدد الآلهة والشرك! حتى إن لهذه العقيدة صلة
بالمذهب الحيوي القائل بوجود روح في نفس الحيوان ووجود عامل حي في النبات
والجماد وأن هذا هو علة الأعمال الحيوية ولا تأثير للقوى الكيماوية أو المادية
وتقول أيضًا: إنه يجب أن ينكر على الإسلام سماحه لكل مسلم أن يعمل ما شاء؛
لأنه سيكون في آخر الأمر مظهرًا للرحمة الإلهية! وقالت: إن في الإسلام عيبًا
فاحشًا وهو حطه من شأن المرأة ودعَّمت ما عَزَته إلى الإسلام بذكر نبذة جاء فيها
أن امرأتين فارسيتين سمتا ابنتيهما الأولى (غير مطلوبة) والثانية (كفا بنات) ثم
انتقلت الجمعية في مقدمتها إلى التساؤل عما إذا كان في الإمكان حمل المسلمين على
الدخول في حظيرة المسيح! وافتتحت بابًا خاصًا أتت فيه على صفوف المجاملة
التي تظهرها الحكومة الإنكليزية نحو المسلمين، وهي لا تنكر أن موقف الحكومة
الإنكليزية دقيق نظرًا لكثرة المسلمين الموجودين تحت سيطرتها إلا أنها تنكر على
بريطانية إهمالها مجهودات المبشرين في القطر المصري والسودان ونيجيريا
وجعلها يوم الجمعة في دوائر الحكومة المصرية يوم عطلة حتى إن ذهاب الأقباط
المستخدمين في الحكومة في الأرياف للكنيسة يوم الأحد منوط بإرادة رؤسائهم
المسلمين.
ثم انتقلت الجمعية في تقريرها إلى ذكر أعمالها في الأقطار الهندية، وقد
اتضح أنها ليست منتشرة في عرض هذه البلاد وطولها كما يجب رغمًا من أن فيها
ألفي محطة تبشيرية ولها كذلك ألف مدرسة يدرس بين جدرانها خمسة وستون ألف
تلميذ. وتبلغ ميزانيتها في هذه البلاد ٤ ملايين من الفرنكات منها ٥٠٠ ألف فرنك
تأخذها من الإيرادات المحلية. وقالت: إن أعمالها وأغراضها تختلف في هذه البلاد
بحسب الأقاليم ولها إرساليات عديدة في مقاطعة البنغال وأشغال مبشريها ليست
مقتصرة على البشير بين المسلمين، وقد يتفق حدوث مشاكل بينهم وبين المسلمين
كما هو الأمر في (بيحار) حيث قام مشايخ القرى واعترضوا على المبشرين لكن
هذه الأعمال لم تحل دون انتشار التوراة باللغة الأوردية، ولها أيضًا معاهد
وإرساليات تبشيرية في ولايتي (أوده) و (أكره) . وتقول: إن أول نائب قام
بأعباء التبشير في هذه الأرجاء هو رجل هندي الأصل منتصر اسمه عبد المسيح ثم
انكفأ بعد ذلك مبشروها على هذه المقاطعة. ولها معاهد ومدارس في (أكره)
و (الله آباد) ويدرس في مدارسها كثير من المسلمين. ويتفق تنصير بعض أفرادهم
من وقت إلى آخر. إلا أنها رغمًا من فتحها بعض مدارس بطلب من
المسلمين ومساعدتهم فإن (إريا سماج) توفق إلى إقفال عشر مدارس كانت
فتحتها في (أزمغار) لكن هذا الأمر لم يكن ليثبط همم المبشرين بل هم دائبون
على أعمالهم التبشيرية التي تأتي من وقت إلى آخر ببعض الفوائد واضعين نُصب
أعينهم نشر تعاليمهم وأفكارهم وجُلّ ما يطلبونه مباشرة من الوطنيين أن يدققوا
النظر في الدين المسيحي وتعاليمه. وهم ينشرون تعاليمهم التبشيرية بتلاوة التوراة
في القرى وإلقاء المذكرات في المدن وينشرون المطبوعات. حتى إن أهم
الأشخاص في الكلية الإسلامية في (أكره) يطالعون التوراة المكتوبة بالعربي.
وقد توفقت اللجنة التبشيرية الكنيسية إلى نشر بعض مؤلفات باللغة الأوردية
وبحث طويل باسم (الهند والإسلام) . وللجمعية إرساليات تبشير في (جابالبابر)
تهتم بالأمور الإسلامية ولها مدرسة عالية يتردد إليها المسلمون وإرسالياتها
التبشيرية منتشرة في كل مدن (بنجاب) وتبلغ ميزانيتها في هذه الولاية ٧٥٠
ألف فرنك يضاف إليها ٥٠ ألف فرنك إيرادات مدارسها وحركة أعمالها التبشيرية
في هذه البلاد أحسن منها في غيرها نظرًا لما تلقاه من المساعدة والمجاملة من
المستر (لورنس) أو السير (منفوماري) أو الكولونل (مرتين) . عندما تقلدوا
زمام الأمور في هذه الولاية.
وقد اتسع نطاق التبشير من حيث التدريس والتطبيب ونشر المطبوعات
والمدارس الصناعية وترجمة الكتب التبشيرية إلى اللغة الأوردية والسندية. وقالت:
إن أسقف (لاهور) عيّن المحترم إحسان الله أرشمندريتا على دلهي. ولمدرسة
(لاهور) التبشيرية قسم صناعي. ويدير أعمال مدرسة (بها وابور) الواقعة في
أحد أقاليم بنجاب الإسلامية المحضة مدير وطني. وليست أعمال التبشير في
(كشمير) بماشية كما يرام، لأن المسلم الذي يتنصر يقع في حيص بيص ويصبح
عُرضة للمتابعة والامتهان، وقد اضطر المبشرون إلى إقفال مدرستهم التبشيرية في
(بلوجستان) وتقول الجمعية في آخر تقريرها: إن الإسلام يقاوم الأعمال التي
توجه ضده من حيث إنه عقيدة ودين أما من جهة حركة الحضارة والمدنية فلا شك
أن أعمال مبشري جمعية التبشير الكنيسية جارية على محور النشاط والتقدم.
جاء بعد ذلك ذكر الهند الغربية. فقالت الجمعية: إن هذه البلاد من الأقاليم
التي اتسع فيها الاهتمام بالتبشير بين المسلمين إذ يلقي مبشروها محاضرات باللغة
الإنكليزية على المسلمين الذين اقتبسوا العلوم الأوروبية ويحتدم بخلالها الجدال على
الأمور الدينية. كما أن المتنصر المولوي أحمد مسيح يلقي محاضرات تبشيرية في
(بومباي) . وتتبادل المناقشات الدينية في (أورنغباد) باللغة الهندية. ويقوم
بعض المبشرين بالتبشير في المحطات مثل محطة (منمد) وهي نقطة مهمة تلتقي
فيها قطارات عديدة وتظهر الجمعية ارتياحها إلى علاقة المسلمين بالمبشرين في هذه
المقاطعة وإلى رواج مطبوعاتها التبشيرية. وللجمعية أيضًا معاهد تبشيرية في الهند
المتوسطة مثل مدينتي مدراس وحيدر آباد اختصت بالشئون الإسلامية ليس إلا.
وقد بدأت الجمعية بإرسال مبشريها منذ سنة ١٨١٧ إلى جزيرة (سيلان)
التي اتسعت أعمالهم فيها ولهم أكثر من ٢٠٠ معهد و٣٢٦ مدرسة يدرس فيها ٢٣
ألف تلميذ وجلّ ما يصبو إليه المبشرون هو التحكك بالمسلمين خصوصًا القاطنين
منهم في مقاطعة (كندي) وما جاورها لأن هؤلاء الأهالي يتظاهرون بالعداء
للمبشرين ولا يدَعون أولادهم يذهبون إلا إلى المدارس الخاصة التي أسسوها
لأنفسهم.
ولم تذكر الجمعية شيئًاَ عن المسلمين في الصين إلا أن مبشريها بلا شك
يعلقون على المسألة الإسلامية أهمية كما يتضح من مؤلف القسيس (مارشال
برومهال) بخصوص الإسلام في الصين ولهذه الجمعية في بلاد الصين ٣٠٠
مدرسة وتبلغ ميزانية مبشريها ٠٠٠. ٣٠٠. ١ فرنك.
أما جمعية تبشير التوراة الطبية فتختص بالتبشير بين النساء المسلمات والهنديات
ويقوم مبشروها ومبشراتها بأكثر من ٦٠٠٠ زيارة في البيوت وتعني بتعليم ٦٠٠٠
شخص وتعالج ٣٢ ألف امرأة، وحسب هذه الجمعية أن تظهر احتياجها لتمطر
عليها النقود من كل حدب.
انتقلت بعد ذلك المجلة إلى الخوض في إرساليات التبشير الأمريكية فاستهلت
البحث بالجمعية التبشيرية الأمريكية التي يرجع عهدها إلى سنة ١٨١٠، وقد
اتسعت أعمال هذه الجمعية اتساعًا هائلاً حتى أنه بلغ عدد اللجان التي شكلتها من
الوطنيين في مناطق التبشير ٥٦٨ اشترك فيها ٧٣ ألف وطني يدفعون إلى هذه
الجمعية مبلغ ٠٠٠. ٦٠٠. ١ فرنك للقيام بنفقات الكنائس والمعاهد وتربية
أولادهم. ويبلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون في مدارسها ٧٠ ألف تلميذ. كما أن
لديها كثيرًا من النساء المبشرات يزداد عددهن من يوم إلى آخر. ومن جملة المبادئ
والأصول التي يروجها مبشرو هذه الجمعية أنهم عندما يهبطون إحدى المدن لأجل
التبشير يتركون الحرية التامة للذين يدخلون في مذهبهم في تأسيس وتشكيل كنائس
خاصة يدير الوطنيون أعمالها حتى يتسنى للوطنيين الاستقلال في أعمالهم إذا اتفق
أن المبشرين طردوا من البلاد. وازداد عدد المدارس العالية والابتدائية في بلاد
الدولة العثمانية والهند. ويهتم ذوو الشأن في هذه الجمعية بإيجاد مبلغ مليوني دولار
يرصد ربعها لسد نفقات مدارس التعليم ومدارس التبشير وتهتم هذه الجمعية في أمر
التبشير في البلاد العثمانية خصوصًا سوريا وفلسطين؛ لأنها لا تغرب ترك البلاد
التي كانت مهبطًا للتوراة تحت سيطرة الإسلام [٢] . الكنائس الشرقية الخاملة فيها في
هذه البلاد أربعة فروع (الأول) في البلاد الأوروبية العثمانية ومركزه (سافوكو)
في بلغاريا والثاني في آسيا الصغرى ومركزه الآستانة، والثالث في سوريا وله
مركزان في (مرعش) و (عينتاب) وفي الكردستان ومركزه (خربوط) وجل ما
يتوخاه مبشرو هذه الجمعية استمالة الكنائس الشرقية وتنصير المسلمين بالتدريج
وبالوسائط الفكرية والتعليمية؛ لأنهم يعلمون يقينًا أنه يتعذر تنصيرهم مباشرة.
أشارت هذه المجلة إلى التعضيد الذي يلاقيه المبشرون الأمريكيون من موثري
أمتهم ومتمولي بلادهم الذين يمدونهم بالأموال الطائلة. ثم أتت على ذكر حادثة
حصلت إبان انعقاد المؤتمر التبشيري المختلط في روشتر إذ انبرى المستر ألفريد
ميرلنغ الصيرفي والمثري الشهير في نيويورك وتقدم إلى الحاضرين قائلاً: (إن
لدي أمرًا أريد أن أبسطه لديكم وهو أننا أصدقاء قديمون قد اجتمعنا هنا ورأينا أننا
كنا في ضلالة لأن السعي الوحيد وراء اقتناء الأصفر الرنان لا يأتي بفائدة أدبية،
ولذلك يجب أن نعمل مجهوداتنا للتأثير على رجال الكنيسة وعلى الأغنياء الذين
يتمتع كل منهم بشيء من ثروة البلاد التي تربو على ١٠٧ مليارات
من الريالات ليستعملوا ثروتهم لأغراض سامية نبيلة؛ لأن العالم كله في حاجة
شديدة ليسوع المسيح؛ ولذا فإننا نقول للقائمين بأعمال جمعيات التبشير: سندرّ
عليكم أموالنا بمزيد الدقة، فهل لكم أن تنضموا إلينا وأنتم في شرخ الشباب؟
ضحوا حياتكم نظير ما نبذله لكم من الأموال؛ لأننا نحن الآن في سن الشيخوخة
وأصبحت أيامنا معدودة. هل لكم أن توقفوا حياتكم على خدمة يسوع المسيح؟ نحن
نريد جمعية تبشيرية لا يفصلها عن أعمالها غير الموت فلنبرم إذًا هذا العقد
بيننا) .
ثم اجتمع متمولو أمريكا وأغنياؤها لأول مرة سنة ١٩٠٦ بدعوة من أحد
أغنياء التجار في واشنطون وهو الذي انبهر بما قام به شبان التبشير في مؤتمرهم
في ناشفيل سنة ١٩٠٦ فقرر هؤلاء المثرون تأليف لجنة منهم للتداول مع رساء كل
إرساليات التبشير الأمريكية في الأمور الآتية:
(١) بذل المجهودات لأجل تربية المبشرين العلمانيين.
(٢) لتداول وإعمال الفكرة لرسم خطة تنصير العالم قاطبة في مدة ٢٥
سنة.
(٣) تشكيل لجنة هامة مؤلفة من ٦٠ عضوًا أو أكثر بأقرب ما يمكن لكي
تتعهد بزيارة مراكز إرساليات التبشير وتعمل التقارير عنها.
وقد كان من نتيجة هذا الاجتماع الذي أقامه المتمولون الأمريكيون رواج فكرة
التبشير وتأسيس لجان لهذا الغرض في كل أرجاء الولايات المتحدة، وصار يرجع
أمرها إلى لجنة مركزية مؤلفة من مئة شخص منتشرين في الولايات المتحدة وبلاد
(كندا) ثم أقيمت اجتماعات صغيرة في مئة وإحدى مدينة من أمهات مدن الولايات
المتحدة وكندا، عقد على أثرها مؤتمر تبشيري وطني في (كندا) ومؤتمر ثانٍ في
(شيكاغو) .
وهذه المجتمعات والمؤتمرات تقام في أفخم الفنادق فتعمل لها الولائم أثناء
انعقادها، ويحضرها جماعة من المثرين الأمريكيين ويستعين كبار المبشرين بتلاوة
الإحصائيات والتقديرات المالية ليتسنى لهم استمالة الأغنياء واستنداء أكفهم , ومن
ذلك أن رئيس الحركة التبشيرية العلمانية تلا الإحصاء الآتي فقال: (لو فرضنا أن
١٠ ملايين من المسيحيين تعهد كل واحد منهم أن يدفع عشرة ريالات في السنة في
سبيل التبشير، وتعهد مليون من الأغنياء بأن يدفع كل واحد منهم ٢٠٠ ريال في
السنة لهذا الغرض لكانت هذه المبالغ تسد نفقات كل جمعيات إرساليات التبشير , ثم
لو رأى البروتستانت الأمريكيون أن من الواجب عليهم أن ينصروا مئة مليون من
غير المسيحيين لاحتاجوا إلى ٤٠٠٠ مبشر و ٠٠٠٠.٢ شخص من الوطنيين
لمساعدتهم هذا إذا فرضنا أن كل ٢٥ ألف من غير المسيحيين يفتقرون إلى مبشر
أمريكي واحد وخمسة من الوطنيين لمساعدته. وكل ما يتطلبه هؤلاء المبشرون من
النفقات يقدر بأربعة وعشرين مليون ريال، ويمكن الحصول على هذا المبلغ إذا
اكتتب كل شخص من التابعين للكنيسة بمبلغ سنوي لا يتجاوز عشرين ريالاً) .
وقد اعترض أحد المبشرين الألمانيين على الوسائل التي يستعين بها
المبشرون الأمريكيون فلم يحفلوا باعتراضه بل أيدوا أعمالهم وبرهنوا على أن هذه
الوسائل عززت إيراداتهم التي زادت سنة ١٩٠٩ ما يقرب على ثلاثة ملايين ريال.
وقد حذت إرساليات التبشير النسائية حذوهم وطافت البلاد تستدرّ الأموال، وأقامت
الاحتفالات الشائقة، وتتوخى هذه الإرساليات النسائية تحسين أحوال المرأة الشرقية!
والتحبب إليها. وقد كان من نتيجة الأعمال التي قامت بها أن إيرادات هذه
الجمعيات زادت مبلغ مليون ريال أمريكي.
وقد أقام المبشرون الأمريكيون معرضًا عامًّا لإرساليات التبشير في
(بوسطون) في إباحة الماكنات الواسعة افتتحه المستر (تفت) رئيس
الجمهورية في شهر إبريل من سنة ١٩١١ واشترك في ترتيبب هذا المعرض
٤٠٠ رئيس من رؤساء إرساليات التبشير المنتشرة وصور متحركة تمثل أعمال
المبشرين. وحاصل القول أنهم جمعوا في المعرض ملاهي عديدة وجعلوا أجرة
الدخول نصف ريال أمريكي وأخذت بلدان أخرى أيضًا تعد المعدات لفتح معارض
تبشيرية.
ثم جاء بعد ذلك ذكر إرساليات التبشير الألمانية التي امتازت فيها جمعية
إرساليات التبشير الشرقية الألمانية. وقد كانت هذه الجمعية التبشيرية جمعية
صغيرة متوسلة بالصلاة والدعاء لأجل تأسيس إرساليات تبشير في الشرق، وذلك
عقيب مذابح الأرمن سنة ١٨٩٥ أسسها القسيس (لبسوس) ثم دخلت هذه الجمعية
في دورها العملي إذ نشر مؤسسها منشورًا حماسيًا قال فيه:
(إن الشرق يدعو الغرب لشد أزره، فجل ما نتوخاه أن نحرر الشرق
بواسطة السيد المسيح، وتخلص الكنائس المسيحية من ظلم الإسلام ونفتح طريقًا
للسيد المسيح بإرجاع هذه الكنائس إلى سيرتها الأولى؟ هلموا إلى قلب العالم
الإسلامي لنحرز فوز الصليب على الهلال) ! وطفق بعد ذلك القسيس (لبسوس)
يطوف في بلاد الأناضول وسوريا وينشر تقاريره عن حال الأرمن، وتشكلت
لجان ألمانيا لمساعدتهم، وأسس هو بعض محطات تبشيرية، وانتهز فرصة
انتصار اليابانيين في حربهم الأخيرة، وذهب إلى روسيا لأجل تنصير الروسيين
الذين يكرعون من المياه القذرة في الكنيسة الروسية) وقد قال هذا القسيس: (إن
الاهتمام في صيانة الكنيسة الشرقية لا يكفي للنهوض بالشرق بل يجب مناضلة
ومناوأة الإسلام عدو المسيحيين الشرقيين القديم (!)
وعلى أثر ذلك تحولت جمعية إسعافات الأرمن إلى جمعية التبشير الألمانية في
سنة ١٩٠٠ وقال (لبسوس) : (إنه لا تكفي المناوأة والمناضلة بل يجب شحذ
السلاح) [٣] وقد أدرك مبشرو هذه الجمعية مغزى أقوال رئيسهم وفهموا أن مناضلة
الإسلام بصورة جدية حقيقة تفتقر إلى الوقوف عليه تمامًا، ولذلك باشروا طبع
ونشر المؤلفات المتعلقة بالإسلام وأصوله بين العالم المسيحي، ورأوا من الواجب
الاقتداء بإرساليات التبشير الأخرى وذلك بترجمة الكتب الدينية إلى اللغات الإسلامية
وتأسيس مدارس للمبشرين واتخاذ التدابير لصيانة المسلمين المتنصرين من تعدي
بني جلدتهم، وقد تمكنت هذه الجمعية من إخراج خطتها إلى حيز الفعل بفضل
القسيس (أفاتارنيان) المولوى الذي اعتنق النصرانية بعد أن قرأ الإنجيل ثم قام
بالتبشير في البلاد البلغارية وأنشأ مجلة (شاهد الحقائق) فأفعمها بالمقالات
التبشيرية ونشر مجلة أخرى سماها (كونش) أي: الشمس، ويعني بهذا الاسم أنه
يرغَب في بث الأفكار الدينية المسيحية بين المسلمين، وقد انتشرت المجلة في
البلاد العثمانية والبلغارية، وكانت تلاقي بعض الأوقات معارضات شديدة.
ومما قاله رئيس إرساليات التبشير الألمانية في تقريره عن أعمالها (أن نار
الكفاح بين الصليب والهلال لا تتأجج في البلاد النائية ولا في مستعمراتنا في آسيا
أو أفريقيا بل ستكون في المراكز التي يستمد الإسلام منها قوته وينتشر سواء كان
في أفريقيا أو آسيا، وبما أن كل الشعوب الإسلامية تولي وجوهها نحو الآستانة
عاصمة الخلافة فإن كل المجهودات التي نبذلها لا تأتي بفائدة إذا لم نتوصل إلى
قضاء لبانتنا فيها، ويجب أن يكون جُل ما تتوخاه جمعية إرساليات التبشير الألمانية
هو بذل مجهوداتها نحو هذه العاصمة وهي قلب العالم الإسلامي [٤] ) .
وقد نشرت مجلة الشرق المسيحي والتبشير الإسلامي الألمانية التي هي لسان
حال جمعية إرساليات التبشير الألمانية مقالة بخصوص تعيين الدكتور (ريتشر)
رئيسًا لهذه الجمعية ومما قالته: (أن أهمية أعمال التبشير بين المسلمين تزداد يومًا
بعد يوم وتستغرق أكثر مجهودات ووسائل المبشرين الألمانيين حتى أن الجمعية
اضطرت عقيب تأسيس المدرسة التبشيرية لدرس الإسلام وأصوله ومبادئه في
(بوتسدام) أن تترك الحرية التامة لرئيسها ريثما يتخصص للتبشير بين المسلمين) .
وقد فتحت هذه المدرسة سنة ١٩٠٩ والقصد منها تربية المبشرين وإطْلاعهم
على الأمور الإسلامية والمؤلفات الدينية؛ لأنه رغمًا من اطِّلاع المستشرقين
الألمانيين وطول باعهم في المؤلفات الإسلامية فإن التعاليم والعقائد التي تُلقى في
المساجد والمعاهد الإسلامية لم تزل خافية علينا، وقد منح الله الجمعية التبشيرية
بأستاذين علامتين اعتنقا الدين المسيحي يقومان بالتدريس في هذه المدرسة وهما
بمثابة سيل طامي صب على الدين المسيحي الحي القوتين الإسلاميتين اللتين هما
الشريعة والصوفية، واسم الأستاذ الأول المدرس نسيمي أفندي الذي ينتمي إلى
عائلة إسلامية عريقة سبق لأحد أعضائها تقلد منصب المشيخة الإسلامية. واسم
الثاني الشيخ أحمد الكشاف [٥] شيخ طريقة صوفية وانضم إليهما القسيس
(أفاتارنيان) الآنف الذكر الذي كان اسمه محمد شكري أفندي وهؤلاء الثلاثة
يدرسون التفسير والتعاليم الصوفية واللغة العربية والفارسية والتركية ودروس
تاريخية إسلامية لتلاميذ مدرسة (بوتسدم) , وتبلغ ميزانية جمعية إرساليات
التبشير الألمانية ١٨٦ ألف مارك.
***
نوايا المبشرين وآمالهم في المستقبل
لا تكتفي إرساليات التبشير بالنظامات والأوضاع التي أخرجتها إلى حيز الفعل
بمزيد الدقة والنشاط وإجهادها النفس لتتوحيد أصولها وأوجهها، بل هي تعد
المعدات لتوسيع دائرة أعمالها ليتسنى لها شن الغارة على الأراضي الإسلامية المقفلة
في وجهها أو هي تتحفز لمنازعة الإسلام على البلاد التي ترسخ قدمه فيها.
وقد ظهر في عالم المطبوعات مؤلفان يتعلقان بالغارات التبشيرية في المستقبل
والحظ الذي سيكون للشبان المنورين منه. أحدهما للقسيس زويمر الذي يوجه تأليفه
إلى الطلبة. ويذكر لهم الأقاليم الخالية من المبشري. والآخر بقلم المستر (غردنر)
السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين وهو بخصوص الأعمال التبشيرية في
أفريقيا الجنوبية، وقد كانت فكرة هذين المؤلفين منطبقة على قرار مؤتمر (أوبورغ)
التبشيري الذي جاء فيه أن القسم الأعظم من العالم الإسلامي خال من التبشير
المسيحي وأشير إلى الأقاليم الإسلامية الخالية من التبشير في أفريقيا وآسيا وإلى
ضرورة اكتساحها.
وقد أشار (زويمر) في القسم الأول من كتابه إلى البلاد الإسلامية الخالية من
المبشرين مثل الأفغانستان وعدد سكانها ٤ ملايين مسلم والعشرين مليونًا من
المسلمين القاطنين في (بخارى) و (خيوة) (وتركستان الروسية) وكلها لا يوجد
فيها مبشر برتستاني واحد، وهناك بلاد أخرى لا تخلو من المبشرين إلا أن
مجهوداتهم غير كافية لقضاء لبانتهم، وقال: إن أهالي تركستان الصينية يظهرون
مزيد الحفاوة بالمبشرين وهم أقل تعصبًا من سكان البلاد الإسلامية الأخرى! ولفت
الأنظار إلى أنه لا يشغل الطريق التي توصل الهند والتركستان الروسية وتجتاز
جبل (كركوروم) إلا بعض مبشرين متنقلين من جمعية التوراة التبشيرية مع أن
هذه السكة يمر بها المسلمون الصينيون الذين يتوجهون إلى مكة لأداء فريضة الحج
أما الوثنيون في سيبرية فإنهم يميلون بسهولة إلى اعتناق الدين الإسلامي، ولا يوجد
بين مسلمي الهند الصينية الفرنسية الذين يبلغون ٠٠٠. ٢٣٢ سوى إرسالية
تبشيرية بروتستانية واحدة. ثم جاء بعد ذلك ذكر البلاد العربية فقال: إن جزيرة
العرب التي هي مهد الإسلام لم تزل نذير خطر للمسيحية. أما المبشرون القاطنون
حول عدن والشاطئ الشرقي منها فلا يشغلون إلا أربع نقط تبشيرية. ووجودهم لم
يمنع جزيرة (سكوتارة) التي كانت في سالف أيامها مسيحية - أن تصبح إسلامية
محضة , والمؤلف يعلل النفس بأن السكة الحديدية الحجازية التي تربط دمشق بمكة
والمدينة ستمهد للمبشرين سبيل نشر الإنجيل باللغة العربية التي هي أكثر اللغات
الإسلامية انتشارًا. والقسم الوحيد من البلاد العربية الذي تكون فيه حركة تبشيرية
واقعية هو القسم الواقع بين ولايتي بغداد والبصرة إذ توجد فيه محطتان هامتان
للتبشير وثلاث محطات مساعدة لها، وقبل أن ينتهي المؤلف من البحث في القارة
الآسيوية أشار إلى جزر ملازيه وتساءل عما إذا كانت هذه الجزر تبقى في قبضة
الإسلام أم لا؟ وقال: إنه دخل في الحظيرة المسيحية ٤٧. ٧٢٩ شخصًا من
(البتاكس) القاطنيين في غرب (صومترة) إلا أن الإسلام يتوطد في جزيرة
(بورنيو) ويتوغل في كل الجزر الأخرى - عدا (بالي) - وينتشر في المستقلة إلا
أنهم يتحاشون التحكك بالإسلام مع أنهم لا يلاقون أمامهم الصعاب التي يلاقيها
المبشرون المنتشرون في البلاد العربية والفارسية. والمبشرون في الصين والهند
قليلون جدًّا وهم لا يهتمون بالمسلمين!
ثم انتقل (زويمر) إلى قارة أفريقيا فقال: إنه يوجد في أواسط أفريقيا مجال
فسيح للتبشير وأقاليم واسعة الأرجاء واقعة على مسافة مئة ميل من الشاطئ يربو
عدد سكانها عن خمسين مليونًا لم تنتشر فيها الآيات الإنجيلية، والإسلام يتقدم
وينتشر بهدوء ونظام في أفريقيا ونيجيريا بين القبائل الوثنية لأن الحكومة الإنكليزية
تمنع تبشير المسلمين وتحظر على المبشرين المسيحيين ولوج الأقاليم التي يتوغل
فيها الإسلام، أما طرابلس الغرب وتونس والجزائر فليس فيها سوى أربع
محطات تبشيرية.
وقد خص (زويمر) القسم الثاني من مؤلفه بالبحث في الأمور الاجتماعية التي
تتعلق بالأعمال التبشيرية فقال: إن أكبر حجة كان المبشرون يدعمون بها أعمالهم
التبشيرية منذ مئة سنة كانت لاهوتية دينية محضة، أما الآن فقد أصبحت أعمالهم
مشفوعة بأسباب اجتماعية. وكان ينظر في سابق الأيام إلى المبشرين نظر قوم
يشنون حربًا صليبية ترمي إلى التنصير فقط فتحولت الأفكار، وصارت الأعمال
التبشيرية تشف عن فكرة الإصلاح الاجتماعي وعن رفع شأن الشعوب غير
المسيحية؛ لأن احتلال الأقاليم الخالية من المبشرين ناشئ عن أحوال هذه البلاد
الاجتماعية المحرومة من يسوع المسيح. والتي هي بالتالي خالية من كل بارقة أمل
وأتى القسيس (زويمر) على ذكر الأوصاب الاجتماعية التي تلم بالشعوب
الإسلامية وأشار إلى المتاجرة بالرقيق والنسوة الملازمة لهذه التجارة، وقال: إنها
ليست في خبر كان، بل هي ما زالت منتشرة في البلاد العربية والأفريقية حيث
توجد أسواق لهذا الغرض تحميها الشرائع الإسلامية القرآنية بالرغم من
الأوروبيين.
ثم ذكر بعد ذلك أسباب الانحطاط الاقتصادي في شبه جزيرة العرب ومنغوليا
وأفغانستان، والغزوات والغارات التي يشتعل لظاها بين القبائل العربية في
الصومال وأفريقيا الوثنية، والفقر المدقع المنتشر في بعض الجهات. وقال: إن
تمادي الاعتقاد بالتمائم وتأثيرها يؤخر أحوال الشعوب الإسلامية ويزيد في شقائها.
وختم هذا الباب من كتابه بقوله: إن الخطة الفاسدة الخطرة التي تقضي ببث
مبادئ المدنية مباشرة، ثم نشر المسيحية ثانيًا عقيمة لا فائدة تُرجى منها؛ لأن
إدخال الحضارة والمدنية قبل إدخال المسيحية أمر لا تحمد مغبَّته بل تنجم عنه
مساوئ كثيرة تفوق المساوئ التي كانت قبلاً!
وأشار في القسم الأخير إلى المزايا والسجايا العقلية التي يجب على المبشرين
أن يتذرعوا بها وقال: إن المشايخ والرؤساء الروحيين في (بلوجتستان)
وأفغانستان غير قائمين بوظائفهم وهم على شاكلة الرؤساء الروحيين المنتمين
للأديان غير المسيحية! ثم بين أهمية الأقاليم الخالية من المبشرين، وأفاض في
شرح الوسائل للتحكك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح وتناقش
طويلاً في الخطط والأصول التي يجدر اتباعها ونهض همة المبشرين بخطاب وجيز
اختتم به كتابه الذي سماه (مجلد المحال) .
أما كتاب المستر (غردنر) فيقع في ٢١٢ صفحة مزينًا بصور فوتوغرافية
للمساجد والمعاهد الإسلامية المنتشرة في جنوب أفريقيا ومدغشقر - وضعها
السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين عمدًا ليلفت الأنظار إلى التقدم السريع الذي
يتجه نحوه الإسلام في هذه الأقاليم نظرًا لأمور سياسية واقتصادية، وهذا السفر
أشبه باستصراخ وإعلان حرب، ويحوي كيفية وأدوار نِزال عِراك ستدور رحاه
بين الإسلام وحاملي لواء التنصير في أفريقيا الجنوبية!
وقد تساءل المؤلف عن إمكان تنصير سكان البلاد الأصليين، وانتقد أقوال
الدكتور (رهربك) القائل (أنه يتعذر عل الوطني أن يتأثر بنفوذ المسيحية - هذه
العقيدة الخاصة بالأجناس الراقية! واستصوب أن يعتبروا في بادئ الأمر داخلين
تحت حماية المسيحية، وأتى على براهين تنافي أقوال الدكتور وأشار إلى
المتنصرين في كوريا وأواسط أفريقيا، وقال: إنه في الإمكان تنصير الوطنيين
ببث مبادئ المذهب البروتستانتي.
ثم قال: إن أفريقيا الجنوبية تنتظر حركة دينية فيخلق بالمبشرون أن يسرعوا
بأعمالهم ويبذلوا قصارى جهدهم في هذا الأمر إذا كانوا لا يودون أن ينتشر الإسلام
في هذه البلاد وترسخ أقدامه.
وأشار إلى قول الأُسْقُف: (هرتزل) الذي أفاض في مزايا ومحاسن السكة
الحديدية التي تربط القاهرة ببلاد الكاب، وقال: غير أن هذا الخط الحديدي يجعل
القاهرة محجًّا للمسلمين المنتشرين من جنوب أفريقيا إلى شمالها فيجب نشر التبشير
حينئذ من الكاب إلى القاهرة. ويقول: إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن
تنشر الطلبة المتخرجين منها في جنوب أفريقيا اتباعًا لقرار مؤتمر التبشير العام.
لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في كل أفريقيا؟ !
وأشار أيضًا إلى جمعية النهضة السياسية الأفريقية التي يرأسها الدكتور عبد
الرحمن وهذه الجمعية تضم إليها كثيرًا من الأجناس والعناصر وهي برهان على
النهضة التي دبت روحها بين الوطنيين، ولهذه الجمعية جريدة هي لسان حالها
تنشر بالإنكليزية والهولندية، وهي تبحث في صوالح الوطنيين وتحمل الحملات
الشديدة في بعض الأوقات على الكنيسة الهولندية وعلى الحكومة. وقد قالت منذ
مدة: لقد أزِف الوقت الذي يجدر بالوطنيين أن يقولوا للجنس الأبيض: (إن الدين
المسيحي الذي يفتخرون به يباين وينافي تعاليم المسيح) . وتهتم هذه الجريدة بنفخ
روح النشاط بين السود لتستميلهم إلى اقتناء العقارات والاعتماد على أنفسهم فعلى
المبشرين أن يحوِّلوا أنظارهم نحو الأعمال والحركات السياسية والاقتصادية.
وقد أفاض صاحب التأليف في وصف فرق إرساليات التبشير المنتشرة في
أفريقيا الجنوبية وكيفية اتفاقها وأصول تعاليمها والوسائل التي يجدر اتخاذها للمّ
شَعْث إرساليات التبشير وجعلها كتلة واحدة أمام البحر الإسلامي الطامي، وقال:
إن حظ هذه البلاد من المبشرين أكثر بكثير من حظ البلاد الأخرى؛ لأن نصف
المبشرين الذين قصدوا أفريقيا للتبشير بين المئة والخمسين المليون من الوثنيين
موجودون في أفريقيا الجنوبية ليبشروا بين ظهراني ستة ملايين من السكان فيكون
حظ كل مبشر ١٣٠٠ من الوطنيين بينما حظ المبشر في الجهات الأخرى يبلغ
٢١٤٠٠ وطني واختتم كتابه بذكر أسماء جمعيات التبشير ولجانها وما أسسته من
المعاهد.
(يتلى)