للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد عمر الإسكندري


... ... ... ... ... نظرة في الجزء الثاني من كتاب
تاريخ آداب اللغة العربية [*]

(٢)
الخطأ في النقل
قد أخطأ المؤلف في نقل عبارات المؤلفين إما بتصرفه فيها تصرفًا أفسد
معناها، وإما بتحريف الكلم، وإما بنقلها عن نسخة محرَّفة من غير تمحيص
لها، فمن ذلك:
(١) قوله في ترجمة سلم الخاسر: هو سلم (ويقال سالم) ابن عمرو،
أحد موالي أبي بكر الصديق.
فسالم الخاسر هو (سَلْم) بفتح السين وسكون اللام، فمن أين جاء
للمؤلف أن يقال في اسمه: سالم أيضًا، وليس سلم مجهولاً حتى يشتبه في
اسمه.
منشأ هذا التحريف الذي وقع فيه المؤلف أن نسخة تاريخ ابن خلكان
المطبوعة كتب فيها (سلم) بألف توهمًا من الناسخ الأصلي أن الألف محذوفة
كما تحذف في (القسم والحرث) فأثبتها وطبعت النسخة على هذه الصورة
خطأً، وفي نسخة ابن خلكان هذه ذكر اسم (سلم) منظومًا في الشعر في قول
أبي العتاهية له:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذل الحرص أعناق الرجال
ونحن لا نشك أن المؤلف قرأ ترجمة (سلم) في (الأغاني) وفيها وقع
اسمه منظومًا في غير موضع، فمن ذلك قول أبي العتاهية:
إنما الفضل لسلم وحده ... ليس فيه لسوى سلم درك
وله فيه وقد حبس إبراهيم الموصلي:
سلم يا سلم ليس دونك سر ... حبس الموصلي فالعيش مر
وقول أبي محمد اليزيدي فيه:
عق سلم أمه صغرًا ... وأبا سلم على كبره
ومن هجاء أبي الشمقمق فيه:
* يا أم سلم هداك الله زورينا *
وقول مروان بن أبي حفصة فيه:
أسلم بن عمر وقد تعاطيت غايةً ... تقصر عنها بعد طول عنائكا
وقول أشجع السلمي يرثيه:
يا سلم إن أصبحت في حفرة ... موسدًا تربًا وأحجارًا
فرب بيت حسن قلته ... خلفته في الناس سيارًا
فهو عند هؤلاء الشعراء المعاصرين له اسمه (سلم) فحسب، ويجوز
عند مؤلفنا وناسخ ابن خلكان أن يُسمى (سالمًا) أيضًا، فليختر القارئ لنفسه ما
يحلو.
(٢) ومن خطئه في النقل قسمه اسم رجل واحد على مسميين، فذكر
في ترجمة الصولي (ص١٧٥) أن له كتابًا اسمه الأوراق وهو في دار
الكتب الخديوية، وذكر ممن ترجم له هذا الكتاب أحمد بن يوسف بن صبيح،
فقال: (وأحمد بن يوسف وزير المأمون وآله، وابن صبيح كاتب دولة بني
العباس، وتوقيعات أحمد المذكور وكلامه فضلاً عن أشعاره) .
والحقيقة أن الثاني هو عين الأول، ومن يراجع الكتاب يعرف ذلك.
وهو أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، ويتبين هذا أيضًا من خلال كلام
مؤلفنا؛ إذ ذكر أحمد ثم ابن صبيح ثم قفَّى بذكر توقيعات أحمد ورسائله
وشعره.
فلو كان ابن صبيح غير أحمد، فما الداعي لفصل توقيعات أحمد عن
ترجمته؟
ولو فرضنا أن المؤلف يريد بابن صبيح جده القاسم، فذلك لم يكن كاتب
دولة بني العباس، بل كان يكتب لبني أمية وللمنصور في بدء خلافته، ولم
تطل أيامه، وليس هناك في الكتابة، وإنما ذكره الصولي مع من ذكره من آل
أحمد بن يوسف.
(٣) ومن خطئه في النقل بتصرفه في عبارة المؤلفين قوله في ترجمة
ابن الرومي صفحة ١٥٨:
(اشتهر بالتوليد في الشعر؛ لأنه أتى بكثير من المعاني لم يسبق إليها،
ومن مميزاته أنه لا يترك المعنى حتى يستوفيه، ويمثله للقارئ تمثيلاً) .
ومن عبارة المؤلفين في ذلك ما قاله صاحب معاهد التنصيص:
(هو أبو الحسن.. . صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب يغوص
على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن قالب، وكان إذا
أخذ المعنى لا يزال يستقصي فيه حتى لا يدع فيه فضلة ولا بقية) .
وقال ابن خلكان: (صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على
المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها، ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك
المعنى حتى يستوفيه إلى آخره، ولا يبقي فيه بقية) .
فترى أن عبارة ابن خلكان أجود في تصوير الشاعر، وعنه نقل صاحب
معاهد التنصيص مع تغيير قليل.
فرأى مؤلفنا أن ينقل عنهما بتغيير آخر، ولكن تغييره شذ عن مرادهما
فهما يقصدان بقولهما: (صاحب التوليد الغريب) أنه إذا استنبط معنًى من
قرآن أو حديث أو حكمة أو مثل أو من كلام شاعر آخر، أو اخترعه اختراعًا
لا يزال يولد منه معاني متشاكلةً بالزيادة عليه أو النقص منه، أو بالقياس عليه
فيستعمله في مدح ويقلبه في هجو ويزينه في وصف حتى لا يدع لغيره وجهًا
أيًّا كان يستعمله فيه بعد، وقد فسر المؤلفان غرضهما في عبارتهما بقولهما:
(يغوص على المعاني.. .) إلخ.
ففهم مؤلفنا من التوليد أنه يأتي بمعانٍ لم يسبق إليها، مع أن ابن الرومي
كثيرًا ما يُغِيرُ على قول غيره، وفهم من قولهما: (وكان إذا أخذ المعاني ... ) إلخ،
أنه يوضح المعنى، ويمثله تمثيلاً، وما كان عليه لو نقل عبارة المؤلفين
كما فعل في أكثر مواضع الكتاب.
(٤) ومن تقصير المؤلف في توضيح ما ينقله ما نقله عن السيوطي ـ
ناقلاً عن كتاب العين، ومختصر الزبيدي ـ إحصاء المستعمل من الألفاظ العربية
والمهمل منها، فاستخرج المؤلف من كلام الزبيدي جدولاً استنتج منه أن عدد
المستعمل من ألفاظ اللغة العربية ٥٦٢٠ لفظًا، مع أن كتاب القاموس وحده،
وهو ليس إلا قطرةً من بحر اللغة العربية، يشتمل على ستين ألف مادة، متوسط ما
في كل منها من المزيد والمشترك عشرون كلمة على الأقل، أي نحو مائتي ألف وألف
ألف كلمة، فكيف ولسان العرب به ثمانون ألف مادة، متوسط ما في كل منها
ثلاثون كلمة على الأقل.
والمؤلف نقل عبارة الزبيدي عن المزهر للسيوطي، وهي فيه مختلة
أيضًا أسقط منها النساخ كلمة (ألف) المكررة في عدد المهمل والمستعمل
فصار فيها ألف الألف (أي المليون) ألفًا فقط، ويعرف هذا بمراجعة مقدمة
شارح القاموس، فإنه نقل عبارة الزبيدي أيضًا، وفيها مكان الألف في بيان
المهمل والمستعمل (ألف ألف) وإن وجد بها بعض تحريف أيضًا، فكان جديرًا
بالمؤلف أن يزن العبارة بميزان عقله، ويعدلها - إذا شاء - كما عدل الأرقام
التي ذكرها المزهر؛ لتصح له عملية الجمع.
(٥) ومن تحريف المؤلف بنقل عبارة المؤلفين ناقصة ما نقله في
ترجمة المتنبي في قوله: (حتى صار يقف بين يدي كافور وفي رجليه خفان،
وفي وسطه سيف ومنطقة، ويركب بحاجبين من مماليكه، وهما بالسيوف
والمناطق، فلما رأى كافور منه سموّه بنفسه وتعاليه بشِعْره خافَه، وقال: يا
قوم من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ألا يدَّعي المُلك مع
كافور؟ فحسبكم. فأغضبه فخرج أبو الطيب من مصر.
والمتأمل في هذه العبارة يجد أن قول كافور: يا قوم.. . إلخ، مقتضب
مما قبله بل هو تتمة لكلام محذوف، وهو الواقع فإن كافورًا كان وعده بولاية
بعض أعماله، وطمع المتنبي في ذلك، واستنجزه وعده في شعره مرارًا وهو
يماطله، فعاتبه بعض كبار الدولة في مطله عن إبلاغه أمنيته على كثرة مدحه
له وهجرته إليه مغاضبًا لسيف الدولة فقال كافور: يا قوم.. . إلخ.
* * *
عدم تحري الحقيقة والصواب
اعتاد المؤلف أن ينقل إلى كتبه ما يعتقده بذاته، أو ما يكون ذائعًا على ألسنة
عامة القراء والوراقين، أو يقرؤوه في الكتب التي تلقي الأخبار على عواهنها،
من غير تمحيص لحقيقتها؛ حرصًا على إفادة القراء وإتحافهم بالغرائب،
وهو اجتهاد يشكر عليه؛ لولا ما يشوّه بهذه الأخبار محاسن كتبه من حيث لا
يقصد، وربما يلتمس له في ذلك عذر، وهو تسرعه في تأليف الكتب تعجيلاً
لفائدتها، وأن التحري والبحث والتحقيق والتدقيق كلها تستدعي أزمانًا طويلة
ومراجعةً لكثير من الكتب، ومساءلةً لجمهور الأدباء، وهو ما يضيق دونه
وقته الثمين، وعامة القراء يرضيهم ما دون ذلك، والمستفيد يتوخى أربح
الطريقين (وَلِكُلٍّ وَجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) (البقرة: ١٤٨) .
ولكن الرأي الذي نراه أنه ينبغي لكل من تعرض لتدوين التاريخ في
السياسة أو الأدب ألاَّ يكتفي برواية كتاب واحد أو كتابين وبما يذيع على ألسنة
الناس، بل يجب عليه تحقيق الخبر وتمحيصه والأخذ بالرواية القريبة من
العقل، واللائقة بمنزلة من روي عنهم.
ويوجد في هذا الكتاب كثير من الأخبار التي اغتر المؤلف بنقلها من
الكتب ولم يمحصها، فمن بعض ذلك:
(١) نقله عبارة ابن خلكان التي نقلها مثل المؤلف كثير من الناقلين من
أن الأمين جمع بين سيبويه والكسائي في مجلسه للمناظرة، وأن الكسائي
زعم أن العرب تقول: (كنت أظن الزنبور أشد لسعًا من النحلة فإذا هو إياها) .
وأن سيبويه قال: إن المثل: ( ... فإذا هو هي) وأن الأمين تعصب لأستاذه
الكسائي وأوعز سرًّا إلى أعرابي حكَّمُوه في المسألة أن يصوب الكسائي
ويخطئ سيبويه.
مع أن المسألة مشهورة في كتب الأدب والتاريخ والنحو من أن المناظرة
جرت في مجلس يحيى بن خالد البرمكي وأن الكسائي كان يجيز الوجهين، أي:
(فإذا هو هي) و (فإذا هو إياها) وأن أعرابًا عدة معروفين بعينهم
وأسمائهم شهدوا بجواز الأمرين، وأن الغلبة كانت على سيبويه في هذا المقام،
وليس في العلم كبير. وهذا ما يليق بمقام الكسائي والأمين وثقات رواة
الأعراب.
والقصة مبسوطة بالتفصيل في معجم الأدباء لياقوت ص ١٩١ ج ٥ في
ترجمة الكسائي، وفي ص ٨١ ج٦ ولم يكمل طبعه، ولكن ما طبع اطلعت
عليه، وفيه ترجمة سيبويه، وفي ص ٣٦٦ من بغية الوعاة في طبقات النحاة،
وفي مبحث (إذا) من الجزء الأول من مغني اللبيب لابن هشام وفي غيرها
من الكتب غير المطبوعة، وفي أكثرها إعراب الوجه الثاني من الوجهين
اللذين يجوِّزهما الكسائي، وأن البصريين أنفسهم لا ينكرون صحة شهادة
الأعراب الثقات، وإنما يطعنون فيهم بأنهم من أعراب الحطمة، أي أنهم ليسوا
فصحاء، ولولا طول هذه القصة لأوردتها من كثير من الكتب التي تخالف ابن
خلكان في النقل، وربما اطلع عليها المؤلف ولكنه آثر روايته؛ إما لغرابتها
أو لغرض آخر.
(٢) ومن الأمور التي لم يتحرَّ فيها المؤلف الحقيقة والصواب قوله في
ص ١٤٦ في تعداد كتب الواقدي:
-٢ - كتاب فتوح الشام: هو أشبه بالقصص منه بالتاريخ؛ لما حواه من
التفاصيل والمبالغات؛ لكنه مؤسس على الحقيقة. وفيه حقائق لا توجد في
سواه من كتب الفتوح، وقد طبع مرارًا إلى أن قال: وطبع أيضًا في مصر
سنة ١٨٨٢ وغيرها.
ثم بعد أن ذكر عدة كتب له قال:
-٧ - عدة كتب في الفتوح تنسب إليه كفتح منف والجزيرة والبهنسا طبعت
بمصر وغيرها، وكان له كتاب يسمى فتوح الأمصار لم نقف عليه، ولكن
المؤرخين نقلوا عنه. وأكثر كتبه محشوة بالمبالغات لا يُعول عليها، وفي مجلة
المشرق البيروتية مقالة انتقادية في الواقدي ومؤلفاته (صفحة ٩٣٦ سنة ١٠)
جزيلة الفائدة.
أقول: إني لم أطلع على مجلة المشرق ولا على انتقادها، ولكن الأمر لا
يجهله من له أدنى إلمام بتمييز كتابات العصور المختلفة أو بالتاريخ أن كتب
المغازي التي تطبع في مصر من مثل فتوح الشام ومصر والبهنسا وفتح خيبر
وفتح مكة، ورأس الغول ونحوها ـ هي من الكتب الموضوعة الخيالية المشتملة
على بعض حقائق تاريخية، والأقرب أنها وضعت هي وقصة عنترة وذات
الهمة وغيرها زمن الحروب الصليبية؛ لتغرس في الناس فضيلة الشجاعة
والاقتداء بالسلف الصالح، لا أنها هي نفس كتب الواقدي الحقيقية، وإن الذين
سموها بهذه الأسماء هم جماعة الوراقين والنساخين؛ لترويج سلعهم عند
القراء، كما نسب مؤلف قصة عنترة وروايتها إلى الأصمعي، وزعم أنه عمر
وأدرك الجاهلية وقابل شيبوبًا أخا عنترة، وإني لأخجل أن أرى مثل مؤلفنا قد
انخدع بهذا الباطل، وطوح به الأمر أن قال في كتب الواقدي أبي التاريخ: إنها
محشوة بالمبالغات لا يعول عليها، وليت شعري على من نعول في تاريخ الفتوح
إذا لم نعول عليه وهذا ابن سعد كاتب الواقدي وتلميذه نقل عنه أكثر أخبار الفتوح
في كتابه الكبير طبقات ابن سعد، البالغ بضعة عشر مجلدًا، وهو أصح كتاب
في طبقات الصحابة.
على أن المؤلف لو راجع عبارة بعض هذه الكتب المنحولة للواقدي
وبعض الكتب الأخرى الصحيحة النسبة إليه كفتح إفريقية وفتح العجم؛ لميز
بين الصحيح والموضوع، ولكن قاتل الله العجلة، وخاصة العجلة في
التأليف.
(٣) ومن الأمور التي لم يتحرَّ فيها المؤلف الحقيقة: نقله ما يقول بعض
خصوم الجاحظ من الصفاتية وأهل السنة من أنه كان يقول: إن القرآن المنزل من
قبيل الأجساد، وإنه يمكن أن يصير مرة رجلاً ومرة حيوانًا إلخ إلخ،
والجاحظ أعقل من أن تنسب إليه هذه المقالة وهو من علمت، ومذهب
المعتزلة مبسوط معروف في كتب الكلام، ولم يسمع عنهم هذا القول،
والجاحظ لسانهم وحجتهم والمؤيد لمذهبهم، وإنما أخذ أعداؤه هذا من قوله في
القرآن: إنه مخلوق، أي كما تخلق بقية الموجودات من إنسان وحيوان. وترجمة
الجاحظ ذكرت في كثير من الكتب، وأخصها ترجمة ياقوت في معجم الأدباء،
وهي نحو ٢٥ صفحة، ولا توجد فيها هذه الفرية، ولا أعرف المؤلف
نقلها عن غير الشهرستاني أو عمن نقل عنه.
* * *
التناقض
ناقض المؤلف نفسه في كثير من مواضع كتابه، فمن ذلك:
(١) قوله في صفحة (١٥٩) : (ويمتاز ابن الرومي بتفضيله المعنى
على اللفظ كالمتنبي فيطلب صحة المعنى ولا يبالي حيث وقع من هجنة اللفظ
وقبحه وخشونته، ومع ذلك فإنك تجد في نظمه سهولة ومتانة) .
قرأنا هذه العبارة فتعجبنا من تناقضها ولمحنا في أثنائها رقمًا يشير به إلى
الذيل من أنه أخذ هذه العبارة من العمدة لابن رشيق (ج ١ ص ٨٢) فراجعنا العمدة
فإذا فيها: (ومنهم من يؤثر المعنى على اللفظ فيطلب صحته ولا يبالي ... ) إلخ.
ولم يذكر العبارة التي زادها مؤلفنا من عنده، فأوقع نفسه في التناقض كما أوقع
قارئ كتابه في حيرة.
(٢) ومن تناقض كلام المؤلف قوله في صفحة ١٢٣ في تعرضه
لكتاب العين: (ولم ينبغ نحويّ ولا لغويّ ولا أديب في عصر الخليل وما يليه
إلا استفاد من كتابه، ولكن الثقات الباحثين مختلفون في حقيقة نسبته إليه،
وفي صحة ما جاء فيه من الروايات والأقوال، من ذلك ما رواه ابن النديم في
الفهرست عن ابن دريد قال: (وقع في البصرة كتاب العين سنة ثمانٍ وأربعين
ومائتين قدم به وراق من خراسان وكان في ثمانية وأربعين جزءًا فباعه
بخمسين دينارًا، وكان قد سمع بهذا الكتاب أنه في خزائن الظاهرية حتى قدم
به هذا الوراق) .
فأنت ترى من هذه العبارة أن الكتاب اشتهر في عصر الخليل حيث لم
ينبغ نحوي ولا لغوي ولا أديب في عصره إلا استفاد منه على زعم المؤلف،
ولكن لا تكاد تفرغ من قراءة هذه الجملة حتى تقع في أن الثقات الباحثين
مختلفون في نسبته للخليل، وفي صحة ما فيه، فليت شعري من هم هؤلاء
الثقات الباحثون؟ أهم جميع النابغين من النحويين واللغويين والأدباء الذين
استفادوا جميعهم منه؟ أم هم غير هؤلاء النابغين؟
وبعدُ فمتى استفاد هؤلاء النابغون؟ والكتاب بشهادة ابن النديم بل بشهادة
كل من كتب في تاريخ كتاب العين لم يظهرإلا بعد موت الخليل بنحو سبعين
سنة، وذلك ما جعل العلماء يشكون فيه، وأنه لو كان للخليل لذاع أمره
وعرفه تلاميذه، ونقلوا عنه، مع أن تلاميذ الخليل مثل الأصمعي وأبي عبيدة
وأبي زيد وتلاميذهم، كل أولئك لا يعرفون عن كتاب العين شيئا، ولكن
مؤلفنا وحده يعلم أنه لم ينبغ نحوي ولا لغوي ولا أديب في عصر الخليل وبعده
إلا استفاد منه، ولله في خلقه شئون.
(٣) ومن تناقض المؤلف قوله في صفحة ٢٠١ نشأ علم الجغرافية في
هذا العصر (أي: العصر الثاني العباسي) بعد نقل علوم القدماء إلى العربية،
وفي جملتها كتاب بطليموس وعليه معولهم في تقويم البلدان، على أن
المسلمين بدءوا بوضع الجغرافية قبل اطلاعهم على ذلك الكتاب لأسباب غير
التي دعت اليونان إلى وضعها إلخ فإن تمحلنا عذرًا للمؤلف في هذا
التناقض، وقلنا: إنه استعمل شبه الاستخدام البديعي في كلامه فيكون قد ذكر
الجغرافية أولاً بمعنى الرياضية وأعادها ثانيا الجغرافية التخطيطية التي كانت
تسمى علم المسالك والممالك، فلا يصح رفع التناقض من كلام المؤلف أيضًا؛
لأن العرب اشتغلوا بالجغرافية اليونانية قبل العصر الثاني، والمأمون وعلماؤه
ممن صحح أغلاط بطليموس في محيط الأرض وقطرها ومقياس الدرجة
الأرضية.
(٤) ومن تناقض المؤلف وتحيره في قوله في أبي العتاهية: (وقد
نظم في كل أبواب الشعر وامتاز منها بالزهد، ويؤخذ من سيرة حياته أنه كان
مترددًا متقلبًا ويغلب ذلك في طباع الشعراء؛ لأنهم أهل خيال وأوهام،
وخصوصًًا الذين يستجْدون بشعرهم، فإنهم يتقلبون مع الأهواء ويسعون وراء
النفع حيثما كان، على أن تمنع أبي العتاهية عن قول الغزل بعد أن أمره به
الرشيد يخالف هذه القاعدة ولكن لعل له سببًا حمله على ذلك.
ما قولك أيها القارئ في هذه العلل التي لو صدقت - لا قدر الله - على
كل شاعر يتكسب بالشعر كأبي العتاهية لتبرمت الدنيا بكثرة المحرورين
والموسوسين المتخبطين، على أن الله أرحم من أن يصدق زعم المؤلف في
الشعراء من عباده، فلم تر بعد أبي العتاهية من يشبهه في سودائه، والحمد لله.
* * *
الاختصار فيما ينبغي الإطناب فيه
(والإطناب فيما ينبغي الاختصار أو فيما هو أجنبي من موضوع الكتاب)
من أعجب أمور المؤلف أنه يعلم ويعلم أن الناس تعلم أنه يؤلف كتابه في
آداب اللغة العربية لا آداب اللغة اليونانية القديمة ولا الفارسية ولا الهندية ولا
السريانية ولا اللغات الأوروبية الحاضرة، ثم نراه إذا خاض في ذكر مبحث
من مباحث الآداب العربية أو عدَّد نبغاءً، أو ذكر ترجمة شاعر نابغ أو كاتب
أو مصنف ـ اقتصر على ذكر نتف قليلة من المبحث، أو اقتصر على العدد
القليل من مشهوري النبغاء، واختصر تراجمهم مكتفيًا بذكر ما لا يلزم الناقد
الأديب وبذكر الكتب التي يراجعها من شاء التوسع، وقد لا تزيد عن كتابين
معروفين لأكثر الناس لا حاجة للدلالة عليهما، على حين أنه يطول في كثير من
المواضع حتى ليكرر كثيرًا من المباحث في غير مكانه لمجرد ولعه وإعجابه، بل
يخرجه ولعه بالشيء أن يُدخل في كتابه مباحث مطولة جدًّا ليست من
موضوع آداب اللغة العربية وتراجم أناس ليسوا من العرب، ولا خالطوا
العرب، فمن النوع الأول:
(١) اختصاره في تراجم مشهوري الشعراء، واقتصاره منها على ذكر
نتف جافة قلما يتعرض فيها لنقد أو موازنة أو تقرير حكم معتذرًا عن ذلك بأنه
ليس من الأدباء المتفرغين للدرس والنقد، قال في صفحة ٥٨ عند ذكر سبعة
من شعراء العصر الأول:
(وإليك تراجمهم على هذا الترتيب بما يقتضيه المقام من الإيجاز، وإلا
فإن كلاًّ منهم يحتاج في بسط ترجمته إلى مجلد قائم بنفسه، فنترك ذلك إلى من
تفرغ للدرس والنقد من الأدباء) .
ونحن نسلم معه أنه ليس من المتفرغين للدرس والنقد من الأدباء، ولكن
لا نسلم أن من لم يتفرغ للدرس والنقد من الأدباء يوثق بقوله، أو يعتد برأيه
في هذا الباب، أويظن أنه باختصاره آثر الأهم على المهم، وأيّ مقام يفرض
عليه الإيجاز الخالي من الحكم الأدبي، والكتاب ليس مذكرة مدرسية تنطبق على
برنامج مدرس مختصر، وإنما يقصد المؤلف به أن يكون مرجعًا لجمهور المتأدبين
من القراء الشداة لا التلاميذ الأحداث، بدليل أن حضرته وعد في كتابه هذا
أن يختصر منه ملخصًا لتلاميذ المدارس، على أن الذي يستطيع أن يؤلف مجلداً
في ترجمة شاعر لا يعجزه أن يلخص هذا المجلد في صفحة أو اثنتين بحيث يشير
في كلامه إلى نتيجة البحث والنقد.
(٢) ومن اختصاره أو اقتصاره ـ أو تقصيره ـ أنه لم يترجم لأحد
من كُتاب الرسائل في العصر الأول ولا الثاني، أي في مدة مائتي سنة وهما
عصرًا البلاغة والجزالة، إلا لاثنين، أحدهما عمرو بن مسعدة، والآخر القائد
طاهر بن الحسين فاتح بغداد، وقاتل الأمين، ووالي خراسان، وقد علمت أنه
ليس من كتاب الرسائل ولا عمل في ديوان.
مع أن كتاب الرسائل في هذين العصرين لا يقل النابغ منهم عن عشرين
تولى أكثرهم الوزارة، أو ديوان الرسائل والتوقيع والخاتم، كعمارة بن حمزة
وأبي عبيد الله ويعقوب بن داود وزيري المهدي وخالد بن برمك وابنيه الفضل
وجعفر وأحمد بن يوسف وزير المأمون، وابن الزيات وإبراهيم الصولي
والحسن بن وهب، وسليمان بن وهب، وسعيد بن حميد وابن مكرم وأحمد
ابن إسرائيل والحسن بن مخلد، وبني المدبر، وآل ثوابة، وآل الفرات، وآل
الجراح وابن مقلة، وغيرهم ممن تزينت كتب الأدب ببارع كتبهم، وطلعت
أهلة البلاغة من خلال فصولهم، وليسوا بالمجهولين فيجهلهم المؤلف، ولا المدفوعين
عن تقدم فيلوي عنهم عنانه.
(٣) ومن تقصير المؤلف إهماله ذكر الجرمي من نحاة العصر الثاني مع
ترجمته لابن ولاد وأبي جعفر النحاس وغيرهما، ومكان الجرمي في النحو لا
يجهل.
(٤) ومن تقصير المؤلف إهماله ذكر الأوزان والقوافي التي طرأت على
الشعر في جميع العصور التي ذكرها كالمواليا والدوبيت وأبحر المولدين
والشعر المزدوج والمسمط والتعريف بقائليها، واكتفى بنبذة يسيرة في
الموشحات في العصر الثالث.
ومن النوع الثاني، أي: التطويل في غير موضعه، بل إدخاله ما ليس من
موضوع الفن فيه أو ما ليس من موضوع هذا الجزء الثاني الخاص بالعصر
العباسي:
(١) تخصيصه اثنتي عشرة صفحة من كتابه لموضوع أجنبي من
موضوع آداب اللغة العربية بالمرة، وهو آداب اللغة اليونانية وأطوارها
وتراجم مستقلة بصور كبيرة لفلاسفة اليونان كسقراط، وأفلاطون وأرسطو وأبقراط
وإقليدس وأرشميدس وجالينوس وآداب اللغة الفارسية وأطوارها، وآداب اللغة
السريانية وأطوارها وآداب اللغة الهندية , نقل هذه المباحث من دوائر المعارف
ووضعها في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي لأقل مناسبة ثم نقلها هنا بلا مناسبة،
وكان الأولى بالمؤلف أن يحل محلها كُتاب الدولة العباسية وهم فحول البلاغة
وقادة الكلام.
(٢) ومن ذلك إسهاب المؤلف في شرح الأدب والإنشاء عند الإفرنج
ص ٢٧٦ مع أنه ليس من غرض كتابه.
(٣) وذكره لبعض قادة الإفرنج الخرافية ووضع صور خرافية لحروب
الإسكندر المقدوني مع أمم لهم ست أيدٍ وأمم لهم وجوه بهائم.
(٤) ومن التطويل: أو من الإخلال بالنظام: وضع الكلام في مبحث تأثير
القرآن الكريم في اللغة العربية في هذا الجزء، وكان من حقه أن يدرج في
الجزء الأول.
(٥) ومن التطويل: تكرار الكلام في موضعين أو ثلاثة لغير موجب مثل
وصف التهتك والخلاعة، ذكره في الشعراء، ثم أعاده بعينه في الشعراء ص ٥٠.
(٦) ومن التطويل في غير موضعه: نقل القصة المطولة التي تُحكى
عن عبد الملك من أنه قال لجلسائه يوما: أيكم يأتيني بحروف المعجم في بدنه
وله ما شاء؟ وأن سويدًا ذكر من كل حرف كلمة ثم ثلاث كلمات، وأن هذه
القصة وما سيقت لأجله، وقد بلغت نحو صفحة، كان حقها أن توضع في
حالة اللغة في بني أمية لا أن تذكر في علم اللغة في بني العباس.
(٧) ومن ذلك ذكره حالة الغناء في الدولة الأموية، ضمن مقالة
الموسيقى والغناء في الدولة العباسية، وكان من حقها أن توضع في الجزء الأول.
* * *
الاستدلال بحادثة جزئية على أمر كلي
اعتاد المؤلف في كتبه أن يستنتج من حادثة جزئية أمرًا كليًّا، وهذه
الخصلة من أكثر ما ينعاه عليه النقاد، وقد عمل بها في كتابه هذا غير مرة
كقوله في صفحة ٧٨ في ترجمة سلم الخاسر.
وكثيرًا ما كان يأخذ أقواله ـ أي أقوال بشارـ فيسلخها ويمسخها كما مسخ
هذا البيت:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فجعله:
من راقب الناس مات غمًّا ... وفاز باللذة الجسور
فبلغ بيته بشارًا فغضب وأقسم ألا يدخل عليه ولا يفيده ما دام حيًّا
فاستشفع إليه بكل صديق حتى رضي ... إلخ.
فكل من تتبع ترجمة سلم الخاسر في مظانها لا يجد من سرقته لشعر بشار غير
هذا البيت، وهو وحده سبب الغضب.
وقوله في صفحة ١٦٧ في ترجمة الجاحظ وذكر إصابته بالفالج ولزومه
بيته بالبصرة وكان قد اشتهر وذاع صيته في العالم الإسلامي فتقاطر الناس لمشاهدته
والسماع منه فلا يمر أديب أو عالم بالبصرة إلا طلب أن يرى الجاحظ ويكلمه.
فليتفضل علينا المؤلف ويذكر لنا أديبين أو ثلاثة من هؤلاء غير ذلك الوالي
البرمكي المصروف عن ولايته بالسند الذي جعل ذهبه في أشكال الإهليلج إن جاز
له أن يدعي أنه كان أديبًا عالمًا.
ومن هذا القبيل شيء كثير في الكتاب.
***
تقليده مستعربي الفرنجة حتى في الخطأ
للمصنف ولع بنقل ما يكتبه المستعربون عن العرب وآدابهم، ولو خالف
الواقع، ومن ذلك نقله فصولاً برمتها مشوبةً بالخطأ من كتاب نيكلسن
الإنكليزي، وبروكلمان الألماني مثل مقالة الشعر في العصر الأول وغيرها.
* * *
اضطراب التبويب والتقسيم
إن بعض مقرظي هذا الكتاب وصفه بأن أهم ما يمتاز به عن كتب
المتقدمين هو حسن تبويبه وتقسيمه، ولكني لسوء حظي لم أوفق إلى سر
تبويبه وتقسيمه لهذا الكتاب؛ إذ أجد ما يصلح أن يذكر في تاريخ الآداب وما
يلزم أن يوضع في كتب آداب الفرنجة وضع في أدب العرب، وما ينبغي أن
يجعل في عصر ظهور الإسلام جعل في عصر بني العباس، ومن يجب أن
يترجم له في عصر معين أو طائفة بعينها ترجم له في عصر غير عصره أو
طائفة غير طائفته إلخ إلخ، بحيث تضطرب المباحث وتتداخل العصور
ويلتبس الأمر على القارئ فلا يدري خاصة كل عصر، فمن ذلك:
(١) ذكر القرآن الكريم والعلوم التي تفرعت منه وبيان تأثيره في آداب
الجاهلية من الخطابة والشعر والإنشاء واللغة وبيان تأثيره من الوجهة الاجتماعية
والأخلاقية، مع أن محل ذلك مبدأ ظهور الإسلام؛ إذ هو وحده مبدأ هذه التفريعات.
(٢) ابتداء المؤلف هذا الجزء بالكلام المسهب في العلوم الدخيلة
وتراجم رجال اليونان وتأخيره الشعر العربي والعلوم العربية والشرعية عن
موضعها مع أنها هي المباحث العربية الأَََولى بالتقديم؛ لأن الكتاب صنف في
آداب اللغة العربية لا الدخيلة، ولو سلمنا أن للمؤلف سرًّا في تقديم الدخيلة،
فما هو السر في أنه أخرها عن الشعر العربي والعلوم العربية والشرعية في
العصر الثاني والثالث؟
(٣) إسهابه في صفحة ١١٩ و ١٢٠ في حالة العناية بأمر اللغة في
زمن بني أمية، وكان الأليق أن يذكرها في الجزء الأول الخاص بآداب
الجاهلية وعصر الخلفاء الراشدين وبني أمية.
(٤) إسهابه في الكلام على الأغاني في عصر بني أمية في هذا الجزء
الخاص ببني العباس، ومن حقه أن يذكر في الجزء الأول.
(٥) ذكره أن احتدام الخلاف بين النحويين: الكوفيين والبصريين
حصل في العصر الثاني وما بعده من عصور الدولة العباسية، والحقيقة أن الخلاف
أشد ما كان بين كوفي وبصري قد كان في العصر الأول. وأما الثاني والثالث
وما بعدهما فقد هان فيها الخلاف ووجدت مذاهب ملفقة من المذهبين، فكان
الأولى ذكر هذا المبحث المسهب في العصر الأول.
(٦) ومن ذلك تأخيره الكلام في نشأة علم الفرائض إلى العصر الثالث
مع أنه قديم دُوِّنَ منذ دُوِّنَ الفقه، فكان الواجب ذكره في العصر الأول.
(٧) ومن ذلك ذكره عددًا كثيرًا من الشعراء، والعلماء المصنفين من
أهل عصرين، العصر الذي يليه أو الذي قبله، ويعلم ذلك من وفياتهم، فلينتبه
القارئ، ولولا أني سئمت من كثرة التعداد لأتيت عليهم جميعًا، وكثيرًا ما يذكر
المؤلف علماء فن مع علماء فن آخر وشعراء نوع في شعراء فن آخر، وإن
شاء المؤلف أن نفصل له هذا الإجمال، ونذكر من هم الذين عاملهم بهذه المعاملة
فنحن على كتب من إجابته.
* * *
تهافت المؤلف
للمؤلف تهافت وولع بالشيء لا يؤبه له أو بالأمر يناسب مقامًا خاصًّا فيقحمه في
كل مقام، كما فعل هذا في كتابه هذا وغيره في مواضع شتى فمن أمثلة ذلك:
ولعه بمسألة النشوء والارتقاء يقيس بها كل أمر حتى خرج به القياس
إلى عكس ما يراد بها، فذكر في هذا الكتاب صفحة ٢٢١ أن اضطراب الخلافة
الإسلامية وانحلالها إلى إمارات وممالك صغيرة متنافسة متشاكسة من دواعي النشوء
والارتقاء، في حين يعده المؤرخون من دواعي الانقراض والفناء، كما هي النتيجة
الحقيقة التي أعقبت هذا الانشعاب، فذلك حيث يقول: فلما اضطربت أحوال الخلافة
في أيام المتوكل ثم نشأت الدول الجديدة في المملكة الإسلامية بالتفرع والتشعب
على مقتضى ناموس الارتقاء تفرق العلماء ٠٠٠٠٠٠ إلخ إلخ.
ثم ناقض قوله هذا بقوله في العصر الثاني، أي الذي كان بعد أن
اضطربت الخلافة وحدث الارتقاء، على زعمه: حدث في العصر العباسي
الأول نهضة علمية أعقبها في العصر الثاني فتور على أثر البحران السياسي
الذي أخذ من نفوس رجال الدولة حتى اشتغلوا بأنفسهم عن تنشيط العلم، ثم
ذكر أن بعد هذا الفتور حدثت نهضة لم يبين سببها، وقال: والفاعل في هذه
النهضة ناموس النشوء الطبيعي إلخ. ومن مثل هذه المسألة كثير في الكتاب.
* * *
اللحن والأغلاط اللغوية
لا تكاد تمر بالقارئ صفحة من الكتاب إلا مشتملة على خطأ لفظي إما
في النحو أو الصرف أو اللغة، وكان يجدر بالمؤلف أن يعرض كتبه على ناقد
بصير بصناعة الإعراب حافظ لمستعمل اللغة حتى لا يرذل كتبه النفيسة بهذه
الأغلاط الشائنة.
وإذا كانت هذه الأغلاط تعد بالعشرات بل المئات لا نرى من الواجب علينا
شحن عجالتنا هذه بشيء منها، ولكننا لا نتأخر عن إجابة حضرة المؤلف
إذا أراد تصحيح كتابه مرة أخرى بتعدادها له في فرصة من فراغنا إن سنحت.
* * *
النتيجة
إن الكتاب على ما فيه من مواضع النقد لا يخلو من منافع في موضوعه
وغير موضوعه ونشكر حضرة المؤلف على اهتمامه بخدمة العلم ونسأله
مسامحتنا فيما كتبنا اقتداءً به أو مساعدة له على هذه الخدمة لا غير، وحسبنا
الله ونعم الوكيل.