للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المدرستان الروسيتان بطرابلس الشام
كُتب إلينا من طرابلس الشام أن المدرسة الروسية التي افتتحت حديثًا فيها لتعلم
الذكور قد بلغ عدد تلامذتها نحو الثلاثمائة، والتي افتتحت في مينائها لتعليم الإناث
قد بلغ عدد تلميذاتها نحو الخمسمائة. وأن المدرستين تعطيان الكتب والورق للتلامذة
مجانًا، ويعلم فيهما البائس الفقير. فيا أيها القوم الذين يزعمون أن التعليم لا دخل له
في اتحاد الأمم وتقدمها، ولا أثر له في قوة الشعوب وتمدنها، أخبروني لماذا تبذل
الدول الأوروبية العناية في تأليف الجمعيات لإنشاء المدارس في البلاد الأجنبية التي
تطمع بامتلاكها، أو بتوسيع دائرة نفوذها فيها، سواء كان في السياسة أم في التجارة،
إذا كان التعليم يقوي نفوذ الدولة المعلمة من غير أمتها، بل في بلاد أعدائها،
فكيف يكون أثره في بلادها وأمتها؟ لا جرم أن قوام الأمم ورقيها في مراقي التمدن
وتقدمها على غيرها من العزة والمنعة ونفوذ الشوكة وعموم السيادة وسائر ضروب
السعادة، كل ذلك منوط بالتربية والتعليم الصحيحين، وإنما يقوم بذلك عقلاء الأمة
وأغنياؤها لا حكامها وأمراؤها، فليعتبر الذين سجلوا على أنفسهم الحرمان، بل
وطنوها على الموت الزؤام، لاعتقادهم أن نهوضهم لا يأتي إلا من قِبل حكامهم
الميئوس منهم.