للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


لائحة الإصلاح لولاية بيروت

(وهي اللائحة التي صدقت عليها وقررت السعي في إنفاذها)
... (الجمعية العمومية الإصلاحية في بيروت)
المؤلفة من ستة وثمانين عضوًا منتخبين انتخابًا قانونيًّا من قِبل المجالس
الملية والرؤساء الروحيين لجميع الطوائف في بيروت ليمثلوا طوائفهم وينوبوا
عنها في تقرير الإصلاح اللازم لولايتهم.
وقد تم التصديق لهذه اللائحة وتفويض إنفاذها إلى لجنة الجمعية العمومية
في الجلسة العامة الثالثة المنعقدة في دار المجلس البلدي في يوم الجمعة الواقع
في ٢٣ صفر سنة ١٣٣١ و٣١ كانون الثاني سنة ١٩١٣.
***
مادة أساسية
الحكومة العثمانية حكومة دستورية نيابية
(الإدارة)
المادة الأولى: تقسم إدارة الولاية إلى قسمين: القسم الأول هو المشتمل
على الأعمال المتعلقة بكيان السلطنة وشئونها الأساسية، وهي المسائل
الخارجية والعسكرية والجمارك والبوسته والتلغراف وسن القوانين ووضع
المكوس.
والقسم الثاني: هو المشتمل على الأعمال المحلية المتعلقة بشئون الولاية
الداخلية الخاصة، فكل ما يتعلق بالقسم الأول منوط تقريره وإجراؤه بالحكومة
المركزية، وكل ما يتعلق بالقسم الثاني منوط تقريره بمجلس الولاية العمومي.
***
الوالي - حقوقه ووظائفه
المادة الثانية: للوالي صفتان قانونيتان: الأولى تمثيل الحكومة المركزية،
وبهذه الصفة يتولى إجراء جميع الأعمال المتعلقة بالقسم الأول طبقًا لقرارات
الحكومة المركزية.
والثانية تمثيل حكومة الولاية التي يرأسها، وبهذه الصفة يتولى تنفيذ
جميع الأعمال المتعلقة بالقسم الثاني طبقًا لقرارات المجلس العمومي.
أما حقوق الوالي ووظائفه فهي:
أولاً - تنفيذ قرارات المجلس العمومي.
ثانيًا - الاعتراض على قرارات المجلس العمومي على الشروط الآتي بيانها
في باب الوالي والمجلس العمومي.
ثالثًا - الاطلاع على لوائح المشاريع التي تعدها لجنة المجلس العمومي
لإبداء ملحوظاته عليها قبل تقديمها إلى المجلس.
رابعًا - تعيين المتصرفين والقائمقامين والمديرين بعد عرض أسمائهم
على الحكومة المركزية وفقًا لنظام يضعه المجلس العمومي.
خامسًا: تعيين الطلاب الممتحنين الذين تعرض عليه لجنة الامتحان
أسماءهم لأجل التوظيف.
سادسًا: دعوة المجلس العمومي في الميعاد المعين لاجتماعه، ويمكنه
دعوته لاجتماع فوق العادة بمصادقة لجنة المجلس أو مجلس المستشارين.
* * *
المجلس العمومي - حقوقه ووظائفه
المادة الثالثة: يؤلف في الولاية مجلس عمومي من ثلاثين عضوًا ينتخب
نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من غير المسلمين لمدة أربع سنوات، وهم
ينتخبون منهم رئيسًا لهم بالاقتراع السري، أما سائر الانتخابات العمومية فتبنى
على قاعدة التمثيل النسبي العددي في دوائر الانتخابات.
أما حقوق المجلس العمومي ووظائفه فهي:
أولاً: تقرير جميع أعمال الولاية الداخلية والمذاكرة في ما يعرض عليه
من قِبل الوالي أو لجنة المجلس أو عشرة من أعضائه.
ثانيًا: وضع الأنظمة الداخلية، بشرط أن لا تمس شئون السلطنة الأساسية.
ثالثًا: عقد القروض التي لا تتجاوز قيمتها نصف الواردات المختصة بالولاية.
أما القروض التي تتجاوز هذا المبلغ فيلزم لها مصادقة الحكومة المركزية.
رابعًا: إعطاء رخص لتأليف شركات مساهمة (آنونيم) عثمانية
للمشاريع العمومية النافعة للتجارة والصناعة والزراعة وسائر الشئون
العمرانية داخل الولاية على شرط أن لا تتضمن امتيازًا، أما المشاريع التي
تتضمن امتيازًا فيجب مصادقة الحكومة المركزية عليها. وتخول هذه
الشركات الشخصية المعنوية بمعنى أن يكون لها حق التملك.
خامسًا: تقرير الضمائم الكسورية على المكوس المقررة.
سادسًا: تقرير رواتب موظفي ومستشاري الدوائر التي هي بإدارة حكومة
الولاية.
سابعًا: حق استيضاح الوالي وطلب عزله.
لا يتدخل المجلس العمومي في الشئون السياسية العامة مطلقًا.
* * *
الوالي والمجلس العمومي
المادة الرابعة: قرارات المجلس العمومي نافذة ما لم يعترض عليها
الوالي بمصادقة مجلس المستشارين خلال أسبوع من تاريخ تبليغه إياها؛ فيعيد
المجلس النظر في قراره، وإذا أصرَّ عليه بأكثرية ثلثي الأصوات يكتسب
القرار الصفة القانونية القطعية وعلى الوالي تنفيذه.
* * *
لجنة المجلس العمومي
المادة الخامسة: ينتخب المجلس العمومي بالاقتراع السري لجنة من
أعضائه واحد منهم من كل لواء واثنان من مركز الولاية لمدة سنة واحدة
فتجتمع بإدارة مستشار المجلس العمومي.
أما وظائف اللجنة فهي:
أولاً: مراقبة تنفيذ قرارات المجلس.
ثانيًا: درس المشاريع اللازمة للولاية وإعداد لوائحها.
ثالثًا: تعيين مهندسين اختصاصيين للاستعانة بهم في أعمالها.
رابعًا: حق الاعتراض على الممتحنين الذين تقدم إليها لجنة الامتحان أسماءهم
قبل عرضها على الوالي.
خامسًا: دعوة المجلس العمومي، لاجتماع فوق، العادة باتفاق ثلثي أعضائها
ومصادقة مستشار المجلس.
* * *
الموظفون - تعيينهم وعزلهم
المادة السادسة: الوالي وحاكم الشرع في مركز الولاية والدفتردار
وباشمدير الرسومات وباشمدير البوسطة والتلغراف وقومندان الجندرمة
وضباطها - تعينهم الحكومة المركزية على شرط معرفتهم اللغة العربية معرفة
تامة، ويستثنى من هذا الشرط والي الولاية لمدة خمس سنوات من تاريخ
وضع مواد هذه اللائحة موضع الإجراء.
أما بقية الموظفين فينبغي أن يكونوا من أهالي البلاد ويجري تعيينهم على
الوجه الآتي بيانه:
تعيين الموظفين:
يُمتحن طالبو الوظيفة أمام لجنة مؤلفة من مستشار ورئيس الدائرة التي
يطلبون الدخول فيها، فتقدم لجنة الامتحان اسمي الممتازين منهم إلى لجنة
المجلس العمومي، وبعد مصادقتها يعرضان على الوالي فيعين أحدهما. ولدى
تعيينه يبلغ الوالي اسمه للنظارة المنسوب إليها فيقيد في سجلها محافظة على
حقوق ترقيته وتقاعده، وأما رؤساء العدلية فيعينون وفقًا لنظام يضعه المجلس
العمومي.
عزل الموظفين:
الموظفون المعينون من قبل الولاية عدا رؤساء العدلية تكف يدهم بناء
على طلب المستشار ورئيس الدائرة المنسوبين إليها معًا. وأما رؤساء العدلية
فتكف يدهم بناء على طلب المستشار ومصادقة مجلس المستشارين. وقرار كف اليد
في كلا الحالين ينفذه الوالي، وللموظف المكفوفة يده الحق بمراجعة الوالي في
خلال سبعة أيام من تاريخ تبليغه ذلك إذا كان موظفًا في مركز الولاية وخمسة
عشر يومًا إذا كان خارج المركز. فيحيل الوالي دعواه إلى مجلس المستشارين ليحكم
في وجوب العزل أو عدمه، والموظف الذي يحكم مجلس المستشارين بعزله لا
يجوز استخدامه في دوائر الحكومة ولا يعطى معاش معزولية، أما محاكمة المعزول
جزئِيًّا فتجري في المحاكم العدلية بمذكرة خاصة من المستشار المدعي العمومي.
وأما موظفو الحكومة المركزية فتكف يدهم بطلب المستشار ومصادقة
الوالي الذي يطلب عزلهم بعد حكم مجلس المستشاين عليهم من النظارة
المنسوبين إليها، وينبغي أن يعين خلفهم في مدة ثلاثين يومًا.
وأما المفتشون والمستشارون فيكون عزلهم بطلب الوالي من مجلس
المستشارين وبحكم صادر من هذا المجلس.
وأما الوالي فيكون عزله بناء على قرار المجلس العمومي بأكثرية ثلثي
مجموع أعضائه، فتعين الحكومة المركزية خلفه في مدة أربعين يومًا.
* * *
المستشارون والمفتشون
المادة السابعة: تعين الحكومة المركزية مستشارين من الأجانب على
شرط معرفتهم إحدى اللغات الثلاث: العربية أو التركية أو الفرنسوية، وذلك
للدوائر الآتية في مركز الولاية وهي: الجندرمة والمالية وتلحق بها غرفة
التجارة والبوسطة والتلغراف والجمرك. وتعين أيضا مفتشًا أجنبيًّا عامًّا لكل لواء من
الولاية يخول حق تفتيش أية دائرة كانت في اللواء، ويكون مرجعه مستشار مركز
الولاية الداخلة تلك المسألة المراجع فيها ضمن دائرة اختصاصه.
ويعين المجلس العمومي من الدول التي ترضاها الحكومة المركزية
مستشارين للداوئر الآتية: وهي مجلس الولاية العمومي والعدلية والنافعة
والمعارف والبلدية والبوليس، ويلبس هؤلاء المستشارون الشعار العثماني في
أوقات العمل، أما مدة الاستشارة والتفتيش فخمس عشرة سنة، ويمكن
تجديدها.
* * *
مالية الولاية
المادة الثامنة: وإدارات الولاية على نوعين: أحدهما يعود برمته إلى
مركز السلطنة، وهو حاصلات الجمارك والبوسطة والتلغراف والبدلات
العسكرية، والآخر وهو عدا ما ذكر من الواردات يعود برمته إلى الولاية.
* * *
رواتب الموظفين
المادة التاسعة: ينظم المجلس العمومي ميزانية الولاية السنوية فيدخل فيها
رواتب جميع الموظفين والمستشارين عدا موظفي ومستشاري الجمارك والبوستة
والتلغراف.
* * *
الأراضي المحلولة
المادة العاشرة: تسلم الأراضي المحلولة والأملاك الأميرية الداخلة
ضمن الولاية إلى المجلس العمومي، وتكون برمتها ملكًا للولاية.
* * *
الأوقاف
المادة الحادية عشرة: لا علاقة للإدارة ولا للمجلس العمومي في
الأوقاف، بل يسلم كل وقف إلى مجلس الملة المنسوب إليها؛ لاستخدامه بموجب
قانونها (بناء عليه، جميع أوقاف المسلمين في الولاية تسلم إلى مجلس ملتهم أسوة
بباقي الطوائف) .
* * *
البلديات
المادة الثانية عشرة: البلديات مستقلة بجميع أعمالها، ولها الحق
بوضع الرسوم البلدية بمصادقة المجلس العمومي دون مراجعة الحكومة
المركزية.
* * *
مجلس المستشارين
المادة الثالثة عشرة: يؤلف مجلس يسمى مجلس المستشارين ويكون
أعضاؤه رئيس المجلس العمومي، أو من ينيبه عنه من أعضاء لجنة المجلس،
وجميع مستشاري الدوائر في مركز الولاية.
أما وظائف هذا المجلس فهي:
أولاً: تفسير النظام الذي تضعه الحكومة المركزية بناء على هذه اللائحة
كدستور لحكومة الولاية ومجلسها العمومي.
ثانيًا: تفسير القرارات والأنظمة التي يضعها المجلس العمومي.
ثالثًا: النظر والحكم بناء على طلب الوالي أو أحد المستشارين في كل
خلاف في الرأي يقع بين أحد المستشارين والمجلس العمومي أو إحدى لجانه
أو أية دائرة كانت ويكون حكمه مبرمًا ويرأس هذا المجلس والي الولاية
وينوب عنه في غيابه رئيس المجلس العمومي أو مستشار هذا المجلس.
* * *
اللغة المحلية
المادة الرابعة عشرة: إن اللغة العربية تعتبر اللغة الرسمية في جميع
المعاملات داخل الولاية، وتعتبر أيضًا لغة رسمية كاللغة التركية في مجلسي
النواب والأعيان.
* * *
الخدمة العسكرية
المادة الخامسة عشرة: تخفض الخدمة العسكرية إلى سنتين وتقضى
الخدمة أيام السلم في الولاية، وتنزل قيمة البدل النقدي للنظامية إلى ثلاثين
ليرة عثمانية، وللرديف والاحتياط إلى عشرين ليرة.
... ... ... ... (الجمعية العمومية الإصلاحية في بيروت)
(المنار)
إنني أشكر لإخواني أهل بيروت هذا العمل الإصلاحي الذي أقيم
على أساس الاتفاق بين مسلميهم ونصاراهم، وإن بذل الأولون في استمالة
الآخرين ما لم يبذله غيرهم من الناس؛ وهو أنهم راضون أن تكون قلة
النصارى في الولاية مساوية لكثرة المسلمين في الاشتراك بإدارة حكومتهم، فهذا
برهان عملي قاطع على تساهل من يعدون أشد المسلمين عصبية في سورية، وقد
صدَّق الله، ولله الحمد، حسن ظني في أهل بيروت؛ إذ فضَّلتهم على جميع أهل
بلادنا فيما كتبته عنها عند زيارتي لها بعد إعلان الدستور.
وإذا كنا نعد لهؤلاء المسلمين من المزية سماحهم ببعض حقوقهم لأبناء وطنهم
ونشكر للجميع الوحدة الوطنية والاتفاق؛ فإننا نعد على الجميع سماحهم بأقدس
حقوقهم للمستشارين من الأجانب، فقد منحوهم من الحقوق ما لا يطلب من مثلهم،
وما هو خطر عظيم على مستقبل البلاد، ولم يجعلوا لأنفسهم عليهم سلطة تبيح لهم
مؤاخذتهم إذا أخطأوا ومعاقبتهم إذا أذنبوا، على أن مؤاخذة الضعيف للقوي بالحق
والقانون تكاد تكون متعذرة؛ فكيف إذا كان القوي صاحب سلطة مطلقة لا توجب عليه
للضعيف حقًّا، ولا تفرض عليه مؤاخذة؟
وإنني أشير إلى أهم ما أنكرته من حقوق هؤلاء المستشارين في اللائحة،
لعل إخواننا يتدبرون ذلك فينقحون لائحتهم تنقيحًا يتقون به الخطر ويقطعون
ألسنة المعترضين والمقاومين لهم اتباعًا لأهواء السياسة المركزية العنصرية،
ويقنعون المخالفين لهم بحسن النية؛ لئلا يكون هؤلاء من حزب المقاومين
بالهوى فتقوى بهم مقاومتهم؛ فإن لحسن النية تأثيرًا وإن كان صاحبه مخطئًا،
والحكومة بين الفريقين ترجِّح ما تراه أولى لها، ويرون انتقادي لما أنكرته في
موضع آخر مِن هذا الجزء.
وكنت أودُّ أن لو جروا على طريقة حزب اللامركزية بمصر فلم يقيدوا
أنفسهم بهذه القيود الثقيلة في مسألة المستشارين من الأجانب؛ ولكن يظهر أن
المقترحين لتلك المواد لم يصادفوا من المخالفين لهم فيها من محَّص المسألة وقدر على
الإقناع، ولعمري إن ذلك ليس بالأمر اليسير، والصواب أن يكون طلاب الإصلاح
كافة على رأي واحد في القواعد الإجمالية التي تطلب من الحكومة المركزية؛
لأن التفرق ضعف والاجتماع قوة، وحزب اللامركزية الإدارية في مصر لم يتعرض
في برنامجه للتفصيل؛ لأن الاتفاق عليه متعذر؛ فعسى أن يكون هو الجامع
للجميع.
أنا أقر بأنه لولا وجودي بمصر ووقوفي على دخائل السياسة والإدارة فيها لما
كان هذا القليل الذي أعرفه من تاريخها وتاريخ تونس كان كافيًا للحكم
في هذه المسألة التي عرضت لإخواننا أهل بيروت فكان رأيهم فيها محتاجًا لزيادة
المراجعة والتمحيص.