للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء
(جمعية بيروت الإصلاحية وقتل زكريا طباره)
كان أول عمل عملته الوزارة الشوكية الاتحادية في البلاد العربية عزل أدهم
بك والي بيروت وجعل حازم بك مكانه وبدأ هذا عمله بإقفال نادي الإصلاح وحل
عقد الجمعية الإصلاحية التي تألفت وأنشئ ناديها بإذن رسمي من سلفه الوالي أدهم
بك الائتلافي، ثم قتل أحد رجال جمعية بيروت الإصلاحية زكريا أفندي طباره
اغتيالاً، وأشيع أن قتله كان بإيعاز من الوالي حازم بك فعظم الأمر على الناس،
ولكن مدير الشحنة (البوليس) ومعاون المدعي العمومي (وكيل النيابة) قد نشر
كل منهما في الجرائد بلاغًا رسميًّا كذَّبَا فيه ما أشيع من قتل الرجل بسبب سياسي
أو إداري، وإيعاز خفي.
أما سبب الإشاعة فهو ما اشتهر من أن هذا الوالي الاتحادي العريق قد
اصطنع لنفسه زعنفة من الأشقياء الذين يعيثون في البلد فسادًا بالعدوان وتهريب
السلاح والدخان، وما كان من أعضاء جمعية الإصلاح من حمل جميع أهالي
بيروت على إقفال محلاتهم التجارية ومعاهدهم العمومية يومًا واحدًا احتجاجًا على
عمله وإيذانًا له بأن الجمعية الإصلاحية تمثل وطنها حق التمثيل، وما كان من
إرادته إجبار الناس على فتح البلد بواسطة الضغط على بعض طلاب الإصلاح
ووقف بعضهم في دار الحكومة ومنهم زكريا أفندي طباره، وبذلك زيد الاعتصاب
فأقفلت المدينة يومين آخرين، ثم إن الوالي بادر إلى إطلاق من وقفهم من رجال
الإصلاح بشفاعة كبيري بيروت محمد أفندي بيهم وألفرد بك سرسق، وعلى إثر
ذلك قتل زكريا أفندي طباره اغتيالاً في الطريق وهو ذاهب ليلاً إلى داره، فقيل ما
قيل، ومنه أن الوالي أوعز إلى بعض الأشقياء بأن يقتلوا أحمد مختار أفندي بيهم
وزكريا أفندي، واستحضروا بإذنه أحدهم - المحكوم عليه بالإعدام - من مرسيلية
لأجل ذلك ووعده الوالي بعفو السلطان عنه.
المعروف عند كل الناس أن جمعية الاتحاد والترقي جمعية ثورية وأن لها
أفرادًا تسميهم الفدائيين أعدتهم لاغتيال خصومها، وقد اتهمت بقتل كثيرين من
رجال الصحافة في الآستانة وغيرهم كحسن بك فهمي وأحمد بك صميم، وبعد أن
أعلنت هي رسميًّا أنها تحولت من جمعية ثورية خفية إلى حزب سياسي فعلت فعلتها
بهجوم بعض أشقياء رجالها على الباب العالي وقتل ناظر الحربية وغيره في دائرة
الصدارة منه وإسقاط وزارة كامل باشا بذلك وإقامة وزارة محمود شوكت باشا مقامها،
ثم إن هذه الوزارة الاتحادية لم تحاكم من قتلوا ناظر الحربية ومن قتل معه ولو
محاكمة صورية، فإذا كان هذا أمرًا يعرفه جميع الناس من كل الأمم فكيف يستغرب
ما أشيع بين الناس من كون قتل زكريا طباره كان جناية سياسية؟
إنما نحن ناقلون، لا مثبتون ولا نافون، وغرضنا من النقل العبرة
والنصيحة فنقول للحكومة الاتحادية الحاضرة: إنك أمرت بمعاملة الجمعية
الإصلاحية في بيروت بالشدة والقسوة، فهذه من جملة أعمالك المبنية على ما في
مخاخ رجالك من النظريات التي نرى نحن أنها باطلة ومؤدية إلى ضد ما تريدين،
وقد قلنا مثل هذا القول في غير هذا العمل من أعمالك، فصدق قولنا، وسترين
صدقه في هذه المرة أيضا وفساد تلك النظريات، وأن هذه الشدة تنفع العرب الذين
تريد الجمعية سحقهم ومحقهم ولا تضرهم، فإن الأمم لا تظهر قوة استعدادها إلا
بالضغط عليها، فعسى أن تتدبر الحكومة والجمعية هذا القول فتبادر إلى
الإصلاح بمنتهى السرعة والإخلاص.
***
(أحوال مسلمي روسيا)
افتتان بعض علماء التتار بعبد الحميد
ورأيهم في سبب خذلان الترك حال شبانهم
رأينا في مجلة (دين ومعيشت) التي تصدر ببلدة أورنبورغ في روسية
ويتولى تحريرها بعض علماء التتار الجامدين على التقاليد المألوفة رأيًا غريبًا
نشر فيها بإمضاء (زاري) تحت عنوان (لماذا انهزم الترك؟) فأحببنا أن ننشره لما
فيه من العبرة، بافتتان الناس بالملوك وتأييدهم بنصوص الدين، وإن كانوا ظالمين،
وهذه ترجمته:
انهزم العثمانيون لأنهم استوجبوا غضب الله تعالى فلم ينصرهم؛ ذلك أنهم
خلعوا سلطانهم الذي خدمهم ٣٣ عامًا خدمة جليلة وحفظهم من ذلك الخذلان بحكمه
فيهم حكمًا مطابقًا لرضاء الله تعالى! وأنهم لم يعرفوا قدره بل عزلوه عن منصبه
وأسقطوه من عرشه وفرقوه من تاجه، فإن الله تعالى حرمهم من الأراضي الأوربية
كلها وتركهم أذلاء في العالم تصديقًا لما قاله نبيه المحبوب صلى الله عليه وسلم
لأمته وتفهيمًا لعصيان الأتراك إياه.
روى الإمام الترمذي في باب ما جاء في الخلفاء الحديث الآتي: من أهان
سلطان الله في الأرض أهانه الله. وهذا الحديث ليس مختصًّا بالسلطان التركي بل
يشمل كل سلطان، إذا حقر الناس أي سلطان كان، فلا بد أن تهان أنفسهم ويجازوا
عليه [١] الشبان العثمانيون أهانوا السلطان عبد الحميد، فالله تعالى جازاهم على ذلك،
وأهان أنفسهم وتركهم في ذلة وشقاء، نعم إن الأتراك شبانهم وشيوخهم سواء في
إهانة سلطانهم عبد الحميد بل لم يخل، عن هذه الإهانة العالم الإسلامي كله، ولكن
السبب فيها هم الذين تركوا دين الله وراء ظهورهم، وأبوا الشريعة الإسلامية،
ولم يخافوا الله تعالى. إن الذين أهانوا السلطان عبد الحميد ظهروا أولاً في سلانيك
فالله تعالى أخذ سلانيك من أيديهم أولاً وأعطاها للآخرين.
كان في مقدمة هؤلاء الناس الذين بغوا على السلطان عبد الحميد أنور بك
ونيازي بك اللذان في قدمهما شؤم، فإن أحدهما جاء إلى بلاد الأرنؤوط بقدمه النحسة
فذهبت تلك البلاد من أيديهم، وثانيهما قدم طرابلس الغرب فذهبت إلى الطليان
بشؤمه، هذا الرجل المشئوم بعد ما رجع من طرابلس الغرب قدم البلاد الأوربية
العثمانية فذهبت تلك البقاع إلى الحلفاء البلقانيين، حفظ الله من قدوم هؤلاء الناس
المشئومين إلى بلاد الأناضول، فإذا وطئوها فلا شك حينئذ في ذهاب الأناضول
أيضًا.
إن العثمانيين مع ظهور جزاء الله تعالى فيهم لا يتفكرون في شؤمهم ولا
يبحثون عن إصلاح أحوالهم، بل يمشون على أعقاب هؤلاء الناس، ويجعلونهم
رؤساء فيُعَرِّضُون أنفسهم لغضب الله تعالى وقهره إذا هم لم يفيقوا من غفلاتهم
ولم يتوبوا من قبائحهم ولم يطلبوا عفو السلطان عبد الحميد مقبِّلين يديه ورجليه
فليس بعيدًا أن يأخذ الله تعالى منهم الخلافة والسلطنة بل هذا قريب جدًّا، تفكروا،
أي أمة من الأمم إذا سئمت الشريعة التي بها قوامها وسخرت من طالبي هذه
الشريعة ولقبتهم بـ (شريعت استرز) [٢] وكرهت الشريعة كما يكره الارتداد بل
ظلمت فوق ذلك أهل الدين منهم ولم تقف عند هذا الحد خوفًا من الله تعالى بل
خوفًا من أوروبا فقط، فماذا يفعل الله تعالى بهذه الأمة؟ أليس قليلاً، ولو جازاهم بأي
جزاء؟
لئن نسي الشبان العثمانيون ما فعلوا بعلماء الدين من الإهانة عند الانقلاب
وبعده؛ فإن الله تعالى لا ينساه، فإنه يعلم أن قطرة من دماء هؤلاء الفدائيين في
سبيل الدين لا تقابلها دماء ألوف من الناس المشئومين، وزد على ذلك دم ناظم باشا
الغازي في سبيل الله في الانقلاب الأخير؛ وهذا يمنعهم أيضًا من التقدم إلى مدة
طويلة، ودموع السلطان عبد الحميد وأحزانه في حبسه يكفيهم لإطفاء نورهم. وقى
الله الأمة الإسلامية من شرورهم اهـ.