للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فرنسا الإسلامية

جاء في جريدة (المفيد) المفيدة تحت هذا العنوان ما يأتي:
أثبتنا منذ أيام في صدر هذه الجريدة تعريب مقالة للطان أََنَّبَتْ فيها حكومتها
على إدارتها الجائرة في المستعمرات الإفريقية ثم عثرنا اليوم على العدد الأول من
جريدة فرنساوية صدرت حديثًا في باريس عنوانها فرنسا الإسلامية، ومديرها المسيو
بول بروزون، غايتها البحث في إفريقية الفرنساوية، وحض حكومة الجمهورية
على تبديل شكل إدارتها في هذه البلاد؛ لأجل استرضاء أهلها، والاستيثاق
من مودتهم، وجميع ما تقدم يدل دلالة واضحة على أن أكثر المفكرين من أمة
الفرنسيين يرون أن استمرار فرنسا على إنفاذ الخطة الإدارية المعتادة في إفريقية
الشمالية، أمر يضر بسياستها أعظم الضرر فضلا عن كونه لا يتفق مع مبادئ دولة
اشتهرت بأنها مهد الحرية.
وإذا كان يهم القراء جدًّا أن يعرفوا ما تقول جريدة فرنسا الإسلامية ولا سيما
في عددها الأول، فقد بادرنا إلى تعريب افتتاحيته وهي الآتية:
إن عنوان هذه الجريدة يفيد خلاصة كل آرائنا ويعرف بدون إشكال المقصد
الذي ندعي أننا نتبعه. وإن هذا العنوان بمثابة ضمانة للنصح المتبادل، وبمثابة
صورة للارتباط، ثم على التقريب بمثابة رمز للاتفاق، بين شعبين كانا في الأمس
متناكرين متعاديين، ولكن قضت المقادير بأن يدنو أحدهما من الآخر ليسيرًا غدًا في
طريق مشترك. وإنه يبين أننا المجاهدون المقتنعون بفائدة سياسة الاتفاق، بأكثر
مما يمكن تبيينه بالإرشادات الطويلة.
لا مشاحَّة في أن فرنسا بفتوحاتها الإفريقية قد اكتسبت حقوقًا، ولكن لا مشاحة
أيضًا في أنها بالفتوحات المذكورة أصبحت مسئولة عن واجبات مقدسة، بإزاء
الذين وضعتهم تحت سيطرتها، وهي لا تستطيع إنكار ذلك.
إن مستقبل هذه الامبراطورية الإسلامية الواسعة متوقف جميعه على الصورة التي
تعرف بها فرنسة أن تطابق بين هذه الحقوق، وهذه الواجبات.
إن هذه الامبراطورية التي اكتملت اليوم باحتلال مراكش تشتمل على عدد من
السكان يمكن تقديره بدون مبالغة زهاء عشرين مليون نسمة، وكلهم يجمعهم دين
واحد، ولهم احترام شديد لتقاليدهم القديمة المتشابهة، وهذا ما يجده كل إنسان
مشروعًا لهم، فعلى أية طريقة يناسب فرنسة أن تسلك بإزاء هذا الجمهور القلق
الأفكار الذي يرمقها بنظرات مملوءة من الرجاء، ومملوءة من الوجل أيضًا؟ هل
يبدو لها أن تسحقه بتوحش، وتدفعه نحو الصحراء؟ هل يبدو لها أن تحكم عليه
بالنفي؟ هل يبدو لها أن تستعبده استعبادًا شاقًّا؟ كل ذلك من المناهج الجرمانية التي
لا يستطاع تأليفها مع مزية فرنسا الشريفة الفائقة في العدالة والرقة.
كيف هذه الأمة الكريمة - التي لم يكن المظلومون يستنجدونها عبثًا - ترضى
بأن تتحمل مسئولية ثقيلة مثل مسئولية بولونية، وفنلدنة والإلزاس واللورين؟
هل يتسنى لها أن تنكر أعمالها، والعبارات الجميلة التي كتبتها بدماء شهدائها في
الصفحات الأولى من دستورها؟ كيف تجسر على أن تصادم الأحكام التاريخية،
حين ترتكب هي نفسها شتم الكلمات الثلاث البديعة أي: (حرية، مساواة، إخاء)
التي خطتها في ضميرها النقي، وعلى عتبات جميع هياكلها وقصورها؟ ومع ذلك
فإنه عدا كل مسألة شعورية، فإن مصلحتها عينها تستدعي منها أن تتخذ لها موقفًا
غير هذا. إنها إذا كانت في حكمها بمنزلة الأم الظالمة، فإنها تثير عليها في وسط
حوزتها كثيرًا من الأضغان ذات الخطر. وبالعكس إنها بالعدل والرفق وبإجراء ما
يستلزم عرفان الجميل تزيد قابلية النجاح في عملها العائد إلى نشر المدنية.
إن الاعتماد على القوة وقت مزاولة الفتح هو لازم لسوء الحظ، فما دامت
البلاد الخاضعة في ثورة مستترة، وما دامت غير خالية من الهرج بالكلية، فإن
استعمال الطرق القسرية مما يجوز فيه قبول العذر؛ ولذلك لا نجادل في التدابير
الاستثنائية التي ظنوا أنه كان يجب العمل بها في الجزائر حين كان الشعب بتمامه
خاضعًا لتأثير الجمعيات الدينية المؤسفة، وحين كانت أصوات مشايخ الزوايا
تصادف مكانًا من قلبه، فالذي يحسن منا تقديره الآن هو أنه لم يعد لهذه الخطة حق
في الوجود، وأنه من الواجب على فرنسة أن تستبدل بها في القريب العاجل خطة
أخرى أكثر حرية وعدلاً، وبذلك ترسم في أفريقية أثرًا مفيدًا وثابتًا.
فمن جَرَّاءِ تأثير المدرسة العبدية [١] وهي من أهم المدارس اللاهوتية، وهي
التي أسبابها ونتائجها تنطبق انطباقًا غريبًا على الأسباب والنتائج المكونة للحركة
الفكرية الكبيرة القائمة حول الإصلاح، من جراء تأثير هذه المدرسة أخذ الإسلام في
الانصلاح، إن تلاميذ الشيخ محمد عبده دخلوا في محاربة المتعصبين في الدين
تعصبًا أعمى. وهم يستنكرون كل البدع، ويرفضون سلطة أصحاب المذاهب، وإذ
كانوا خصومًا للتعصب الشديد فهم يعلمون التساهل الواسع، والشيخ عبده في
تفاسيره للكتب الدينية يفصل العلم ومبدأ الاجتماع اللذين يوضحهما إلى أقصى
درجاتهما عن حيز العقيدة الذي ينبغي أن يبقى نقيًّا ضمن أصول ثابتة، وبهذه
الصورة لا يكون الشيخ عبده مقاومًا للدين كما يدعي أعداؤه، بل إن هذا اللاهوتي
العظيم كان متقيدًا تمام التقيد بأحكام القرآن والسنة، وهو بذلك يعيد الإسلام إلى
طهارته الأصلية، ويعيده إلى شبابه من حيث ملامسة التقاليد والنصوص.
وبتأثيره النافع تصير شريعة النبي صلى الله عليه وسلم كما وجب أن تكون
في كل آن، أي: دين التوحيد الحر المعقول الخالي من الأكليروس ومن التكاليف
تقريبا، الذي يبث في النفوس أدبًا يقع تحت طاقتها، والذي بقاعدته السالمة من كل
روح إجبارية استطاع أن يخرج إلى العالم مدينتين مثل بغداد وقرطبة.
فالمدرسة العبدية من الآن فصاعدًا تفسح للمسلمين العاملين بدون تقييد مجالاً
واسعًا للنجاح، وهي تسمح لهم فوق ذلك بأن يمتزجوا بالمعاطفة مع الشعوب
الغربية، فالهند ومصر وسورية مدينات لهذه المدرسة بنجاح مدهش، ومنذ
سنوات انتشرت هذه العقيدة في إفريقية الفرنسية ففي بادئ الأمر هزت تونس هزة
نشاط كبيرة، واليوم قد امتدت إلى الجزائر وغدًا ستنبه مراكش.
فلا جرم أن هذه الحركة هي من الحركات التي تستحق اهتمام أوربة،
فإنكلترة وروسية وهولندة اللواتي عندهن مستعمرات إسلامية، وألمانية وإيطالية
اللاواتي لهن الأمل بأن يصير عندهن من ذلك، كل هذه الدول ينظرن إلى هذه
الحركة باعتناء؛ ولكن يظهر أن فرنسة وحدها غير شاعرة بها.
إن هذه الغفلة أي: غفلة فرنسا الخارقة للعادة، والتي هي من قبيل الإثم
وجلب الأخطار قد استمرت زمنًا طويلاً، وهي تعرقل مجهوداتنا في السياسة
الإفريقية فمن اللازم أن تنتهي.
إن فرنسة يجب عليها تلقاء نفسها أن تهتم بهذه المسألة مثل جاراتها بل أكثر؛
لأنه قد يتفق لسوء الحظ أن تصير اثنتان أو ثلاثة منهن عدوات لها في هذا المكان
في المستقبل الإسلامي فينبغي لها أن تتخذ موقفًا بإزاء هذه الحركة التي أشرنا إلى
أسبابها ومنازعها.
هل يخطر لها أن تعتقها؟ إن ذلك لا يكون من الظلم الشنيع فقط، بل من
الطيش الذي لا فائدة منه أيضًا، لا يمكن توقيف الشعوب متى كانت أحكام المقادير
الغامضة تدفع هذه الشعوب رغمًا عن نفسها، إذا تظاهرت فرنسا بمناهضة هذه
الحركة الوطنية في شمالي إفريقية، فإنها لا تستطيع أن تمنع شيئًا، فإن هذه
الحركة مع ذلك تجري، ولا يكون نتيجة لهذا الحساب الفاسد إلا أن تُكون أعداء
ألداء من الذين تستطيع أن تجعلهم معاضدين وأصدقاء إن لم تستطع جعلهم أبناء،
وبالعكس إذا كانت تريد أن تظهر لهم الانعطاف ولا تتوقف عن منحهم مساعدة حرة
خالصة فإنه تستخرج لها من هذه الحركة نفسها فوائد فائقة الحد؛ لأنها أولاً إذا
سلكت هذا المسلك فإنها تقدر أن تراقب الحركة وأن تديرها، وأن تُدخل فيها
معارفها، ثم بعد ذلك تتضافر مع علية القوم على إنفاذ ما تريد أن تعمله من نشر
التمدن، وهذا شيء لا يعادله ثمن.
لا ينبغي لنا أن نقع في الوهم: إذا كنا لا نعتمد على وساطة الأشخاص الذين
لهم علاقة ضئيلة بالتقاليد الموروثة وبالإيمان، فإننا لا نستطيع أبدًا أن نتغلغل إلى
الأجزاء العميقة من الشعب؛ لأن هذه الأجزاء بعيدة، ولا ثقة لها بنا، فهل نستطيع
أن نعرف ما يصدر عنها؟ هل نستطيع أن نقدر الآمال التي تنعقد لديها والأضغان
التي تنمو عندها؟ إنها بلا جدال عرضة لنفوذ الجمعيات الدينية، ومشايخ الزوايا،
ولكن هل نعرف أين؟ وكيف؟ وإلى أية درجة؟ وفوق ذلك ينبغي أن لا ننسى
الأمم المعادية لنا التي ترجو أن تغلبنا يومًا ما من جراء الصعوبات التي
نصادفها هناك، وإن لهذه الأمم هناك عمالاً سريين عديدين يعرفون حق المعرفة أن
يستخرجوا من الجهالة نفعًا. وفي مقابلة ذلك نحن المعدودون أصحاب البلاد،
من أجل أننا أصحاب البلاد ليس عندنا شيء من السلاح، ولعمري إن حناننا ينشئ
لنا سلاحًا كافيًا، إن هذا الحنان يساعد على أن يكون لنا في البلاد من أهل العرفان
والتفكير والفهم رجال يقاومون الجمعيات الدينية ومشايخ الزوايا، فتصير علية القوم
في جانبنا، أو في جانب خصومنا وهو مما يتعلق بنا لا بغيرنا.
في الوقت الحاضر رغمًا عن انجلاء بعض الأوهام، فإن هذه الطبقة التي
ذكرناها لم تزل تتمتع بالالتفات إلى جهة فرنسة وهي مسوقة إلى ذلك بأسباب عديدة:
أهمها ميلها الشديد إلى حفظ مصالحها الأولية، ذلك الميل الذي تكون شدته
على قدر المعرفة لمسائل الأمم، فهل ننكر هذا الاستعداد الميمون ونحتقر الفائدة
التي تنجم عنه لنا؟ إن ذلك يكون خطيئة لا تغتفر، إن هذه المسألة مما لها يستحق
الانتباه، فإن الساسة العالمية عرضة للتبدل، وإنه لدى حالة كهذه قد يعرض لنا
أسباب الندامة من حيث إننا لم نكن أكثر استبصارًا أو كياسة مما كنا، فيلزم أن
نعمل العكس وهو أن نحكم الرابطة التي تربط سكان هذا الوطن بنا، وأن نبدي لهم
بأننا سعداء ومطمئنون بقبول معاضدتهم لنا في الأمر. ومن أجل ذلك فإنه من
الواجب على حكومة الجمهورية أن تعمد في القريب العاجل إلى إنفاذ سياسة حرة
عادلة في أفريقية الشمالية ونحن عازمون على أن نطري هذه السياسة، وأن ندافع
عنها.
إن الذي تحتاج إليه امبراطوريتنا الإفريقية هو القوانين الدستورية اهـ.
(المنار)
إننا لما صار لنا صلة بأهل تونس والجزائر، وعلمنا من عقلائهم وأهل
البصيرة فيهم حقيقة ما يشكونه من سياسة فرنسة وإدارتها لبلادهم كنا نتعجب من
أمر هذه الدولة التي تجمع بين الأضداد؛ إذ هي في أوربة على ضد ما هي في
أفريقية، هي في أوربة أم الحرية والمساواة وناشرة لواء العلوم والفنون وما شم
مسلمو أفريقية رائحة ذلك منها في بلادهم، هذه الرائحة الطيبة التي تحيا بها الأمم،
بل شموا عوضًا عنها رائحة خبيثة، كنا نرى مسلمي هذه البلاد يبغضون هذه الدولة
ويتربصون بها نوائب الدهر، ويتمنون لو تيسر لهم الهجرة من بلادهم ولا نرى
مثل هذا من مسلمي الهند ولا من غيرهم من مسلمي المستعمرات الأوربية، حتى
مسلمي روسية دولة التعصب الديني والسلطة المطلقة الاستبدادية، فقد كتب إليَّ
كثير من أهل القوقاس يقولون: إنه قيل لنا إنه يجب علينا الهجرة من بلادنا إلى
بلاد حكومتها إسلامية، وإننا لا نود أن نبتغي ببلادنا بدلاً إلخ.
كنا نتعجب من هذه الطريقة التي جرت عليها فرنسة في تونس والجزائر ونرى
أنه يمكنها أن تملك قلوب المسلمين كما ملكت إدارة بلادهم؛ إذا هي أخلصت النية
في تعليمهم علوم العمران مع عدم التعرض لحريتهم الدينية وعدم الطمع في سلبهم
رقبة بلادهم، ولا ندري أيجهل أهلها هذا الإمكان أم لا، وكيف يجهلونه على
ذكائهم وفطنتهم؟ ولماذا لا يعملون به إذا كانوا يعلمونه وهم أبعد الناس عن
التعصب الديني الذي يمنع غيرهم من مثل ذلك.
ثم إننا صرنا نسمع حينا بعد حين أصواتًا حرة من جو فرنسة نفسها تنبئ بهذا
الإمكان وتدعو إلى سلوك سبيله، ومن العجيب أن جريدة الطان التي هي لسان
نظارة خارجية فرنسة كان ينعكس منها مثل هذا الصوت الذي سمعناه في هذه الأيام
من جريدة فرنسة الإسلامية، نوَّه أحد مكاتبي الطان منذ سنين بمثل ما تنوه به هذه
الجريدة اليوم، وذكر ما يسميه بعضهم المدرسة العبدية وصرح بأن المنار هو الذي
نشر هذه الفكرة الإصلاحية في تونس وأن أهلها هم المعتدلون الواقفون بين العوام
وزعمائهم من شيوخ الدرس والطريق الجامدين الذين لا يريدون تغيير شيء مما هم
عليه وبين المتفرنجين الذين انسلخوا من دينهم وعاداتهم اتباعًا لشهواتهم. وبمثل
هذا صرح لورد كرومر في تقريره الذي تكلم فيه عن وفاة الأستاذ الإمام الشيخ محمد
عبده فقال: (إن تلاميذه وسط بين الجامدين الذين يبغضون المدنية والمتفرنجين
الفاسدين؛ لأنهم دعاة للمدنية والتأليف بين المسلمين وبين غيرهم مع المحافظة على
أصول دينهم، وقال: إنه يجب على جميع الأوربيين العطف عليهم ومساعدتهم) .
مرت السنون ولم نر لكلام الطان تأثيرًا بل إننا نعلم حق العلم أن حزب
المدرسة العبدية في تونس وشعارهم قراءة المنار يرون أنفسهم تحت مراقبة من
الحكومة الفرنسية، وأن أهل التعصب والجمود وأعداء المنار تؤيدهم فرنسة أم
الحرية؛ لأن زعماءهم منافقون تستعملهم الحكومة في غش عوام المسلمين، فلولا
مظاهرة الحكومة لما كان دجال تونس داعية الخرافات ودعي الخوارق والكرامات
يتجرأ على طبع قصيدة أخيه الدجال النبهاني في تكفير إمامي الإصلاح الإسلامي
في هذا العصر السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده وتكفير صاحب المنار أيضًا.
ولماذا يتكئ هذا الدجال على فرنسة وهي تعلم أن خرافات أمثاله هي التي تجعل
الشعب الإسلامي عرضة لقبول الفتن والثورات ومقاومة المدنية؟ السبب معروف
وقد ظهر بأجلى مظاهره في العام الماضي عندما قام هذا الدجال الخرافي يدعو
المسلمين إلى ترك الاعتصاب في حادثة الترام الشهيرة، فكان هو أول من ركب
ودعا المسلمين إلى الركوب في الترام، ولكن لا يليق بفرنسة أن تجعل هؤلاء
الدجالين من أنصارها وأحزابها وقد انقضى الزمن الذي يروج فيها دجلهم في مثل
تونس المستيقظة أو كاد.
إن دعاة المدنية من المسلمين كمريدي المدرسة العبدية يودون الاستعانة على
تعليم أمتهم بفضلاء الإخصائيين من الأوربيين، وقد رأت فرنسة في هذا العام أن
أهل بيروت - أرقى مدن سورية - قاموا يطلبون بقرار من جمعيتهم الإصلاحية أن
يكون في ولايتهم مستشارون ومفتشون من الأجانب، وعلمت فرنسة أن الرأي العام
في بيروت وسائر سورية يفضل كل دولة أوربية على فرنسة فيما يطلبه لبلاده من
مساعدة الأوربيين، وما سبب ذلك إلا إدارتها وسياستها في تونس والجزائر، ولولا
ذلك لفضلوا فرنسة على جميع الأوربيين؛ لأن معظم ما في بلادهم من المدارس
وأسباب العمران هو فرنسي، وقد تفضل ناظر خارجية فرنسة بمجاملة وفد المؤتمر
العربي السوري الذي انعقد في باريس ووعده بالمساعدة، فكان لهذه المجاملة وقع
حسن في سورية.
لأجل هذا كله أظن أن الزمان قد جعل صوت جريدة فرنسة الإسلامية مرجو
القبول عند كثير من أحرار هذه الأمة النجباء، وأنه ليس من المُحَالِ أن ينجح في
حمل الحكومة على سن نظام دستوري عادل لإدارة هذه الامبراطورية الإسلامية
الإفريقية، وسترى فرنسة - إن هي شرعت في ذلك - أن العالم الإسلامي في
سورية وسائر الأقطار يشكر لها عملها شكرًا تحمد أثره في سياستها وأعمالها
الاقتصادية، وتجد لها من سائر المسلمين أنصارًا لهم تأثير عظيم ويليق بمثلها أن
تعتمد عليهم، إن هذا الصوت الفرنسي الفصيح المنعكس عن مدينة باريس الزاهرة
قد تلاقى مع صوت مثله في أرقى مدينة إسلامية وهي مصر، ألا وهو صوت
المجلة الفرنسية المصرية التي أنشئت هنا حديثًا.