للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مرجليوث


إحراق الكتب الضارة والفرق بينها

جاءنا من العلامة المستشرق الإنكليزي الشهير صاحب الإمضاء ما نصه:
سيدي العلامة منشئ المنار:
بعد التحيات، فقد طالعت ما ورد في الصفحة (٣٨٣) من المنار من
استصوابكم إحراق الكتب، فذكرني ذلك حكاية جاء بها ياقوت في الجزء السادس
من معجم الأدباء كما يأتي: حدثني محب الدين محمد بن النجار (المتوفى ٦٤٣)
قال: حضر الوجيه النحوي (هو المبارك بن المبارك بن الدهان المتوفى ٦١٢)
بدار الكتب التي برباط المأمونية وخازنها يومئذ أبو المعالي أحمد بن هبة الله
فجرى حديث المعري فذمه الخازن، وقال: كان عندي في الخزانة كتاب من
تصانيفه فغسلته، فقال له الوجيه: وأي شيء كان هذا الكتاب؟ قال: كان كتاب
نقض القرآن، (يعني كتاب الفصول والغايات) ، فقال له: أخطأت في غسله،
فعجب الجماعة منه وتغامزوا عليه، واستشاط ابن هبة الله وقال: ما مثلك ينهى
عن مثل هذا؟ قال: نعم، لا يخلو أن يكون هذا الكتاب مثل القرآن أو خيرًا منه أو
دونه، فإن كان مثله أو خيرًا منه - وحاش أن يكون كذلك - فلا يجب أن يفرط في
مثله، وإن كان دونه - وذلك مما لا شك فيه - فتركه معجزة للقرآن فلا يجب
التفريط فيه، فاستحسن الجماعة قوله، ووافقه ابن هبة الله على الحق وسكت اهـ،
وما كان أجدر بالمنار أن يفتي مثل فتوى ابن وجيه النحوي، والسلام.
لِسِتِّ بقين من رجب سنة ١٣٣١
... ... ... ... ... ... ... ... ... المخلص
... ... ... ... ... ... د. س: مرجليوث في أكسفورد
(المنار)
إنني أشكر للدكتور الفاضل انتقاده وما رأى المنار جديرًا به، وهو كما قال
فلو كنت مكان ابن وجيه لقلت مثل قوله، والفرق بعيد جدًّا بين الواقعة التي قال
فيها ابن وجيه كلمته والواقعة التي استحسن فيها المنار إحراق الكتب، فذلك كتاب
من آثار فيلسوف أديب لا تكاد توجد منه إلا تلك النسخة في دار الكتب، فالواجب
حفظها والضن بها حفظًا لنتائج الأفكار وآثار العلماء، وأما الكتب والرسائل التي
يوزعها دعاة النصرانية بين عوام المسلمين في البحرين والخليج الفارسي وسائر
البلاد فهي - على كونها مثارات فتن - كثيرة العدد، دائمة المدد، إذا أحرق بعض
الناس نسخًا منها لا يجنون على التاريخ ولا تفقد الأرض أثرًا صالحًا ولا فاسدًا،
وإنما تسد ذريعة الفتنة وتفرق الكلمة في بلاد ما اعتادت هذه المجادلات، وهذا أنا
ذا أملك كثيرًا من كتب النصارى القديمة والحديثة، ومن هذه الرسائل التي يطعن
مؤلفوها في الإسلام طعنًا يعتقد أكثرهم أو كلهم أنه متحامل ومشاغب ولو في
بعضه كما أظن، ولم أحرق في زمني شيئًا منها، ولو عثرت بكتاب من نوعها
فقدت نسخه أو قلَّتْ لحرصت عليه إذا كان له قيمة في موضوعه، وإن اعتقدت أن ما
فيه باطل، وقد اقترحت في السنة الأولى من المنار إحراق أكثر كتب علماء المسلمين
التي أعتقد أنها ضارة في أسلوبها وموضوعها، ومنها أكثر كتب التعليم في المعاهد
الدينية المشهورة، وأن يبقى من كل كتاب منها نسخة أو نسخ قليلة تحفظ في دور
الكتب ليطلع عليها الباحثون في تاريخ العلم وسيره، وإننا نرى الحكومات الحرة تمنع
كثيرًا من الكتب والرسائل والجرائد السياسية والمجونية والجدلية إذا كانت ترى في
نشرها ضررًا، وتصادر ما تضبطه منها كما نرى من إنكلترة في السودان وغير
السودان، فما ارتأيناه من هذا القبيل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.