للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نموذج
من إنشاء طلبة السَّنة التمهيدية
لمدرسة دار الدعوة والإرشاد

خيرنا الطلاب في امتحان آخر السنة التمهيدية التحضيرية الماضية بين
موضوعين في الإنشاء أحدهما (المفاضلة بين التربية والتعليم، وثانيهما حديث
الصحيحين (المؤمن للمؤمن كالبنيان) إلخ، وإننا ننشر هنا ما كتبه ثلاثة من
المصريين؛ لأنهم زهاء نصف الطلبة، وثلاثة من غيرهم: سوري وتركي وتتاري.
وإنا ننشر ما كتبوه بنصه من غير تصحيح لإظهار درجة استفادتهم في سنة واحدة
في لغتهم وأفكارهم، وجل أفكارهم وآرائهم الإصلاحية والاجتماعة مقتبسة من
دروس التفسير.
* * *
أي الأمرين أشد تأثيرًا في إصلاح الأفراد والأمم
التربية أم التعليم؟ [١]
إن إصلاح الأفراد والأمم يتوقف على كل من التربية والتعليم، ولكن إذا قارنَّا
بينهما من حيث التأثير ألفينا التربية هي صاحبة المكانة العليا والقسم الأوفر.
ذلك أن الإنسان ينشأ في بادئ أمره ضعيف العقل ضئيل الجسم قصير الإدراك،
فأول شيء يحتاج إليه التربية فإذا هو تُعُهِّدَ بالتربية الحسنة الموافقة للفطرة فنما
عقله على الاستقلال بعيدًا عن الأسر، وربت نفسه على الفضائل، وروعي جسمه
بما يحفظه من طوارئ الطبيعة، لم يلبث حتى يصبح إنسانًا بالمعنى الصحيح،
قوي الإرادة، مستعدًّا لكل ما يلقى عليه من العلوم والمعارف، أهلاً لأن يميز بين
الصحيح الذي ترغب فيه فطرته وطبيعته، وبين الفاسد الذي ترغب عنه تربيته
ونشأته، وحينئذ تبشر الأمة التي يكون من أفرادها مثل هذا الذي أنبت نباتًا حسنًا،
فيعلو بها ويوصلها إلى أوج الفلاح، كالسائل الذي يندفع بالحرارة وقوتها ويرتفع
بها ما شاء الله أن يرتفع، وإذا هو قد أهمل وترك فشب على التقاليد الوراثية، ونما
على السخافات العادية، حتى تشبعت مدركاته بها، وتصلبت أعصابه عليها،
أصبح خاسرًا لنفسه، معاديًا لما وافق الفطرة من العلوم والمعارف فلم يقبل من العلم
إلا ما يلائم تربيته ولم يثبت في فؤاده إلا ما يوافق نشأته وحينئذ يكون علمه غير
نافع فضلاً عما يجلبه على الهيئة الاجتماعية من الوبال والخسران فمن ذلك تبين لنا
أن التربية هي الأساس الأول الذي يبنى عليه إصلاح الأفراد ويقوم بحفظ كيان
الأمم، والتعليم طبقة ثانية بعدها لا اعتماد إلا عليها.
وحسبنا المشاهدة التي هي أعظم حجة وتاريخ الأمم الذي هو أقوى برهان.
* * *
أي الأمرين أهم وأشد تأثيرا في إصلاح الأفراد والأمم
التربية أم التعليم؟ [٢]
من نظر إلى الأمم في مجموعها، والأفراد في تقلبها، وراقب ما تقوم به من
الأعمال وتتصف به من الخصال، وجد الفرق الكبير بين أمة وأخرى والبون
الشاسع بين فرد ومن ماثله. نعم يجد هذه الأمة قد ملكت المشارق والمغارب برًّا
وبحرًا، وصارت هي السائدة على العالم طرًّا، آخذة في النمو والارتقاء لا
يعترضها محيط، ولا يثني عزيمتها صعوبة اختراق الجبال واجتياز المفاوز، بينما
هو يجد تلك الأمة في غاية الضعف والاضمحلال، مهينة بين الأمم لا تحترم لها
حقوق، ولا يراعى لها عهد ولا يحفظ ميثاق، آخذة في التقهقر والخذلان تخاف من
كل ناعق، وترهب من كل ناعب، ويجد هذا الفرد قد أدهش العالم بمخترعاته،
وحرك الأمم بيراعه، بينما يكون الآخر عالة على غيره يحتاج من يطعمه ويسقيه.
ولقد يقف الناظر أمام هذه الحال متفكرًا يسائل نفسه هل هذا الفرق نتيجة
التربية أم نتيجة التعليم؟ نقول له: أيها الناظر لا تذهب بفكرك بعيدًا إن التربية
هي أساس كل مجد، وأصل المفاخر والارتقاء، فمن رأيته سائدًا من الأمم والأفراد
فاجزم بأن سموه ثمرة تربية صحيحة.
ومن رأيته في أسوأ حال فاحكم بأن تربيته قد أهملت فلا يأتي بخير، وإن
تعلم علوم الأولين والآخرين؛ ذلك أن التربية تشمل تربية العقل والنفس والجسم،
وإذا ربَّى الإنسان عقله على الاستقلال مع صحة المبادئ كان كنز المعارف وأب
التفننات النافعة التي يسود بها صاحبه من عداه، زد على ذلك أن يدرك الحق على
أنه حق، ويدفع الباطل لبطلانه ويميز بين الحسن والقبيح من كل شيء تمييزًا
صحيحًا، ويستنتج من الوقائع أمورًا قد يعجز غيره عن فهمها بعد الحصول. وإذا
ربى نفسه على احتمال المشاق في ابتناء المعالي سهل عليه الجولان في الأرض
والسماء، وتاقت نفسه إلى اكتناه دقائقهما، والوقوف على أسرارهما، ولقد يتوقع
الهلكة مرارًا، وهو جاد في طريقه فلا تنثني عزيمته، ولا تَهي قوته، حتى
يحصل على مطلوبه أو يموت راضيًا مطمئنًّا غير سائم من هذا السبيل، وإذا ربى
جسمه بما يحفظ صحته ويزيد في قوته، كان قويًّا على القيام بما يهيئه له عقله،
وتشرئب إليه نفسه، فلا يفوته خير ولا تبعد عنه مكرمة، ويكسب الفخار غدوًّا
ورواحًا.
أما التعليم فقد يكون مع عقل سقيم، ونفس حقيرة وجسم ضئيل، فلا ينفع
فردًا ولا أمة، بل قد يكون هو السبب في استئصال الأفراد وهلاك الأمم؛ لأن
التعليم هو معرفة مسائل العلوم والفنون باعتبار نتيجته، وهذه المعرفة يعبر عنها
العالم، وهو كالريح تمر بالطيب فتطيب وبالخبيث فتخبث.
وبالجملة فإن مَن سرَّه أن يكون سعيدًا في الدارين، وشريفًا في المقامين،
فعليه بالتربية النافعة التي تكسب العقل صحة واستقامة، والنفس شجاعة وإقدامًا،
والجسم قوة وإنماء، ولا يلوي على التعليم إلا بعد الحظ الكبير من التربية، وربما
بحسن التربية يعرف طريقًا للتعليم أجدى من كل الطرق الموجودة في زمانه، والله
الموفق.
* * *
أي الأمرين أهم وأشد تأثيرًا في إصلاح الفرد والأمم
التربية أم التعليم؟ [٣]
التربية مصدر من تربى وأصله ربَا يربُو معناه النماء والزيادة، وهذا النماء
إما حسي وإما غير حسي. فتربية الجسم تحصل بحفظه من الأمراض والانحلال
وبوقايته من الضعف.
فمن اهتم بحفظ الصحة وراعى قانون الموازنة في أكله وشربه يسلم من
الأمراض ويكون صحيح الجسم قوي البنية. فبذلك يصفو دماغه ويكثر نشاطه إلى
كل عمل.
والتربية المتعلقة بالروح والنفس تحصل باحتراز الإنسان من الأفعال الدنيئة
والأعمال القبيحة حتى يكون ميل النفس إلى الأعمال الصالحة وميل الروح إلى
مرجعها الأصلي.
فبذلك تقوى همة الأفراد والأمم وتعظم همتها؟ ويصلح شأنها. وإذا نمت
عقول الأمم وتزكت نفوسها يكون الإصلاح والإرشاد ديدنها، وأما التعليم فإنه يرى
في كثير من الناس ولكن لعدم التربية في أنفسهم لم ينفعهم تعليمهم ولا يزيد فيهم إلا
ضلالاً وشقاوة.
وإذا ربى شخص نفسه وزكيها (؟) وأردف فيها التعليم كان من أعظم الناس
إرشادًا وإصلاحًا، ومن أهم ما يصلح شأن الأفراد والأمم هي التربية الكاملة والتعليم
الصحيح. ومعنى لفظ التعليم الوقوف والاطلاع في شيء مجهول سواء كان ضارًّا
أو نافعًا. ولكن التربية هي التزكية والتنمية والعلو والارتفاع ولذلك مخاطبة الله
لنبيه في كل مواضع في القرآن بلفظ الرب، ويفهم من هذا أن من أعظم أسماء الله
الحسنى هي لفظة الرب.
وكذلك الخطاب للأنبياء والأمم الماضية صدر بلفظ الرب أنه مربي العالمين
ومربي كل شيء. ويقول تعالى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} (القصص: ٦٩) ، و {رَبِّ العَالَمِينَ} (الفاتحة: ٢) ، أو غير ذلك، وأمر
بالدعاء إليه بلفظ الرب. ولم يقل ولم يأمر ومعلمك ومعلم العالمين. فإذًا إن التربية
أهم وأشد تأثيرًا في الإصلاح.
* * *
أي الأمرين أهم وأشد تأثيرا في إصلاح الأفراد والأمم
التربية أم التعليم؟ [٤]
لكل من التعليم والتربية تأثير في إصلاح الأفراد والأمم فهما لازمان لمن يريد
إصلاح نفسه أو أمته. وتأثير التعليم هو أن يحرك الأفكار ويجعل الإنسان يحب
البحث دائمًا عن كل ما يجهله في أمور الدين والدنيا، والتفكر والبحث سبب
وصول الحقائق، وهما أم الاختراعات والاكتشافات؛ ولذلك نرى الأمم التي انتشر
بين أفرادها التعليم تقدموا في الارتقاء وغيرها بعكس ذلك. ولكن تأثير التعليم ليس
بشيء بالنسبة لتأثير التربية العملية وهي تربية العقل والروح والجسم , فإن كل فرد
أو أمة توجد فيها هذه التربية يكون بالطبع جامعًا بين العلم والعمل. والأعمال هي
أساس الإصلاح. وكذلك هذه التربية تجعل نفوس الأفراد والأمم عزيزة أبية لا تقبل
الخضوع لغيرها أبدًا، ولا ترضى بالذل والهوان بأي حال من الأحوال، وبالتربية
تصلح الأخلاق أكثر مما تصلح بالتعليم، فإننا نرى كثيرًا من المتعلمين فاسدي
الأخلاق لعدم التربية فيهم، ونراهم أيضًا يكذبون ويسرقون ويخونون ويغشون ولا
يفون بعهد إذا عاهدوك. وأما المتربون تربية صحيحة فهم يبتعدون من الأخلاق
الذميمة، ويحبون العمل أكثر من القول.
ولا شك أن أمة انتشرت بينها التربية تسود على غيرها، ولذلك ترى اليوم
الأمم المتربية سادت علينا معشر المسلمين من كل وجه. ومما يدل على أن التربية
أشد تأثيرًا في إصلاح الفرد والأمم من التعليم ما وقع في صدر الإسلام للمسلمين من
الإصلاح العظيم في الأمة وفي أفرادها ولا شك أن سبب هذا الإصلاح هو تربية
نفوسهم وتهذيبها من الأخلاق الفاسدة والعقائد الباطلة، وما كان التعليم عندهم معهودا
قط، ومع ذلك سادوا على الأمم المتمدنة المتعلمة بشدة تأثير التربية، فعلمنا من هذا
أن التربية من أهم ما يؤثر في الإصلاح، وأما إذا كان معها التعليم فبالضرورة
يكون أكمل وأتم في التأثير، فحينئذ يجب علينا معشر المسلمين أن نصلح أحوالنا
بالتربية الصحيحة والتعليم العملي كما يوجبه علينا ديننا الشريف حتى نكون خير
أمة أخرجت للناس والله الهادي إلى الصواب.
* * *
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا [٥] )
هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد منه أن المؤمنين في
تناصرهم وتعاضدهم ومساعدة بعضهم لبعض في جميع ما يحتاج إليه كل فرد منهم
من الأمور الدينية والدنيوية كالبنيان في شدة تماسكه وقيام أجزائه بعضها ببعض،
فكل طبقة من طبقات البناء لا تقوم إلا بالمُجاوِرَة لها الملتصقة بها كما هو معلوم
بالمشاهدة، فكذلك المؤمنون حقًّا، تراهم يسارعون إلى مساعدة بعضهم بعضًا
بداعي الشفقة والرحمة الناشئين عن كمال الإيمان والعلم بسنن الله تعالى في خلقه
وحكمته البالغة، فقد اقتضت حكمته - جل شأنه - أن يجعل حاجات الإنسان
متنوعة وأفكاره متباينة ومقاصده متعددة، وجعله عاجزًا عن القيام بجميع حاجياته
بل يحتاج إلى أبناء جنسه في قضاء مصالحه وسد عوزه، فكل فرد يرجع إلى
الآخر فيما يعجز عنه ويقدر الآخر عليه، تلك سنة الله، {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً} (الأحزاب: ٦٢) ، فالمؤمن الكامل يجعل هذه السنة نصب عينيه فلا
تمنعه المحبة الشخصية والمنفعة الذاتية عن أن يكون لإخوانه عونًا، وعلى سنة
ربه جاريًا، بل يكون كالقَطْر أينما وقع نفع، وقد أرشدنا الله إلى ذلك في القرآن
الكريم في عدة مواضع فقال تعالى في الحث على الاتحاد الذي هو أساس كل خير
ورأس كل فضيلة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران:
١٠٣) ، وقال تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات:
١٠) إلى غير ذلك.
فينبغي للمؤمنين أن ينظروا بعين الإنصاف ويهتدوا بهدي كتابهم حتى تتحسن
أحوالهم، وتنتظم معاملتهم، وهيهات هيهات أن يفوزوا إلا إذا امتثلوا أمر ربهم،
أمرهم ربهم بأن يعطي غنيهم فقيرهم، وينصر قويهم ضعيفهم، ويعلِّم علماؤهم
جهلاءهم، ويسعى كل منهم في الإصلاح حسب ما استطاع، ولن يضيع أجر من
أحسن عملاً.
وبالجملة فإني أرى أن أعظم أسباب التقهقر والخذلان التي أضرت بالمسلمين
في سائر البقاع إنما هو الغفلة عن هذه السنة الإلهية والإعراض عنها، فلا يرى
الباحث عن أخلاق المسلمين المتفقد لأحوالهم في الغالب إلا أبًا لا يرحم، وابنًا لا
يتأدب، ويرى عداوة كبرى منتشرة بينهم وخصوصًا الأقارب والعشائر. فاللهم
عطفك وحنانك ونصرك وتأييدك، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، {رَبَّنَا آتِنَا
مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} (الكهف: ١٠)
* * *
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) [٦]
إن الله سبحانه وصف عباده المؤمنين بالإيثار على أنفسهم، ولو كان بهم
خصاصة بقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر:
٩) وأمرهم بالتعاون والتضافر على مصالحهم ليسهل عليهم القيام بها المرء كثير
بأخيه فشأن المؤمن حقًّا أن يكون لأخيه كالعضو لباقي الجسد يألم لألمه ويتعب بتعبه
ويرتاح لراحته، يسعى كل عضو ويشتغل لمصلحة جميع الأعضاء، لا ينثني عن
العمل ولا يمل منه إلا إذا أصابه مرض شديد يمنعه عن القيام بوظيفته، وهكذا شبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين، وهكذا كانوا رضوان الله عليهم أجمعين،
هم الذين بتعاونهم وشد أزر بعضهم بعضا أمكنهم أن يبثوا دين الله (الإسلام) في
مشارق الأرض ومغاربها، وأن يفتتحوا البلاد ويخضعوا الملوك، ولولا التضافر
على المصالح والقيام بدين الله الحنيف لما أمكنهم الوصول إلى ما وصلوا إليه،
وهذه سنة الله تعالى الكونية في الاستعلاء والاستيلاء وتنفيذ الأحكام دينية كانت أو
غير دينية، والمرء لا يمكنه القيام بمصالح نفسه بنفسه من دون معين فضلاً عن
القيام بمصالح أمته، فالتعاون شيء ضروري لا بد منه في أكثر حالات الإنسان.
نرى المرء إذا مد يده إلى الماء وفرق أصابعه لا يمكنه أن يأخذ من الماء شيئًا ولكن
إذا هو ضم أصابعه وصيَّرها كأنها قطعة واحدة من غير تفرق بين الأصابع أمكنه
أن يأخذ مقدار ما تسع.
وترى الأسرة أو الأمة إذا وقع بين أهليها الشقاق والبغضاء لا تلبث أن تتفرق
رجالها، وإذا تفرقوا آل أمرهم إلى انحلال قواهم بتشتتها وتفرقها، وهناك الخسارة
الكبرى حيث يمسون لا أمة ولا أسرة ولا ذوي شأن في العالم.
ثم لا يحسب المرء أنه إذا أعان أخاه كان النفع لأخيه فقط، وإنما الفائدة
مشتركة بينه وبين أخيه وغيرهما، وإذا كان كل إنسان يرى أنه قادر على إعانة
آخر، وأعانه بما يستطيع تكون أكثر أفراد تلك الأمة مكتفين لا حاجة تلجئهم إلى
النهب والسلب ولا إلى التعدي على حقوق الغير مطلقًا، ويا سعادة رجال يكونون
من هذه الأمة.