للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الصوم والفطر
تناقلت الجرائد المحلية أن كثيرًا من أهل الريف أفطروا في يوم السبت
(٣٠ رمضان) بناء على أن التقاويم (النتائج والإمساكيات) متفقة على أن الشهر
٢٩ يومًا، ولا سبب لهذا إلا الجهل بالحكم الشرعي، فمن عرف الحكم لا يبالي
بالتقاويم، ومن الغريب أن بعض أهل القاهرة قد أفطروا بحجة اتفاق التقاويم
وتوهموا أن فطرهم صادف الواقع، حيث تبين أن الهلال رؤي في ليلة الأحد
مرتفعًا وكبيرًا بحيث يجزم أنه ابن ليلتين، وكل هذا لا اعتبار له في نظر الشرع.
الدين الإسلامي لم يجعل أمر العبادة منوطًا برئيس ولا عالم، بل جعله مما
يتناوله الكافة؛ لأن إناطة العبادات بالرؤساء قد جر على الأمم السابقة شقاءً طويلاً،
فلو أن إثبات الصوم والفطر موكول إلى الفلكيين، ولو على تقدير وجودهم لجاز أن
لا يوجد في البلد الكبير أو القطر العظيم إلا واحد منهم، وربما كان هذا الواحد أو
الآحاد من أصحاب الأهواء الذين يتلاعبون بأمر الدين، إجابة لداعي الشهوة، أو
لرغائب الأمراء والكبراء، أو لغير ذلك من الأسباب، وفي ذلك فساد كبير لا يخفى
على المستبصرين.
لاحظ الشرع الحكيم هذا فجعل أمر الصوم والفطر مبنيًّا على رؤية الهلال،
فإن لم يُر فعلى كمال عدة الشهر ثلاثين يومًا، وأول ليلة يُرى فيها الهلال من الشهر
هي أول الشهر في الاصطلاح الشرعي، سواء كان مرتفعًا أم منخفضاً، ولا مشاحة
في الاصطلاح، والحكمة ظاهرة، إذ يتساوى بهذا الحكم جميع المسلمين، لا فرق
بين الأعرابي في باديته والحضري في مصره، يعمل كل مسلم بعلمه إلا إذا ثبت
شرعًا برؤية الهلال أن يوم الثلاثين من شعبان هو أول رمضان، أو يوم الثلاثين
من رمضان أنه العيد، فيصوم ويفطر بحسب رؤيته، وإن لم يثبت ذلك شرعًا بأن
لم يشهد أو لم يحكم بشهادته، ولكن ينبغي أن لا يتظاهر بخلاف ما عليه الناس،
لئلا يظن به السوء.
ينحي أكثر الناس باللوم فيما حصل من الخطأ في الفطر على الحكومة
ويقولون: كان من وظيفتها إعلام سائر جهات القطر بعدم ثبوت العيد ليلة السبت،
وقالت جريدة المقطم: كان ينبغي الإعلام بعدم إمكان رؤية الهلال.
والصواب: معرفة الحكم الشرعي كافية لعدم الخطأ، وأن التعريف به من
وظيفة الخطباء والمدرسين، فأكثر المسلمين يحضرون صلاة الجمعة، فلو استبدل
الخطباء في آخر جمعة من رمضان بيان هذا الحكم بوداع رمضان وإعلام الناس بما
يعلمونه من إيقاد المصابيح وإطفائها ونحو ذلك مما لا فائدة فيه - لاهتدى الناس ولما
وقعوا في هذا الالتباس، فعسى أن يلاحظوا هذا في السنين المقبلة، وبالله التوفيق.