للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


انتقاد أجوبة المنار
لمن سأل عن حكم الحج

كتب إلينا غير واحد من البحرين أن الذي سألنا عن حكم الحج وأسرار
المناسك لم يكن يريد الحج هو وأصحابه، وما أسئلتهم تلك إلا مظهر ما في
نفوسهم من الاعتراض على الدين وعدم الإذعان لأحكامه، وإنه ما كان ينبغي أن
يجابوا إلا أن يقال لهم: هذا ديننا، فإن كنتم من أهله فأقيموا أركانه وأدّوا فرائضه،
وإلا فالزموا شأنكم.
هذا معنى ما كتب إلينا، وصرّحوا بأن سبب سوء اعتقادهم في السائل - ومن
على شاكلته - أنهم قد تعلموا في مدرسة دعاة النصرانية (المبشرين) فأزاغوا
عقائدهم.
أما نحن فنقول: إن الأسئلة التي أرسلت إلينا تدل على أن السائل قد عرضت
له شبهات في هذه العبادة (الحج) فهو إما حريص على دينه يسأل العلماء ليأخذ
عنهم ما يدفعها بها ليكون على بصيرة من دينه، وإما معجز أو شاكّ يختبر علماء
المسلمين ليرى ما عندهم، حتى إذا عجزوا عن بيان حكم هذه المناسك عذر نفسه،
واطمأن بما عنده. والواجب علينا أن نغلّب حسن الظن ما وجدنا له منفذًا، وأن
نجيب طالب العلم مهما كان قصده، فإن كان مؤمنًا ازداد - ببيان حكمة الدين -
إيمانًا، وإن كان شاكًّا أو زائغًا يوشك أن يعود إلى الرشد، ويطمئن بما ظهر له من
الحق، ولا ينبغي لنا أن نتهم أحدًا في دينه بالشبهة، ولا أن ندع من يشككهم دعاة
النصرانية في الحق وشأنهم، بل ينبغي لنا أن نجذبهم إلينا، إذا هم أعرضوا عنا
وتركوا سؤالنا. فإذا ترك الحقُّ الباطلَ يصول بشبهاته على إحداث المسلمين،
يمرقون كلهم من الدين.
وإذا كان بعض أهل البحرين يعلمون مبلغ إفساد دعاة النصرانية في بلدهم،
فلماذا لا يحذرون الغافلين من إرسال أولادهم إلى مدارسهم، ويغنونهم عنها بمدرسة
إسلامية ينشئونها لهم، يعلمونهم فيها من علوم المعاش ما يعلمهم هؤلاء المفسدون،
ويزيدون عليهم تعليم عقائد الإسلام وأحكامه وحكمه وآدابه وتاريخه بدلاً من
النصرانية وشؤون أهلها؟ ألا يعلمون أنهم بترك معارضة هؤلاء المحاربين لدينهم
آثمون كلهم؟ وإن هذا الإثم لا يزول إلا بإنشاء مدرسة ينقذون فيها أولادهم من
مدرسة دعاة النصرانية التي ستلقي العداوة بينهم وبين أولادهم، وتقطع صلتهم بهم
في الدنيا والآخرة؟ ؟
وعسى أن يعتبر من يدعون في حضرموت وغيرها من أطراف جزيرة
العرب إلى جعل بلادهم للإنكليز أو تحت حمايتهم، ويفطنوا لما في ذلك من الخطر
على دينهم.