للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح مخلص رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة [*]
نشوء فكرة الله
(كراسة تحتوي على خلاصة كتاب لجرانت ألين الكاتب الإنكليزي المشهور
عن نشوء الاعتقاد بالله وترقي الإنسان من الوثنية إلى التوحيد الحاضر مع بيان
أصول المسيحية ونشوئها) .
لخّص هذه الكراسة من ذلك الكتاب وطبعها ونشرها (سلامة أفندي موسى)
وهو شاب قبطي الجنس ماديّ الاعتقاد، يعنى بإقناع الناس بأن الأديان أوضاع
مخترعة ينبغي لهم تركها والعمل بقواعد الانتخاب الطبيعي وأصول الاشتراكية
ومنها - على رأيه تبعًا لبعض غلاة المادية من الإفرنج - أن يعجل الأقوياء بإهلاك
الضعفاء، ومنعهم من الزواج ومن كل ما يطيل أيام حياتهم على الأرض، كمعالجة
المرضى والصدقة على البائسين. وما نشر هذه الكراسة إلا في سبيل مذهبه.
وهذه الحملات التي يحملها الملاحدة على الدين تؤثر في النصرانية دون
الإسلام؛ لأن النصرانية الحاضرة وثنية متسلسلة من وثنية قدماء المصريين والهنود
وغيرهم، وإنا ننقل فصولاً من هذه الرسالة بحروفها تثبت ما قلناه، ثم نعقّب عليها
بما نراه، قال الكاتب:
(المسيحية كمقياس ديني)
إذا أخذنا المسيحية كنموذج للأديان واعتبرنا نشوءها نجد أن كل ما فيها من
العقائد والمراسم مأخوذ من الأديان السابقة لها التي كانت فاشية عند ظهورها. فإله
المسيحية - المسيح - كان إنسانًا كما كانت كل الآلهة القديمة عند أول ظهورها. وقد
اعتبره المسيحيون الأوّلون ابنًا لإله (كذا) تنزيهًا له عن الإنسانية كما فعل
اليونانيون مع إسكندر المقدوني.
ونجد في المسيحية ما يسمى (بالثالوث الأقدس) وهو عبارة عن إدماج ثلاثة
آلهة - وهم الآب والابن والروح القدس - في إله واحد، على مثال ما كان يعتقد
المصريون في الثالوث الإلهي المكون من أوزيريس وإيسيس وهوريس.
والمسيحيون يعتقدون أن أم المسيح عذراء، ولا بد أن هذا الاعتقاد قد تسلسل
من الاعتقاد المصري القديم الذي كان قائمًا على اعتقاد البكارة في إيسيس أُمّ
هوريس.
وكذلك ترى إذا بحثت عن الأصل في مراسم المسيحية كالصليب والقبر
والكنيسة والهيكل أنها مأخوذة من الأديان المصرية القديمة. كما أن نظام القربان
والكهنوت مأخوذة منها أيضًا.
(١٥- الضحيَّة والدم)
قد رأينا فيما سبق أن للضحية باعثين، الأول: هو الاعتقاد بأنها تقدّم كطعام
للروح أو الإله. والثاني: هو الاعتقاد بأن الإله ذاته يتجسد فيها وتدفن أجزاؤها في
الحقول لكي تنمي الزروع.
إلى هنا لم نتكلم عن أكل الناس الأحياء للضحية، فقد رأينا الضحية تجزأ
وتدفن في الحقول باعتبار أنها إله، ورأينا القربان أيضًا يوضع للميت اعتبارًا بأنه
سيجوع ويأكله. وسنتكلم الآن عن أصل عادة أكل الناس للضحايا.
من الشائع بين عوام مصر أن من أكل قلب ذئب صار قويًّا مثل الذئب،
ويعتقدون في الهند أن من يأكل نمرًا يصير شجاعًا جريئًا كالنمر. لهذا لما نشأت
عادة ذبح الآلهة المتجسدة في الضحية ورد على خواطر المضحين أن يأكلوا هم
أيضًا قطعة من جسم الإله حتى يصيروا مثله في صفاته، على نحو ما يفعل آكل
الذئب والنمر. فصاروا يضعون جزءًا من الضحية المؤلهة في الأرض ويأكلون
جزءًا آخر منها. وهذا صيد العصفورين بحجر واحد: مباركة الحقل وتقوية
الجسم.
كذا تفعل قبائل الغوند
وكذا أيضًا كان يفعل المكسيكيون. فإنهم كانوا إذا أرادوا التضحية قبضوا
على أسير من أسرى حروبهم وعاملوه معاملة الملوك مدة عام يقتلونه باحتفال عظيم
في نهايته ويأكلونه. وبمضي الزمن ارتقى الإنسان من التضحية البشرية إلى
التضحية الحيوانية الحاضرة في أعياده. وفي طريقة الذبح عند العرب والعبرانيين
الآن بقايا أثرية من عوائد التضحية القديمة فإنهم يذبحون الآن (باسم الله)
ويتطلبون إراقة الدماء من المذبوح، والدم هو في العادة الجزء الذي يشتهيه الإله؛
لأنه بخلاف اللحم يجف فيظن الرائي أن الإله قد شربه.
قلنا: إن الإنسان كان يشرب دم الذبيحة أو يأكل لحمها اعتقادًا بأنه يأكل
ويشرب من لحم الإله ودمه، وقد قلنا إنه كان يعتقد بأن روح الضحية روح للإله
تنحل من الذبيحة عند الذبح وتنتشر في المحاصيل كالكروم والغلال.
مِن هنا نشأت عادة أخرى وهي أن يأكل المتدين خبزًا أو يشرب نبيذًا باعتقاد
أنه يأكل مِن لحم الإله ودمه؛ لأن روح الإله قد تجسدت في محاصيل الغلال
والكروم، والخبز والنبيذ هو ما يأخذه المسيحي من قسيسه باعتقاد أنه يأكل ويشرب
من لحم المسيح ودمه.
(١٦ - ضحية الافتداء)
للضحية - كما قلنا - اعتباران عند المتوحشين:
(١) أنها تقدم كطعام للروح أو للإله.
(٢) أنها تقدم كأنها هي الإله ذاته.
وهناك نوع ثالث من الضحايا يقدم باعتبار أنه يفيد القبيلة أو الأمة من
خطاياها وقد صُلب المسيح لكي يفدي الناس من خطاياهم أي لكي يكفّر عن ذنوبهم.
والأصل في هذه الضحية هو الاعتقاد بإمكان نقل المرض من شخص إلى
شخص أو إلى شيء آخر، مثال ذلك: أن ملكًا في بتشوانا لاند أصيب مرة بمرض
ما، فأحضر ثورًا وتليت عليه الرقيات، وأغرق بعد ذلك في النهر. ومنطق هذا
العمل عندهم أن المرض قد انتقل إلى الثور وذهب معه بعيدًا عن الملك، ولا يزال
عندنا نحن المصريين آثار باقية من هذا الاعتقاد في رقياتنا؛ حيث تزيل الرقية
المرض وتلقيه بعيدًا عن المريض بإلقائها بعض أشياء كانت تحرقها في النار
وقت الرقية.
وقد نشأ من اعتقاد إمكان نقل المرض اعتقاد إمكان نقل الخطيئة. مثال ذلك:
أن بعض قبائل إفريقيا يقتل كل سنة شخصين رجلاً وامرأة؛ لكي يكفرا عن خطايا
القبيلة، يعتقدون أن خطيئات القبيلة قد انتقلت إلى هذين الشخصين، وأنهم بقتلهما
يغسلون القبيلة من أدران خطاياها، ويبررونها أمام آلهتها، كما كان يقتل الأثينيون
شخصًا عند وفود وباءٍ ما على بلدهم اعتقادًا بأن الوباء يموت بموته وينجي الأمة
منه، وكما تذري الراقية قطعة الشب التي أحرقتها في النار وقت الرقية اعتقادًا
بأنها حملت المرض معها وذهبت بعيدًا عن المريض.
(١٧ - العالم قبل المسيح)
كان العالم الذي انتشرت فيه المسيحية تابعًا للدولة الرومانية عند بدء انتشار
هذه الديانة، وقد كانت هذه الدولة تشمل كل ممالك البحر المتوسط، ودرجت اللغة
الرومانية على ألسن التجار فقرّبت بين هذه الأمم وصبغتهم بالصبغة الرومانية. وقد
بعثت التجارة على المهاجرة والنزوح إلى المواني فكانت الإسكندرية ورومية
وأنطاكية [١] ملأى بالسوريين والرومانيين والأسبانيين وغيرهم من الجاليات التي
هجرت مواطنها الأصلية واستعمرت هذه المواني للارتزاق. وقد أدى هذا إلى
انتشار الأديان في أصقاع الإمبراطورية، وخروجها من أوطانها الأصلية، فكانت
الآلهة المصرية تعبد في إنجلترا ورومية بسبب النزلاء المصريين، كما كان يعبد
الإله يهوه في الإسكندرية ومرسيليا بواسطة اليهود. وقد كانت بعض هذه الآلهة
تتّحد في الصفات فيعبدها الناس وإن كانت أجنبية عنهم إلا أنها تتفق في صفاتها مع
أحد آلهتهم، أو كانت الظروف تقتضي عبادة الآلهة الغريبة كما حدث مع البطالسة،
فإنهم حينما تولوا حكم مصر عبدوا الآلهة المصرية مع أنهم كانوا يونانيين،
وقبيل ظهور المسيحية كانت الأديان الوثنية قد ضعفت أمام الفلاسفة وحصل بذلك
اشتياق في النفوس للتوحيد اليهودي. ولو لم يكن يهوه إله اليهود وطنيًّا متعصبًا في
ألوهيته يكاد لا يعترف بأمة حقيقة بالجنة غير اليهود لعمت عبادته. لهذا تحول
الناس إلى العبادة المسيحية لأنها في الحقيقة عبادة للآلهة كلها؛ لأن المسيحية اشتقت
مناسكها وسننها ومراسمها من آلهة مصر وسوريا ورومية وفرنسا وإنجلترا
وغيرها، فكانت كل الأمم تعرف شيئًا عنها وتعتقد بصحة بعض سننها وأساطيرها،
وممّا زاد في الإقبال عليها سهولة طريقة التدين بها وصعوبته عند اليهود.
(١٨ - نمو المسيحية)
إنا نشك في أن المسيح كان إنسانًا موجودًا، على أننا إذا صدقنا رواية وجوده
كشخص ما، فإنما نعتقد ذلك باعتبار أنه وجد وقتل كضحية مؤلهة. وهي الضحية
التي قلنا إنها كانت تقدم لآلهة الغلال والنبيذ. فقد كان السوريون المجاورون ليهود
يعبدون (أتيس) إله الغلال، وكان من عادتهم أن يقدموا له ضحية سنوية؛ ولعلّ
الإشاعة التي فشت بعد ظهور المسيحية عن ذبح اليهود للأطفال قد نشأت عن هذه
التضحية، وعندنا سبعة أشياء ترجح أن المسيح كان ضحية مؤلهة، وهي:
(١) إذا فحصت عظات بولس في رسائله إلى الفورنتيين تجده يصف
المسيح كأنه يصف أحد آلهة الغلال تمامًا.
(٢) أكل تلاميذ المسيح - وكل المسيحيين الآن - الخبز والنبيذ باعتبار أنهما
من جسد المسيح ودمه، وهذا ما كان يفعله تمامًا عبدة أودنيس وأتيس - إلَهَيِ الغلال -
لأن الإله يتجسد في المحصولات.
(٣) قول المسيح: (أنا خبز الحياة) ، (خذوا كلوا من دمي) [٢] وقد
وصفوه بأنه قمحيّ الوجه وأن شعره كلون النبيذ.
(٤) أنه دخل أورشليم بهيئة ملك مثل ضحايا أتيس وأدوينس؛ لأن الاعتقاد
كان فاشيًا بأن هذين الإلهين يتجسدان في الضحية التي تقدّم لهما فيجب إذن إكرامهما
ما داما على قيد الحياة.
وقد جاء في الإنجيل أنهم وهم يقتلون المسيح ركعوا، وهذا يماثل ما كان
يفعله كهنة أتيس بالضحايا.
(٥) ولمّا دخل المسيح أورشليم كان ممتطيًا حمارًا وقد نثرت أغصان
الأشجار على الأرض، وهو عين ما كانوا يفعلونه مع ضحية أتيس وما زال في
(أحد الزعف) [٣] الذي يسبق العيد الكبير عند النصارى بقية من بقايا أعياد آلهة
الغلال.
(٦) لمّا قتل المسيح بكت عليه النساء مثلما كان يحدث في ضحايا أتيس؛
لأنهم كانوا يعتقدون بأن الإله يتجسد فيها، وبالتالي يبكون عليه لأنهم قتلوه.
(٧) بعثه بعد ثلاثة أيام. مثل أتيس وأدونيس بالضبط.
فالمسيح قتل لغرضين: أنه ضحية مؤلهة، ولكي يفدي الشعب من خطاياه،
وقد عرفنا أصل ومعنى الفداء.
أمّا الثالوث فقد جاء للمسيحية من مصر، ونشأ أولاً عند الأقباط لأن أديانهم
الوثنية السابقة كانت تحتم هذا الاعتقاد.
أما الصليب فقد أتى أيضًا من مصر وتراه للآن على الجُعلان. وقد اختلط
الموضوع على بطريرك مصري مرة فقال في أحد كتبه عن المسيح: إنه (جُعل
الله) ؛ أي أنه ظن الصليب والمسيح شيئًا واحدًا لأن الجُعل كان يرسم عليه
الصليب.
(١٩- بقايا أثرية في المسيحية)
ما زال المسيحيون للآن يعبدون الموتى، وقد كانت الكنائس عند أول تشييدها
قبورًا ليس إلا. ومركز القديس الآن بين النصارى وقيمته عندهم كمركز رئيس
القبيلة المتوفى بين قبيلته بالضبط؛ لأن النصراني يحترم القديس ويتهيبه ويتقرب
منه كأنه يعبده عبادة ولو أنكر ذلك.
وقد كانت القرون الوسطى العصر الذهبي لعبادة الموتى والأرواح، فإنهم
كانوا لا يبنون كنيسة إلا إذا أحضروا لها شهيدًا أو قديسًا دفنوه في هيكلها، وقد
تفانوا في هذا العمل حتى إن البندقيين نقلوا جثة مرقص الرسول من الإسكندرية إلى
البندقية لكي يضعوها في الكنيسة المسماة باسمه هناك.
ودين الإسلام التوحيدي العظيم لم يتمالك عن تقديس الموتى واعتبارهم،
فالمسلمون ما زالوا للآن يتمسحون بقبور الأولياء، ويتبركون بها، ويبنون لهم -
للأولياء - المساجد على قبورهم.
نريد بذلك أن الإنسان الذي تشبع بالتوحيد ما زال يحن إلى ميوله الوحشية
وتبعثه غريزة التدين الأصلية إلى العبادة الأولى؛ عبادة الجثث والأرواح.
وترى للآن عند المسلمين أثرًا من آثار العبادات القديمة في مشهد قتل الحسين
حيث يمثلون قتل الحسين ويسيرون به في الشوارع باكين ومترحمين عليه كما كان
يفعل السوريون في البكاء على أدونيس سنويًّا. اهـ.
(المنار)
ما أضل (جرانت ألين) الكاتب الإنكليزي مؤلف الكتاب، وأضل أمثاله
من أحرار الكتاب، وحجبهم عن الدين الحق، وأوهمهم أنه من خرافات الخلق،
إلا ما رأوه من مظاهر الوثنية بين الأقوام، مع جهلهم بحقيقة الإسلام، وظنهم
أن النصرانية هي أرقى الأديان، مع شهادة التاريخ بأن جميع أصولها مأخوذة من
تقاليد عبدة الأوثان، كتأليه البشر والتثليث والفداء وتقديس كثير من الأشياء.
ولو فهموا القرآن حق فهمه، وعرفوا سيرة نبيه لعرفوا الدين الحق؛ فإن الإسلام
وحده هو الدين الذي حفظ أصله كما هو، فهو الذي يجب أن يتخذ مقياسًا وميزانًا لا
النصرانية، التي لا يزال الكثيرون من العلماء والمؤرخين يشكون - كالمؤلف - في
وجود مَن تنسب إليه (وهو عيسى ابن مريم عليهما السلام) .
إذا كانوا يحكمون على الأديان بمسائل يستنبطونها من التقاليد التي اخترعت
بعد دعاة تلك الأديان فكيف يكون حكمهم صحيحًا؟ ألم ترَ أيها القارئ كيف عدوا
على الإسلام تقديس كثير من المسلمين للموتى وتمسحهم بقبور الصالحين وبناء
المساجد عليها، وتمثيل الشيعة منهم لقتل الحسين بن علي - عليهما السلام - كما
كان يفعل الوثنيون الأوّلون، إذ كان تقديس الموتى ركنًا من أركان الوثنية؟
يعدون هذا على الإسلام، وأصول الإسلام تنفيه وتحرمه وتعد بعضه كفرًا
وشركًا وبعضه معصيةً، وقد أجمعوا على أنه بدعة، وثبت عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - في الصحيحين والسنن أنه لعن الذين يتخذون القبور مساجد أو يوقدون
عليها السرج، ونهى أن يتخذ قبره وثنًا أو يتخذ عيدًا. ومن الظلم أيضًا ذكر
الإسلام في سياق الكلام عن الدم والأضاحي الوثنية؛ فإن أضحية الإسلام لا شائبة فيها
للوثنية والفداء، وإنما هي نفقة وتوسعة على العيال والفقراء، والله تعالى يقول:
{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمِ} (الحج: ٣٧) ، كما
أنه ينفي عقيدة الفدية نفيًا صريحًا. فإذا كان الإسلام - وهو الدين الوحيد الذي حفظت
أصوله - ينتقدون عليه ويعدّون منه ما جاء لهدمه وإبطاله ونهى عنه أشد النهي،
فكيف يعتد بما ينسبونه إلى اليهودية والنصرانية ولم تحفظ أصولهما حتى
يمكن الرجوع إليها؟ !
الحق أن أصل الدين فطري في البشر، انطوى عليه وجدانهم، وصدّقته
عقولهم، عندما صاروا يبحثون ويستدلون، والماديون يتوهمون أن فطرتهم
وعقولهم لا تؤمن بغير ما يدركونه بحواسهم، وهذا غفلة منهم عن أنفسهم، وعن
فرضهم وجود الأثير فرضًا تلجئهم إليه الضرورة. وقد بيّنا مِن قبل كيفية طروء
الوثنية على الناس، وحقيقة النشوء والارتقاء في الأديان وكيف قاومها الأنبياء
بالدين الحق، ولا محل لإعادته هنا.
(اعتناقي الإسلام)
تأليف (المهتدي) عبد الكريم يوسف (جوصو) الفرنسي، طبع في المطبعة
التونسية على ورق جيد بحرف كبير ص١٠٧ (بقطع الإسلام والنصرانية) يباع
في المكتبة العلمية (عدد ٢٩ بشارع الكنيسة بتونس) .
ما زال الله يزيدنا بصيرة ويقينًا بدين الإسلام خاتم الأديان بما يهدي إليه من
أرباب الإرادة القوية والفكر المستقل، فمِن إسلام عبد الكريم يوسف (جوصو)
الفرنسي، إلى إسلام اللورد هدلي الإنكليزي، إلى أمثالهما من إخواننا الذين لحقوا
بنا في الإسلام؛ دين الحق والتوحيد والتنزيه، والإيمان بجميع الأنبياء المصلحين.
ولا بد من تعميم الدين الحق - دين الإسلام - في جميع أقطار المعمورة؛
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
المُشْرِكُونَ} (التوبة: ٣٣) .
وإليك صورة إهداء كتاب أخينا عبد الكريم، قال حفظه الله:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد،
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله الذي جاء بالحق ليظهره على
الدين كله، مرغمًا أنف من عاند وحقد وحسد، فدعا لسبيل ربه بالحكمة والموعظة
الحسنة، وجادل الناس بالتي هي أحسن، فمنهم من تجبر ونفر، ومنهم من انقاد
وأذعن وأقر، وتلك سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً،
وعلى كافة الأنبياء والمرسلين، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم وتلاهم إلى يوم
الدين.
أما بعد؛ فإن المنازل تستهوي ألباب قاطنيها بما يتاح لهم تحت أديمها من أفانين
السعادة.
والسعادة - لا زلت لها قرينًا - نوعان: سعادة أرواح، وسعادة أشباح، بينها
من التفاوت كما بين النار والنور، والظل والحرور.
وقد صادفت أثناء إقامتي بالقطر التونسي سعادةً لنفسي، وراحةً لفكري، مِن
نصبٍ وكفاحٍ مارسته عقدين من السنين، أعني حين قرّ قراري، وسكنت نفسي،
وانقاد ضميري، لاتباع دين الهدى وشريعة الإسلام، فصار هذا القطر حينئذٍ وطنًا
للنفس تحن إليه، وترفرف بأجنحتها عليه، ومَن كان حرَّ الضمير يصدع بالحق لا
يخشى لومًا ولا تثريبًا.
لذلك أردت أن أبدي للناس عندما نجز هذا التأليف ما لفؤادي من الود والميل
نحو قطر يجدر لي أن أدعوه: (قطر السعادة) ، فوطدت العزم على إهداء الكتاب
لأميره الأعظم، وملاذه الأفخم، صاحب السؤدد والفخار، سيدنا محمد الناصر باشا
باي، صاحب المملكة التونسية، لا زال رفيع العماد، طويل النجاد؛ آمين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الكريم جوصو
وهذه مقدمته
تقوّلت عني بعض الصحف الفرنسوية عندما اعتنقت دين الإسلام أني أريد
تمهيد السبيل للتزوج بأربع نساء، وامتلاك ما أشاء من الجواري، سبحانك اللهم
هذا رجمٌ بالغيب، وقذفٌ بالبهتان؛ بل إني أسلمت لله رب العالمين، مخلصًا له
الدين، وما أنا أول المهتدين.
وجدت الإسلام دينًا سمحًا سهل المأخذ، بين العقيدة، واضح البرهان، مجردًا
مِن الغموض، لا يفتقر أتباعه في عبادة خالقهم إلى واسطة، فارتضيته لنفسي
والحمد لله.
لقد كنت بادئ بدء أردت أن أقلد أسلافي الكاثوليكيين، ولكن الفكر أبى أن
يعتقد شيئًا لا دليل عليه، وكيف يقام البرهان على صحة العقائد الكاثوليكية
وقساوستها ورهبانها وكردينالاتها عاجزون عنها.
بعد ذلك مكثت نحو عشرين سنة أبحث عن الدين الحق لأكون من شيعته، إذ
لا غنى لمخلوق عن عبادة خالقه.
فاتفق لي في أواخر هذه المدة أن جبت بعض الأقطار الإسلامية، فأثّر جمال
حياة أهلها تأثيرًا عظيمًا على قريحتي الفنية، واستهوتني محاسنها إلى أن اندفعت
للبحث في شؤونهم إجمالاً وتفصيلاً، وإذ ذاك أخذ دين الإسلام يستميلني شيئًا فشيئًا،
إلى أن تجلّى اليقين أمام عيني، وعلمت أن الدين عند الله الإسلام.
وها أنا أبيّن للواقفين على هذا الكتاب خلاصة أبحاثي من أولها إلى آخرها
تفنيدًا لمزاعم الواهمين. اهـ.
ثم كتب له ملحقًا في المباحث الآتية وهي: (تسامح الإسلام) و (انتشار
الإسلام) و (في الخلق) نقلاً عن كتاب الإسلام الذي ألفه الكونت هنري دي
كاستري، ثم (القرآن) نقلاً من (البحث في أصل اللغات) تأليف جان جاك
رسو، ومِن (حياة محمد) تأليف بولانفير، ومِن (الإسلام) تأليف هنري دي
كاستري.
وبعد ذلك مبحث (في المرأة) من مختصر (في حقوق المسلمات) تأليف
رحمين حلو. ومن (مختصر الإنكليزي في الإسلام) تأليف ريفي. يتلوه مبحث
(قضاء الكنيسة الكاثوليكية على المرأة) ثُم (في تعدد الزوجات) من كتاب
(الإسلام على حفض القرآن) ؛ تأليف قرسين دي تاسي.
***
(الإسلام) مجلة دينية علمية أخلاقية سياسية فارسية تصدر في طهران في
كل شهر عربي مرة، صفحاتها ٤٨ بالقطع الصغير. رئيس تحريرها حسين كمال
السلطان، قيمة اشتراكها ١٢ قرانًا في إيران ويضاف أجرة البريد للخارج. وثمن
العدد الواحد قران واحد. عنوانها (طهران خيابان حرية مركز توزيع كل جرائد
داخلية وخارجية) .
(العرفان) مجلة شهرية شهيرة تصدر في صيدا سنتها عشرة أشهر تبحث
في العلم والأدب والاجتماع وتعنى عناية خاصة بشؤون الشيعة، وكانت حجبت عن
قرائها زمنًا ثُم عادت إلى خدمتها وهي ذات أربعين صفحة بقطع المنار، وقيمة
اشتراكها في البلاد العثمانية ريال مجيدي، وفي الخارج ستة فرنكات.
(المنهل) مجلة أدبية تاريخية اجتماعية مصوّرة عند الاقتضاء. تصدر مرة
في الشهر في القدس الشريف لمنشئها محمد موسى المغربي. صفحاتها ٤٠، قيمة
اشتراكها ريال ونصف ريال مجيدي في البلاد العثمانية. وفي الخارج عشرة
فرنكات.