للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السبي والرق في التوراة والإنجيل

(س٢١) من صاحب الإمضاء في الكويت.
حضرة الأستاذ السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار الأغر.
نرجو من فضلكم تبيين حكم السبي في الشرائع القديمة هل هو مشروع فيها أم
لا؟ وهل له ذكر في هذه الأناجيل وهذه التوراة الموجودة في أيدي الناس اليوم
إثباتًا أو نفيًا أم لا؟ وما هو أحسن جواب للمعترضين به على الدين الإسلامي
بدعوى أنه من الهمجية أو أنه ينافي الإنسانية أو ما أشبه ذلك من العبارات.
وكيل المنار
سليمان العدساني
(ج) يؤخذ من أسفار العهد القديم التي يسمونها التوراة أن السبي والرق كان
مشروعًا على عهد الأنبياء السابقين إبراهيم صلى الله عليه وسلم فمن بعده (راجع
سفر التكوين ١٤: ١٤) وأن شريعة موسى تقضي بأن يستأصل الإسرائيليون
الأمم التي يغلبونها في الأرض المقدسة التي أُعْطوها فلا يُبقوا من أهلها صغيرًا ولا
كبيرًا. وأن يسبوا مَن غلبوهم في غير تلك الأرض. وللسبايا والعبيد والإماء من
العبرانيين وغيرهم أحكام متفرقة في سفر الخروج وسفر اللاويين وسفر التثنية.
ومنها أنه شرع لهم تحرير العبراني دون الغريب، وكذلك يجب الرفق بالعبراني
منهم دون غيره.
ومن نصوص سفر اللاويين في ذلك ما جاء في الفصل الخامس عشر منها
وهو مما ذكروه من كلام الرب لموسى بعد توصية الإسرائيلي بأخيه إذا بيع له لفقره
قال: (٤٤ وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم، منهم
تقتنون عبيدًا وإماءً ٤٥ وأيضًا من المستوطنين النازلين عندكم. منهم تقتنون ومن
عشائرهم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكًا لكم ٤٦ وتستملكونهم لأبنائكم من
بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر. وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط
عليهم أحد بعنف) .
والظاهر من هذه العبارة أنه لا يجوز عتق العبد الغريب عندهم، وأما
العبراني فيعتق سنة اليوبيل عندهم إلا إذا أحب هو أن يبقى رقيقًا، فعند ذلك تثقب
أذنه ويبقى عبدًا إلى الأبد. وأن لاستعباد العبراني عندهم ثلاثة أسباب: الفقر،
والسرقة إذا لم يجد السارق قيمة المسروق، وبيع الوالد بنته لتكون سرية.
فإذا تم للصهيونيين ما يريدون من امتلاك فلسطين وأقاموا شريعتهم فيها فإنهم
يستأصلون أهلها ويستعبدون جميع من يقدرون على استعباده من جيرانهم إلى
الأبد.
ولا يرضون أن يكون لأحد معهم حق ولا ملك، دع الملك الذي صرح سفر
التثنية فيه بأنه لا يحل للإسرائيلي أن يجعل عليه ملكًا أجنبيًّا ليس هو أخاه؛
(راجع ١٧: ١٣و١٥) .
وفي الفصل العشرين من سفر التثنية ما نصه: (١٠ حين تقرب من مدينة
لكي تحاربها استدعها إلى الصلح ١١ فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب
الموجود فيها يكون لك للتسخير والسبي ويستعبد لك ١٢ وإن لم تسالمك بل عملت
معك حربًا فحاصرها ١٣ وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد
السيف ١٤ وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها
لنفسك وكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك ١٥ هكذا تفعل بجميع المدن
البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب
التي يعطيك الرب إلهك فلا تَسْتَبْقِ منها نسمة ما) .
تأملوا! تأملوا أيها المنصفون ما أشد ظلم الذين ينتقدون الإسلام وهم يدعون
الإيمان بالتوراة! فالقرآن يأمر المسلمين إذا أثخنوا في مقاتليهم، وظهرت لهم الغلبة
عليهم أن يكفوا عن القتل، ويكتفوا بالأسر، ثم شرع لهم في الأسرى أن يمنوا
عليهم بالعتق فضلاً وإحسانًا، أو يفادوهم إن احتاجوا إلى ذلك، كما قال {حَتَّى إِذَا
أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (محمد: ٤) .
وإذا تزوج الإسرائيلي امرأة من السبايا يشرع له أن يكرمها لإذلاله لها. كما
في الفصل الحادي والعشرين من سفر التثنية، وهذا التكريم هو أن يتركها لنفسها
إذا لم يُسَرّ بها ولا يبيعها ولا يسترقها.
أما الإنجيل فقد أقر الإسرائيلين على الرق كما أقر الرومانيين ولم يأمر السادة
بالعتق ولا بالرفق؛ بل أوصى العبيد بالخضوع والطاعة بغير شرط ولا قيد.
ومن وصايا بطرس في رسالته الأولى: (أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة
للسادة ليس للصالحين المترفقين فقط، بل للعنفاء أيضًا) إلخ. ومن وصايا بولس
في رسالته إلى أهل أفسس (٦: ٥ أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف
ورعدة في بساطة قلوبكم للمسيح) وفي رسالته إلى أهل كولوسي (٣: ٢٢
أيها العبيد أطيعوا في كل شئ سادتكم حسب الجسد) .
وقد شرحنا في عدة مجلدات من المنار عدل الإسلام ورحمته وحكمته في
تخفيف وطأة الرق التي كانت عند جميع الأمم والملل وتمهيده السبيل إلى تحريره،
فهو لم يوجب الاسترقاق كما كان يوجبه بعض الملل، ولكنه أباحه لأن المصلحة،
قد تقتضيه حتى لمصلحة السبايا؛ إذ كانت طبيعة العمران - ولا تزال - في
بعض البلاد على غير ما هي عليه الآن في ممالك الحضارة. فإذا قتل رجال قبيلة
وبقي نساؤهم وأطفالهم ما كانوا يجدون من يكلفهم وينفق عليهم، ففي مثل هذه
الحال قد يكون الاسترقاق خيرًا لهم، إذا كان كاسترقاق الإسلام يهدي إلى إطعام
الأرقاء مما يأكل منه السادة وإلباسهم كما يلبسون وعدم تكليفهم ما لا يطيقون.
وعدم إهانتهم حتى بالتعبير عنهم بلقب العبد والأَمة. وناهيك بما شرعه من الأسباب
الموجبة لإعتاقهم. وقد فصّلنا ذلك في مواضع من مجلدات المنار كما قلنا آنفًا
فراجع الفهارس تجد ذلك مفصلاً، وتجد حجة الإسلام قائمة على جميع الخلق ولا
سيّما اليهود والنصارى منهم.