للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المراسلة والمناظرة

... ... ... ... بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم
مَنْ أنصاري إلى الله
يا إخواني المسلمين: رحمكم اللهُ وحماكم، وحفظكم ونجّاكم، إن بعض سكان
بلدانكم المحروسة قد سمع حالاتي وعرفها، وإني أرى أن أذكر لكم مما أنا عليه
لازدياد المعرفة:
إني جئت من الهند من مدة تزيد على سنة ونصف إلى لندرة،
واطلعت على حالات أهلها في صولهم على ديننا الحق، تكدّرت جدًّا لأنهم
يقدمونه بين يدي الناس بوجوه رديّة لينفروهم عن القرب إليه، وذلك بنقلهم إلى
الغث سمينه، وإلى الكدر معينه، وإلى الظلمات نوره، وإلى الأخربة قصوره.
فهذه بلية عظمى على ديننا الإسلام، ما سُمع نظيرها من قبل. وما وجد مثلها في
الأولين. فلما رأيت ذلك عزمت على أن أشمر الذيل لإشاعة التدين القويم، وإعلاء
كلمة الحق، وما التوفيق إلا بالله. فالحمد لله ثم الحمد لله، ما انصرمت سنة كاملة
إلا ورأيت التوجه إلى ديننا الإسلام. وذلك فضل الله - إن الله على كل شيء قدير -
فإنكم قد سمعتم دخول لورد هيدلي في الإسلام، وغيره أيضًا من الرجال والنساء من
الأمراء المشهورين، مثل (واي كونت) وابن الأمير الروسي (بور كويت) الذي
تزوج ابنة الملك (أعني من أقارب خديو مصر) المسماة صالحة، فقد أسلم على
يدي والحمد لله على ذلك، فالآن عدد الذين هم دخلوا في الإسلام ثلاثون شخصًّا.
وذلك من فضل الله تعالى. وإن شاء الله تعالى يدخلون في ديننا الإسلام جم كثير؛
لأنه دين الفطرة السليمة. وليس المقصود التام دخول بعض النصارى في الإسلام؛
بل المقصود التام قمع الشبهات، ورفع الأغلوطات، التي نحتوها أعداء الدين.
ولذلك أجريت المجلة المسماة (إسلامك ريبويو) والحمد لله تعالى قد قبلت بأحسن
وجه، وسلمت طاقتها عند أولي البصائر.
ولكن يا سادتي إني وحيد فريد! وإن تبليغ الإسلام وإشاعته بين الخواص
والعوام، فرض واجب على كل مسلم ومسلمة. قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} (آل عمران: ١١٠)
فلا بد من أهل الهمم العالية السنية من إخواني المسلمين أن يوآزروني ويمدوني
بحصة من أموالهم لحصول الأجر والثواب في إشاعة ديننا الإسلام، وذلك ازدياد
طبع مجلة (إسلامك ريبويو) وإشاعتها مجانًا في جميع الأطراف، فتكون فائدة
تامة إن شاء الله تعالى.
ثم ترجمنا القرآن الكريم بلسان الإنكليزي أحسن وجه، ونريد طبعه وإشاعته
أيضًا، وأما التراجم التي طبعت فإنها محشوة من الأغلوطات [١] لأنها ترجمة
المخالفين، وقد فعلوا ما فعلوا. فيا إخواني لا بد من طبع ترجمتها وإشاعتها مع
الأصل وتلك لا تكون إلا ببذل المال الجزيل. وإنكم مسلمون وقد بايعتم الله على أن
لكم الجنة بأموالكم وأنفسكم. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} (التوبة: ١١١) وأيضًا إن الإسلام قد شاع أولاً في
بلدانكم المحروسة فلها شرفية على سائر البلدان. ولذلك نرجو الإعانة منكم في
إرسال حصة من أموالكم لأجل إشاعة القرآن الكريم، وإشاعة (إسلامك ريبويو)
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: ٢) وقال: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: ٧) .
وقال سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (مَن كان في عون أخيه كان
الله في عونه) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... ... ... ... ... ... خادم الإسلام والمسلمين
... ... ... ... ... ... خواجا كمال الدين مدير إسلامك ريبويو
* * *
(المنار)
نحض من بلغته هذه الدعوة على مساعدة أخينا صاحب هذه المجلة الإسلامية
الإنكليزية على إدامة إصدارها. وننصح له بأن لا يطبع ترجمة القرآن، التي نوّه
بها إلا بعد عرضها على جماعة من كبار العلماء في مصر أو الهند وإجازتهم إياها.
فإن رسالته هذه تدل على ضعفه في اللغة العربية فيخشى أن تكون ترجمته كثيرة
الغلط كغيرها. على أن ترجمة القرآن ترجمة تامة تؤدي من المعاني والتأثير ما
تؤديه عبارته العربية ضرب من المحال. وحسب من يترجم القرآن للأجانب أن
يأتيهم بتفسير مختصر سليم من الحشو وإنما تقوم بذلك الجمعيات لا الأفراد.
***
بسم الله الهادي إلى الحق
الدين النصيحة
إلى إخوتي المسلمين. إنني قد ولدت ونشأت مسلمًا ودرست القرآن وتفاسيره
مع العلوم الإسلامية على أعظم علماء سوريا ومصر ورأيت القرآن يشهد بأنه جاء
مصدقًا للتوراة والإنجيل ومهيمنًا عليهما أي حافظًا لهما من التغيير والتحريف لكن
لدى دراستي للتوراة والإنجيل رأيت القرآن يخالفهما في حقائق كثيرة لا سيّما مخالفته
لهما في مسألة الكفارة والفداء التي هي خلاصة الكتاب المقدّس. مع أن القرآن قد
تكلم عن القربان منذ زمن آدم وقد أثبتت السنة القربان في عيد الأضحى مع أن
جميع القرابين والذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم كلها رمز وإشارة إلى الذبيحة
الحقيقية (المسيح) الذي قدم نفسه قربانًا فدية عن الخاطئين الذين يؤمنون به وإلا
فكيف يعقل أن حيوانًا أبكم يكون فداء عن إنسان عاقل؛ إذ لا بد أن يكون الفداء
على الأقل معادلاً للمفتدى إن لم يكن الفداء أثمن منه. يا أيها الأخوة تبصروا في
هذا الأمر المهم الذي يتوقف عليه خلاص نفوسكم من الهلاك الأبدي واعلموا أن
كاتب هذه الرسالة هو من سلالة نبيكم ونشأ مسلمًا ولكن الله قد أنار بصيرته حتى
رأى الحق صريحًا وذلك أن الكتاب المقدس هو كلمته وكتابه الوحيد لم يعتره تغيير
ولا تحريف وأنه لا يمكن لأحد من البشر أن يتخلص من الهلاك الأبدي إلا بواسطة
كلمة الله المتجسد في أحشاء مريم، وقد اتبعته وآمنت به واعتمدت باسمه تاركًا دين
آبائي وأملاكي وأقاربي وأصدقائي؛ لأجل أن أتخلص من الهلاك الأبدي! والآن
أدعوكم وأنصحكم بإخلاص ومحبة أخوية لتقرءوا كتاب الله تاركين كل تحزب
وتعصب؛ إذ الدين بالاستدلال لا بالإرث عن الآباء وحينئذٍ فالله نفسه يهديكم إلى
الصراط المستقيم الذي تطلبونه منه كل يوم مرات عديدة وإذا صعب فهم شيء من
الكتاب المقدس على أحدكم فعليه بسؤال الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم يجيبونكم
عن كل ما ترومونه والله القادر يرشدكم إلى طريق الحق والحياة بنعمته وهدايته
آمين.
(المنار)
جاءتنا هذه الرسالة في البريد بإمضاء متنصر سمى نفسه باسمين، أو اسم
جعل نفسه به عبدًا لإلهين، وهو (عبد الله، عبد الفادي) ونحن لا نناقشه فيما ادعاه
من النسب. ولا من ترك النشب، فأما دعواه دراسة التفسير والعلوم الإسلامية فلا
يبعد أن يكون لها أصل، لأن كثيرًا من الناس يزاول دراسة بعض الكتب عدة سنين
ولا يفهم منها شيئًا. ويجوز أن لا يكون له أصل، ويترجح إذا كان الرجل صحيح
الفهم؛ لأن من يدرس التفاسير وعلوم الإسلام، لا يمكن أن يثبت مسألة الفداء
الأخروي التي صرح بنفيها القرآن ويستدل عليها بالأَضحية والقربان، فالقرآن إنما
شرع لنا الفدية في الدنيا فقط، كفدية الصيام لمن يطيقه بمشقة شديدة لهرم أو داء
عضال وهي أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، وفدية محرمات الإحرام قال تعالى:
{فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: ١٩٦) وفداء الأسير، ويُفدى
الأسير بمثله أو بمال كما هو المتبع عند جميع الأمم. وأما النجاة في الآخرة فإنما
تكون بالإيمان الصحيح والعمل الصالح كما هو منصوص في الآيات الكثيرة. ولا
يمكن أن تكون بالفداء. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} (المائدة: ٣٦) وقال تعالى في شأن يوم القيامة: {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن
نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (البقرة:
٤٨) والعدل هنا الفدية، وهو بمعنى المعادل.
وأما حكمة الأَضحية وما في معناها من النسك فهي التوسعة على الفقراء
ومساواتهم بالأغنياء في خير أطعمتهم وألذها. قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا
وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الحج: ٣٧) .
فمن عرف هذه الضروريات من الإسلام يجزم بأن صاحب هذه النشرة إما
كاذب في دعواه أنه كان مسلمًا وأنه قرأ شيئًا من علم الإسلام، وإما أنه قرأ شيئًا
وهو يتعمد اليوم تحريفه وتبديله، ويريد أن يغش عوام المسلمين به كما يفعل أمثاله
وأقتاله. فعليه أن ينصح نفسه قبل أن ينصح غيره. وأن يعلم أن الدنيا لا تغني عن
الآخرة التي لا تنفعه فيها فدية فادٍ ولا شفاعة شافع، إلا أن يؤمن بالله وحده،
ويزكي نفسه بالعمل الصالح {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ
مُعْرِضِينَ} (المدثر: ٤٨-٤٩) .
إن التحريف صار صنعة لدعاة النصرانية حتى إن من يلتصق بهم لأمر ما لا
يلبث أن يتقن صنعتهم، ولهذا نرى صاحب هذه الرسالة حرف ما ورد من الفدية
في القرآن عن موضعه ووضعه لمعنى طالما صرّح القرآن ببطلانه، كما حرف
معنى قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (المائدة: ٤٨) ومعناه أن القرآن رقيب
على ما قبله من الكتب الإلهية يُظهر ما حرف منها ويفضح أصحابه، فجعله بمعنى
منع الناس من تحريفه بالفعل لا بإظهار تحريفهم، وكيف يكون مانعًا من شيء وقع
قبل نزوله؟ ولا يبعد أن يدعي في رسالة أخرى أن القرآن يثبت التثليث، وينهى
عن التوحيد! ! ألم تر أنه ادعى أن خلاصه الكتاب المقدس - أي ما يعزى إلى
أنبياء بني إسرائيل من وحي وغيره - لا تخرج عن معنى الكفارة والفداء؟ وهذه
دعوى افتحرها القوم الذين التصق بهم، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا خطرت
على بال أحد من الأنبياء ولا ممن عاصرهم أو جاء بعدهم من الأحبار، وقد بينا
من قبل أصلها ومأخذها فلا حاجة إلى إعادته هنا.
وأعجب من هذا وذاك أن مثل هذا الرجل يذكر كلمة (الدين بالاستدلال)
فيالله العجب من تهافت نوع الإنسان! !