للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة السنة السابعة عشرة

نختم السنة السابعة عشرة بمثل ما افتتحناها به من حمد الله الذي لا يحمد على
السراء والضراء سواه، وإليه يرجع الأمر كله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإياه
نسأل أن يقينا شر هذه الحرب الأوربية، التي عمت رزاياها جميع البرية، فكأنها
عقاب من الله - تعالى - للبشر كافةً، لا من أوقدوا نارها خاصةً، فكسدت
التجارات، وتعسرت جميع المعاملات، وراقبت الحكومات جميع المطبوعات،
وانقطعت المواصلات والمكاتبات بين بعض الأمم والأقطار، وقلت حتى في البلاد
التابعة لحكومة واحدة، أو حكومات متحالفة متآلفة.
فكان مما أصاب المنار أن انقطع في أثناء السنة عن المملكة العثمانية،
وبطلت الثقة بوصوله إلى كثير من البلاد المشرقية والمغربية، وانقطعت عنه
الحوالات المالية من خارج هذا القطر وقل من يوفيه حقه أو بعض حقه من أهله؛
لأن الناس اتخذوا هذه الحرب عذرًا لا يستحي من الاعتذار به الأغنياء وكثير من
أصحاب الرواتب التي ما زالوا يتقاضونها في أوائل الشهور لم تنقصهم الحرب منها
شيئًا , ولا أخرتها عن أوقاتها.
قل ما يرد إلى المنار من المشتركين حتى لم يعد يكفي لعُشر نفقاته , ولم
يتجدد في أيام هذا الضيق عمل جديد للمطبعة، وغلا ثمن الورق وغيره، وأما نحن
فما غيَّرْنا - ولن نغير إن شاء الله - ما جرينا عليه من الوفاء لعمالنا ومعاملينا،
فعمالنا يوفون أجورهم في كل أسبوع، ولا نشترى شيئًا إلا ونؤدي ثمنه دفعةً واحدةً،
أو أقساطًا مطردةً، وقد أجازت الحكومة المصرية عند بدء الحرب ما تجيزه سائر
الحكومات من تأجيل أداء الديون، فلم يحملنا ذلك على تغيير معاملتنا مع أحد.
لأجل هذا حسبنا لطول أمد الحرب كل حساب، وخفنا أن نعجز عن الاستمرار
على سيرنا هذا عدة سنين، كما يقدر لهذه الحرب بعض العارفين، فارتأينا أوَّلاً أن
نصدر أجزاء السنة في سنتين، ونتقاضى الاشتراك بحسب الأجزاء لا بحسب
الزمن الذي صدرت فيه، وأشار علينا بعض الأصدقاء الأوفياء بأن ننقص من
الأجزاء نصف حجمها، ونبقي الاشتراك على حاله، ثم نعيده إلى ما كان عليه بعد
الحرب، فعز علينا العمل بهذا الرأي، ولكننا عزمنا الآن على جعل سنة المنار
عشرة أشهر كأكثر المجلات المصرية، وهي سُنَّة سنَّها منشئ مجلة الهلال،
ودعاني إليها عقب إنشاء المنار فرغبت عنها حرصًا على كثرة الفائدة، وإيثارًا لها
على حب الراحة , وإنما ألجأتْ إليها الضرورة.
أما الانتقاد على المنار فما ورد علينا منه شيء لم ننشره، فإن كان أحد كتب
إلينا نقدًا لشيء ولم ننشره أو ننشر ما كان أجمع منه معاني في موضوعه
فليذكرنا بذلك، مبينًا ما يراه لا يزال منتقدًا إلى الوقت الذي يكتب فيه، فإن نقد
الكلام من أسباب تحري الكمال، والله الموفق، وله الحمد على كل حال.