للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


منتدى سمر
ضمّنا وبعض فضلاء السُّمَّار سامر من السمار (السمر الحديث في الليل
ويسمى فاعله ومكانه سامرًا، وجمعه في معنَيَيْه: سُمَّار) فجرى ذكر الطرق وما
كتبه المنار في عدده الماضي بمناسبة الحادثة الأخيرة في شأن ذويها، وتحدثوا بأن
شيخ الشيوخ سيجمعهم للمذاكرة في الإصلاح، فقال قائل: لا يمكن أن يأتي
الإصلاح من جانب هؤلاء الشيوخ؛ لأنهم إذا تركوا الرقص والغناء وآلات الطرب
ينفضُّ أكثر الناس من حولهم، فيقل سوادهم الذي يفيض عليهم بالأبيض والأصفر،
ومدار معاشهم وجاههم على هذا، إنهم ليعلمون - كما نعلم أو أكثر علمًا - أنهم لو
اقتصروا على الذكر الشرعي لا يحضر مجالسهم إلا بعض الأتقياء العقلاء الذين لا
يقدمون لهم نذرًا ولا ينقدونهم شيئاً، وهذا ما يضطرهم إلى استمالة الغوغاء من
الناس باللهو والباطل، فلغواً يكتب المنار، وعبثًا يحاول مبتغي الإصلاح (وأشار
إليَّ) فقال سامر آخر: نرجو أن يظلوا واقفين عند هذا الحد في الاستمالة ولا
يتعدوه إلى نحو الحشيش والأفيون، فانبرى له آخر وقال: وما يدريك أنهم لم يتعدوا
الحدود التي ذكرتَ، إن الخيام التي يُشرب فيها الحشيش في الموالد هي مأوى
المجاذيب المعتقدين ومنتحى العفاة والطالبين، ولا يمكن لأحد أن ينبس ببنت شفة
في الاعتراض على ذويها لئلا يتصرفوا فيه، فتذكرت بكلام هذا السامر ما كنت
سمعته من بعض القضاة الشرعيين في غضون مدة مولد السيد من أن بعض
الحشاشين من الأولياء أصحاب الكشف وأنه سُرق لبعض الناس متاع، فوقف على
خيمة حشاشين فأشار واحد منهم إلى أن متاع الرجل قفة، وأنها في مكان كذا، فجاء
الرجل المكان المشار إليه فوجد متاعه هناك في قفة كما قال الحشاش.
ولم أحدث السمار بالقصة، لكنني قلت لمن قال إن الكلام في إصلاح الطرق
عبث: إنني يغلب علي اليأس من الشيوخ في الغالب، ولكن رجائي في الأمة كامل،
وأنا أكتب لأبين لها الحق من الباطل، فمتى علمَتْ أعرَضَتْ عن هؤلاء المضلين
الذين يأكلون أموالنا باسم الدين ويشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، وإن الحق
يعلو ولا يُعلَى عليه، والعاقبة للمتقين.