للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد علي أبو زيد


البرهان على خروج تارك الصلاة
ومانع الزكاة من الإيمان
جمع أدلته من الكتاب والسنة / محمد علي أبو زيد
الطالب بكلية دار الدعوة والإرشاد
(٢)

يزيدك بيانًا لهذه الآية قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (بين الرجل وبين
الشرك ترك الصلاة) خَرَّجَه مسلم [١] ولا تحتاج بعده إلى شرح وبيان، ومنه قوله
تعالى في سورة البقرة: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى
الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: ٤٥-
٤٦) .
تراه في الآية جعل الصلاة يُستعان بها، ولم يذكر ما يستعان عليه؛ ليشمل
كل الأمور الدينية والدنيوية، وذلك - كما بينا قريبًا - أنها تشغل النفس بذكر الله
تعالى فتصقلها كصقل الجلاَّء للمرآة؛ فيرى صاحبها بقربه من ربه ما لا يراه صديء
النفس؛ فتقوى فيه الروحانية والمرء متى قويت روحه، قويت إرادته، واشتدت
عزيمته؛ فتسهل أمامه كل صعوبة، ويفوز في كل عمل تطلبه الحياة، وهذا كله
هو حظ الشارع الحكيم ممن يخضع لأمره، ويؤمن بثوابه وعقابه.
وقد أفاد جل شأنه بقوله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ} (البقرة: ٤٥-٤٦) الآية، أن الصلاة إنما تكبر وتثقل على
من لم يؤمن بالآخرة، ومن لم يصدق بملاقاة ربه وجزائه {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ
لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} (الانفطار: ١٩) وحده.
وهاهنا نكتة بليغة في قوله: {يَظُنُّونَ} (البقرة: ٤٦) فإنه لم يقل
(يوقنون) ليفيد أن الظن - وإن كان لا يغني من الحق شيئًا - يكفي حاملاً للمرء
على العمل احتياطًا، ما دام يترجح عنده أنه سيرجع إلى الله فيحاسبه ويجازيه، فكأنه
تعالى يقول: إن من يعتقد اعتقاد ظن ورجحان [٢] لم يصل فيه إلى درجة اليقين
بالبرهان، أنه سيلاقي ربه فيحاسبه ويجازيه، لم تثقل عليه الصلاة ولا تشق، بل
يقيمها بنشاط على خشوع وراحة.
هذا مبني على سنة الله تعالى في النفس، متى ترجح عندها الأجر والمنفعة
في العمل نشطت إليه، وهشت له، وإن كان سخرة أو ضرًّا، كبر عليها،
وجزعت منه، وإذا كان ذلك حال الظان - لا يترك الصلاة ولا تثقل عليه إقامتها
بل يحافظ عليها ويرتاح بها - فما بالك بالموقن هل يترك الصلاة، أو يثقل عليه
شيء منها؟ أم ينتظر أوقاتها، ويقول كما قال الرسول، صلى الله عليه وسلم:
(أرحنا بها يا بلال) .
ومنه قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي
بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى
صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (الأنعام: ٩٢) .
جعل سبحانه المحافظة على الصلوات شأنًا من شؤون أهل الإيمان بالآخرة
وبالقرآن، وجعل هذا الإيمان داعيًا إليها، وباعثًا عليها، وذلك أن قوله: {وَهُمْ
عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (الأنعام: ٩٢) يفيد أن الذي يؤمن باليوم الآخر،
ويصدق بأن فيه الجزاء الأوفى: الطيب للطيب، والخبيث للخبيث، لا بد أن
يصدق بالقرآن، ولا بد أن يكون على تلك الحالة، ومتصفًا بتلك الصفة:
المحافظة على الصلاة.
واختيار التعبير بالفعل (يحافظون) على الوصف (محافظون) يدل على
الدوام والاستمرار، أي أنه لا ينفك عنها في وقت من الأوقات، والآية وما قبلها
نص في أن الإيمان بالآخرة يستلزم الإيمان بالقرآن، والإيمان به يستلزم إقامة
الصلاة، ومفهومه أن من لم يحافظ عليها كافر، وعلى هذا يكون القرآن قد بين أن
الصلاة هي الفارق بين المؤمن والكافر، ويُجلِّي لك هذا قول النبي - صلى الله
عليه وسلم - (بين الكفر والإيمان ترك الصلاة) رواه مسلم، وأبو داود،
والترمذي، وفي رواية (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) ، وقوله - صلى الله
عليه وسلم - (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الترمذي،
والنسائي وصححه، فتأمل هذه التصريحات في هذه الأحاديث، وانظر التحقيق
من النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظة (فقد كفر) وكلها في معنى الآيات التي
سمعت.
وأزيدك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من ترك صلاة العصر فقد
حبط عمله) رواه البخاري، والنسائي، ومن المعلوم في الشرع أن الذي يحبط
عمله هو الكافر، قال تعالى في سورة المائدة: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (المائدة: ٥) فإذا كان تارك العصر كافرًا، فما ظنك بتارك جميع الصلوات؟
ولما جاء وفد ثقيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسلموا، قالوا: اسمح لنا
في أن ندع الصلاة، وألا نكسر أصنامنا بأيدينا فقال: صلى الله عليه وسلم (أما
كسر أصنامكم بأيديكم فقد عفوناكم منه، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه،
وأنت ترى أن في قوله (لا خير في دين لا صلاة فيه) أن تارك الصلاة لا يعتد
بتدينه، وعلى هذا قد درج الصحابة، رضوان الله عليهم. فقد روى الترمذي
عن عبد الله بن شقيق [٣] أنه قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرًا إلا الصلاة؛ وذلك لما قدمنا من أن الصلاة
أصل، فالمحافظة عليها تستلزم المحافظة على كل الدين.
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكتب إلى عماله:
إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها
كان لما سواها أشد إضاعة، رواه مالك وغيره.
س: إن ما تقدم من الأدلة كله صريح في أن تارك الصلاة غير مسلم مطلقًا،
ولا أراني أشك بعد في ذلك، إذًا ما معنى قول بعضهم: من تركها كسلاً لا يكفر،
وما معنى التفريق بين من يتركها بكسل أو غيره؟
ج: لا معنى لذلك إلا مخالفة النصوص الصريحة، وعدم تدبر القرآن،
والسنة الصحيحة [٤] ، وما دمنا نقول كما قال القرآن: إن المحافظة على الصلوات
من شأن المؤمن، ومن صفاته الملازمة له، فالمجرد منها، المتخلي عنها، غير
مؤمن ضرورة، لكونه عري من صفة الإيمان الفعلية، على أن الله سبحانه قد
صرح بأن الكسل في الصلاة من شأن المنافقين وصفاتهم، فقال عز شأنه في سورة
النساء: {إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا
كُسَالَى} (النساء: ١٤٢) .
وليس المنافقون بأقل من الكافرين، قال تعالى في سورة براءة: {إِنَّ
المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} (التوبة: ٦٧) -أي الخارجون عن الدين - {وَعَدَ اللَّهُ
المُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ
عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (التوبة: ٦٨) .
قرن الله تعالى في هذه الآية المنافقين مع الكافرين، ووعد الجميع معًا الخلود
في جهنم والعذاب الدائم، بل قد حطهم عنهم فقال في سورة النساء: {إِنَّ المُنَافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} (النساء: ١٤٥) .
إلى هنا انتهينا من أدلة الصلاة وحدها
***
فإليك ما جاء في الزكاة أختها
قال الله تعالى في سورة فصلت: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (فصلت: ٦-٧) فتأمل كيف جعل منع الزكاة من
صفات المشركين وشأنهم، وإنما كان منعها من شأن المشرك بربه؛ لأنه يؤثر
المال على حبه، وقد قرن منع الزكاة بالكفر بالآخرة؛ لأنهم لو كانوا واثقين بخبر
الله، ومؤمنين بجزائه، لأنفقوا من مالهم رغبة في ثوابه، وخوفًا من الكي بناره
وقال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (التوبة: ٣٥) .
(وقال) جل ثناؤه في سورة آل عمران: {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ} (آل عمران: ٩٢) علَّق نيل البر على الإنفاق مما يحب، فمن لم ينفق
مما يحب، لا حظ له من البر، والبر نعيم الله ورضوانه فمانع الزكاة - وهي أول
مقصود بالإنفاق - محروم من نعيم الله ورضوانه كافر [٥] .
ولعلك تلاحظ الحكمة في تقييده الإنفاق بأن يكون المنفَق منه محبوبًا عند
المنفِق، إذْ المرء لو أنفق لله ما يكره، لا يكون إنفاقه له بسبب حبه إياه، بل
يعتبر غرمًا ومظلمة، أو شيئًا كريهًا رغب الخلاص منه بهذه الطريقة رياء، أما لو
أنفق من شيء محبوب له، يكون حبه الله قد رجح في نفسه على حبه المال، فدعاه
إلى بذل المال على حبه إياه، وهناك يظهر الفضل بالتوحيد والإخلاص.
(وقال) تعالى في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (الأعراف: ١٥٦) بيَّن أن رحمته واسعة؛ ولكنها
لا تكتب لكل الناس، بل كتابها وإيجابها خاص بالأتقياء المعطين الزكاة، فالذي
يمنع الزكاة، تمنع كتابة الرحمة له؛ فلا يكون له حظ فيها بل يكون بعيدًا عنها،
ومحرومًا منها.
(لها بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))