للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خلاصة سورة المائدة
انفردت هذه السورة بعدة مسائل في أصول الدين وفروعه، وبتفصيل عدة
أحكام أُجملت في غيرها إجمالاً، وأكثرها في بيان شؤون أهل الكتاب ومحاجتهم،
ونحن نُذَكِّر قارئ تفسيرنا بخلاصتها مراعين مناسبة بعض المسائل لبعض، لا
ترتيب ورودها في السورة، وجعلنا ذلك على قسمين:
القسم الأول
ما هو من قَبِيل الأصول والقواعد الاعتقادية أو العملية
(١) أهم الأصول التي انفردت بها السورة، بيان إكمال الله تعالى للمؤمنين
دينهم الذي ارتضى لهم بالقرآن، وإتمام نعمته عليهم بالإسلام (راجع ص ١٥٤ -
١٦٧ ج ٦) [*] .
(٢) النهي عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من شأنها أن تسوء
المؤمنين إذا أُبديت لهم، لما فيها من زيادة التكاليف مثلاً (راجع ص١٢٥ - ٢٠٩
ج٧) .
وقد علم من الآيات التي نزلت في هاتين المسألتين المتلازمتين أن كل حكم
ديني من اعتقاد، أو عبادة، أو حلال، أو حرام لم يدل عليه النص دلالة صريحة
ولم تمض به السنة العملية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فليس من الدين
الذي هو حجة الله على كل من بلغتهم دعوة الرسول بحيث يطالبون به في الدنيا،
ويسألون عنه في الآخرة، كما فصلنا ذلك في تفسيرهما، مع بيان الفرق بين
الأحكام الدينية والدنيوية، وأما ما دل عليه الكتاب أو السنة دلالة غير صريحة -
ومنه أكثر ما اختلف أئمة العلم في دلالته - فهو حجة على من فهم منه الحكم، لا
على كل أحد كما بيناه في تفسير آية تحريم الخمر.
(٣) بيان أن هذا الدين مبني على العلم اليقيني في الاعتقاد والهداية في
الأخلاق والأعمال، وأن التقليد باطل لا يقبله الله تعالى، كما هو صريح الآية
١٠٧ (راجع ص ٢٠٥ ج٧) وتقدم مثلها في سورة البقرة.
(٤) بيان أن أصول الدين الإلهي على ألسنة الرسل كلهم هي الإيمان بالله،
واليوم الآخر، والعمل الصالح، فمن أقامها كما أمرت الرسل من أية ملة - من ملل
الرسل كاليهود والنصارى والصابئين - فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم في
الآخرة ولا هم يحزنون (ص ٤٧٦ ج٦) وتقدم مثل ذلك في سورة البقرة.
(٥) وحدة الدين واختلاف شرائع الأنبياء ومناهجهم فيه.
(٦) هيمنة القرآن على الكتب الإلهية (ص ٤١٠ ج ٦) .
(٧) بيان عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بالتبليغ العام،
وكونه لا يكلف من حيث كونه رسولاً إلا التبليغ، وأن من حجج رسالته أنه بيَّن
لأهل الكتاب كثيرًا مما كانوا يخفون من كتبهم، وهو قسمان: (أحدهما) ما ضاع
منه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على الأصل المبين في هذه السورة،
وهو أنهم نسوا حظًّا عظيمًا مما ذكرهم الله به بإنزاله فيها (وثانيهما) ما كانوا
يكتمونه من الأحكام اتباعًا لأهوائهم مع هذه السورة، ولولا أن محمدًا الأمي مرسل
من عند الله لما علم شيئًا من هذا ولا ذاك.
(٨) عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الناس أن يضروه، أو يقدروا
على صده عن تبليغ رسالة ربه، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أيضًا
فكم حاولوا قتله فأعياهم وأعجزهم (ص٤٧٣ ج٦) .
(٩) بيان أن الله أوجب على المؤمنين إصلاح أنفسهم أفرادها وجماعتها،
وأنه لا يضرهم من ضل من الناس إذا هم استقاموا على صراط الهداية، أي لا
يضرهم ضلاله في دنياهم؛ لأن الله تعالى لم يكلفهم إكراه الناس على الهدى والحق
ولا أن يخلقوا لهم الهداية خلقًا، وإنما كلفهم أن يكونوا مهتدين في أنفسهم بإقامة دين
الله تعالى في الأعمال الفردية والمصالح الاجتماعية، ومنها الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
(١٠) تأكيد وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بما بينه الله
تعالى من لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود، وعيسى بن مريم،
وتعليله ذلك بأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
(١١) نفي الحرج من دين الإسلام (٢٥٨ و ٢٦٩ ج٦) .
(١٢) تحريم الغلو في الدين، والتشدد فيه، ولو بتحريم الطيبات، وترك
التمتع بها، وتحريم الخبائث والاعتداء، والإسراف في الطيبات (٤٨٨ج ٦و١٧ -
٣٢ج٧) .
(١٣) قاعدة إباحة الاضطرار للمحرَّم لذاته فيما يضطر إليه كالطعام، ومنه
أخذ الفقهاء قولهم: الضرورات تبيح المحظورات (راجع ص١٦٧ ج٦) .
(١٤) قاعدة التفاوت بين الخبيث والطيب، وكونهما لا يستويان في الحكم
كما أنهما لا يستويان في أنفسهما، وفيما يترتب عليهما، وهذا أصل عظيم من
أصول التحليل والتحريم في الطعام وغيره يدل على تعليل الأحكام الشرعية بالحكم
والمصالح، وعلى عدم استواء جزاء الخبيث والطيب من الناس عند الله عز وجل
(ص١٢٢ج٧) ، وما كان تعليل الأحكام، وبيان حكمتها، وفائدتها إلا لأجل
توخيها- كأحكام الطهارة، وتحريم الخمر، والميسر، وبعض الطعام، وأحكام
الوصية، والشهادة، وإقسام الشهداء اليمين - وإنك لتجد الذين يجهلون ذلك
لإعراضهم عن حكم القرآن، وأسرار السنة قد جعلوا أمر الوضوء والغسل تعبديًّا
محضًا لا يستلزم النظافة فعلاً ولا قصدًا، وزعموا أن تحريم الخمر تعبدي لا يدل
على تحريم كل مسكر بناء على رأيهم أن الخمر ما كان من عصير العنب خاصة،
فما القول في فهمهم لسائر الأحكام.
(١٥) تحريم الاعتداء على قوم بسبب بغضهم وعداوتهم؛ لأنه يجب على
المؤمنين أن يلتزموا الحق والعدل، ولا يكونوا كأهل السياسة المدنية ص١٢٨
و٢٧٤ ج٦) .
(١٦) وجوب الشهادة بالقسط، والحكم بالعدل والمساواة بين غير المسلمين
كالمسلمين، ولو للأعداء على الأصدقاء، وتأكيد وجوب العدل فيها، وفي سائر
الأحكام والأعمال (ص٢٧٦ و٢٧٣ و٣٩٤ و٤١٢ و٤٢٠ ج٦) .
(١٧) الأمر المطلق العام في أول السورة بالوفاء بالعقود التي يتعاقد الناس
عليها في جميع معاملاتهم الدنيوية من شخصية ومدنية، وهذه قاعدة عظيمة من
قواعد الشريعة الإسلامية، وهي أن الله تعالى وَكَلَ أمر العقود التي يتعاملون بها
إلى عرفهم ومواضعاتهم؛ لأنها من مصالحهم التي تختلف باختلاف الأحوال فلم
يقيدهم في أحكامها وشروطها بقيود دائمة إلا ما أوجبه الشرع مما لا يختلف
باختلاف الأحوال والعرف كتحريم أكل أموال الناس بالباطل كالربا والقمار، فكل
عقد يتعاقد عليه الناس لم يحل حرامًا، ولم يحرم حلالاً مما ثبت بالنص فهو جائز.
(١٨) إيجاب التعاون على البر والتقوى، ومنه تأليف الجماعات الخيرية،
والعلمية، وتحريم التعاون على الإثم والعدوان ٠
(١٩) بيان أن الله تعالى جعل الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس في أمر
دينهم ودنياهم، فهو جعل تكويني باعتبار، وشرعي باعتبار آخر، وهو يدل على
علمه الواسع المحيط بالأشياء والحكم والمصالح والمنافع ٠
(٢٠) مسألة موالاة المؤمنين للكافرين، وبيان أن من آيات النفاق،
ومرض القلب المسارعة في موالاتهم من دون المؤمنين خوفًا أن تدور الدائرة على
المؤمنين فتكون لهم يد عند أعدائهم يستفيدون بها منهم (ص٤٢٣ج٦)
(٢١) تفصيل أحكام الوضوء والغسل والتيمم، مع بيان أن الله تعالى يريد
أن يُطَهِّر الناس ويزكيهم بما شرعه لهم من أحكام الطهارة وغيرها، وشمول
الطهارة في آية الوضوء لطهارة الظاهر والباطن، وهذا يدل على أن أحكام الطهارة
كلها معقولة المعنى، كما أشرنا إليه في المسألة الرابعة عشرة، فيجب أن يتحرى
بأداء ما ورد به الشرع ما تتحقق به الحكمة منه، ويدل على أن الوسوسة في
الطهارة مذمومة مخالفة لنص الشرع ومقصده.
(٢٢) تفصيل أحكام حلال الطعام وحرامه، وما حرم منه لكونه خبيثًا في
ذاته كالميتة وما في معناها والخنزير، وما حرم لسبب ديني كالذي يُذبح للأصنام.
(٢٣) تحريم الخمر، وهو كل مسكر، والميسر وهو القمار ومنه ما يسمى
في عرف الناس اليوم بالمضاربات.
(٢٤) أحكام محرمات الإحرام.
(٢٥) تفصيل أحكام الصيد للحِلِّ والحُرُم في أوائل السورة وأواخرها.
(٢٦) حدود المحاربين الذين يفسدون في الأرض، ويخرجون على أئمة
العدل، وحد السرقة، وما يتعلق بالحد كسقوطه بالتوبة بشرطه.
(٢٧) أحكام الأيمان وكفارتها، وأيمان الأمناء والشهود.
(٢٨) تأكيد أمر الوصية قبل الموت وأحكام الشهادة على الوصية، وفي
قضاياها وشهادة غير المسلم على المسلم، والفرق بين الشهادة والإشهاد، وإننا بعد
الإطالة في تفسير الآيات في الوصية والشهادة فيها لخصنا مسائلها في ١٥ مسألة.
(٢٩) الأمر بالتقوى في عدة آيات من هذه السورة تدخل في جمع الكثرة؛
لأن صلاح أمور الدنيا والدين يتوقف على التزامها، وإنما يُرجى بتكرار الأمر بها
في كل سياق بحسبه.
(٣٠) بيان تفويض أمر الجزاء في الآخرة إلى الله تعالى وحده كما حكاه
سبحانه من قول المسيح في ذلك اليوم مقرونًا بتعليلها ودليله، وكون النافع في ذلك
اليوم هو الصدق في الظاهر والباطن، جعلنا الله من أهله.
***
القسم الثاني
ما ورد من الأخبار والحِجاج والأحكام في شأن أهل الكتاب
من الآيات في هذا القسم ما نزل في شأن أهل الكتاب عامة، ومنه ما هو في
أحد الفريقين خاصة، فمن المشترك وَصْفهم بالغلو في دينهم المستلزم للتعصب
الضار، وباتباعهم أهواء من ضل قبلهم من الوثنيين وغيرهم، وبالغرور في دينهم
وزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وبأنهم مع ذلك نقضوا ميثاق ربهم، ونسوا حظًّا
عظيمًا مما ذكرهم الله به على ألسنة أنبيائهم، ولم يقيموا التوراة والإنجيل كما
أوجب الله عليهم، وقد فند دعواهم أنهم أبناؤه وأحباؤه بما يأتي ذكره قريبًا، وبيَّن
الله لهم حقيقة الأمر، وهي أنهم بشر ممن خلق الله، لا مزية لهم على سائر البشر
في أنفسهم وذواتهم؛ لأن البشر إنما يمتاز بعضهم على بعض بالعلوم الصحيحة
والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة، لا بالنسب والانتماء إلى الأنبياء والصالحين
وإن كانوا مخالفين لهم في هدايتهم.
وذكر من جزائهم على سوء أعمالهم في الدنيا إلقاء العداوة والبغضاء بينهم،
وأنه يعذبهم في الدنيا بذنوبهم الشخصية والقومية كغيرهم، وأن ذلك يدحض دعواهم
أنهم أبناء الله وأحباؤه، ودعاهم كافة إلى الإسلام، والإيمان بخاتم الرسل عليه
الصلاة والسلام، الذي بيَّن لهم حقيقة دينهم الذي كان عليه سلفهم، ودحض ما
زادوا فيه بالبرهان، وبيَّن بعض ما كانوا يخفون أو يجهلون منه أحسن بيان.
ووَصَف التوراة والإنجيل أحسن وصف، وذكر من أخبار التوراة قصة ابني
آدم بالحق، ومن أحكامها عقوبات القتل وإتلاف الأعضاء والجروح، ومن أخبار
الإنجيل والمسيح ما هو حجة على الفريقين، وبيَّن أن الكتابين أُنزلا نورًا وهدى
للناس، وأنهم لو كانوا أقاموهما لكانوا في أحسن حال، ولسارعوا إلى الإيمان بما
أنزله الله على خاتم رسله مصدقًا لأصلهما، ومبينًا لما طرأ عليهما، ومكملاً لدين
الأنبياء جميعًا، على سنة الله في النشوء والارتقاء، التي هي أظهر في البشر منها
في سائر الأشياء؛ ولكنهم اتخذوا الإسلام هزؤًا ولعبًا في جملته وفي صلاته، ووالوا
عليه المناصبين له من أعدائه، فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم لذلك.
ومما جاء في اليهود خاصة نعيًا عليهم وبيانًا لسوء حالهم - أنهم نقضوا ميثاق
الله الذي أخذه عليهم في كتابهم ونسوا حظًّا عظيمًا مما ذُكِّروا به، وحرفوا الكلم عن
مواضعه، وتركوا الحكم بالتوراة وأخفوا بعض أحكامها، وحكَّموا الرسول ولم
يرضوا بحكمه الموافق لها، وأن من صفاتهم الغالبة عليهم قساوة القلب، والخيانة
والمكر، والكذب، وقول الإثم، والمبالغة في سماع الكذب، وأكل السحت،
والسعي بالفساد في الأرض، وفي إيقاد نار الفتن والحرب، وأنهم كانوا يقتلون
الأنبياء والرسل بغير حق، وتمردوا على موسى إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة،
وقتال الجبارين فعاقبهم الله بالتيه في الأرض، وأنهم كانوا أشد الناس عداوة
للمؤمنين، حتى أنهم يوالون عليهم المشركين، بسبب ما ورثوه من تلك الصفات
عن الغابرين، وذكر أنه عاقبهم على ذلك باللعن على ألسنة الرسل، وبالغضب
والمسخ، وهذه الصفات التي غلبت عليهم في زمن البعثة وقبله تثبتها تواريخهم
وتواريخ غيرهم، ومن المعلوم أنها لم تكن عاملة فيهم، ولا شاملة لجميع إفرادهم،
فقد أنصفهم الحكم العدل في هذه السورة وغيرها بالحكم على الكثير منهم أو أكثرهم،
ومنه قوله في هذه السورة: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (المائدة: ٦٦) وبيَّنا في الموضوع ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من
مساعدة اليهود للمسلمين في الشام، والأندلس.
ومما جاء في النصارى خاصة أنهم نسوا - كاليهود - حظًّا مما ذُكِّروا به،
وأنهم قالوا إن الله هو المسيح بن مريم، وقالوا إن الله ثالث ثلاثة، ورد عليهم هذه
العقيدة بالأدلة العقلية، وببراءة المسيح منها ومن منتحليها يوم القيامة، وبيَّن لهم
حقيقة المسيح، وأنه عبد الله ورسوله وروح منه، وما أيده به من الآيات، وحال
حواريه وتلاميذه في الإيمان، وبيَّن أنهم أقرب الناس مودة للمؤمنين، {ذَلِكَ بِأَنَّ
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (المائدة: ٨٢) فليُراجع تفسير ذلك
في أول الجزء السابع.
وجملة الآيات الواردة في أهل الكتاب تشهد لنفسها أنها من عند الله تعالى، لا
من عند محمد بن عبد الله العربي الأمي الذي لم يقرأ شيئًا من تلك الكتب، على أن
تلك الآيات ليست موافقة لها ولهم موافقة الناقل للمنقول عنه، وإنما هي فوق ذلك
تحكم لهم وعليهم وفيهم وفي كتبهم حكم المهيمن السميع العليم.
***
أحكام السورة الخاصة بأهل الكتاب
لو كان هذا القرآن من وضع البشر لشرَّع معاملة أهل الكتاب الموصوفين بما
ذُكر - ولا سيما الذين ناصبوا الإسلام العداء عند ظهوره - بأشد الأحكام وأقساها؛
ولكنه تنزيل من حكيم حميد، أمر في هذه السورة بمعاملتهم بالعدل، والحكم بينهم
بالقسط، وحكم بحِلِّ مؤاكلتهم، وتزوج نسائهم، وقبول شهادتهم، والعفو والصفح
عنهم، وهذه الأحكام التي شرعت هذه المعاملة الفضلى لهم نزلت بعد إظهار اليهود
للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين منتهى العداوة والغدر، وبعد أن ناصبوه مع
المشركين الحرب، وهي تتضمن تأليف قلوبهم، واكتساب مودتهم، (راجع ص
١٩٥ ج٦) .
وقد ختم الله تعالى السورة بذكر الجزاء في الآخرة بما يناسب أحكامها كلها،
كما بيناه في تفسير آخر آية منها.
روى أحمد، والنسائي، والحاكم، وصححه البيهقي في سننه وبعض رواة
التفسير عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي يا جبير تقرأ
المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال
فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه، وروى أحمد، والترمذي، وحسَّنه
والحاكم، وصححه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال: آخر سورة
نزلت سورة المائدة والفتح، وقد تقدم في آخر تفسير سورة النساء بعض ما ورد في
آخر ما نزل من القرآن من السور برمتها ومن الآيات، وكان كل يروي ما وصل
إليه علمه، والله أعلم.
(تم تفسير سورة المائدة)
***
يقول محمد رشيد مؤلف هذا التفسير: (قد وفقني الله تعالى لإتمام تفسير هذه
السورة في أوائل شهر ربيع الآخر سنة ١٣٣٤، وكنت بدأت بتفسيرها في مثل هذا
الشهر من سنة ١٣٣١، وسبب هذا البطء أنني أكتب التفسير ليُنشر في مجلة المنار
فتارة أفسر في الجزء منه بضع آيات، وتارة أفسر آية واحدة في عدة أجزاء، وقد
يمر شهر أو أكثر ولا أكتب في التفسير شيئًا، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمام
هذا التفسير بمنع العوائق والمباركة في الوقت وأن يؤيدني فيه بروح من عنده) .