للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الألقاب
بحث لغوي تاريخي في الألقاب الرسمية وغير الرسمية

منقول من الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثالثة من الجزء الخامس
من كتاب صُبح الأعشى، وللكلام فيه طرفان، قال:
الطرف الأول
في أصول الألقاب وفيه جملتان
الجملة الأولى
في معنى اللقب والنعت، وما يجوز منه ويمتنع
أما اللقب فأصله في اللغة النبز، بفتح الباء، قال ابن حاجب النعمان في
(ذخيرة الكتاب) : والنبز ما يخاطب به الرجلُ الرجلَ من ذكر عيوبه، وما سَتْرُهُ
عنده أحب إليه من كشفه، وليس من باب الشتم والقذف.
***
وأما النعت فأصله في اللغة الصفة، يقال: نعته ينعته نعتًا إذا وصفه، قال
في (ذخيرة الكتاب) : وهو متفق على أنه ما يختاره الرجل ويؤثره ويزيد في
إجلاله ونباهته، بخلاف اللقب، قال: لكن العامة استعملت اللقب في موضع النعت
الحسن، وأوقعوه موقعه لكثرة استعمالهم إياه، حتى وقع الاتفاق والاصطلاح على
استعماله في التشريف والإجلال والتعظيم والزيادة في النباهة والتكرمة.
قلت: والتحقيق في ذلك أن اللقب والنعت يُستعملان في المدح والذم جميعًا
فمن الألقاب والنعوت ما هو صفة مدح، ومنها ما هو صفة ذم، وقد عرَّفت النحاة
اللقب بأنه ما أدى إلى مدح أو ذم، فالمؤدي إلى المدح كأمير المؤمنين، وزين
العابدين، والمؤدي إلى الذم كأنف الناقة وسعيد كرز، وما أشبه ذلك، والنعت تارة
يكون صفة مدح، وتارة يكون صفة ذم، ولا شك أن المراد هنا من اللقب والنعت
ما أدى إلى المدح دون الذم، وقد اصطلح الكُتاب على أن سموا صفات المدح التي
يوردونها في صدور المكاتبات ونحوها بصيغة الإفراد كالأمير والأميري، والآجل
والآجلي، والكبير والكبري، ونحو ذلك ألقابًا، وصفات المدح التي يوردونها على
صورة التركيب، كسيف أمير المؤمنين، وظهير الملوك والسلاطين، ونحو ذلك
نعوتًا، ولا معنى لتخصيص كل واحد منهما بالاسم الذي سموه به إلا مجرد
الاصطلاح، ولا نزاع في إطلاق اللقب والنعت عليهما باعتبارين: فمن حيث إنها
صفات مؤدية إلى المدح يطلق عليها اسم اللقب، ومن حيث إنها صفات لذوات
قائمة بها يطلق عليها اسم النعت.
***
وأما ما يجوز من ذلك ويمتنع، فالجائز منه ما أدى إلى المدح مما يحبه
صاحبه ويؤثره، بل ربما استحب، كما صرح به النووي في (الأذكار) للإطباق
على استعماله قديمًا وحديثًا، والممتنع منه ما أدى إلى الذم والنقيصة مما يكرهه
الإنسان، ولا يحب نسبته إليه، قال النووي: وهو حرام بالاتفاق، سواء كان صفة
له، كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأحول، والأبرص، والأشج، والأصفر،
والأحدب، والأصم، والأزرق، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزمِن،
والمُقْعَد، والأشل، وما أشبه ذلك، أو كان صفة لأبيه: كابن الأعمى، أو لأمه:
كابن الصوراء ونحو ذلك مما يكرهه قال تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ
الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} (الحجرات: ١١) قال: واتفقوا على جواز ذكره بذلك على
جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، ودلائل ذكره كثيرة مشهورة، وهو أحد
المواضع التي تجوز فيها الغيبة.
***
الجملة الثانية
في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدية إلى المدح
واعلم أن ألقاب المدح ونعوته لم تزل واقعة على أشرف الناس، وجلة الخلق
في القديم والحديث، فقد ثبت تلقيب إبراهيم عليه السلام بـ (الخليل) ، وتلقيب
موسى عليه السلام بـ (الكليم) ، وتلقيب عيسى عليه السلام بـ (المسيح) ،
وتلقيب يونس عليه السلام بـ (ذي النون) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُلقب
قبل البعثة بـ (الأمين) ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعة من العرب في
الجاهلية: كذي يزن، وذي المنار، وذي نواس، وذي رعين، وذي جدن،
وغيرهم مما هو مشهور شائع، وكذلك وقعت ألقاب المدح على كثير من عظماء
الإسلام وأشرافه كالصحابة رضوان الله عليهم، فمن بعدهم من الخلفاء والوزراء
وغيرهم، فكان لقب أبي بكر (عتيقًا) ثم لُقِّب بـ (الصدِّيق) بعد ذلك، ولُقِّب
عمر (الفاروق) ، ولُقِّب عثمان (ذا النورين) ، ولُقِّب علي (حيدرة) ، ولُقِّب
حمزة بن عبد المطلب (أسد الله) ، ولُقِّب خالد بن الوليد (سيف الله) ، ولُقِّب
عمرو بن عمرو [١] (ذا اليدين) ، ولُقِّب مالك بن التيهان الأنصاري (ذا السيفين) ،
ولُقِّب خزيمة بن ثابت الأنصاري (ذا الشهادتين) ، ولُقِّب جعفر بن أبي طالب بعد
استشهاده (ذا الجناحين) .
وأما الخلفاء، فخلفاء بني أمية لم يتلقب أحد منهم، فلما صارت الخلافة إلى
بني العباس، وأخذت البيعة لإبراهيم بن محمد لقب بـ (الإمام) ، ثم تلقب من
بعده من خلفائهم، فتلقب محمد بن علي بـ (السفاح) لكثرة ما سفح من دماء بني
أمية، واختلف في لقبه بالخلافة، فقيل (القائم) ، وقيل (المهتدي) ، وقيل
(المرتضي) ، وألقاب الخلفاء بعده وإلى زماننا معروفة مشهورة على ما مر ذكره في
المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
ثم تعدت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك، وتلا الخلفاء في
الألقاب الوزراء، لاستقبال الدولة العباسية وما بعد ذلك، فلُقِّب أبو سلمة الخلال
(وزير السفاح) بـ (وزير آل محمد) ، ولقَّب المهدي وزيره يعقوب بن داود بن
طهمان (الأخ في الله) ولَقَّب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره (ذا الكفايتين) ،
ولَقَّب أخاه الحسن بن سهل (ذا الرياستين) ولَقَّب المعتمد على الله وزيره صاعد
بن مخلد (ذا الوزارتين) إشارة إلى وزارة المتعمد والموفق، وكان لقب إسماعيل
بن بلبل الشكور (الناصر لدين الله) كألقاب الخلفاء.
وكذلك وقع التلقيب لجماعة من أرباب السيوف وقواد الجيوش، فتلقب أبو
مسلم الخراساني صاحب الدعوة بـ (أمير آل محمد) ، وقيل (سيف آل محمد) ،
وتلقب أبو الطيب بن الحسين بـ (ذي اليمنين) ، ولقب المعتصم بالله حيدر بن
كاووس بـ (الأفشين) لأنه أشروسني، والأفشين لقب على الملك بأشروسنة، ولقب
إسحاق بن كيداح أيام المعتمد بـ (ذي السيفين) ولقب مؤنس في أيام المقتدر
بـ (المظفر) ، ولقب سلامة أخو نجح أيام القاهر بـ (المؤتمن) ، ولقب أبو بكر
بن محمد طغج الراضي بالله [٢] بـ (الإخشيد) والإخشيد لقب على الملك بفرغانة.
ثم وقع التلقيب بالإضافة إلى الدولة في أيام المكتفي بالله، فلقب المكتفي أبا
الحسين بن القاسم بن عبد الله [٣] (ولي الدولة) وهو أول من لُقِّب بالإضافة إلى
الدولة، ولقب المقتدر بالله علي بن أبي الحسين [٣] المتقدم ذكره (عميد الدولة) .
ووافت الدولة البويهية أيام المطيع لله والأمر جار على التلقيب بالإضافة
للدول، فافتتحت ألقاب الملوك بالإضافة إلى الدولة، فكان أول من لقب بذلك من
الملوك بنو بويه الثلاثة: فلقب أبو الحسن علي بن بويه بـ (عماد الدولة) ، ولقب
أخوه أبو علي الحسن بـ (ركن الدولة) ، وأخوهما أبو الحسين بـ (معز الدولة)
ثم وافى [عضد الدولة] من بعده فاقترح أن يلقب بـ (تاج الدولة) فلم يجب إليه
وعدل به إلى (عضد الدولة) فلما بذل نفسه للمعاونة على الأتراك، اختار له أبو
إسحاق الصابي صاحب ديوان الإنشاء (تاج الملة) مضافًا إلى عضد الدولة، فكان
يقال (عضد الدولة وتاج الملة) ولقب أبو محمد الحسن بن حمدان أيام المتقي لله
(ناصر الدولة) ، ولقب أخوه أبو الحسن علي بن حمدان (سيف الدولة) .
وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة إلي أيام القادر بالله فافتتح
التلقيب بالإضافة إلى الدين، وكان أول من لقب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة
ابن عضد الدولة بن بويه، زيد على لقبه بهاء الدولة (نظام الدين) فكان يقال (بهاء
الدولة ونظام الدين) قال ابن حاجب النعمان: ثم تزايد التلقيب به وأفرط، حتى
دخل فيه الكتاب والجند والأعراب والأكراد، وسائر من طلب وأراد، وكره (؟)
حتى صار لقبًا على الأصل، ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحد حتى تعاطاه
أهل الأسواق ومن في معناهم، ولم تصر به ميزة لكبير على صغير، حتى قال
قائلهم.
طلع الدين مستغيثًا إلى الله وقال: العباد قد ظلموني يتسمون بي، وحقك لا
أعرف منهم شخصًا ولا يعرفوني!
أما الديار المصرية فكان جريهم في الألقاب على ما ينتهي إليهم خبره من
ألقاب الدولة العباسية ببغداد، فتلقب خلفاء الفاطميين بها بنحو ألقاب خلفاء بني
العباس ببغداد فكان لقب أول خلفائهم بها (المعز لدين الله) ، وثانيهم بها (العزيز
بالله) وعلى ذلك إلى أن كان آخرهم (العاضد لدين الله) على ما تقدم في المقالة
الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.
وتلقب وزراؤهم وكتابهم بالإضافة إلى الدولة، وممن لقب بذلك في دولتهم
(ولي الدولة) ابن أبي كدينة وزير المستنصر، وأيضًا (ولي الدولة) ابن خيران
كاتب الإنشاء المشهور، ولما صارت الوزارة لبدر الجمالي تلقب بـ (أمير
الجيوش) ، ثم تلقب الوزراء بعده بنحو (الأفضل) و (المأمون) ، ثم تلقبوا
بالملك الفلاني، كـ (الملك الأفضل) و (الملك الصالح) ، ونحو ذلك على ما
سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وكان الكتاب في أواخر الدولة الفاطمية إلى أثناء الدولة الأيوبية يلقبون بـ
(الفاضل والرشيد والعماد) وما أشبه ذلك. ثم دخلوا في عموم التلقيب بالإضافة إلى
الدين، واختص التلقيب بالإضافة إلى الدولة كولي الدولة بكتاب النصارى، والأمر
على ذلك إلى الآن.
***
الطرف الثاني
في بيان معاني الألقاب وفيه تسع جمل
الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام
أمور المملكة وقوامها، وهي قسمان (القسم الأول) الألقاب الإسلامية، وهي
نوعان:
(النوع الأول) الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زماننا، هي صنفان:
الصنف الأول
ألقاب أرباب السيوف، وهي سبعة ألقاب
الأول - الخليفة: وهو لقب على الزعيم الأعظم القائم بأمور الأمة، وقد
اُختلف في معناه، فقيل: إنه فعيل بمعنى مفعول، كجريح بمعنى مجروح، وقتيل
بمعنى مقتول ويكون المعنى أنه يخلفه من بعده، وعليه مثل قوله تعالى: {إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: ٣٠) على قول من قال: إن آدم عليه السلام
أول من عمر الأرض، وخلفه بنوه من بعده، وقيل: فعيل بمعنى فاعل، ويكون
المراد أن يخلف من بعده [٤] وعليه حمل الآية من قال إنه كان قبله في الأرض الجن
وإنه خلفهم فيها، واختاره النحاس في (صناعة الكتاب) وعليه اقتصر البغوي في
(شرح السنة) ، والماوردي في (الأحكام السلطانية) قال النحاس وعليه خوطب أبو
بكر الصديق رضي الله عنه بخليفة رسول الله.
وقد أجازوا أن يقال في الخليفة: خليفة رسول الله، لأنه خلفه في أمته،
واختلفوا هل يجوز أن يقال فيه خليفة الله؟ فجوز بعضهم ذلك لقيامه بحقوقه في
خلقه محتجين بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ} (الأنعام:
١٦٥) وامتنع جمهور الفقهاء من ذلك محتجين بأنه إنما يُستخلف من يغيب أو
يموت، والله تعالى باقٍ موجود إلى الأبد لا يغيب ولا يموت، ويؤيد ما نقل عن
الجمهور بما روي أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه: يا خليفة الله، فقال لست
بخليفة الله؛ ولكني خليفة رسول الله، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: يا خليفة
الله - فقال: ويلك! لقد تناولت متناولاً بعيدًا! إن أمي سمتني عمر، فلو دعوتني
بهذا الاسم قبلت، ثم كبرت فكنيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلت، ثم وليتموني
أموركم فسميتموني أمير المؤمنين، فلو دعوتني به كفاك، وخص البغوي جواز
إطلاق ذلك بآدم وداود عليهما السلام، محتجًّا بقوله تعالى في حق آدم: {إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: ٣٠) ، وقوله في حق داود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} (ص: ٢٦) ، ثم قال ولا يسمى أحد خليفة الله
بعدهما، قال في (شرح السنة) ويسمى خليفة، وإن كان مخالفًا لسيرة أئمة العدل.
ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم أحمد بن حنبل إطلاق اسم الخليفة على ما
بعد خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره، محتجين
بحديث (الخلافة بعدي ثلاثون) يعني ثلاثين سنة، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء
خلافة الحسن، ولما انقضت الخلافة صارت ملكًا قال المعافى بن إسماعيل في
تفسيره: وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل طلحة، والزبير،
وكعبًا، وسلمان عن الفرق بن الخليفة والملك، فقال طلحة والزبير: لا ندري فقال
سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم شفقة
الرجل على أهله، والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى، فقال كعب:
ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرق بين الخليفة والملك، ولكن الله ألهم
سلمان حكمًا وعلمًا.
واختلف في الهاء في آخره، فقيل: أدخلت فيه للمبالغة كما أدخلت في رجل
داهية وراوية وعلامة ونسابة وهو قول الفرَّاء، واستحسنه النحاس ناقلاً له عن
أكثر النحويين، وخطأه علي بن سليمان محتجًّا بأنه لو كان كذلك لكان التأنيث فيه
حقيقيًّا، وقيل: الهاء فيه لتأنيث الصيغة، قال النحاس: وربما أسقطوا الهاء منه
وأضافوه فقالوا (فلان خليف فلان) يعنون خليفته.
ثم الأصل فيه التذكير نظرًا للمعنى؛ لأن المراد بالخليفة رجل وهو مذكر،
فيقال أمر الخليفة بكذا على التذكير، وأجاز الكوفيون فيه التأنيث على لفظ خليفة
فيقال أمرت الخليفة بكذا، وأنشد الفراء: أبوك خليفة ولدته أخرى
ومنعه البصريون محتجين بأنه لو جاز ذلك لجاز (قالت طلحة) في رجل
اسمه طلحة، وهو ممتنع فإن ظهر اسم الخليفة تعين التذكير باتفاق، فتقول قال أبو
جعفر الخليفة، أو: قال الراضي الخليفة ونحو ذلك، ويجمع على خلفاء ككريم
وكرماء , عليه ورد قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (الأعراف: ٦٩) وعلى خلائف كصحيفة وصحائف، وعليه جاء قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْض} (الأنعام: ١٦٥) والنسبة إليه خلفي كما ينسب
إلي حنيفة حنفي، وقول العامة درهم خليفتي ونحوه خطأ، إذ قاعدة النسب أن
يحذف من المنسوب إليه الياء وهاء التأنيث على ما هو مقرر في علم النحو، وممن
وهم في ذلك المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله في كتاب (التعريف) حيث قال:
وأول ما نبدأ بالمكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفتية، ولعله سَبْق قلم منه، وإلا
فالمسألة أظهر من أن يجهلها أو تخفى عليه.
الثاني - الملك: وهو الزعيم الأعظم ممن لم يطلق عليه اسم الخلافة، وقد
نطق القرآن بذكره في غير موضع كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طَالُوتَ مَلِكاً} (البقرة: ٢٤٧) ، {وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} (يوسف: ٥٠)
إلى غير ذلك من الآيات، ويقال فيه ملك بكسر اللام، وملك بإسكانها ومليك بزيادة
ياء، ومنه قوله تعالى: {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر: ٥٥) قال الجوهري:
والملك مقصور من مالك أو مليك، ويجمع على ملوك وأملاك، ويقال لموضع
الملك المملكة.
الثالث - السلطان: وهو اسم خاص في العرف العام بالملوك، ويقال: إن
أول من لقب به خالد بن برمك وزير الرشيد، لقبه به الرشيد تعظيمًا له، ثم انقطع
التلقيب به إلى أيام بني بويه فتلقب به ملوكهم، فمن بعدهم من الملوك السلاجقة
وغيرهم وهلم جرّا إلى زماننا.
وأصله في اللغة الحجة قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ} (سبأ:
٢١) يعني من حجة، وسمي السلطان بذلك لأنه حجة على الرعية يجب عليهم
الانقياد إليه.
واختلف في اشتقاقه: فقيل إنه مشتق من السلاطة، وهي القهر والغلبة، لقهره
الرعية وانقيادهم له، وقيل مشتق من السليط، وهو الشيرج في لغة أهل اليمن لأنه
يستضاء به في خلاص الحقوق، وقيل من قولهم لسان سليط أي حاد ماضٍ لمضي
أمره ونفوذه، وقال محمد بن يزيد البصري السلطان جمع واحده سليط كقفيز
وقفزان، وبعير وبعران.
وحكى صاحب (ذخيرة الكتاب) أنه يكون واحدًا ويكون جمعًا، ثم هو يذكر
على معنى الرجل، ويؤنث على معنى الحجة، وحكى الكسائي والفراء على
التأنيث عن بعض العرب: قضت به عليكم السلطان قال العسكري في كتابه
(الفروق) في اللغة: والفرق بينه وبين الملك أن الملك يختص بالزعيم الأعظم،
والسلطان يطلق عليه وعلى غيره، وعلى ما ذكره العسكري عرف الفقهاء في كتبهم،
إذ يطلقونه على الحاكم من حيث هو حتى على القاضي، فيقولون فيمن ليس لها
ولي خاص يزوجها السلطان ونحو ذلك، ومن حيث إن السلطان أعم من الملك يقدم
عليه في قولهم السلطان الملك الفلاني، ليقع السلطان أولاً على الملك وعلى غيره،
ثم يخرج غير الملك بعد ذلك بذكر الملك.
الرابع - الوزير: وهو المتحدث للملك في أمر مملكته، واختلف في اشتقاقه:
فقيل مشتق من الوَزَر بفتح الواو والزاي وهو الملجأ، ومنه قوله تعالى: {كَلاَّ
لاَ وَزَرَ} (القيامة: ١١) سمي بذلك لأن الرعية يلجئون إليه في حوائجهم، وقيل
مشتق من الأوزار وهي الأمتعة، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ
القَوْمِ} (طه: ٨٧) سمي بذلك لأنه متقلد بخزائن الملك وأمتعته، وقيل مشتق من
الوِزْر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثقل، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ
الحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (محمد: ٤) سمي بذلك لأنه يتحمل أثقال الملك، وقيل مشتق
من الأزر: وهو الظهر، سمي بذلك لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر،
وتكون الواو فيه على هذا التقدير منقلبة عن همزة، وقد أوضحت القول في ذلك في
(النفحات النشرية في الوزارة البدرية) قال القضاعي في (عيون المعارف في
أخبار الخلائف) وأول من لقب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة حفص بن سلمان
الخلال وزير السفاح، قال وإنما كانوا قبل يقولون كاتب، ثم هو إما وزير تفويض:
وهو الذي يفوض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده، كما
كانت الوزراء بالديار المصرية من لدن وزارة بدر الجمالي وإلى حين انقراضها،
وإما وزير تنفيذ: وهو الذي يكون وسيطًا بين الإمام والرعايا معتمدًا على رأي
الإمام وتدبيره، وهذه هي التي كان أهل الدولة الفاطمية يعبرون عنها بالوساطة،
أما الوزارة في زماننا فقد تقاصرت عن ذلك كله حتى لم يبق منها إلا الاسم دون
الرسم، ولم تزل الوزارة في الدول تتردد بين أرباب السيوف والأقلام تارة وتارة إلا
أنها في زماننا في أرباب الأقلام.
الخامس - الأمير: وهو زعيم الجيش أو الناحية، ونحو ذلك ممن يوليه
الإمام، وأصله في اللغة ذو الأمر، وهو فعيل بمعنى فاعل، فيكون أمير بمعنى
آمر، سمي بذلك لامتثال قومه أمره، يقال: أُمِّر فلان، إذا صار أميرًا، والمصدر
الإمرة والإمارة بالكسر فيهما، والتأمير تولية الأمير، وهي وظيفة قديمة.
السادس - الحاجب: وهو في أصل الوضع عبارة عمن يبلغ الأخبار من
الرعية إلى الإمام، ويأخذ لهم الأذن منه، وهي وظيفة قديمة الوضع كانت لابتداء
الخلافة فقد ذكر القضاعي في (عيون المعارف) لكل خليفة حاجبًا من ابتداء الأمر
وإلى زمانه: فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصديق رضي الله عنه (شديدًا) مولاه،
وحاجب عمر (يرفأ) مولاه، وحاجب عثمان حمران مولاه، وحاجب علي
قنبرا مولاه، وعلى ذلك في كل خليفة، ما عدا الحسن بن علي رضي الله عنهما
فإنه لم يذكر له حاجبًا، وسمي الحاجب بذلك؛ لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمن
يدخل إليه بغير إذن، وقال زياد لحاجبه (وَلَّيْتُكَ حجابي وعزلتك عن أربع: هذا
المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنه عني ولا سلطان لك عليه، وطارق
الليل فلا تحجبه فشَرٌّ ما جاء به ولو كان خيرًا ما جاء في تلك الساعة، ورسول
الثغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة، فأدخله علي وإن كنت في لحافي،
وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد) .
ثم تصرف الناس في هذا اللقب ووضعوه في غير موضعه، حتى كان في
أعقاب خلافة بني أمية بـ الأندلس ربما أطلق على من قام مقام الخليفة في الأمر،
وكانوا في الدولة الفاطمية بالديار المصرية يعبرون عنه بصاحب الباب كما سبق بيانه
في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب دولتهم، أما في زماننا فإنه عبارة عمن يقف
بين يدي السلطان ونحوه في المواكب، ليبلغ ضرورات الرعية إليه، ويركب
أمامه بعصا في يده، ويتصدى لفصل المظالم بين المتداعيين خصوصًا فيما لا
تسوغ الدعوى فيه من الأمور الديوانية ونحوها، وله ببلاد المغرب والأندلس
أوضاع تخصه في القديم والحديث، على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتباتهم
في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
السابع - صاحب الشُرطة: بضم الشين المعجمة وإسكان الراء، وهو المعبر
عنه في زماننا بالوالي، وتجمع الشرطة على شُرَط بضم الشين المعجمة وفتح الراء،
وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أنه مشتق من الشَرَط بفتح الشين والراء، وهي
العلامة، لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يُعرفون بها، ومنه أشراط الساعة يعني
علاماتها، وقيل من الشرط بالفتح أيضًا: وهو رُذَال المال، لأنهم يتحدثون في
أراذل الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللصوص ونحوهم.