للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(السيد محمد وجيه الكيلاني)
(راجع ص ١٢٤ من الجزء الثاني)
جاء في جريدة الهدى العربية التي تصدر في نيويورك ما نصه:
شيخ الإسلام بالفيلبين ووفاته
عند منتصف ليل خامس مايو قضى إلى رحمة مولاه في ريتشمند من أعمال
ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة السيد محمد وجيه الجيلاني شيخ الإسلام بجزر
الفيلبين، وقد كان قدم هذه البلاد منذ سنة ونصف، وقام أكثر هذه المدة في فيلادلفيا
وتردد أحيانًا على واشنطون وعلى نيويورك إلا أن صحته لم تكن حسنة فأقعدته عن
التجول كثيرًا، وهذا ما أخر في إتمام مساعيه.
كان السيد الجيلاني عالمًا فقيهًا وعلى كثير من التساهل الديني ولد في دمشق
وانتقل إلى الآستانة حيث أسندت إليه مراتب دينية عالية. ولما أن بعثت حكومة
الولايات المتحدة بعد احتلالها الفليبين وفدًا إلى الآستانة للاتفاق مع سلطان تركيا
على تعيين شيخ إسلام يتولى رعاية المسلمين عين السيد الجيلاني لهذه الوظيفة
فذهب إلى الفليبين عن طريق سوريا وبلاد العرب وبلاد العجم والهند وكان هناك
يقابل أمراء وعلماء الإسلام ويستنهض هممهم في مشروع تهذيبي افتكر به لترقية
شؤون مسلمي الفليبين الأدبية. والتقى في مكة بجماعة من هؤلاء المسلمين قادمين
للحج فعاد وإياهم، وكانوا يؤدون له إكرامًا أشبه بالعبادة فيسجدون أمامه شأن
البرابرة فنهاهم عن ذلك. وحين وصل إلى بلادهم أخذ ينتقل من جزيرة إلى أخرى
في الأرخبيل ويدعو قوم المورو المسلمين إلى عقد الاجتماعات فيخطب فيهم حاثًّا
على الإقلاع عما يفهمون من الجهاد الديني وهو أن يحلق الواحد منهم شعر رأسه
ويحمل سلاحه ويخرج بقصد الإيقاع بالبيض الكفرة ولا يعود حتى يقتل عددًا
مفروضًا أو يُقتل هو.
وكان السيد الجيلاني مدة إقامته في تلك الجزر على تفاهم تام مع رجال
الحكومة الأمريكية الذين كانوا يرجعون إليه في كل مشاكلهم مع الوطنيين المسلمين
وساء السيد الجيلاني ما وجد أبناء دينه عليه من الهمجية فأخذ يفتكر في طريقة
لتهذيبهم إلا أنه لم يوافق رجال الحكومة الأمريكية هناك على إنشاء مدارس عمومية
للحكومة فقال: إن المسلمين لا يطمئنون إلا إذا كان لهم مكتب ملاصق للجامع
يدرسون فيه كتابهم الشريف بادئ ذي بدء. ولأجل تحقيق هذه الفكرة قدم إلى
الولايات المتحدة وأخذ ينشر المقالات عن أحوال الفليبين في بعض الصحف
الأمريكية، وفي الوقت نفسه سعى إلى تأليف جمعية تهذيبية تتولى أمر إنشاء
المدارس الإسلامية في الفليبين يكون مركزها الرئيسي في الولايات المتحدة وذات
فرع إداري في الفليبين يتولى هو رئاسته نظرًا إلى انقياد المسلمين هناك إليه
وتحققهم حسن مقاصده فلا تداخلهم ريبة من مساعي الأمريكيين أو عمد هؤلاء إلى
القيام بالمشروع مستقلين.
وقد كان السيد الجيلاني يتردد إلى إدارة الهدى حين يزور نيويورك فعرفنا
عنه ما سبق بيانه من مقاصده ومساعيه، ولكن وطأة المرض اشتدت عليه في
الأشهر الأخيرة فلم نجتمع به أو نعرف شيئًا عن مشروعه. وكان من أمره أخيرًا
أنه اضطر لأسباب صحية إلى مغادرة هذه البلاد، وبينما هو في الطريق اشتدت
عليه علته في ريتشمند فرجينيا وهناك توفي -تغمده الله بواسع رحمته- اهـ.

* * *
(إشراف أهل سورية على الفناء والزوال)
لقيت في مكة المكرمة الضابط الحر الصدوق خالد أفندي الحكيم الحمصي
وكان وصل إليها قبلي بأيام قلائل فارًّا من بلاده بطريق البادية، فسألته عما وصل
إلينا من مصادر متعددة من أخبار المجاعة والغلاء ومصادرة السلطة العسكرية
للأموال والغلال في طول البلاد السورية الفلسطينية وعرضها، وتنكيلها بالأهالي
تقتيلًا وتصليبًا ونفيًا من الديار- هل هو حق كما سمعنا أم هو مبالغ فيه؟
وذكرت له ملخص ما وصل إلينا من ذلك. فقال: إن ما بلغكم دون الواقع
وليس الخبر كالمعاينة، وإنني أقدر أنه لم يبق في البلاد من أهلها إلا العُشر. اهـ
فإذا طال الأمد على هذه الحال، فسورية صائرة إلى الفناء والزوال، ولا يبعد أن
ينقرض أهلها الذين فيها من الأرض قبل انقضاء هذه الحرب. فلا شك في أن
مُصابها بحكومتها الطاغية الباغية أعظم من مصاب بلاد البلجيك والصرب والجبل
الأسود باجتياح الجرمان لها، وثلها عروش ملوكها، فيجب على السوريين المقيمين
في مصر وأوربا وأمريكة أن يسارعوا إلى البحث عن أقرب الوسائل إلى إنقاذ
البقية الباقية من أهل وطنهم لعلهم يهتدون إليها ويدخلونها من بابها بعد أن علموا أن
دولة الإنسانية (الولايات المتحدة) لم تقدر- وكذا غيرها من الدول التي على
الحياد- على ما أحبت من إغاثة هذا الشعب المسكين بالقوت والعلاج، ولا دول
الحلفاء المحاربون لدولة الاتحاديين قدروا على إنقاذه بالحرب والكفاح، فإن كان في
هؤلاء السوريين من ينتظر هذا الإنقاذ بعد النصر النهائي المأمول، فليعلموا أن أمد
الحرب سوف يطول، وأن لسان حال وطنهم ينشد صاحب هذا الأمل ويقول:
فلك البقا فلرُبَّ يوم أن تسل ... حتى تراجعني فلا تلقاني
* * *
(متى تنتهي الحرب وكيف تنتهي)
قد أكثر الناس من حديث الصلح في هذه الأيام ونقلت الجرائد لنا عن كثير من
قواد دول الأحلاف وساستهم أنهم يرون أن الحرب تنتهي بانتهاء ربيع العام القابل
(١٩١٧) أو صيفه بناء على أن مد القوة الألمانية قد تحول إلى جزر، وجزر
دول الأحلاف قد تحول إلى مد تتدفق ثوائبه، ولا تنتهي عجائبه.
كنت التقيت في شهر شوال الماضي بوكيل شركة روتر البرقية في القاهرة
فسألني- وقد ذكرت هذه المسألة- عن رأيي فيها فقلت له إذا أصرت إنكلترا على ما
عزمت عليه من قهر ألمانية وإرغامها على قبول ما تشترطه مع أحلافها للصلح،
وحافظ هؤلاء الأحلاف على عهدهم بأن لا ينفرد أحد منهم بقبول الصلح، فالرأي
الراجح أن هذه الحرب تستمر عدة سنين، تنهد فيها قوى جميع المتقاتلين، وتخسر
أوروبا الملايين الكثيرة من أفلاذ كبدها، وألوف الملايين من دنانيرها، وعشرات
المدن ومئات البلاد من ممالكها. فإن أصغر الأمم الأوروبية وأضعفها تختار الفناء،
على قبول الذل والقهر والاستخذاء.
وأرى أن الأحلاف لا يمكنهم أن ينتزعوا من ألمانية ما بيدها من مملكة بلجيكة
وولايات فرنسية إلا أن تكون خرابًا يبابًا لا حجر فيها ولا مدر، ولا شجر ولا بشر،
وبعد أن يُنفق على تخريبها الملايين من الرجال، والقناطير المقنطرة من الأموال،
وإذا كنا نرى المحاربين يخربون بلادهم بأيديهم إذا اضطروا إلى تركها لأعدائهم،
ولو مؤقتًا كما فعلت روسية وغيرها، فهل ينكر على الألمان العتاة ألا يتركوا بلاد
أعدائهم إلا قاعًا صفصفًا؟
أما تقصير أجل الحرب فليس له طريق معقول عندي- إذا أصرت الحكومات
على عزمها- إلا قيام الشعوب الأوربية من الفريقين على دولهما. وإلزامها إياهن
بصلح يعود فيه كل شيء إلى أصله ولا يتضمن إذلال دولة لأخرى؛ لأن كل دولة
وكل أمة أوربية تفضل الفناء على الذل وخدش الاستقلال التام لا الألمان وحدهم.
هذا معنى ما قلته يومئذ، ولكن قيام الشعوب على حكوماتها لا يرجى ما دام
كل منهم يرجو النصر التام. فصدق على الفريقين قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ
التَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} (الأنفال: ٤٤) .
* * *
(تأخر صدور هذا الجزء من المنار)
يصدر هذا الجزء بعد يوم تاريخه بشهر وأيام بسبب غيبتنا في سفر الحج مثل
هذه المدة ثم اشتغالنا بلقاء المهنئين أسبوعين أو أكثر وعطل حصل بآلة الطبع.