للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


التربية والتعليم

(التربية)
هي مساعدة القوى التي من شأنها أن تربو وتنمو على بلوغ الكمال في
نموها المستعدة هي له في أصل الفطرة والخلقة، وذلك بإزالة الأسباب التي تعيق
النمو أو تنحرف بالقوى عن جادة الاعتدال المطلوب، وبإمداد هذه القوى بما تغتذي به
من المواد (في القوى المادية) والمعلومات (في القوى المدركة العاقلة) الخارجة
عنها. وأحوج العوالم الحية إلى التربية الإنسان؛ لأن سائر الحيوان والنبات يصل
غالبًا إلى كماله في الجملة من غير تربية إلا الطبيعة، وما يهبه البارئ تعالى للحيوان
الأعجم من الإلهام.
أما الإنسان فهو - كما مر في مقالة (العروة الوثقى) - عالم صناعي في
جميع أطواره الجسدية والروحية، فمتى أُطلق علم التربية ينصرف لتربيته، وإن كان
الكثير أو الأكثر من النبات والحيوان يصل بتربية الإنسان له إلى درجة من الكمال
لا يرتقي إليها بنفسه إذا تُرك لطبيعته، ولعِلْمَيْ تربية النبات والحيوان أسماء أخرى
عند الذين قسموا العلم.
اختلف علماء التربية في ابتداء تربية الإنسان: أتكون من يوم العلم بالحمل به
أو من يوم يولد؟ وأرى أن هذا الخلاف لفظي؛ إذ لا خلاف بينهم في أن أحوال الأم
الجسدية والنفسية يكون لها أثر في نمو الجنين واستعداده؛ ولذلك يأمرونها بالرياضة
المعتدلة وتناول الأغذية اللطيفة وعدم التعرض لما يهيج بالانفعال ولا سيما الخوف
والفزع والحزن. وكأيِّن من وليد خرج ذا عاهة لم يكن لها من سبب إلا ما ألمَّ
بوالدته وهي حامل به. ومن جراء هذا سنبتدئ مباحثنا في تربية الإنسان بالكلام
على الحوامل وما ينبغي لهن بعبارة واضحة تفهمها السيدات وإن كن غير متعلمات.

(التعليم)
له إطلاقان: أولهما: إمداد القوى المدركة بعرض الأشياء عليها تدريجًا بالقول
والفعل بحيث تدركها وتقدر عن التصرف فيها قولاً وعملاً (كل شيء
بحسبه) وهذا المعنى داخل في مفهوم التربية ويشمل، تعليم العلوم الاعتقادية
والأدبية والفنون الصناعية.
وثانيهما: علم أساليب التعليم وطرقه القريبة، وهو فن نفيس ارتقى المشتغلون
به الدرجات العلى في العلوم والفنون، حيث أمكنهم تحصيل الكثير في الوقت
القصير، ولا يأذنون في أوربة وأمريكة بالتدريس والتعليم إلا لمن أتقن هذا الفن في
مدارسه التي أنشئت له. هذا، ونحن لا علم لأكثرنا بأن أساليب التعليم قد وُضع لها
علم مخصوص، واختيار المعلمين عندنا يكون بالشفاعات التي تُبنى غالبًا على
كون هذا المعلم مستحقًّا للمساعدة المالية لفقره أو كونه من الأسرة أو الطائفة الفلانية
مثلاً. وأبعدُنا عن معرفة التعليم هم الشيوخ الذين يعلّمون الدين وفنون اللغة
في الجوامع والمساجد.
وسنكتب في ذلك نُبذًا مفيدة إن شاء الله تعالى في الأعداد الآتية.
((يتبع بمقال تالٍ))