للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة المجلد العشرين

بحمد الله نختم المجلد العشرين من المنار، وله الحمد والشكر على نعمة
التوفيق والثبات، وقد جعلنا أجزاء هذا المجلد عشرة كأجزاء المجلد الذي قبله،
ولكنا اضطررنا إلى تصغير حجمها من الجزء الخامس وما بعده؛ لأن الحرب اشتد
غليان سعيرها، وجميع الأشياء اشتد غلاء سعرها، وقد ذكرنا في أول خاتمة
المجلد السابق أن ما كنا نشتريه من الورق بمئة صار ما سعره ٤٠٠ أو ٥٠٠،
ونقول في هذه الخاتمة: إنه تضاعف بعد ذلك إلى ١٠٠٠، بل إلى ١٦٠٠ أما
السعر الأول، فقد علمناه بأنفسنا، وأما السعر الآخر فيما نقل إلينا، وقد غلت أثمان
سائر الأشياء أيضًا، حتى الأغذية الوطنية التي بيَّنَّا ثمنها في الجزء الثامن، فلنا
العذر في تصغير حجم المنار مع عدم الزيادة في قيمة الاشتراك، وقد فعل مثل
فعلنا أصحاب الجرائد والمجلات في جميع الآفاق.
هذا، وقد أخرنا البدء بهذا الجزء الأخير إلى شهر ذي الحجة، كما أخرنا ما
قبله من أجزائه [١] وأجزاء ما قبله من سني الحرب، فأدغمنا في سنيها الأربع سنة
من سني المنار؛ إذ لم نُصدر في هذه السنين الأربع إلا ثلاثة مجلدات، وبذلك
وافقت مجلدات المنار عدد سنيه الشمسية في الجملة، وذلك ما توقعناه في خاتمة
المجلد التاسع عشر من تأثير استمرار الحرب، فقد صدر أول عدد من سنة المنار
الأولى في ٢٢ شوال من سنة ١٣١٥، ويوافق ذلك منتصف الشهر الأول من سنة
١٨٩٨ الميلادية. فعلى هذا يكون قد تم لنا المجلد العشرون في السنة العشرين
الميلادية، ولكن قبل تمامها.
والمرجو أن يتم الصلح العام بين الأمم المتحاربة في العام الذي نستقبله، وأن
يتيسر لنا فيه أن نزيد في حجم المجلد الحادي والعشرين، وإن كان لا يرجى أن
يعود ثمن الورق إلى ما كان عليه قبل الحرب إلا بعد سنين، فإن عود الرخص إلى
المصنوعات إنما يكون بالتدريج البطيء.
***
(الانتقاد على المنار)
ورد علينا في هذا العام ذلك الانتقاد الطويل على (ذكرى المولد النبوي) ،
وقد نشرناه برمته في الجزء الثامن والرد عليه في التاسع والعاشر، وبقي له بقية
تُنشر في السنة الجديدة.
وورد علينا انتقاد آخر لمسألة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمه أبي
طالب، التي ذُكرت استطرادًا في الكلام على أبي إبراهيم الخليل صلى الله عليه
وسلم من هذا المجلد. فالناقد ممن يجزمون بنجاة الأبوين الشريفين وأبي طالب
خلافًا لما روي في الصحيحين وغيرهما، وكل ما ذكره في مسألة الأبوين قد تقدم
في بحثنا، وأما إيمان أبي طالب فانتقد علينا عدم ذكر ما ورد في إيمانه من
الروايات الضعيفة، ولم يكن الكلام في تاريخه فنستوفي كل ما جاء فيه، وإنما كان
في بيان حكمة ما ورد في كتاب الله وحديث رسوله الصحيح في معنى التصريح
بكفر أبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقد صرحنا بحظر اعتداء بيان النصوص
وحكمها وأحكامها في ذلك إلى ما يعد إيذاءً للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لأحد
من أهل البيت الذين من ذريتهم، وإن أقوى ما يستدل به على نجاة الأبوين
الشريفين في الآخرة وأرجاه هو ما ورد في امتحان الله تعالى لأهل الفترة في الآخرة
ونجاة بعضهم به، ومَن أجدر منهما بذلك؟ ، ونتمنى أن نجد أدلة أقوى من هذا،
فإن وجدنا شيئًا نشرناه مغبوطين، وإلا سكتنا مؤمنين مفوّضين، ولا نرتاح إلى
الرد على المنكرين، فحسبنا بيان ما ظهر لنا أنه الحق المبين، وهو خلاف ما
نهوى، فما نحن للهوى بمتَّبِعين، {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ
لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (النحل: ٩) ، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.