للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عن جريدة المقطم


الدولة العربية القادمة [*]

هذا عنوان مقالة افتتاحية للتايمس في ٧ فبراير عربناها فيما يلي:
(شهد فيصل الأمير الحجازي جلسة المؤتمر في باريس أمس وبسط قضية
أمته , ويندر أن يكون بين المواضيع التاريخية ما يجهله الجمهور في (بريطانيا)
جهله لتاريخ العرب وما قد يكون لهم من الشأن كأمة في المستقبل، وقد كان السير
مارك سيكس أعظم رجال الدولة البريطانية اهتمامًا بوصف البواعث التي حملت
البريطانيين على تعضيد العرب في حربهم الطويلة مع الترك.
إن الإمبراطورية العربية القديمة التي كانت تمتد في أوج عزها من بغداد إلى
قرطبة (المقطم: كذا في الأصل والصواب أنها كانت تمتد من بلاد فارس إلى
قرطبة) كانت أفضل حكومة قامت بين انحطاط الإمبراطورية الرومانية ونشوء
أوربا الحديثة , ولعلها كانت أمتن جسر للحضارة في العصور الوسطى، وكان منشأ
هذه الإمبراطورية في الحجاز الذي تكلم الأمير فيصل باسمه في باريس، وكان
للإمبراطورية العربية تهذيب وحضارة خاصان بها خلافًا للسلطة العثمانية، ومما
اختلفت به عن السلطة العثمانية أيضًا أنها عرفت كيف تنتفع أعظم انتفاع بجميع
العناصر التي اتصلت بها حتى لقد دعي عصر عظمتها وعزها العصر الذهبي
للشعب اليهودي , والحقيقة أن وجوه الشبه بين العرب واليهود لا تقتصر على ما
بينهما من القرابة وصلة الرحم , بل تتناول ما بينهما من الشبه العظيم في تاريخهما،
فقد أضاع اليهود قوميتهم بالنزاع الشديد الذي وقع بينهم وبين الإمبراطورية
الرومانية , فحل العرب محل اليهود , وصاروا قادة الأفكار بين الشعوب السامية،
ثم سقط العرب فريسةً للمغول الذين غزوا بلادهم , واستولى الترك على الميراث
الذي ورثه العرب من اليهود، وقد كان الأنبياء اليهود أنبياءً عربًا , وعند الشعبين
كثير من الأخبار , والأقاصيص التقليدية التي يشتركان فيها , وبينهما شبه كثير في
تاريخهما، فقد فقدا قوميتهما وانفصل الواحد عن الآخر بتبعيتهما السياسية للبلاد
التي اختارها للإقامة فيها.
والمأمول أن يعالج المؤتمر مشكلة التصرف في أملاك تركيا التي أخذت
منها ويعدها وحدةً كاملةً، فهنالك العرب كما تقدم , ويليهم اليهود وآمالهم القومية
في فلسطين , وبعدهم الأرمن، فمستقبل الشرق يتوقف كثيرًا على ما يكون من
الاتفاق بين هذه الأجناس الثلاثة التي سيكون لها أوطان قومية في القريب العاجل ,
ومصير كل منها يهم الآخرين , فإذا أبدل الحكم العثماني الذي حافظ - ولو في
الظاهر- على وحدة تلك الأنحاء مع أنه لم يفعل شيئًا لترقيتها ماديًّا أو أدبيًّا أو
عقليًّا، إذا أبدل هذا الحكم بمنافسات ومناظرات محلية كان هذا الإبدال مصابًا.
إن المرء يتطلع إلى جامعة عربية تمتد من دمشق إلى بغداد , ولها منافذ
تجارية إلى البحر المتوسط والبحار الشرقية، وقد لا تكون إمبراطوريةً واحدةً
متجانسةً , ولكن يمكن أن تكون ولايات متحدة , وتكون هنالك دولة (أجنبية)
منتدبة , ويرجح أن هذه الإمبراطورية الجديدة تستعين كثيرًا بمقدرة يهود فلسطين،
كما استعانت إمبراطورية العرب القديمة بيهود أفريقية وأسبانيا , فيجد اليهود بذلك
لمقدراتهم مجالاً جغرافيًّا أوسع من فلسطين التي هي ليست سوى بلد صغير،
وحينئذ تتحد أعمال الشعبين في إنهاض الشرق من كبوته.
ويشترط لبلوغ هذا الغرض شرطان جوهريان , الأول: أن تنال اليهودية
ميراثها التام في فلسطين فلا يكون في الدنيا مسألة اسمها (فلسطين الشهيدة)
والثاني: أن يتملص يهود فلسطين من نفوذ الأعمال المالية عليهم فلا ينصرفوا إلى
اغتراف موارد الشرق المادية , بل يتخذوا لأنفسهم ضربًا من الحضارة الصحيحة
من البلاد نفسها , ويوجهوا همهم إلى إنشاء تهذيب حقيقي خاص بها يطابق المبادئ
السامية الإنسانية التي وضعتها جمعية الأمم, وتحقيق هذه الأمنية يهم العرب كما يهم
اليهود تقريبًا) اهـ.