للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد توفيق صدقي


مدرسة دار الدعوة والإرشاد
دروس سنن الكائنات
محاضرات علمية طبية إسلامية للدكتور محمد توفيق صدقي
(١٩)

المعالجة - إذا حقن [*] المصاب بالسلفرسان (Salvarsan) (وهو
المسمى ٦٠٦ والجديد منه يسمى ٩١٤) بمقدار٢٠. جم إلى ٣٠. جم انخفضت
الحرارة وذهبت الحلزونيات من الدم في ظرف ٧ ساعات أو ١٤ أو ٢٠ ساعة على
الأكثر زد على ذلك أن هذه الحقنة قد منعت حصول النكس في المصابين بنسبة ٩٢
في المئة.
وإذا لم يحقن عولجت هذه الحمى بمثل معالجة الحميات الأخرى. فيلزم
المريض الفراش في غرفة متجددة الهواء نقيته، وتعطى له الأغذية السائلة. وإذا
اشتدت الحرارة عولجت بالماء البارد، كما سبق في الحميات الأخرى، ومما يخفف
الصداع وضع الكمادات الباردة على الرأس. وإذا كان المريض متألمًا من الكبد أو
الطحال وضعت الكمادات الساخنة عليهما، وإذا عرق المريض عرقًا شديدًا وجب
تنشيف جسمه في الحال، ويقاوم الهبوط الذي قد يحصل عند البحران بالتدفئة
والمنبهات المنعشات. وفي أواخر الفترات بين نوب الحمى يحسن تغذية المريض
بجميع الأطعمة الجيدة، وتعطى له المقويات ليتحمل نكس المرض إذا حصل.
الوقاية - تكون بالنظافة التامة واتقاء القمل وغيره من الحشرات، كالقردان
وإبادتها بكافة الوسائل الفعالة كليلي ونحوه.
***
الإفرنجي
Syphilis
تكلمنا في الجزء الأول من هذا الكتاب (ص ١٢٨ - ١٣٠) على هذا
المرض بشيء من الإيجاز ونريد الآن أن نفصل القول في ميكروبه وطرق
تشخيصه العملية وكذلك في معالجته الحديثة.
أما ميكروبه فيسمى بالإفرنجية] pallida Spirochaeta [والكلمة
الأولى يونانية بمعنى (الحلزوني) والثانية لاتينية بمعنى الأكمد (الباهت) لتعسر
رؤيته بالمجهر، فإنه من أدق الميكروبات الحلزونية، وقد اكتشف هذا الميكروب
سنة ١٩٠٥ ميلادية، وهو طويل دقيق سريع الحركة ملتوٍ على نفسه نحوًا من
٦ - ١٤ طية وينتهي بطرفين وهدبين دقيقين جدًّا، يبلغ طوله نحوًا من
٤ إلى ٢٠ مك [١] وعرضه (٣٥. ٠) من الميكرون، وهو من نوع الحييوينات
الأولى] Protozoa [.
يوجد هذا الميكروب في جميع القروح الإفرنجية الأولى والثانية وفي أنواع
الطفح الثانوي المختلفة، وفي غير ذلك. فتراه مثلاًً في العقد اللمفاوية القريبة من
القروح أو من الطفح، وقد نجده أحيانًا في الدم وفي الطحال.
أما في الطور الثالث من الإفرنجي وهو الذي كانوا يعتبرونه غير مُعدٍ فوجوده
ليس بالسهولة التي في الطورين الأولين، ومع ذلك تمكن مشاهدته في محيط
الأورام الصمغية، لا في وسطها غالبًا، وكذلك يشاهد في غير ذلك من الإصابات
الإفرنجية الثلاثية مثل التهاب الأبهر (الأورطي) وفي قشرة المخ في مرض
الشلل العام للمجانين، ويستمر وجوده بعد الطور الأول في الجسم إلى سنين عديدة،
ويوجد في الإفرنجي الوراثي كثيرًا بالدم والأحشاء، كالكبد والطحال والرئتين.
واعلم أن هذا الميكروب إذا تلقح به الجسم أخذ عدة ساعات حتى ينتشر فيه،
ولذلك وجد بعض الباحثين [متشنيكوف Metchnikoff] أنه إذا لقح بعض أنواع
القردة بالميكروب ثم دهن موضع التلقيح (بمرهم الزئبق الحلو) أمكن منع العدوى
حتى بعد مضي ١٨ ساعة من التلقيح.
والمطهرات تقتل هذا الميكروب، وكذلك الحرارة التي درجتها من ٥٢
ستيجراد فصاعدًا، والمعالجة بالزئبق، وبـ ٦٠٦، أو ٩١٤ تذهب الميكروب من
الجسم، أو تقلله.
أما تشخيصه - فمن أسهل طرقه أن يؤخذ جزء من إفراز القروح، ويوضع
على لوح من ألواح المجهر الزجاجية، ويلون بالحبر الهندي المعتاد، ويبسط على
اللوح حتى يكون طبقةً دقيقةً، فإذا جفت ونظر إليها بالمجهر رأيت الحلزونيات فيها
بسهولة، هذا والداء في أطواره الثلاثة الأولى المعتادة قل أن يتعسر على الطبيب
معرفته، ولكن الصعوبة في معرفته حينما ينشأ عنه في آخر أطواره فسادُ بعض
الأعصاب أو الشرايين بسمه الذي يحدث فيها تلفًا أو التهابًا مزمنًا فيتسبب من ذلك
أنواع من الشلل وتصلب في الشرايين، وغير ذلك من الأعراض العضالة التي
يتعذر علاجها في أكثر الأحوال، وأحسن الطرق لمعرفة الداء حينئذ ببحث مصل
دم المصاب، أو جزء من السائل المخي النخاعي بطريقة [وزرمان
Wassermann] الألماني، وهي مبنية على بعض حقائق بكتيريولوجية يحب
أن نبينها قبل وصف هذه الطريقة، فنقول:
إنك إذا حقنت حيوانًا بسم ميكروب، أو بالميكروب نفسه، أو بخلايا دم، أو
بغيره، أو بأي مادة أخرى زلالية تولدت في البنية [مادة مضادة Anti - body]
للمادة المحقونة، ولذلك تسمى المادة المحقونة [مولدة الضد Anti - gen] فمثلاًً
إذا حقنت حيوانًا بمقدار غير مميت من سم ميكروب الدفتيريا تولد في دمه شيء
مضاد لسم الدفتيريا، وحماه من أذاه - كما سبق بيان ذلك - وإذا حقنت الميكروب
تولد في الدم ما يذيبه ويبيده، وإذا حقنت كريات حمراء تولد فيه ما يذيبها أيضًا،
وكذلك إذا حقنت خلايا أو غيرها تولد فيه ما يحلها ويذيبها [٢] وهلم جرًّا، واعلم
أن المادة المتولدة لا تكون مضادةً إلا لما ولدها لا لغيره، فإذا كانت المادة المحقونة
دم الأرنب مثلاً كانت المادة المتولدة مضادةً له لا لدم الحصان مثلاً، ولا لميكروب
ولا لغيره و [المادة المضادة Anti - body] التي تولدت لا تذيب المادة المحقونة
مولدة الضد [مولدة الضد Anti - gen] إلا بمساعدة مادة أخرى تكون عادةً في دم
الحيوان المحقون، وتسمى المادة [المساعدة أو المكملة Complement]
ووجودها في الدم طبيعي لا حادث، فإذا سخن الدم أو مصله حتى صارت درجة
حرارته ٥٥ - ٦٠ سنتجراد فسدت المادة المساعدة وبطل عملها، وأصبحت المادة
المضادة وحدها لا تذيب المادة المولدة للضد، وتفسد المادة المساعدة أيضًا بغير
التسخين كما سيأتي بيانه.
إذا علمت ذلك فاعلم أن المصاب بالإفرنجي توجد في دمه مادة مضادة للمرض،
وهي التي تولدت في البنية بسبب تلقحه بهذا الداء، ونحصل على هذه المادة بأخذ
جزء من مصل دم المصاب، أو جزء من سائل النخاع الشوكي له، فإذا مزج هذا
المصل أو هذا السائل بمادة [مولدة الضد] للإفرنجي، وبعبارة أخرى: المادة التي
إذا حقنت في شخص ولدت ما يضاد الإفرنجي، أو بعبارة أصرح: مادة مشتملة على
ميكروب الإفرنجي ككبد جنين امرأة مصابة بالإفرنجي مثلاً، فإذا مزج هذا المصل أو
السائل المشتمل على مضاد الإفرنجي] body -[Anti بجزء من هذا الكبد المولد
للضد]-gen Anti [كان لهذا المزج خاصية إفساد المادة المساعدة
[Complenment] التي توجد في دم أي حيوان وإبطال عملها في الإذابة، فإذا
أضيف لدم هذا الحيوان الذي أفسدنا مادته المساعدة مادة مع مادة مولدة للضد، لما
أمكن لهذا الدم أن يقوم بعمله في الإذابة.
ولبيان هذه الطريقة عملاً ليتمكن القارئ من فهمها، نقول:
لفحص شخص يُظن أنه مصاب بالإفرنجي يؤخذ من أحد أوردته ٥ - ١٠
سنتي مترًا مكعبًا من الدم، أو مقدار أكبر من ذلك بقليل من سائل النخاع الشوكي
بالبزل القطني، ويمزج مصل هذا الدم أو السائل النخاعي بكبد جنين مصاب
بالإفرنجي، ويضاف عليهما جزء من مصل دم أحد خنازير الهند، وهو مشتمل
بطبيعته على تلك المادة التي سميناها [بالمادة المساعدة Complement] ويترك
هذا المزيج مدة ساعة في حرارة درجتها ٣٧ سنتجراد.
هذا ونكون قد استحضرنا من قبل أرنبًا وحقناه عدة مرات بدم ثور حتى تتولد
فيه مادة مضادة (مذيبة) لكريات دم الثور، وهي كما قلنا لا تذيبه إلا بوجود المادة
المساعدة التي تكون معها في الحالة الطبيعية، ونأخذ دم هذا الأرنب، ونزيل منه
بالتسخين المادة المساعدة - كما سبق بيانه - ليبقى عندنا دم فيه المادة المضادة فقط
لدم الثور، ونضيف على دم هذا الأرنب بعدئذ ذلك المزيج المذكور سابقًا (وهو
مصل الإنسان المشتبه في إصابته بالإفرنجي مع كبد الجنين مع مصل خنزير الهند
المشتمل على المادة المساعدة بدل التي أضعناها بالتسخين من دم الأرنب) ونضيف
إليه أيضًا جزءًا من دم الثور، ثم نسخن جميع هذا الخليط حتى تصير درجة
الحرارة ٣٧ سنتجراد، ونبقيه في هذه الحرارة ساعتين، فإذا وجد مصل الإنسان
المشتبه في إصابته توجد فيه حقيقة المادة المضادة للإفرنجي لأفسدت هي ومادة كبد
الجنين المادة المساعدة على الإذابة التي بدم خنزير الهند، وحينئذ لا تذوب كريات
دم الثور بدم الأرنب، ويستنتج من ذلك أن الشخص الذي نفحصه مصاب بالإفرنجي،
أما إذا ذابت كريات دم الثور علمنا أن هذا الإنسان ليس مصابًا بالإفرنجي، ولذلك لم
يفسد مصله المادة المساعدة على الإذابة التي بدم خنزير الهند.
هذه هي طريقة (وزرمان) علمًا وعملاً، وهي أهم الطرق الآن لتشخيص
الإفرنجي، ويجب معرفتها على كل طبيب، ولذلك توسعنا في ذكرها هنا.
وهي تنجح إذا عُملت في أثناء الطور الأول من الإفرنجي بعد ٥ - ٨ أسابيع
من حصول العدوى، وتنجح أيضًا في الطور الثاني في ٩٥ في المئة، وفي الثالث
في ٧٥ في المئة، وفي الإفرنجي الكامن (الذي لم تظهر أعراضه) في ٥٠ في
المئة، وكذلك تنجح في الأمهات اللاتي يلدن أطفالاً مصابين بالإفرنجي الوراثي،
وهن في الظاهر سليمات منه، وذلك بنسبة ٧٠ أو أكثر في المئة منهن.
وفي الأطوار الأخيرة الإفرنجية التي ينشأ منها الشلل العام للمجانين وداء
اختلال الحركة المسمى أيضًا [بسل النخاع [٣] Dorsalis Tabes] تنجح هذه
الطريقة في كافة الأحوال تقريبًا (أي نحو ١٠٠ في ١٠٠) سواء أعملت بمصل دم
المصاب، أو بسائل النخاع الشوكي، أما في الحالات التي يصاب فيها المخ أو
النخاع بالأورام الصمغية الإفرنجية فنجاحها قليل.
هذا وإذا علمنا أن مصل الإنسان يشتمل بطبيعته على مادة تذيب كريات دم
الغنم، وكذلك يشتمل على المادة المساعدة على الإذابة - إذا علمنا ذلك أمكننا
اختصار تلك الطريقة السابقة باستعمال دم الغنم بدون الاحتياج لدم خنزير الهند ولا
لدم الأرنب والثور، بل نضيف فقط لمصل الإنسان كبد جنين مصاب بالإفرنجي
ودم الغنم. على أنه قد وُجد أيضًا أن كبد الجنين غير ضروري فإن مواد أخرى
يمكن أن تعمل عمله كخلاصة أي كبد سليم، أو قلب، أو أحشاء، أو أنسجة أخرى
وغير ذلك كثير، كمحلول الكولسترين [Cholesterin] واللسثين
[Lecithin] ومن ذلك يعلم أن المادة التي نبحث عنها في مصل الإنسان ليست
هي المادة المضادة للإفرنجي بالمعنى الصحيح بل هي مادة أخرى مخصوصة توجد
في الدم إذا أصيب الشخص بالإفرنجي، فوجودها يدل على الإصابة، والعكس
بالعكس.
وإذا عولج الشخص قد تصبح طريقة (وزرمان) غير ناجحة في التشخيص،
ولكن من الغريب أنه إذا حقن حينئذ بحقنة (٦٠٦) تعود فتصبح ناجحةً، وذلك يدل
على أنه لم يشف تمامًا من الداء، وعليه فلا يمكن الاعتراف بطهارة شخص من
هذا الداء إلا إذا عملت طريقة (وزرمان) بعد هذه الحقنة التي تسمى حينئذ (الحقنة
المحرضة) على نجاح الطريقة [Provocative] .
المعالجة - نظرًا لتعسر تطهير البنية من هذا الداء يجب أن تكون مدة
المعالجة طويلةً جدًّا وإلا لما خلص الجسم من الميكروب وسمومه , وهناك ثلاثة
أنواع من الأدوية لها نفع عظيم جدًّا في هذا المرض: (١) الزئبق ومركباته
و (٢) يودور البوتاسيوم، و (٣) بعض مركبات الزرنيخ، وأشهرها حقنة ٦٠٦
و٩١٤.
أما المعالجة بالزئبق واليودور فهي قديمة، ولذلك لا نريد أن نتكلم عليها هنا
لأنها معروفة مشهورة، وإنما نريد أن نتكلم على معالجته الحديثة بالمركبات
الزرنيخية فنقول:
قد وفق العلامة أرلخ [Ehrlich] هو ومساعده هاتا [Hata] [٤]
سنة ١٩٠٩ ميلادية إلى تركيب كيماوي زرنيخي نافع في هذا المرض، سمياه
٦٠٦؛ لأنهما وفقا إليه بعد عمل تجارب عديدة بلغت هذا العدد، ولذلك سمي بهذا
الاسم، ويسمى أيضًا [أرلخ هاتا Hata - Ehrlich] نسبةً لهما، ويعرف
عند الإفرنج أيضًا باسم [السلفرسان Salvarsan] ، ولم أقف على أصل
هذه الكلمة، وإنما أظن أنها مركبة من كلمتين، (أولاهما: بالألمانية Salbe،
وبالإنكليزية Salve، ومعناها مرهم أو دواء للقروح) و (ثانيتهما اسم الزرنيخ
[Arsenic] في اللغات الإفرنجية) فإذا صح هذا الظن كان معنى ذلك الاسم
(الشفاء الزرنيخي) ، وتركيبه الكيماوي هو:
(Dihydroehlorde benzol - areno -
Dioxydiamino) ومعنى [Di] في اليونانية (مثنى، أو مزدوج)
و [OXY] من كلمة [oxygen] ، و [Amine] تركيب كيماوي
يشبه النوشادر [Ammonia] في عناصره وخواصه، وهو مشتق منه
و [Arseno] الزرنيخ كما سبق و [Benzol] أو [Benzene] مركب
كيماوي من الهيدروجين والكربون بنسبة ستة جواهر فردة [Atom] من الأول إلى
مثلها من الثاني في كل ذرة [Molecule] و [Hydro] من
كلمة [Hydrogen] ، و [Chlor] من [Clorin] ، وعليه فحقنة
٦٠٦ مركبة بنسب مخصوصة من (الأكسجين والنيتروجين والهيدروجين
والزرنيخ والكربون والكلورين) ، ولونها أصفر لامع، وهي مسحوق يباع في أنابيب
صغيرة زجاجية لا يجوز فتحها إلا وقت الاستعمال؛ لأنها تفسد وتتأكسد إذا ترك
المسحوق معرضًا للهواء؛ ولذلك يملأ الفراغ الذي يبقى بالأنبوبة بغاز غير
الأكسجين، وهذا المسحوق يذوب في الماء ببطء، ويكون المحلول حمضيًّا
مشتملاً على ٣٤.١٥ في المئة من الزرنيخ.
ويحقن بمقدار ٠.٣٠ جرامًا إلى ٠.٦٠ جرامًا.
وكل أنبوبة تشتمل عادةً على هذا المقدار الأخير (٠.٦٠ جم) والأفضل أن
تحقن في الأوردة.
طريقة الحقن - يذاب السلفرسان في ٣٠ أو ٤٠ سنتيمتر مكعب من الماء
الساخن المقطر حديثًا والمعقم، ثم يضاف إليه جزء من محلول هيدرات
الصوديوم (بنسبة ١٥% من الهيدرات إلى الماء المذاب فيه) فيتكون راسب أولاً
وذلك يأخذ في الذوبان بالتدريج كلما زدت مقدار محلول الهيدرات، فإذا ذاب
الراسب أضف محلولاً دافئًا من ملح الطعام النقي (بنسبة ٥ في الألف) يصنع بماء
مقطر حديثًا إلى أن يصير مقدار السائل كله ٢٥٠ جم، وعندئذ يصير صالحًا للحقن
في الأوردة بشرط أن تكون درجة حرارته عند دخوله نحو ٣٨ سنتجراد.
ويجب أن يلتزم المريض الفراش قبل الحقن مدة ٢٤ ساعةً، ويكون طعامه
خفيفًا في تلك المدة وتطلق أمعاؤه بمسهل، وكذلك يجب أن يبقى في الفراش بعد
الحقن ٢١ ساعةً أخرى، ومن المحتم أن تلتزم طرق التعقيم والتطهير التامة في كل
هذه العملية من أولها إلى آخرها.
وكثيرًا ما يحدث بعد الحقن ارتفاع خفيف في حرارة المصاب لبضع ساعات.
وإذا روعيت جميع الاحتياطات التي ذكرناها بدقة نجا المريض من الأعراض
الخطرة، مثل الرعدة، والحمى الشديدة، والقيء والإسهال، وخصوصًا إذا روعي
أن الماء يجب أن يكون معقمًا ومقطرًا حديثًا، فإذا كان مقطرًا قديمًا رسبت فيه
بعض الميكروبات من الهواء حتى إذا غليته قبل الاستعمال فإن هذه الميكروبات
تموت، ولكن تبقى أجسامها في الماء وهذه تسبب بعض الأعراض الشديدة التي
تحصل كثيرًا عقب الحقنة.
أما طريقة الحقن في العضلات فهي أن يذاب المقدار اللازم من السلفرسان في
١٠ سنتي متر مكعب من الماء المقطر المعقم الدافئ، ثم يضاف عليه ٦ سنتي متر
مكعب من محلول هيدرات الصوديوم بنسبة ٤ في المائة، ثم ٦ في المائة من
حامض الخليك حتى يبدأ السائل في أن يكون تأثيره حمضيًّا، ثم نقطة من محلول
هيدرات الصوديوم بحيث يصير قلويًّا، ثم يحقن في عضلات الإلية، أو غيرها،
وهذه الطريقة قد تحدث ورمًا مؤلمًا في مكان الحقن، ولذلك يفضل عليها الحقن في
الأوردة.
ولا يجوز الحقن تحت الجلد ولا لمصاب بمرض في القلب أو الكلى أو
الشرايين أو المصاب بالسل , وقد أعطاها بعضهم لمثل هؤلاء بمقادير طفيفة.
والمعتاد أن يحقن المريض مرتين أو ثلاثًا بعد فترة أسبوع أو أسبوعين؛
لأن الداوء لا يخرج من البنية إلا بعد نحو أسبوع.
وفائدة هذه الحقنة أنها تشفي القروح الإفرنجية بأنواعها، والأورام الصمغية
بسرعة عجيبة حتى إن القروح المزمنة تشفى بعد الحقن ببضعة أيام، وفائدتها
ليست قاصرةً على الإفرنجي المكتسب بل هي نافعة أيضًا في الإفرنجي الوراثي
على حد سواء، أما في أطوار الإفرنجي الأخيرة [Parasyphllitic]
فلم يثبت إلى الآن نفعها العظيم، غاية الأمر أنها قد توقف المرض وتخفف من
أعراضه المؤلمة.
وهذه الحقنة تذهب ميكروب الإفرنجي من الدم، وتصير طريقة (وزرمان)
سلبيةً، بمعنى أنها تظهر الدم حتى إن المصاب يكون كأنه لم يصب بشيء.
ومن المستحسن جدًّا أن يعالج المصاب بعد هذه الحقنة بالزئبق مدة سنتين أو
ثلاثًا حتى يشفى تمامًا من الإفرنجي.
وهذه الحقنة لا تخلو من الخطر فقد مات بها كثيرون أصابهم بعدها تشنج
وغيبوبة ذهبت بحياتهم، ولا يمكن نسبة ذلك لأي سبب سوى أن بنيتهم لا تتحمل
العلاج بها لاستعداد خاص للتأثر بها لا نعرف سببه.
أما السلفرسان الجديد [Neo-Salvarsan] ويسمى أيضًا ٩١٤ لمثل
السبب المذكور آنفًا، فهو يختلف قليلاً من الوجهة الكيماوية عن السلفرسان القديم،
ويزيد عليه بعض المركبات التي فيها (الكبريت والصوديوم) وهو مسحوق
أصفر سهل الذوبان في الماء، ويكوِّن معه محلولاً متعادلاً (لا قلويًّا ولا حمضيًّا) .
ومقدار ما يحقن منه في الأوردة جرام واحد يذاب في ٢٥٠ سنتي متر مكعب
من الماء المقطر وكثيرًا ما يحقن في العضلات أيضًا.
ويعتقد العلماء أن تأثيره في الإفرنجي كتأثير القديم على السواء، ولكنه أقل
خطرًا منه، ويجوز تكرار الحقن به بعد شهر.
هذا ولما كانت الحرب الحالية قد منعت التجارة الألمانية في كثير من بلدان
العالم، فكر بعض علماء الفرنسويين [الدكتور مونيرات Mouneyrat] في
إيجاد مركب آخر يغنيهم عن مركبات الألمان المذكورة سابقًا وسماه [الجاليل
Galyl] أو ١١١٦ وهو مركب من الكربون والهيدروجين والأكسجين
والنيتروجين والفسفور والزرنيخ بالنسب الآتية: (٢٤ كربون - ٢٢ هيدروجين -
٨ أكسجين - ٤ نيتروجين - ٢ فسفور - ٤ زرنيخ) ويسمى بلغة الكيماويين: obenzene aminadiarse tetra Tetraoxydiphospho
وقد سبق أننا فسرنا جميع مقاطع (أجزاء) هذه الكلمة، ما عدا كلمة
[Tetra] وهي يونانية معناها أربعة، وهذا الداواء نافع - كالمركبات
الألمانية- في الأمراض الأخرى الناشئة عن الميكروبات الحيوانية كالحمى الراجعة
ومرض النوم.
وهذا الدواء مسحوق أصفر يباع في أنابيب مقفلة، ولا يتغير بمضي الزمن،
وهو سهل الذوبان في الماء، ويقول مخترعه: إنه لا يضر عصب البصر ولا
عصب السمع كما يحدث أحيانًا من المركبات الألمانية، ومقدار ما يحقن منه ٠.٣٠
جم إلى ٠.٣٥ جم كل ثمانية أيام، والعادة أن تزول الأعراض بعد ثلاث أو أربع
حقن، ولكن الأفضل أن يعمل ست حقن، وينبغي تكرار الحقن كل سنة لمدة أربع
سنوات ليزول الداء من البنية، ويكون الحقن في الأوردة، ويجوز أن يعمل أيضًا
داخل العضلات، وهناك دواء آخر إنجليزي يسمى [حارسفان Kharsivan]
وهو مثل السلفرسان سواء بسواء.
***
مرض النوم
Sleeping Siekaess
ينشأ هذا المرض من ميكروب حيواني يشبه الحلزونيات المذكورة آنفًا يسمى
بالإفرنجية Trybanosome يعيش في دم الحيوانات الفقرية، وينتقل من
بعضها إلى البعض الآخر بواسطة الحشرات (اللافقرية) أي: الذباب، ومن
الحيوانات الفقرية التي يعيش في دمها هذا الميكروب ما لا يتأثر به ولا يشعر
بوجوده ويكون بالنسبة للميكروب كمستودع طبيعي (خزان) له، ومنه ينتقل إلى
الأنواع الأخرى بالذباب ليحدث له المرض.
يشبه هذا الميكروب الدودة فله جسم طويل متحرك. ولكنه ليس مفتولاً بل
مسطحًا وله طرفان، في الأمامي منهما هدب واحد كالشارب له، وفي أحد جانبيه
غشاء دقيق كثير التماوج، وله نواتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، والكبيرة
في وسطه، والصغيرة بقرب الطرف الذي لا هدب له، ومنها يبتدئ خيط دقيق
يمر بحافة الغشاء المتماوج، وينتهي هذا الخليط بالشارب.
وهذا الميكروب هو خلية واحدة طولها من ١٨ - ٢٥ ميكرونًا، وعرضها من
٢ إلى ٢.٨ مك، فطوله نحو ثلاثة أمثال قطر كرومة الدم الحمراء.
وهو يتولد بالانقسام الطولي (وقد يحدث الانقسام نادرًا بالعرض) ويشاهد
هذا الميكروب في دم المصاب والغدد اللمفاوية وسائل النخاع الشوكي، ولا
يدخل هذا الميكروب في كريات الدم الحمراء، أما البيضاء فتأكله وتبيده.
الأسباب - عرف حدوث هذا المرض منذ زمن بعيد في شاطئ أفريقية الغربي
بين نهري سنغال Sanegal ولواندا Lganda وعلى بعد بضعة آلاف ميل
من البحر وقد عرف أيضًا حديثًا في بلاد [أوغندا Uganda) وفي جهات
أخرى من العالم، ولكن المصابين فيها كانوا ممن ذهبوا إلى أفريقية، ويندر حدوث
هذا المرض لغير السود، ويصيب الأشخاص في جميع الأعمار، والذكور والإناث
على حد سواء، وقد يستثنى من ذلك الأطفال الرضع والشيوخ الفانين.
وينقل الميكروب من مصاب لآخر نوع من الذباب المسمى Tsetse وهو
أكبر بقليل من الذباب المعتاد، ويشبهه شبهًا عظيمًا، ولكنه لا يوجد إلا حيث يوجد
هذا المرض، ومما يمتاز به أن أنثاه لا تلد بيضًا بل تلد جنينًا تام التكوين.
الأعراض - لا شك أن ميكروب المرض قد يوجد في دم بعض الناس مدةً
طويلةً بدون أن تظهر عليهم أعراض المرض، وقد ينتهي الأمر بموت الميكروب
وأول أعراض الداء حمى تمكث بضع ساعات أو بضعة أيام، ثم تعود بعد بضعة
أسابيع، ولا تمتاز أعراض هذه الحمى كثيرًا عن غيرها من الحميات الأخرى.
وإذا وصل الميكروب إلى تجويف العنكبوتية للمخ، أو النخاع ظهرت حينئذ
الأعراض المميزة لهذا الداء، فيؤخذ المصاب بسنة (نعاس) تزداد تدريجيًّا حتى
تصير سباتًا فغيبوبة تامة، وفي أول درجة النعاس قد يحاول المريض العمل،
ولكنه يكون في غاية الخمول والكسل والضعف، فإذا بلغ درجة النوم لم يتقلب في
فراشه إلا إذا قلبناه، ولا يأكل إلا إذا أطعمناه، ومع ذلك لا يُتم عمل الأكل بل يترك
الطعام في فمه ويستمر في نومه، ومدة المرض من خمسة أشهر إلى خمسة عشر
شهرًا، ولم يعرف أن أحدًا أصيب به ونجا منه، وميكروب هذا المرض يحدث
التهابًا مزمنًا في المخ والنخاع، وأغشيتهما (السحايا) .
المعالجة - قل أن تنجح. وتنحصر في العناية الشديدة بالمريض وبنظافته
وتغذيته وتقليبه في فراشه، وحقنه ببعض مركبات الزرنيخ، كالدواء المسمى
(أتوكسل Atoxyl) إما وحده، أو مع بعض مركبات الزئبق، أو غيره.
***
الحمى السوداء أو الكلا أزار
Black Fever or kala _ Azar
مرض كثير الانتشار في بلاد الهند والصين وغيرهما من بلاد أسية , ويوجد
أيضًا في مصر وتونس والجزائر، وسببه ميكروب حيواني، أول من وصفه كان
السير [ليثمان Leishman Sir] والدكتور [دونوفان Donovan. Dr]
ولذلك سمي هذا الميكروب باسميهما [Leishman - Donovan]
ويوجد في المصاب في طحاله وكبده، وفي غدده اللمفاوية، وفي رئتيه، وفي جدر
أمعائه، وغير ذلك، ويمكن الحصول عليه أثناء الحياة ببزل الطحال أو الكبد،
وأخذ جزء من دمها، وينتقل من شخص لآخر بواسطة بق الأسرة وغيره.
الأعراض - حمى مستطيلة والصفار (الأنيميا) والضعف والنحافة وضخامة
الكبد والطحال والرعاف أحيانًا، أوالنزف من اللثة، أو تحت الجلد، وآلام في
العظام، وتورم بالوجه والقدمين، بل واستسقاء بالبطن إذا عظم حجم الكبد،
ويصاب المريض بالإسهال أو الدوسنطاريا، وبالالتهاب الرئوي، وهذه
المضاعفات كثيرًا ما تكون سببًا في الموت، ويمكث المريض عدة أشهر، والموت
فيه يكون بنسبة تسعين في المائة من المصابين.
العلاج - يكون بمركبات الكنين أو الزرنيخ.
***
داء التوت الشوكي أو العليق الإفرنجي
Framboesia
سمي بذلك لأن أورامه التي تظهر بالجسم تشبه هذا النوع من التوت في شكله
وحجمه، وهو مرض مُعدٍ كثير الانتشار في البلاد الحارة كإفريقية والهند وغيرها،
يصيب الذكور والإناث على حد سواء، والشبان أكثر من غيرهم، والسود أكثر من
البيض، وهو يشبه الإفرنجي Syphilis شبهًا عظيمًا في ميكروبه وأعراضه
وعلاجه حتى ظن بعض الباحثين أنه نوع منه، ولكن الحقيقة غير ذلك فإنه يمكن
أن يصاب الشخص بالمرضين معًا.
تحصل العدوى بتلقيح الجلد بالميكروب في أي سحج أو جرح، أو نحو ذلك،
ويندر حصول التلقيح في أعضاء التناسل، ومدة التفريخ من أسبوعين إلى أربعة،
يظهر بعدها في مكان التلقيح دمل يتقرح، أو يستحيل إلى مادة كالأزرار اللحمية
تبرز من الجلد، وتضخم الغدد اللمفاوية التي حولها، وقل أن تتقيح.
هذا هو الطور الأول، أما الثاني فيظهر بعد شهر أو ثلاثة من مبدأ ظهور
الطور الأول، ويسبقه توعك وحمى، ثم تظهر دمامل صغيرة جدًّا في أول الأمر،
ثم تكبر حتى تصير نحو بوصتين أو أقل، وهي تشبه التوت الشوكي، وهذه
أيضًا تتقرح، وهي تصيب كل أجزاء سطح الجسم، والطور الثالث كطور الأورام
الصمغية الإفرنجية.
وميكروب هذا المرض من نوع الحلزونيات، ويوجد في الدمامل والقروح،
وفي الطحال والعقد اللمفاوية وغيرها، ويمكث المرض سنة أو عدة سنين، وقل أن
يميت.
المعالجة - تكون بحقنة السلفرسان، وكان يعالج قديمًا - كالإفرنجي -
بمركبات الزئبق واليود والزرنيخ، وتعالج بالمطهرات كالمعتاد.
إلى هنا انتهى الجزء الثاني وسيليه - إن شاء الله - الجزء الثالث ويبدأ بالأمراض
التي لم تعرف ميكروباتها إلى الآن.