للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رزء إسلامي عظيم
وفاة الدكتور صدقي

في أوائل شهر شعبان من هذه السنة ١٣٣٨ فقد الإسلام رجلاً من أفضل
رجاله دينًا وتقوى، وأقوى أنصاره حجةً، وأخلصهم نيةً، صديقنا الصفي الوفي
وولينا وطبيب أسرتنا الدكتور محمد توفيق صدقي، المعروف عند قراء المنار في
مشارق الأرض ومغاربها بمقالاته الكثيرة المفيدة من دينية وعلمية، تغمده الله
برحمته، وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من أهل كرامته، وأكثر في هذه الأيام
المصابة بالقحط في الرجال من أمثاله.
توفاه الله بمصر، وكاتب هذه السطور (منشئ المنار) في دمشق , واتفق أن
منع البريد فلم أعلم بها إلا بعد زهاء خمسة أسابيع فعظم عليّ وقع المصاب وعلى كل
من علم به من إخواننا أهل العلم والدين في الشام , ولم أستطع كتابة تأبين، ولا
ترجمة له في شهر رمضان لاشتغالي بأعمال رياسة المؤتمر السوري، وقراءة درس
في الجامع الكبير الأموي، والتهاب عرض لي في اللوزتين كان كلما خف يعود إلى
التهيج والازدياد برفع الصوت في كل من الدرس وضبط نظام جلسات المؤتمر،
وتلخيص مذكراته وطلب الأصوات على اقتراحاته حتى اضطررت إلى ترك الدرس
في أفضل أوقاته، وهي العشر الأخير من رمضان، مع مشقة الصيام، وقلة المنام،
وصرف وقت من الليل والنهار فيما لامندوحة عنه من لقاء الناس، حتى إنني لم أقرأ
في رمضان هذا العام أكثر من ثلاث ختمات من القرآن، على أنني قرأت في رمضان
العام الماضي أكثر من عشر ختمات.
من غريب الاتفاق أن كانت وفاته قريبة العهد بوفاة تِربه وصِنوه في النشأة
العلمية والدينية، الطبيب عبده إبراهيم الذي عَد موته نذيرًا له بالموت بمثل مرضه،
وقرب اللحاق به.
كتب إلي وكيلي وابن عمي السيد عبد الرحمن عاصم أنه لما علم بمرضه عَادَه
وسأله عن حاله فقال: إنني محموم، وإذا كانت هي هذه الحمى تيفوسية فأنا ميت بها
لا محالة.
وكثيرًا ما كان ينعي نفسه في السنة التي عاشها بعد صنوه عبده إبراهيم حتى أنه
في حالة صحته كان يقول: لا أدري من يربي ولدي عمر؟ وكان شرع في كتابة مقال
في العقائد وأخره لينقحه وينشره في المنار، فأعطى ما كتبه إلى أهله وعهد إليهم بأن
يرسلوه إلي إذا هو مات، ويبلغوني عنه إذنه لي بتصحيحه كعادته فيما يقبل في حياته
من التنقيح في المعنى، إلا ما يقتنع بصحته أو يوافق نظره، فأرسلوا ما كتبه إلى
الإدارة بعد وفاته، وقد نشر في هذا الجزء، وذكر لابن عمي أنه عُهد إليه بتحرير
المجلة الطبية التي أنشأتها جمعية الأطباء بمصر، وقال له: ما زال المنار يرفعني
حتى جعلني كاتبًا.
وسنكتب له ترجمةً علميةً بعد مراجعة مجلدات المنار التي نشرت فيها مقالاته
ومناظراته الدينية لبعض علماء مصر والهند، إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))