للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد عبد العزيز الخولي


تاريخ فنون الحديث
(٤)
الجوامع العامة
(أ) منها جامع المسانيد والألقاب لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي
الجوزي [١] جمع فيه بين الصحيحين ومسند أحمد وجامع الترمذي، وقد رتبه أحمد
بن عبد الله المكي [٢] .
(ب) ومنها جامع المسانيد والسنن لأقوم سنن، للحافظ إسماعيل بن عمر
الوشي الدمشقي المعروف بابن كثير [٣] جمعه من الصحيحين وسنن النسائي وأبي
داود والترمذي وابن ماجه ومن مسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى والمعجم
الكبير للطبراني.
(ج) ومنها مجمع الزوائد للحافظ أبي الحسن علي الهيتمي [٤] جمع فيه
زوائد مساند أحمد وأبي يعلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة وموجود منه بدار
الكتب ثماني مجلدات، وقد شرع بطبعه من زهاء ٢٠ سنة ولعله تم.
(د) ومنها مصابيح السنة للإمام حسين بن مسعود البغوي [٥] جمع فيه
٤٤٨٤ حديثًا من الصحاح والحسان ويعني صاحبها بالصحاح ما أخرجه الشيخان،
وبالحسان ما أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وما كان فيها من ضعيف أو
غريب بينه، ولا يذكر ما كان منكرًا أو موضوعًا. وقد اعتنى العلماء بها عناية
عظيمة فشرحوها شروحًا كثيرة، وكملها محمد بن عبد الله الخطيب وذيل أبوابها،
فذكر الصحابي الذي روى الحديث، والكتاب الذي أخرجه وزاد على كل باب من
الصحاح والحسان فصلاً ثالثًا عدا بعض الأبواب، وكان ذلك سنة ٧٣٧ فجاء كتابًا
حافلاً وأسماه مشكاة المصابيح، وقد شرح المشكاة كثيرون.
(هـ) ومنها جمع الجوامع في الحديث لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
جمع فيه بين الكتب الستة وغيرها، وقد قصد في كتابه جمع الأحاديث النبوية
بأسرها، قال المناوي: إنه مات قبل أن يتمه، ولقد اشتمل كتابه على كثير من
الأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة، وقد هذب ترتيبه علاء الدين علي بن حسام
الهندي المتوفى بمكة سنة ٩٧٥ في كتابه كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،
وقد اختصر السيوطي كتابه في الجامع الصغير وزوائده.
(و) ومنها إتحاف الخيرة بزوائد المسانيد العشرة لأحمد بن أبي بكر
البوصيري [٦] أفرد فيه زوائد مسانيد أبي داود الطيالسي والحميدي ومسدد وابن أبي
عمرو وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وأحمد بن منيع وعبد بن حميد والحارث بن
محمد بن أبي أسامة وأبي يعلى الموصلي، أي ما زاد من أحاديثها على الكتب الستة
وهو مرتب على مائة كتاب.
***
الكتب الجامعة لأحاديث الأحكام
(أ) منها الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد [٧] ، جمع فيه متون
الأحكام وشرحه، ولكن لم يكمل شرحه، ويقال: إنه لم يؤلف في هذا النوع أعظم
منه.
(ب) ودلائل الأحكام من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن شداد
الحلبي [٨] تكلم فيه على الأحاديث المستنبطة منها الأحكام في الفروع، ويقع في
مجلدين.
(ج) ومنتقى الأخبار في الأحكام للحافظ مجد الدين أبي البركات عبد السلام
بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني المعروف بابن تيمية الحنبلي [٩] انتقاه من
صحيحي البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد، وجامع أبي عيسى الترمذي،
والسنن للنسائي، وأبي داود، وابن ماجه، واستغنى بالعزو إلى هذه المسانيد عن
الإطالة بذكر الأسانيد، وإنه لكتاب قيم شرحه الإمام المجتهد الشوكاني محدث
اليمن [١٠] شرحًا مسهبًا بلغ ثمانية أجزاء جمع فيه من فقه الحديث ما لعله يعز عليك
في كتاب آخر، وقد أسمى شرحه نيل الأوطار، طبع بمصر ونفدت نسخه.
(د) وبلوغ المرام من أدلة الأحكام، للحافظ أحمد بن علي بن حجر
العسقلاني [١١] وممن شرحه شرحًا وجيزًا صديق حسن خان [١٢] بلغ شرحه مجلدين،
طبع ونفدت نسخه. وقد اشتمل بلوغ المرام على ألف وأربعمائة حديث من
أحاديث الأحكام، وهو كتاب عظيم القدر طبع في مصر وفي الهند مع حواشي
للسيد أحمد حسن الدهلوي المعاصر، بيّن فيها علل الأحاديث المعلولة وخلاصة
المعنى.
***
كتب أخرى
من الكتب النفيسة في الحديث (المختارة) لمحمد بن عبد الواحد المقدسي [١٣]
التزم فيها الصحة، فصحح أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، ولم يتم الكتاب، وقد
رجحه بعض الحفاظ على مستدرك الحاكم، ومنها (السنن) كتابا الكبير والصغير،
كتابان لأحمد بن حسين البيهقي [١٤] قيل: لم يصنف في الإسلام مثلهما، قال ابن
الصلاح: ما تم كتاب في السنة أجمع للأدلة من كتاب السنن الكبرى للبيهقي،
وكأنه لم يترك في سائر أقطار الأرض حديثًا إلا وقد وضعه في كتابه. ومنها بحر
الأسانيد للإمام الحافظ الحسن بن أحمد السمرقندي [١٥] جمع فيه مائة ألف
حديث، رتبه وهذبه ولم يقع في الإسلام مثله. ومنها الترغيب والترهيب للحافظ
المنذري [١٦] ، وهو من أحسن الكتب طريقة في جمع الحديث وبيان درجته،
وليت كتب الحديث كلها على نمطه، وهو مطبوع.
***
ترتيب كتب الحديث في الصحة
قد بينا فيما سلف درجة كل كتاب من كتب السنة الشهيرة في الصحة،
وها نحن أولاء ندلي إليك بفصلٍ جمّ الفائدة عظيم العائدة ينجلي لك فيه ترتيب كتب
السنة من حيث الصحة لتكون على بينة من أمرها، فنقول وبالله توفيقنا:
قد قسم الجمهور الحديث الصحيح بالنظر إلى تفاوت الأوصاف المقتضية
للصحة إلى سبعة أقسام كل قسم منها أعلى مما بعده، فالأول ما أخرجه البخاري
ومسلم ويسمى بالمتفق عليه، والثاني ما انفرد به البخاري، والثالث ما انفرد به
مسلم، والرابع ما كان على شرطهما مما لم يخرجه واحد منهما، والخامس ما كان
على شرط البخاري، والسادس ما كان على شرط مسلم، والسابع ما صححه أحد
الأئمة المعتمدين، وترجيح كل قسم من هذه الأقسام السبعة على ما بعده إنما هو
من قبيل ترجيح الجملة على الجملة، لا ترجيح كل واحد من أفراده على كل واحد
من أفراد الآخر، فيسوغ أن يرجح حديث في مسلم على آخر في البخاري إذا
وجد موجب الترجيح، ولقد كتب الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله المُحدّث
الدهلوي [١٧] في كتابه (حجة الله البالغة) فصلاً في طبقات كتب الحديث نورد لك
خلاصته، قال:
طبقات كتب الحديث أربع: فالطبقة الأولى منحصرة بالاستقراء في ثلاثة
كتب: الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم.
والطبقة الثانية كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنها تتلوها، كان
مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث، ولم
يتساهلوا فيها، وتلقاها من بعدهم بالقبول، واعتنى بها المحدثون والفقهاء، وذاعت
بين الناس كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي، وهذه الكتب مع
الطبقة الأولى اعتنى بأحاديثها رزين بن معاوية العبدري السرقسطي في تجريد
الصحاح، وابن الأثير في جامع الأصول، وكاد مسند أحمد يكون من هذه الطبقة.
والطبقة الثالثة مسانيد وجوامع ومصنفات صنفت قبل البخاري ومسلم وفي
زمنهما وبعدهما، جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف والمعروف والمنكر
والغريب والشاذ والخطأ والصواب والثابت والمقلوب [١٨] ، ولم تشتهر في العلماء
ذلك الاشتهار وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة، ولم يتداول ما تفردت به الفقهاء
كثير تداول ولم يفحص عن صحتها وضعفها المحدثون كبير فحص، ومنها ما لم
يخدمه لغوي لشرح غريب، ولا فقيه بتطبيقه على مذاهب السلف، ولا محدث
ببيان مشكله، ولا مؤرخ بذكر أسماء رجاله، ولا أريد المتأخرين المتعمقين، وإنما
كلامي في الأئمة المتقدمين من أهل الحديث فهي باقية على استتارها وخمولها،
كمسند أبي يعلى، ومصنف عبد الرازق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند
عبد بن حميد، ومسند الطيالسي، وكتب البيهقي والطحاوي والطبراني، وكان
قصدهم جمع ما وجدوه من الحديث لا تلخيصه وتهذيبه وتقريبه من العمل.
والطبقة الرابعة كتب قصد مصنفوها بعد قرون متطاولة جمع ما لم يوجد في
الطبقتين الأوليين، وكانت في المجاميع والمسانيد المختلفة فنوهوا بأمرها، وكانت
على ألسنة من لم يكتب حديثه المحدثون، ككثير من الوعاظ المتشدقين وأهل
الأهواء والضعفاء، أو كانت من آثار الصحابة والتابعين، أو من كلام الحكماء
والوعاظ خلطها الرواة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - سهوًا أو عمدًا، أو
كانت من محتملات القرآن والحديث الصحيح، فرواها بالمعنى قوم صالحون لا
يعرفون غوامض الرواية، فجعلوا المعاني أحاديث معروفة أو كانت مفهومة من
إشارات الكتاب، والسنة جعلوها أحاديث منفصلة برأسها عمدًا، وكانت جملاً شتى
في أحاديث مختلفة جعلوها حديثًا واحدًا بنسق واحد، ومظنة هذه الأحاديث كتاب
الضعفاء لابن حبان والكامل لابن عدي وكتب الخطيب وأبي نعيم والجوزقاني
وابن عساكر وابن النجار والديلمي، وكاد مسند الخوارزمي يكون من هذه الطبقة،
وأصلح هذه الطبقة ما كان ضعيفًا محتملاً، وأسوؤها ما كان موضوعًا أو مقلوبًا
شديد النكارة، وهذه الطبقة مادة كتب الموضوعات لابن الجوزي، أما الطبقة
الأولى والثانية فعليهما اعتماد المحدثين، وأما الثالثة فلا يباشرها للعمل عليها
والقول بها إلا النحارير الجهابذة الذين يحفظون أسماء الرجال وعلل الأحاديث، نعم
ربما يؤخذ منها المتابعات والشواهد، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، وأما الرابعة
فالاشتغال بجمعها أو الاستنباط منها نوع تعمق من المتأخرين، وإن شئت الحق
فطوائف المبتدعين من الرافضة، وغيرهم يتمكنون بأدنى عناية أن يلخصوا منها
شواهد مذاهبهم، فالانتصار بها غير صحيح في معترك العلماء بالحديث اهـ.
ولأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري [١٩] مقالة في ترتيب كتب
الحديث، جرى فيها على ما ظهر له في ذلك، ذكرها في كتاب مراتب
الديانة، وقد أورد السيوطي خلاصتها في كتاب التقريب، فقال: وأما ابن حزم
فإنه قال: أولى الكتب الصحيحان، ثم صحيح سعيد بن السكن [٢٠] والمنتقى لابن
الجارود [٢١] والمنتقى لقاسم بن أصبغ [٢٢] ، ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود [٢٣]
وكتاب النسائي [٢٤] [*] ، ومصنف قاسم بن أصبغ، ومصنف الطحاوي [٢٥] ، ومسند
أحمد [٢٦] ، ومسند البزار [٢٧] ، وأبي بكر [٢٨] وعثمان [٢٩] ابني أبي شيبة، ومسند ابن
راهويه [٣٠] ، والطيالسي [٣١] ، والحسن بن سفيان [٣٢] ، والمستدرك للحاكم [٣٣] وكتاب
ابن سنجر [٣٤] ، ويعقوب بن شيبة [٣٥] ، وعلي بن المديني [٣٦] ، وابن أبي
عزرة [٣٧] ، وما جرى مجراها من الكتب التي أفردت لكلام رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره. ثم ما كان فيه الصحيح فهو
أجل مثل مصنف عبد الرزاق [٣٨] ، ومصنف ابن أبي شيبة، ومصنف بقي بن مخلد
القرطبي [٣٩] ، وكتاب محمد بن نصر المروزي [٤٠] ، وكتاب ابن المنذر [٤١] ، ثم
مصنف حماد بن سلمة [٤٢] ، ومصنف سعيد بن منصور [٤٣] ، ومصنف وكيع بن
الجراح [٤٤] ، ومصنف الرزبالي، وموطأ مالك،وموطأ ابن أبي ذئب [٤٥] ، وموطأ
ابن وهب [٤٦] ، ومسائل أحمد بن حنبل، وفقه أبي عبيد [٤٧] ، وفقه أبي ثور [٤٨] ،
وما كان من هذا النمط مشهورًا كحديث شعبة [٤٩] ، وسفيان [٥٠] ، والليث [٥١] ،
والأوزاعي [٥٢] ، والحميدي [٥٣] ، وابن مهدي [٥٤] ، ومسدد [٥٥] ، وما جرى مجراها،
فهذه طبقة موطأ مالك، بعضها أجمع للصحيح منه، وبعضها مثله، وبعضها دونه،
ولقد أحصيت ما في حديث شعبة من الصحيح فوجدته ثمانمائة حديث ونيفًا مسندة،
ومرسلاً يزيد على المائتين، وأحصيت ما في موطأ مالك وما في حديث سفيان بن
عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفًا مسندة، وثلاثمائة مرسلاً
ونيفًا، وفيه نيف وسبعون حديثًا قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيها أحاديث ضعيفة
وهَّاها جمهور العلماء.
***
تاريخ علوم الحديث الأخرى
إلى هنا كانت العناية موجهة إلى تاريخ الحديث من حيث الكتب الجامعة
لألفاظه والشارحة لمتونه، وإن ذلك لغرض من أغراض، وناحية من نواح، فإن
خيرة المسلمين، وشيوخ المحدثين، كما عنوا بذلك عنوا بالتأليف في شرح غريبه،
وبيان ناسخه من منسوخه، وإظهار حال رجاله والكشف عن علومه ومصطلحاته،
من صحيح وعليل ومقبول، ومردود ومتواتر ومشهور إلى غير ذلك من جليل
الأغراض ومتنوع الأقسام.
وسنفرد فصلاً لكل نوع من أنواعه الشهيرة، نلم فيه بتوضيحه ونعرج على
تاريخه، مقرنين ذلك بذكر أحسن المؤلفات فيه حتى يتجلى لك تاريخ الحديث من
جملة نواحيه.
***
علم غريب الحديث
الغريب من الكلام يقال على وجهين: أحدهما أن يراد به بعيد المعنى غامضه
بحيث لا يتناوله الفهم إلا عن بُعد ومعاناة فكر، والوجه الآخر أن يراد به كلام من
بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب.
وها نحن أولاء نحكي لك خلاصة ما قاله ابن الأثير في مفتتح نهايته، فإنه
أحسن من وفّى هذا الموضوع قسطه من البيان، ضامين إليه ما عثرنا عليه في
بطون الكتب التي تعرضت لهذا الشأن.
كان - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا،
وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طرق الصواب، وكان يخاطب العرب
على اختلاف شعوبهم وتباين لهجاتهم، كلاًّ منهم بما يفهم، ويحادثه بما يعلم، وكان
أصحابه والوفود عليه من العرب يعرفون أكثر ما يقول، وما جهلوه سألوه عنه
فيوضحه لهم، واستمر عصره - صلى الله عليه وسلم - إلى حين وفاته على هذا
السنن المستقيم، وعليه سلك الصحابة في عصرهم، وكان اللسان العربي عندهم
صحيحًا محروسًا من الدخيل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم من
الروم والفرس والحبش والنبط، وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتحت بلادهم
للمسلمين، ورفرف عليها علم الموحدين فاختلطت الفرق وامتزجت الألسن وتداخلت
اللغات، ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب
والمحاورة منه، وتركوا ما عداه؛ لغنيتهم عنه.
واستمر الأمر على هذا النهج إلى أن
انقرض عصر الصحابة - القرن الأول - وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم،
وإن كانوا في الإتقان دونهم، ولم ينقض زمانهم - سنة ١٥٠ - إلا واللسان
العربي قد استحال أعجميًّا، أو كاد، فلا ترى المستقل به والمحافظ عليه إلا الآحاد،
فجهل الناس من هذا المهم ما كان يلزمهم معرفته، وأخروا منه ما كان يجب
عليهم تقدمته، فلما أعضل الداء، وعز الدواء، ألهم الله جماعة من أولي المعارف
والنهى أن يصرفوا إلى هذا الشأن طرفًا من عنايتهم، فشرعوا للناس موارده،
وقعدوا لهم قواعده، فقيل: إن أول من جمع في هذا الفن شيئًا أبو عبيدة معمر بن
المثنّى البصري [٥٦] ، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتيبًا صغيرًا، ولم تكن
قلته لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما كان ذلك لأمرين: أحدهما: أن كل مبتدع
لأمر لم يسبق إليه فإنه يكون قليلاً ثم يكثر، والثاني: أن الناس يومئذ كان فيهم بقية
وعندهم معرفة، فلم يكن الجهل قد عم. ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل
المازني [٥٧] كتابًا أكبر من كتاب أبي عبيدة بسط فيه القول على صغر حجمه، ثم
جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي - وكان في عصر أبي عبيدة، وتأخر عنه - كتابًا
أحسن فيه الصنع وأجاد، ونيف على كتابه وزاد، وكذلك محمد بن المستنير
المعروف بقطرب [٥٨] ، وغيره من أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث وتكلموا على
لغتها ومعناها في أوراق ذوات عدد، ولم يكد أحدهم ينفرد عن الآخر بكثير حديث
لم يذكره الآخر، واستمر الحال إلى زمن أبي عبيد القاسم بن سلام [٥٩] ، وذلك بعد
المائتين، فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار أفنى فيه عمره؛ إذ جمعه
في أربعين سنة، وإنه لكتاب حافل بالأحاديث والآثار الكثيرة والمعاني اللطيفة
والفوائد الجمة، ولقد ظن - رحمه الله - على كثرة تعبه وطول نصه أنه قد أتى
على معظم الغريب، وما علم أن الشوط بطين، والمنهل معين، ولقد بقي كتابه
معتمد الناس إلى عصر أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري [٦٠] ،
فصنف كتابه المشهور ولم يودعه شيئًا من كتاب أبي عبيد إلا ما دعت الحاجة إليه
من زيادة شرح وبيان، أو استدراك أو اعتراض، فجاء مثل كتاب أبي عبيد أو
أكثر منه، وقد قال في مقدمته: أرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من
غريب الحديث ما يكون لأحد فيه مقال. وقد كان في عصره إبراهيم بن إسحاق
الحربي الحافظ [٦١] جمع كتابًا في الحديث بلغ خمس مجلدات، بسط فيه القول
وأطال بذكر المتون وأسانيدها، ولو لم يكن في المتن إلا كلمة واحدة من الغريب،
فهجر الناس لذلك كتابه، وإن كان جم الفائدة، ثم أكثر الناس من التصانيف في هذا
الفن كالمبرد [٦٢] ، وثعلب [٦٣] ، ومحمد بن قاسم الأنباري [٦٤] ، وسلمة من عاصم
النحوي , وعبد الملك بن حبيب المالكي، ومحمد بن حبيب البغدادي، وغيرهم من
أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث، واستمرت الحال إلى عهد الإمام محمد بن أحمد
الخطابي البستي [٦٥] فألّف كتابه المشهور في غريب الحديث سلك فيه نهج أبي عبيد
وابن قتيبة، وصرف عنايته فيه إلى جمع ما لم يوجد في كتابيهما، فاجتمع له من ذلك
ما يداني كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب
الحديث والأثر أمهات الكتب، وهي الدائرة في أيدي الناس، وعليها يعول علماء
الأمصار، إلا أن هذه الكتب الثلاثة وغيرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتبًا ومقفى
يرجع الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي، وهو على طوله وعسر
ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعب وعناء، ثم هي مع ذلك متفرقة فيها
الأحاديث، فلا يعلم الناظر في أيها يوجد الغريب فيحتاج إلى البحث في كثير منها
حتى يجد غرضه.
فلما كان زمن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي [٦٦]- وهو من طبقة
الخطابي ومعاصريه - ألّف كتابه السائر، جمع فيه بين غريب القرآن والحديث
ورتبه ترتيبًا لم يسبق إليه، فاستخرج الكلمات اللغوية الغريبة من أماكنها وأثبتها في
حروفها مرتبًا لها على حروف المعجم ولم يفعمه بالأسانيد والمتون والرواة - شأن
ما سبقه من الكتب - فإن ذلك له علم مستقل به، وقد جمع فيه من غريب الحديث
ما في كتب من تقدمه وأربى عليه، فجاء كتابًا جامعًا في الحسن بين الإحاطة
والوضع، إلا أنه جاء الحديث مفرقًا في حروف كلماته، ولقد ذاع صيت هذا
الكتاب بين الناس واتخذوه عمدة في الغريب، واقتفى أثره كثيرون، واستدرك ما
فاته آخرون.
وما زالت الأيام تنقضي عن تصانيف وتبرز تآليف إلى عهد الإمام أبي القاسم
محمود بن عمر الزمخشري [٦٧] فألف كتابه الفائق في غريب الحديث، وإنه لكتاب
قيم رتبه على وضع اختاره مقفى على حروف المعجم، ولكن في العثور على معرفة
الغريب منه مشقة وإن كانت دون غيره مما سبقه؛ لأنه جمع في التقفية بين إيراد
الحديث مسرودًا جميعه أو بعضه، ثم شرح ما فيه من غريب فيجيء شرح كلماته
الغريبة في حرف واحد فترد الكلمة في غير حروفها، فكان لذلك كتاب الهروي أقرب
منه متناولاً، وإن كانت كلمات الحديث متفرقة في حروفها.
ولقد ألف أبو بكر محمد بن أبي بكر المديني الأصفهاني [٦٨] كتابًا جمع فيه
على طريقة الهروي ما فاته من غريب القرآن والحديث، وكذلك صنف أبو الفرج
عبد الرحمن بن علي الجوزي [٦٩] كتابًا في غريب الحديث خاصة نهج فيه منهج
الهروي، بل كتابه مختصر من كتابه لا يزيد عليه إلا الكلمة الشاذة واللفظة الفاذة،
بخلاف كتاب أبي موسى المديني فإنه لا يذكر منه إلا ما دعت الحاجة إليه.
أقول: ثم جاء مجد الدين مبارك بن محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن
الأثير [٧٠] ، الذي لخصت ما تقدم من مقدمة نهايته، فجمع ما في كتاب الهروي وأبي
موسى من غريب الحديث والأثر، وأضاف إليه ما عثر عليه في كتب السنة من
صحاح وسنن وجوامع ومصنفات ومسانيد - وإنه لكثير - سالكًا في الترتيب منهج
أصله، فكان من ذلك كتابه، النهاية في غريب الحديث والأثر، وقد رمز لما في
كتاب الهروي بالهاء، ولما في كتاب أبي موسى المديني بالسين، وقد ذيل النهاية
محمود بن أبي بكر الأرموي [٧١] واختصرها عيسى بن محمد الصفوي [٧٢] ، فيما
يقرب من نصف حجمها، وكذلك الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
السيوطي [٧٣] ، في كتابه الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير، وله التذييل
والتذنيب على نهاية الغريب، وقد طبعت النهاية وعلى هامشها الدر النثير مشكولة
وغير مشكولة.
***
علم رجال الحديث
هذا فن جليل القدر عظيم الأثر، الحاجة إليه داعية، والضرورة به قاضية،
وليس من عظيم في الحديث هو عنه بعيد أو باعه فيه قصير، وكيف لا يكون
كذلك وهو نصف علم الحديث؟ فإنه سند ومتن والسند عبارة عن الرواة، فمعرفة
أحوالهم نصف هذا العلم بلا ريب.
والكتب المصنفة فيه كثيرة الأنواع، متشعبة الأغراض، فمن مؤلف في
أسماء الصحابة خاصة، أو في رواة الحديث عامة، ومن خاص بالثقات أو
الضعفاء أو الحفاظ أو المدلسين أو الوضّاعين، ومن مبين للجرح والتعديل
وألفاظهما ومراتب كل منها، ومن كاشف عن المؤتلف والمختلف أو المتفق
والمفترق من الأسماء والأنساب، ومن قاصر على ذكر الوفيات أو موضح لرجال
كتاب معين أو عدة كتب مخصوصة، وكل كتب فيه العلماء فأحسنوا الكتابة وبلغوا
فيها الغاية كما ترى بعد:
***
(أ) أسماء الصحابة
الصحابي: كل من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا به ومات على
ذلك، ولو تخللت ردة في الأصح. وأول من يعرف عنه التصنيف في هذا النوع أبو
عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري [٧٤] ، أفرد أسماء الصحابة في مؤلف، وجمعها
مضمومة إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه كخليفة بن الخياط المحدث
النسابة [٧٥] , ومحمد بن سعد [٧٦] الذي بلغ مؤلفه خمسة عشر مجلدًا , ومن قرنائه
كيعقوب بن سفيان [٧٧] وأبي بكر بن أبي خيثمة [٧٨] ، وصنف في الصحابة
خاصة جَمْعٌ بعدهم كالحافظ البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز [٧٩] وأبي
بكر الحافظ الكبير عبد الله بن أبي داود [٨٠] ، ثم علي بن السكن [٨١] وأبو بكر
عمر بن أحمد المعروف بابن شاهين [٨٢] ، وأبو منصور البارودي وأبو حاتم
الرازي ابن حبان [٨٣] ، وسليمان بن أحمد الطبراني [٨٤] ضمن معجمه الكبير، ثم
عبد الله بن منده [٨٥] ، والحافظ أبو نعيم [٨٦] ، ثم عمر بن عبد البر [٨٧] ، ألف
كتابه الاستيعاب، وسماه بذلك؛ لظنه أنه استوعب كتب من قبله في كتابه، ومع ذلك
ففاته شيء كثير فذيل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلاً حافلاً، وذيل عليه جماعة في
تصانيف لطيفة، وذيل أبو موسى المديني [٨٨] على ابن منده ذيلاً كبيرًا، وما زال
الناس يؤلفون في ذلك إلى أن كانت تباشير القرن السابع فجمع عز الدين ابن
الأثير [٨٩] كتابًا حافلاً سماه أسد الغابة جمع فيه كثيرًا من التصانيف المتقدمة، إلا
أنه تبع من قبله فخلط من ليس صحابيًّا بهم، وأغفل كثيرًا من الأوهام الواقعة في
كتبهم، ثم جرد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله
الذهبي [٩٠] في كتابه التجريد، وأعلم لمن ذكر غلطًا ولمن لا تصح صحبته، ولم
يستوعب ذلك ولا قارب، ثم جاء الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني [٩١] ، فألف كتابه
الإصابة في تمييز الصحابة، في ثمانية أجزاء صغيرة، جمع فيه ما في الاستيعاب
وذيله وأسد الغابة، واستدرك عليهم كثيرًا، وقد اختصره تلميذه جلال الدين
السيوطي في كتاب سماه عين الإصابة.
وقد ألف كل من البخاري ومسلم كتابا في أسماء الوحدان؛ أي: الصحابة الذين
ليس لهم إلا حديث واحد، وكذلك ألف يحيى بن عبد الوهاب بن منده الأصبهاني [٩٢]
كتابا فيمن عاش من الصحابة عشرين سنة ومائة.
***
(ب) علم الجرح والتعديل
هو علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب
تلك الألفاظ والكلام في الرجال جرحًا وتعديلاً ثابتًا عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم - وجوز ذلك صونًا للشريعة
لا طعنًا في الناس، وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة والتثبت في أمر
الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في
ذلك.
وقد تكلم في الرجال خلق لا يتهيأ حصرهم، وقد سرد ابن عدي [٩٣]
في مقدمة كتابه الكامل جماعة إلى زمنه، فمن الصحابة ابن عباس [٩٤] وعبادة
ابن الصامت [٩٥] وأنس [٩٦] ، ومن التابعين الشعبي [٩٧] وابن سيرين [٩٨] وسعيد بن
المسيب [٩٩] ، وهم قليل بالنسبة لمن بعدهم، وذلك لقلة الضعف، فيمن يروون
عنهم، إذ أكثرهم صحابة وهم عدول، وغير الصحابة منهم أكثرهم ثقات؛ إذ لا يكاد
يوجد في القرن الأول من الضعفاء إلا القليل، وأما القرن الثاني فقد كان في أوائله
من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء وضعف أكثرهم نشأ غالبًا من قبل تحملهم
وضبطهم للحديث، فكانوا يرسلون كثيرًا ويرفعون الموقوف، وكانت لهم أغلاط
وذلك مثل أبي هارون العبدري [١٠٠] ، ولما كان آخر عصر التابعين وهو حدود
الخمسين ومائة، تكلم في التعديل والتجريح طائفة من الأئمة فضعف الأعمش [١٠١]
جماعة ووثق آخرين، ونظر في الرجال شعبة [١٠٢] وكان متثبتًا لا يكاد يروي
إلا عن ثقة، ومثله مالك [١٠٣] وممن كان في هذا العصر إذا قال قبل قوله
معمر [١٠٤] وهشام الدستوائي [١٠٥] والأوزاعي [١٠٦] وسفيان الثوري [١٠٧] وابن
الماجشون [١٠٨] وحماد بن سلمة [١٠٩] والليث بن سعد [١١٠] ، وبعد هؤلاء طبقة
منهم ابن المبارك [١١١] وهيثم بن بشير [١١٢] وأبوإسحاق الفزاري [١١٣]
والمعافى بن عمران الموصلي [١١٤] وبشر بن المفضل [١١٥] وابن عيينة [١١٦] ،
وقد كان في زمنهم طبقة أخرى، منهم ابن علية [١١٧] وابن وهب [١١٨] ووكيع بن
الجراح [١١٩] ، وقد انتدب في ذلك الزمان لنقد الرجال الحافظان الحجتان يحيى بن
سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي [١٢٠] ، وكان للناس وثوق بهما فصار من
وثّقاه مقبولاً، ومن جرّحاه مجروحًا، ومن اختلفا فيه - وذلك قليل - رجع
الناس فيه إلى ما ترجح عندهم، ثم ظهرت بعدهم طبقة أخرى يرجع إليهم في ذلك
منهم يزيد بن هارون [١٢١] وأبو داود الطيالسي [١٢٢] وعبد الرزاق بن همام [١٢٣]
وأبو عاصم الضحاك النبيل بن مخلد [١٢٤] .
ثم صنفت الكتب في الجرح والتعديل والعلل، وبينت فيها أحوال الرواة،
وكان رؤساء الجرح والتعديل في ذلك الوقت جماعة منهم يحيى بن معين [١٢٥] ،
وقد اختلفت آراؤه وعبارته في بعض الرجال كما تختلف آراء الفقيه النحرير
وعبارته في بعض المسائل التي لا تكاد تخلص من إشكال، ومن طبقته أحمد بن
حنبل [١٢٦] ، وقد سأله جماعة من تلامذته عن كثير من الرجال، فتكلم فيهم بما بدا له،
ولم يخرج بهم عن دائرة الاعتدال، وقد تكلم في هذا الأمر محمد بن سعد [١٢٧]
كاتب الواقدي في طبقاته، وكلامه جيد معقول، وأبو خيثمة زهير بن حرب [١٢٨]
وله في ذلك كلام كثير، وأبو جعفر عبد الله بن محمد النبيل حافظ الجزيرة
الذي قال فيه أبو داود: لم أر أحفظ منه. وعلي بن المديني [١٢٩] وله التصانيف
الكثيرة في العلل والرجال، ومحمد بن عبد الله بن نمير [١٣٠] ، الذي قال فيه أحمد:
هو درة العراق. وأبو بكر بن أبي شيبة [١٣١] صاحب المسند، وكان آية في
الحفظ، وعبد الله بن عمرو القواريري [١٣٢] الذي قال فيه صاحب جرزة: هو أعلم
من رأيت بحديث أهل البصرة. وإسحاق بن راهويه [١٣٣] إمام خراسان، وأبو جعفر
محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ، وله كلام جيد في الجرح والتعديل،
وأحمد بن صالح [١٣٤] حافظ مصر، وكان قليل المثل [١٣٥] ، وهارون بن عبد الله
الحمال [١٣٦] ، وكل هؤلاء من أئمة الجرح والتعديل.
ثم خلفتهم طبقة أخرى متصلة بهم، منهم إسحاق الكوسج [١٣٧]
والدارمي [١٣٨] والبخاري [١٣٩] والعجلي الحافظ نزيل المغرب [١٤٠] ، ويتلوهم أبو
زرعة [١٤١] وأبو حاتم [١٤٢] الرازيان، ومسلم [١٤٣] وأبو داود السجستاني [١٤٤] ،
وبقي بن مخلد [١٤٥] وأبو زرعة الدمشقي [١٤٦] ، ثم من بعدهم جماعة، منهم عبد
الرحمن بن يوسف البغدادي، وله مصنف في الجرح والتعديل، وكان كأبي حاتم
في قوة النفس، وإبراهيم بن إسحاق الحربي [١٤٧] ، ومحمد بن وضاح [١٤٨]
حافظ قرطبة، وأبو بكر بن أبي عاصم [١٤٩] وعبد الله بن أحمد [١٥٠] وصالح
جرزة [١٥١] وأبو بكرالبزار [١٥٢] ومحمد بن نصر المروزي [١٥٣] ومحمد بن
عثمان بن أبي شيبة [١٥٤] ، وهو ضعيف لكنه من الأئمة في هذا الأمر، ثم من
بعدهم جماعة، منهم أبو بكر الفريابي والنسائي [١٥٥] وأبو يعلى [١٥٦] وأبو الحسن
سفيان وابن خزيمة [١٥٧] وابن جريرالطبري [١٥٨] ، والدولابي [١٥٩] وأبو عروبة
الحراني [١٦٠] وأبو الحسن أحمد بن عمير وأبو جعفر العقيلي [١٦١] ، ويتلوهم جماعة،
منهم ابن أبي حاتم [١٦٢] ، وأحمد بن نصر البغدادي شيخ الدارقطني [١٦٣] ، وآخرون،
ثم من بعدهم جماعة، منهم أبو حاتم ابن حبان البستي [١٦٤] والطبراني [١٦٥] وابن عدي
الجرجاني [١٦٦] ، وكتابه في الرجال إليه المنتهى في الجرح والتعديل.
وقد جاء بعد ابن عدي وطبقته جماعة، منهم أبو علي الحسين بن محمد
النيسابوري [١٦٧] وله مسند معلل في ألف جزء وثلاثمائة، وأبو الشيخ ابن حبان [١٦٨]
وأبو بكر الإسماعيلي [١٦٩] وأبو أحمد الحاكم [١٧٠] والدارقطني [١٧١] وبه ختمت معرفة
العلل، ثم من بعدهم جماعة منهم ابن منده [١٧٢] وأبو عبد الله الحاكم [١٧٣] وأبو نصر
الكلاباذي [١٧٤] وعبد الرحمن بن فطيس قاضي قرطبة [١٧٥] ، وله دلائل السنة،
وعبد الغني بن سعيد [١٧٦] وأبو بكر بن مردويه الأصفهاني [١٧٧] ، ثم من بعدهم
جماعة منهم محمد بن أبي الفوارس البغدادي [١٧٨] وأبو بكر البرقاني [١٧٩] وأبو حاتم
العبدري - وقد كتب عنه عشرة آلاف جزء - وخلف بن محمد الواسطي [١٨٠] ، وأبو
مسعود الدمشقي [١٨١] ، وأبو الفضل الفلكي [١٨٢] ، وله كتاب الطبقات في ألف جزء،
ثم من بعدهم جماعة، منهم الحسن بن محمد الخلال البغدادي [١٨٣] وأبو يعلى الخليلي
[١٨٤] ، ثم من بعدهم جماعة منهم ابن عبد البر [١٨٥] وابن حزم [١٨٦] الأندلسيان،
والبيهقي [١٨٧] والخطيب [١٨٨] ، ثم من بعدهم جماعة، منهم ابن ماكولا [١٨٩] وأبو
الوليد الباجي [١٩٠] ، وقد صنف في الجرح والتعديل، وأبو عبد الله الحميدي [١٩١] ، ثم
من بعدهم جماعة، منهم أبو الفضل ابن طاهر المقدسي [١٩٢] والمؤتمن بن أحمد [١٩٣]
وشهرويه الديلمي، ثم من بعدهم جماعة، منهم أبو موسى المديني [١٩٤] ، وأبو القاسم
ابن عساكر [١٩٥] وابن بشكوال [١٩٦] ، ثم من بعدهم جماعة، منهم أبو بكر الحازمي
[١٩٧] وعبد الغني المقدسي [١٩٨] والرهاوي وابن مفضل المقدسي [١٩٩] ، ثم من بعدهم
جماعة، منهم أبو الحسن بن القطان [٢٠٠] وابن الأنماطي [٢٠١] وابن نقطة [٢٠٢] ، ثم
من بعدهم جماعة، منهم ابن الصلاح [٢٠٣] والزكي المنذري [٢٠٤] وأبو عبد الله
البرذالي [٢٠٥] وابن الأبار وأبو شامة [٢٠٦] ، ثم من بعدهم جماعة، منهم ابن دقيق
العيد [٢٠٧] والشرف الميدومي وابن تيمية [٢٠٨] ، ثم من بعدهم جماعة، منهم
المزي [٢٠٩] وابن سيد الناس وأبو عبد الله بن أيبك والذهبي [٢١٠] والشهاب بن
فضل الله [٢١١] ومغلطاي [٢١٢] والشريف الحسيني الدمشقي والزين العراقي [٢١٣] ، ثم
من بعدهم جماعة، منهم الولي العراقي والبرهان الحلبي وابن حجر العسقلاني [٢١٤]
وآخرون من كل عصر، إلا أن المتقدمين كانوا أقرب إلى الاستقامة وأبعد من موجبات
الملامة.
ولعلك سئمت الإكثار من ذكر الأسماء، وإن كان مقتضى الحال وعين ما
يتطلبه المقام، لكن لنا في ذلك غرض جليل ومغزى نبيل وهو أن نكمم أفواه أولئك
الذين تقولوا على السنة أنه دخل فيها الغريب عنها؛ إذ قد طال العهد عليها وتناولتها
عصور الجهالة وبعثرت منها إحن الزمان وطوارئ الحدثان، فنحن نقدم لهم دليلاً
بينًا وبرهانًا ساطعًا أن السنة خدمها المسلمون خدمة جليلة لم تعهد لدى أمة من الأمم
ولا في ملة من الملل، وإن ذلك كان ديدن المسلمين في كل عصر، فلم يغفلوها فترة
من الزمن حتى يعبث بها أولو الأغراض، وينال منها ذوو الإلحاد، بل لا زالت
محفوظة من يد العابثين، مخدومة من جهابذة المحدثين، فلهم الكلمة على المتقولين،
والثناء من عامة المسلمين.
((يتبع بمقال تالٍ))