للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الوثائق التاريخية في المسألة العربية [*]

(٥)
مذكرة الأمير فيصل في مؤتمر الصلح
جاء في عدد جريدة الطان الذي صدر في ١٠ فبراير شباط سنة ١٩١٩ تحت
عنوان (نشرة اليوم) ما ترجمته:
مطامع الحجاز
من الأسف أن نضطر إلى العودة إلى البحث عن الحجاز، إن سكرتير الوفد
الحجازي قد رد على النشرة التي نشرتها الطان مساء يوم الخميس أي (٦ الشهر)
بكتاب طلب إلينا نشره، فلا يسعنا والحالة هذه إلا تلبية طلبه.
كتب إلينا عوني عبد الهادي يقول: إن جريدة الطان نسبت إلى ملك الحجاز
مرامي توسع لم تدُر في خَلَده ألبتة. ويردف سكرتير الوفد تكذيبه هذا بالتأكيدات
القطعية بقوله: إن الملك حسينًا لم يفكر قط بجعل مكة عاصمة جميع البلاد العربية
التي تملصت أخيرًا من النير التركي، فهو يفهم أحسن من أي شخص آخر الأسباب
التي لا يمكن للحجاز بسببها أن تتعرض للأمور السياسية الخاصة بهذه البلاد،
فالمناقضة والإبهام إذن والحالة هذه ليستا في الميل والرغبة في ضم البلاد التي
أظهرها ملك الحجاز، بل هي بالأحرى في الشدة التي استعملتها بعض الصحف
ونسبت بها إلى هذا الملك أفكارًا ودعاوي لم تخطر على باله.
إن ملك الحجاز لم يعلن الحرب على تركيا إلا لتخليص إخوانه في الجنسية
الذين كانوا يقاسون ظلم الترك من النير المخيف الذي كان يثقل كاهلهم كما يتضح
من المنشورات التي أذاعها فيما بعد، فهي لا يظهر منها أنه بانضمامه إلى الحلفاء
ضد تركيا - التي ارتمت في أحضان ألمانيا وحلفائها - يرمي إلى سياسة التوسع،
بل صرَّح مرارًا عديدة بأنه لا يرغب في ضم شبر أرض من البلاد العربية إلى
مملكته سواء كان من سورية أو العراق، بل الفكر الذي يرمي إليه هو أن يرى كل
هذه البلاد التي مسها الضر الشديد من جرَّاء فظاعة الترك حرة مستقلة، وهو غير
مرتبط بأية وثيقة كانت - خصوصية أو عمومية - مع أية دولة كبرى، ويرغب في
أن تُترك الشعوب العربية حرة لتقرير مصيرها طبق مبادئ الدكتور ولسون. هذا ما
قاله السكرتير حسين (عوني) عبد الهادي.
على أن فرنسا وحدها تشعر بالرغبة في تأمين الحرية للشعوب العربية
خصوصًا منهم سكان سورية التي كانت تحميهم سابقًا في الوقت الذي لم تكن حقوق
الأمم رائجة فيه بعد، وجريدة الطان نفسها بتوجيهها الأنظار إلى الحجاز الذي
يحاول أن يوسع سلطته على سورية إنما أرادت أن تدافع عن حرية العرب
السوريين، ثم إن سكرتير الوفد الحجازي يؤكد أن الحجاز لا يروم أن يضم إليه
شبر أرض من البلاد العربية لا من سورية ولا من العراق.
وجوابنا على هذا:
إن واجبات اللياقة والضيافة لا تسمح لنا أن نجيب على هذه التصريحات
باللهجة التي وضعت فيها، ومن حسن الحظ أن مندوبي الحجاز أنفسهم هم أخذوا على
أنفسهم الرد عليها، فلنترك لهم الكلام بتحليل مستند حرره أنفسهم.
إن هذا المستند الذي قد يمكننا طبعًا نشره على عِلاته إذا أرادوا، قد نُشر
بعنوان (مذكرة من الأمير فيصل) الذي هو ابن ملك الحجاز ورئيس المندوبين
الحجازيين الموجودين الآن في باريس وقد جعل تاريخها أول يناير سنة ١٩١٩
وقدمها إلى الدول العظمى بمناسبة المؤتمر، وهي بيان للمطالب الحجازية أفرغت
في قالب من الوضوح والبلاغة يعودان بالمدح والثناء على الذي حررها، وإننا
ليَسُرُّنا - والحق يقال - أن ننشر للجمهور بيانًا واضحًا بدرجة هذا البيان، وسيطلع
كل شخص ذي ذمة عليه بكل سهولة دون أن يحوجنا إلى تفسير كل دقائقه.
مذكرة فيصل لمؤتمر الصلح الأول
استهل الأمير فيصل مذكرته ببيان الأقسام المختلفة التي يدعوها آسيا العربية،
فقسمها إلى ستة أقسام ورتبها الترتيب الآتي: (سورية والعراق والجزيرة
والحجاز ونجد واليمن) ، وقال أنها تختلف اختلافًا كثيرًا بعضها عن بعض
ويتعذر دمجها في دائرة حكومية واحدة، ولذلك حاول أن يعين المصير الذي ينبغي
أن يكون لكل واحدة منها.
ابتدأ أولاً بسورية فقال ما يأتي: إننا نعتقد أن سورية، هذه المقاطعة الصناعية
الزراعية التي يقطن فيها عدد وافر من السكان من طبقات ثابتة هي بلاد متقدمة
تقدمًا كافيًا من الوجهة السياسية، يمكنها معه أن تقوم بأعباء أمورها الداخلية، ونرى
أيضًا أن الاستشارة والمعاونة الأجنبية ستكون عاملاً يمينًا جدًّا لنمونا القومي ونحن
مستعدون لصرف ما يلزم من النقود في مقابل هذه المعاونة ولا يسعنا أن نضحي في
مقابلها أي جزء كان من الحرية التي أحرزناها قبلاً بأنفسنا وبقوة سلاحنا اهـ.
وعلى ذلك فإن سورية بناءً على مذكرة الأمير فيصل ستُمنح استقلالاً ذاتيًّا بما
يتعلق بأمورها الداخلية ويدمج في خدمتها إخصائيون من الأجانب بدون أن يسمح
لأية دولة أجنبية أن يكون لها أقل نفوذ في البلاد، فمن يا ترى يقوم بأعباء علائق
سورية الخارجية؟ الجواب على ذلك أن الظواهر تدل بأن ملك الحجاز يقوم بهذه
المهمة وناهيك بما جاء في المذكرة من عبارة (نمونا القومي) وعبارة (الحرية
التي أحرزناها بأنفسنا) كأن الحجاز وسورية لا تكونان في نظر العالم سوى دولة
وحكومة واحدة.
ثم انتقلت المذكرة من سورية إلى العراق والجزيرة، يعني إلى جزئي مقاطعة
بين النهرين، وهنا أقرت النيابة الحجازية برنامجًا مخالفًا تمام المخالفة للأول، نعم
إنها قد طلبت أن تكون الحكومة عربية (بالمبدأ أو الروح) إلا أنها لم ترفض
تدخل دولة أجنبية، فقد جاء في المذكرة: (إن العالم يرغب في سرعة استثمار ما
بين النهرين، ولذلك نرى أن شكل الحكومة في هذه البلاد لا بد أن يكون مستندًا
إلى الرجال والموارد المادية التي تقدمها دولة أجنبية عظمى) اهـ. إن في هذا
تنازلاً لبريطانيا العظمى التي حفظت لنفسها السهر على ما بين النهرين في الوقت
الذي كانت تعترف فيه لفرنسا بحق السهر على سورية.
ثم جاء بعد ذلك ذكر المقاطعات الثلاث الواقعة في نفس شبه جزيرة العرب
وهي الحجاز واليمن الواقعتين على ساحل البحر الأحمر ونجد التي هي المنطقة
الداخلية، فلم يسلم الأمير فيصل بمذكرته فتح باب المناقشة في مصير هذه البلاد،
وبين بعد ذلك أن الحجاز ستبقى محكومة طبق الطرق العرفية وقال: إننا نقدر هذه
الطرق تقديرًا يفوق تقدير أوروبة لها، ولذلك نطلب المحافظة على استقلالنا التام،
وأما اليمن ونجد فالأرجح أنهما لا تعرضان مسألتهما على مؤتمر الصلح، وهما
سيتناقشان في مسائلهما بعضهما مع بعض ويقومان بترتيب علائقهما مع الحجاز
وغيره.
إن هذه اللهجة ترجعنا سنة إلى الوراء؛ إذ يخيل لسامعها أنه يسمع (الهر
كولمن) يتكلم عن مصير كورلندة الروسية.
بقيت مقاطعة فلسطين فقد قالت عنها المذكرة الحجازية: إن الأكثرية العظمى
من أهالي هذه البلاد عربية، وإن العرب متفقون مبدئيًّا اتفاقًا تامًّا مع اليهود (غير
أن العرب لا يسعهم أن يخاطروا وأن يأخذوا على أنفسهم مسئولية الاحتفاظ بالتوازن
في خليط العناصر والأديان الذي كان على الدوام في هذه المقاطعة الوحيدة يدفع
العالم للمشاكل، إن العرب يتمنون أن يعطى مركز ممتاز في هذه المقاطعة لموكل
عظيم في الوقت الذي تمنح البلاد فيه حكومة محلية نيابية تقوم بإنماء عمران البلاد
من الوجهة المحلية) اهـ.
البرنامج الحجازي يقضي بتعرض دولة عظمى في كل من فلسطين وما بين
النهرين، وليس هناك حاجة لبيان أن في هذا تنازلاً للمصالح الإنكليزية.
إن هذه المطابقة لا تبرهن - كما كان قد صرح كاتب أسرار مندوبي
الحجاز - على أن ملك الحجاز غير مرتبط بأي نوع من الوثائق الخصوصية مع
أية دولة.
وقد اختتم الأمير فيصل مذكرته بقوله: (إنني بتشديد الإشارة إلى الفروق
الموجودة في حالة بلادنا الاجتماعية لا أود أن أقول بأن هناك اختلافًا حقيقيًّا في
المرامي والمصالح المادية والمعتقدات أو الأخلاق على وجه يجعل ارتباطنا متعذرًا،
إن أهم عقبة يجب علينا تذليلها هو الجهل المحلي الذي تقع معظم مسئوليته على
عاتق الحكومة التركية) اهـ. فالمقصود إذًا تشكيل حكومة واحدة ينبغي إعداد
أساسها بجمع شمل كل البلاد العربية التابعة للسلطنة العثمانية القديمة تحت زعامة
ملك الحجاز الموجود في مكة، إن الإنسان إذا أمعن النظر في هذه الطلبات الرسمية
تمكن من تقدير تكذيب ما أرسله إلينا كاتم أسرار مندوبي الحجاز حق قدره عندما
كتب إلينا: إنه لم يدر في خلد ملك الحجاز ألبتة أن يجعل مكة عاصمة للبلاد
العربية التي تملصت من النير التركي.
وعلى هذا فقد برح الخفاء وظهرت سياسة الحجاز التي كانت مفرغة في
قوالب المبادئ الويلسنية كما كانت سياسة الحدود الألمانية في مقاطعة أوكرانيا وبلاد
البلطيق، كأنها مشروع لضم البلاد أو من قبيل وضع إمبراطورية بدوية مكان
إمبراطورية تركية.
إن مذهب الوحدة العربية يخدم مطامع فئة قليلة من النفعيين العرب
والأوروبيين كما كان مذهب الوحدة الألمانية يخدم مطامع السلطة البروسية
العسكرية، فإذا كان هناك رغبة في نشر السلام في الشرق فينبغي اجتناب الوقوع
في هذه الحبائل، إن الوحدة العربية إذا كانت ممكنة التحقيق، فإنها لا تكون بالفتح
والسيطرة، ولا بالجمعيات السرية أو المساعدات المالية المستنكرة، بل لا يمكن
تأسيسها إلا أن تجتمع فيما بعد الحكومات التي قد تكون تعلمت فيما بعد كيفية الحكم
الذاتي وتكون أقبلت وأدركت بكل حرية منافعها المشتركة. إن كل سياسة أخرى
تكون جائرة وعمياء من شأنها أن تثير في العالم الإسلامي حركات تقضي مصلحة
حلفائنا البريطانيين العظمى أن يجتنبوها اهـ. كلام الطان التي توغلت في
الاستنباط لما لقومها من الطمع في استعمار سورية، واندفعت هي وغيرها من
الجرائد الفرنسية تحذر الإنكليز من تأسيس جامعة عربية تمتد إلى إفريقية وتعيد
سلطان الإسلام الذي تتبجح هذه الجرائد بأن الحلفاء تركوه كالطير المقصوص
الجناح من مملكة مراكش إلى مملكة الآستانة، وكانت في غنى عن تحذير الإنكليز،
فهم أحذر من الفرنسيس وأدهى، وإنما يريدون السيطرة على جميع بلاد العرب
ليحولوا دون تأسيس الجامعة العربية والفرنسيين يخافون عاقبة ذلك أكثر مما
يخافون من ارتقاء عرب آسية ومصر أن يسري إلى سائر عرب إفريقية، فمن
حماقة هذه الجرائد أنها تنفر العرب من أمتها من غير فائدة تجنيها من ذلك،
فالإنكليز يسخرون من نصائحها ويعملون ولا يقولون.

(٦)
استسلام الحجاز لبريطانية العظمى
جاء في آخر مقالة افتتاحية من عدد ٢٤٠ من جريدة (القِبلة) الذي صدر بمكة
في ١٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٧ ما نصه:
وها مقطمنا الأغر ينقل لنا في عدد ٩٠٣٨ الصادر بتاريخ ٢٦ صفر ١٣٣٧
من تصريحات أم صحف العالم ولسان حال الشعب البريطاني الذي أثبت فضله
على العالم ومنته على مجتمعه ولا حرج بمواقفه وثباته واقتداره السياسي والحربي
والمالي أمام أهوال سنيننا هذه الأربع من حسن نواياها وآمالها وما تريده ثقة
واعتمادًا على معاشر العرب بقولها من بحث سياستنا القديمة التي كانت ترمي إلى
تسييد تركية وشد أزرها على أعدائها، وأخذنا نحاول البحث عن بديل حر يحل
محل السلطنة العثمانية البالية الفاسدة، ومن هؤلاء الأبدال الذين يحلون محل تركيا
العرب أما سواهم ففلسطين الجديدة وأرمينية الجديدة.
نرحب ونؤهل ونسهل بمن أنزلنا محل ثقته، وتوسمنا بالأهلية لمصادقته،
ولا ريب فإن على مثل هذا يتنافس المتنافسون، ولمثله فليعمل العاملون.
ألف ألف أهلاً وترحيبة وأضعافها شكر لمحسن الظن، وإنا لا نجيبه بما قال
أحد أشياخ جاهليتنا: أهملني صغيرًا وحملني كبيرًا، ولكن نقول: إن العرب اليوم
هم كالأشبال أو أفراخ الشباهير والبازي المحتاجة لصيانة آبائها.
ومع هذا فستجدهم أيها الداعي المحسن الظن - إن شاء الله تعالى - من حيث
تريد، وتراهم بعنايته بيت القصيد، فإليكم بني يعرب ما أوتيتموه من طموح الأنظار
إليكم، وآمال أجل شعوب العالم فيكم، فانظروا ماذا تأمرون بعد ما وصفكم ذلك
الشعب بما وصف، فأجيبوا داعي المكرمات، وحققوا في نجابتكم التصورات،
وكونوا خير أمة أحيت مندرس معالم سؤدد أسلافها للناس، ولأنتم أرفع وأسمى من أن
تذكر له نكبات التخاذل وموارد الأنعاس، أو تسيئوا بقولنا الظن وعكس القصد، وايم
الله إنه الحق، ونكرر ما أشرنا إليه في أعدادنا السابقة بأنا معاشر الحجازيين ولا شيء
من الرياسة أو السيادة إن كانت في سوري أوفى يمني أو في حجازي ونحوه، ولا
يهمنا - ورب الكعبة - إلا تولِّيكم لبلادكم كتولِّي الشعوب المحررة لبلادها، وإن داء
الشامي هو داء اليماني، وإن في شقاء الآخر شقاء للأول، وإن ما يصيب أحدهما
يصيب الآخر من خير أو عكسه، ومتى تفطنهم في أن أبسط دليل على هذا قيام
الحجازيين ونهضتهم وهم ولا شيء مما أصاب إخوتهم من الضيم الذي سارت بأنواعه
الركبان، علمتم أنهم أدركوا تلك الغاية الجليلة واغتنموا تلك الفرصة لتحليهم
بجلائلها، وأن يمنعهم بدعة العيش التي هم بها من مسمع من أنين المضطهدين من
إخوانهم عار عظيم لا يغسله إلا دماؤهم، وكان بفضله ما كان فلا تعقموا النتيجة ولا
تهدروا تلك الدماء الزكية والنفوس الأبية. اهـ كلام القبلة بنصه السقيم.
(٧)
كلام التيمس في اتفاق سنتي ١٩١٦ و١٩١٧
ومذكرة فيصل
جاء في عدد التيمس الأسبوعية الصادر في ١٤ فبراير سنة ١٩١٩ من ضمن
مقالة عنوانها: (الوقود والصحافة - تحفظ شديد) ما ترجمته:
اتفاقية سنة ١٩١٧
وهنا تظهر أيضًا الاتفاقية السرية التي عقدت في أواخر فبراير سنة ١٩١٧
معينة مناطق نفوذ بريطانية وفرنسة وروسية في آسيا التركية أن هذه الاتفاقية
اعترفت بإحداث دولة عربية مستقلة أو بحلف من دول عربية، وبعد تعيين منطقة
نفوذ روسية اعترف بأن تأخذ فرنسة الساحل السوري وولاية أطنة والإقليم الذي
حدَّه من الجنوب خط عنتاب - ماردين حتى الحدود الروسية المستقبلة، ومن الشمال
خط يمتد من ألاداغ إلى قيصرية - اق داغ إلى يلدبز داغ فزاره فاجين فحربوط،
وأن يكون لبريطانية الجزء الجنوبي من العراق مع بغداد وفي سورية ثغرا حيفا
وعكا.
وبحسب الاتفاق بين فرنسة وبريطانية العظمى تكون بين المقاطعة التي بين
الإقليمين الفرنسي والبريطاني دولة عربية مستقلة تعين فيها مناطق نفوذ وتكون
الإسكندرونة ميناء حرة.
أما الفرنسيون فيذهبون إلى أن حقوقهم على سورية لا تستوفى ما لم تعتبر
سورية كتلة واحدة وأن هذه الحقوق ليست - كما أشير إليها بمزاح - مبنية على
شهرة البعثة السورية التي بقي صداها يرن في الآذان الفرنسوية بأعلى النغمة
العظمى (مسافر إلى سورية) ليست مبنية على هذا فقط بل للفرنسيس أساس أمتن
من ذلك ناشئ عن الموقف الخاص الذي انتحلته فرنسة الجمهورية عدوة الأكليروس
بقولها إنها حامية للمصالح الكاثوليكية في الشرق، وقد كانت فرنسة دائمًا تحمد
نفسها على موقفها في سورية، وكانت على حملاتها على الأكليروس تسعى لحفظ
النفوذ الأدبي الذي لها في تلك الأصقاع بما أحدثته من الملاجئ الدينية والخيرية
والتهذيبية، وهنالك عدد من الأسباب الاقتصادية الثابتة أيضًا تهتم به فرنسة بالطبع،
وعامة التجارة السورية تكاد تكون في الأيدي الفرنسية، وإن رأس المال الفرنسي
هو الذي بدأ بتجهيز تلك البلاد بالسكك الحديدية والطرقات، فسورية بالنسبة إلى
ليون ومرسيلية هي أشبه شيء بنسبة إفريقية الغربية إلى ليفربول.
مطالب الأمير فيصل في المؤتمر
(وفي الحقيقة ليس في مطالب فيصل ما يعارض مطامع الفرنسيس في سورية
مباشرة، ففيصل يرغب في الاستقلال التام للحجاز وحده فقط، وأما سائر الشعوب
العربية فإنه يرغب لها في الاستقلال عن تركيا، وهو لأجل الحصول على هذه
الغاية سل سيفه من غير أن يحصل على أي وعد من الحلفاء، فإنه لم تعط له
وعود إلا بعد أن أخذ في النجاح.
وقد أشار بأن تقسم البلاد العربية إلى سلسلة حكومات صغيرة مجتمعة بحسب
المصالح الاقتصادية والعشيرية (نسبة إلى العشائر) وأن تدير هذه الحكوماتِ دولةٌ
من الدول المعظمة، وكل دولة من هذه الدول الصغيرة تختار بحريتها الدولة
المعظمة التي تقتضي حالتها أن تكون لها الوصاية على تلك البلاد.
ويرغب فيصل بأن تطلب كل البلاد العربية دولة واحدة للوصاية عليها،
وكذلك يرغب أشد الرغبة بأن لا يرغم أي جماعة من العرب على وصاية لا
يرضون بها.
ولنفرض أن هذه الخطة طبقت فمن الطبيعي أن تستثنى فلسطين ولبنان
بالنظر إلى المصالح القومية الخاصة، وإن نجاح هذه الفكرة وتطبيقها يتوقفان - ولا
شك - على كيفية تحديد الدول العربية المتنوعة) اهـ كلام التيمس التي تتبجح جريدة
القبلة بإطرائها.
(٨)
الغرض من مجيء المستر تشرشل إلى مصر وفلسطين
ومقابلته لوفد العراق
كان لأصحاب الأوهام سبح طويل في الغرض من هذه الرحلة لوزير
المستعمرات البريطانية حتى جاء البيان لذلك فيما نشره المقطم في العدد الذي صدر
منه في ١٩ مارس سنة ١٩٢١ تحت عنوان (مهمة المستر تشرشل) وهذا نصه:
(رد المستر لويد جورج على سؤال وجه إليه في مجلس النواب عن مهمة
المستر تشرشل في مصر فقال: إن المستر تشرشل سافر إلى مصر ومعه ستة أو
سبعة من موظفي مصلحة الشرق الأوسط، ومن القسم المالي في وزارة الحربية
ومن وزارة الطيران، وأنه لا ينتظر أن يجتمع بأحد من زعماء العرب، ويتوقع
أن يقضي نحو عشرة أيام في مصر وبضعة أيام في فلسطين، ثم يعود إلى لندن
فيعرض اقتراحاته على الوزارة، وقال سياسة الحكومة ستعرض على المجلس.
وأرسل المستر تشرشل كتابًا إلى السير جورج رتشي رئيس جمعية الأحرار
في كندي قال فيه: إنه لا يسعنا أن نستمر في إنفاق الأموال الطائلة على العراق
العربي، بل يجب إنقاص ما لنا من القوات هناك إنقاصًا كبيرًا جدًّا في الحال، ومع
ذلك تقتضي نفقات تختلف من عشرة ملايين إلى أحد عشر مليون جنيه في العام،
وهو أكثر كثيرًا مما يحق لنا إنفاقه في تلك الجهة، ولا سيما إذا ذكرنا عظم خصب
أملاكنا في غرب إفريقية وشرقها والفرص السانحة لنا فيها لترقيتها لخير
الإمبراطورية بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فإذا لم نوفق إلى إيجاد مشروع أحسن
وأرخص كثيرًا من المشروعات التي أمامنا الآن، اضطررنا إلى الجلاء عن العراق
العربي، ولكن الضرر والخزي اللذين يلحقان بنا من جرَّاء هذا العمل يجب أن لا
يُقلل شأنهما ولا يُصغر أمرهما، فقد قبلنا الوصاية على تلك البلاد وتعهدنا أن نُدخِل
فيها أنظمة من الحكم تفوق الأنظمة التي قوضنا أركانها وتفضلها كثيرًا، فإذا نكصنا
بعد هذا على أعقابنا وارتددنا بالعار إلى الساحل كان ذلك حادثًا لا يتفق مع نبالة
القصد وحسن السمعة اللتين عرفتا عن بريطانيا العظمى، وإني أؤمل أنه إذا أنشأنا
حكومة عربية تؤيدها قوة عسكرية متوسطة تمكنَّا من القيام بما يجب علينا من غير
أن نوقر عاتق الخزينة البريطانية بنفقات لا مسوغ لها، على أن إقدامنا على إنشاء
حكومة عربية في بغداد فتح علينا بابًا لم نر مناصًا من ولُوجِه وهو معالجة المسألة
العربية كلها من حيث علاقتها بالمصالح البريطانية، فإذا لم تدبر الشئون العربية
بطريقة تضمن استتباب السلام والسكينة بين قبائل العرب في هذه الوهلة حال ذلك
دون سحب عدد كبير من جنودنا من العراق العربي وإنقاص نفقاتنا وعاقهما كثيرًا.
ونشرت التيمس تلغرافًا لمكاتبها من مرسيليا قال فيه: إن المستر تشرشل قبل
أن يبحر منها قال: من أكبر أغراض رحلتي إيجاد التفاهم بين إنكلترا وفرنسا في
الشرق وهو تفاهم عظيم الأهمية للفريقين، وسأدرس الحالة في العراق وآسيا
الصغرى، فإنه يتعين علينا أن نعيد السلام والنظام إلى نصابيهما في تلك الجهات
مهما بلغت كلفتهما وننقص المصروفات الطائلة التي تنفقها بريطانية وفرنسا فيها
ولا يُنال هذا الغرض المزدوج إلا إذا نظمت الدولتان مساعيهما ونفقاتهما، وإني
ذاهب إلى مصر ومصمم على إدراك هذا الغرض , انتهى.
(المنار)
بيَّن لنا الوزير بصراحته التي يقل مثلها في رجال قومه أن اضطرارهم إلى
إدارة أمور العراق بآلة حكومة وطنية لتخفيف النفقات - استلزم أن يستعجلوا بوضع
الأرهاق البريطانية في أعناق سائر البلاد العربية في الجزيرة المقدسة، ولهذا عادوا
بالعطف على أوليائهم من شرفاء مكة، ويقال إن أغراضهم التي يسعى لها الملك
حسين والأمير، أو الملك فيصل أن يعقد اتفاق بين أمراء اليمن ونجد يجعل فيها
ملك الحجاز ممثلاً لهم في السياسة الخارجية؛ ليكون كل ما تتفق عليه إنكلترة نافذًا
عليهم، على أن الإنكليز يربطون أولئك الأمراء باتفاقات معهم خاصة تضمن لكل
منهم استقلاله الإداري الداخلي في بلاده، وتساعده عليها بإعانة مالية سنوية بشروط
أهمها أن لا يعقد أي اتفاقات مع دولة أخرى وأن تكون إنكلترة صاحبة الحق الأول
في جميع المنافع الاقتصادية في بلاده.

(٩)
آراء الأمير فيصل في المسألة العربية
والانتداب البريطاني - تلغراف خصوصي للمقطم
لندن في ١١ فبراير الساعة ١٠: ٧ ليلاً
أتيح لي أن أحادث الأمير فيصلاً بلندن في المسألة العربية، وأرسلت إليكم
بهذا التلغراف خلاصة أقواله لي وهي:
إنني متفق تمام الاتفاق مع الفئة البريطانية الآخذة في الازدياد والقائلة بأنه
حان لبريطانيا أن تكف عن بذل أرواح جنودها وبدر أموالها في العراق، أما
غرضي من رحلتي إلى أوربا فهو إقناع الحلفاء بأن الزمان آن لتنفيذ الشروط التي
خُضنا الحرب عليها، وليس هنالك أقل رغبة عندنا في الإضرار بالمصالح
البريطانية ولا التنصل مما قضى به الاتفاق علينا، فإننا على عكس ذلك نعتقد أن
محالفتنا مع بريطانيا العظمى دائمة ونرجو أن تظل كذلك، وعندنا أن بقاءها هو في
مصلحة الفريقين.
أما البلاد التي يشملها الاتفاق فقد حددت تخومها تحديدًا صريحًا جليًّا فليس ثمة
مجال للخطأ والالتباس ونحن مستعدون لتأليف حكومة تستطيع أن تدير شؤون تلك
البلاد على قواعد ترضي جميع الذين لهم شأن أو مصلحة فيها.
لقد أرسل الرئيس ولسن لجنة إلى سورية للوقوف على آراء أهلها ورغبتهم
في شكل الحكم الذي يرومونه، ولكن تقرير هذه اللجنة لم ينشر قط فماذا يمنع نشره.
إن البطء في إنشاء حكومة تتوفر فيها أسباب الكفاءة آل طبعًا إلى هياج
الخواطر، ولكن انتفاض العرب الأخير لا يدل على رغبتهم في قطع علاقاتهم
ببريطانيا وإنما وقع لأن بريطانيا سارت عامين على غير هدى فوقع الالتباس ونشأ
الخلاف وسوء التفاهم وخاف العرب أن تستعمر حكومة الهند بلادهم.
إن الذي يرومه العرب هو حكومة عربية تستمد النصائح والمساعدة
البريطانية، ومع أننا نعارض في أن نكون مسودين فلا نصر على الجلاء التام
ولكننا نقول: إن مصاريف كل حامية أو إدارة ملكية من جانب بريطانيا يجب أن
تدفع من أموالنا، ولم يختلف اثنان على هذا. أما الحكومة العربية التي يُنوى
إنشاؤها فتضمن جميع المصالح السياسية والاقتصادية التي هي لبريطانيا العظمى.
وكل قرض تحتاج إليه الحكومة العربية يكون مكفولاً بمرافق البلاد الطبيعية الغنية.
نعم إن البلاد اليوم أشبه شيء بالقفار ولكن الخبراء الزراعيين مجمعون على أنها
أخصب تربة في العالم إذا عني بفلاحتها وريها وزرعها، وهذا علاوة على ما فيها
من الكنوز المعدنية، فإنها عظيمة جدًّا وفيها مجال متسع للارتقاء والنمو، ولا سيما
منابع الزيت الكثيرة في أنحائها.
إن البلاد تفتقر إلى الأموال التي تنشلها من وهدة الفوضى والدمار التي ألقاها
فيها سوء حكم الغزاة الترك، ولكن هذه الأموال لا تضيع سدى بل تشغل وتستثمر
بربح كبير.
وإذا فتح مجال العمل أمام الحكومة العربية بالإنصاف والعطف فإنها توفر
على الحلفاء بذل الرجال والمال في المستقبل علاوة على الذي بذلوه من الاثنين
حتى الآن.
(١٠)
حكومة شرقي الأردن
بين السير هربرت صموئيل والأمير عبد الله
عمان في ١٨ أبريل: وصل المندوب السامي إلى عمان أمس مصحوبًا
بالكولونل لورنس والمستر ديدز واللورد إدوارد هاي، فجرى للسير هربرت
صموئيل استقبال ودّي واحتفى به الأمير عبد الله الذي كان مصحوبًا بالمستر
إبرمسون الممثل الأكبر لبريطانيا العظمى في جهة وادي الأردن، وقد عين فيها
حديثًا وقد قدمت أربع طيارات من فلسطين ونزلت بجوار المعسكر في ميدان
الطيران الألماني السابق.
واجتمع اليوم صباحًا عدد كبير من فرسان البدو والدروز والمتاولة وقاموا
ببعض الألعاب على ظهور خيولهم.. . روتر.
عمان في ١٨ أبريل: ألقى السير هربرت صموئيل أمام سرادق الأمير عبد
الله الخطاب التالي على ألوف من رجال قبائل العرب وهو:
(أسعدني الحظ بأن قابلت في دار الحكومة بالقدس صاحب السمو الأمير
عبد الله لما زار فلسطين هو والمستر تشرشل أحد أعضاء الوزارة البريطانية،
والحكومة البريطانية تسر بفرصة التعاون مع الأمير عبد الله في البلقاء (ما وراء نهر
الأردن) ، وتثق بصداقته وحسن نيته كل الثقة، وتقدر الصداقة وحسن الثقة اللتين
امتحنتا في هذه الحرب الضروس الطويلة حق قدرهما، وتدرك الخدمات التي قامت
بها الجيوش العربية في ذلك النضال وتقدرها حقها وترغب في أن التحالف الذي
نشأ في أثناء الحرب توثق عراه في أيام السلم.
كان الموظفون البريطانيون يساعدون في إدارة البلقاء (ما وراء نهر الأردن)
منذ شهر أغسطس الماضي وسيظلون يعملون كمستشارين للأمير وموظفيه من قبلي
في أنحاء البلاد المختلفة، وسيجد سموه في المستر إبرامسون كبير المندوبين
البريطانيين موظفًا ذا مقدرة وخبرة عظيمة، وهو وجميع الموظفين المشتركين معه
في طول هذه البقعة وعرضها رجال يعطفون على الشعب ويميلون إلى آداب اللغة
العربية وسيتمكنون من المساعدة على زيادة ترقية البلاد، وسيفرغ قصارى الجهد
لتدبير كل ما تحتاجون إليه من العروض وفتح أسواق فلسطين لحاصلات بلادكم
وتسهيل نقلها إليها، وسينظر بعين العناية في حاجة أهل البلاد التي نحن فيها على
اختلاف طبقاتهم سواء كانوا من سكان المدن أو الفلاحين أو قبائل العرب حبًّا في زيادة
هنائهم وبحسب حاجاتهم المتعددة، ولإدراك ذلك يجب أن تكون المحافظة على النظام
والأمن العام في المقام الأول من الأهمية، ويؤمل أن يحتفظ بقوة احتياطية تكون أكثر
كفاءة وأشد حولاً مما كانت الحال قبلاً وتستخدم مع الجندرمة في توطيد سلطة الأمير
عبد الله والحكومة المحلية، ويسرنا أن نلبي رغبات الأمير عبد الله فنقدم عند
الضرورة طيارات وسواها من المعونة الفنية لأغراض محلية، وستأول هذه التدابير
إلى استتباب السكينة في المقاطعات وتُمكِّن أيضًا من اتخاذ التدابير لكبح جماح كل من
يعكر صفو الأمن في الأراضي المجاورة غربًا وشمالاً.
والحكومة البريطانية مصممة على أن لا تصير البلقاء (ما وراء الأردن)
مركزًا للعداء سواء كان لفلسطين أو لسورية، ونحن نعلم أننا في إخراجنا هذا
التصميم إلى حيز الفعل نستطيع الاعتماد على معونة الأمير عبد الله، ومن بواعث
الارتياح الشديد لحكومة جلالة الملك أن تجد نفسها متحالفة محالفة متينة مع ممثلي
الشعب العربي في جميع البلدان العربية، ومن البراهين الأخرى على ضمان هذا
التحالف ودوام مودته سياستنا في البلقاء (ما ورداء الأردن) ووجودي بينكم اليوم
ممثلاً لجلالة الملك لويد جورج، وإني أرجو أن يتخذ من التدابير منذ الآن ما يرفع
هذه البلاد إلى مستوى من اليسر والرخاء لا يقل عنه في البلدان المجاورة أو عما
كان عليه في الأزمان الغابرة.
فأجاب الأمير عبد الله بما يأتي: أشكر سعادتك على خطابك الرقيق وأقول
بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الحاضرين: إنني واثق بأن الأمة العربية ستبرهن
على أنها خليقة بتحقيق كل ما وضع فيها من الآمال بمساعدة حليفتنا العظيمة، وإني
أطلب من الله أن يحفظ الملك جورج والملك حسين ويطيل سعادتهما.
وقد قوبل الخطابان بالحماسة، ثم عرض المندوب السامي الحرس من
الفرسان الهنود وقدم إليه مشايخ القبائل، وشاهد الأمير عبد الله والسير هربرت
صموئيل في المساء ضروبًا من فروسية الجركس واقتلاع الفرسان الهنود للأوتاد.
روتر.
***
إنكلترة والعراق
جاء في تلغراف خصوصي للمقطم من لندن في ٢٨ فبراير أن الحكومة
البريطانية أُبلغت أنه إذا عرضت رئاسة الحكومة في ولايات العراق الثلاث على
الأمير فيصل، فإنه يرتاح إلى المساعدة والمشورة المنصوص عليهما بباب
الانتداب في عهد جمعية الأمم، وليس ذلك فقط بل يرى نفسه أنه لا يستطيع القيام
بمهام هذا المنصب من غير معونة، وهذه المعونة تكون عبارة عن خدمة عدد معين
من الضباط العسكريين والضباط السياسيين وبعض الخبراء الفنيين للمعاونة في
تنظيم قوات العسكرية المحلية وإنشاء دوائر الحكومة الملكية وترقية الصناعات
والأعمال.
خلاصة من خطبة المستر تشرشل التي ألقاها عن أمور الشرق الأدنى في
مجلس النواب و١٤ يونيو عند عرضه ميزانية الشرق الأدنى. عن عددي المقطم
المؤرخين ١٧ و٢٣ يونيو سنة ١٩٢١:
قال الوزير: إن المؤتمر الذي عقده في القاهرة مع خبيرين من العراق
وفلسطين قرر وجوب التعجيل في إنقاص الجنود في العراق من ٣٣ أورطة إلى
٢٣ على أن يصير الإنقاص ١٢ أورطة في أكتوبر فوفّروا بذلك نحو ٥ ملايين
جنيه، وإن ميزانية الجيش في العراق وفلسطين لهذا العام ٢٧.٥ مليون جنيه، وإذا
نجحت تدابير الحكومة فإنها لا تتجاوز في السنة القادمة ١٠ ملايين.
وقال: إن ميل الحكومة البريطانية إلى حل مسائل الشرق بواسطة آل
الشريف في العراق وشرق الأردن يجب أن يرقب تأثيره في سواهم، وتكلم عن
ابن سعود وقومه ووصفهما لسامعيه، ثم قال: إن الحكومة البريطانية قررت أن
تواصل دفع الإعانة لابن سعود (وهي تبلغ ٨٠ ألف جنيه) وأن الملك حسينًا
أعرب عن استعداده لمفاوضة الأمير ابن مسعود.
ثم أعلن عزم الحكومة على إنشاء دولة عربية في العراق يختار ملكها، وقال:
إن الأمير فيصلاً غادر مكة إلى بغداد، فإذا وقع الاختيار عليه فإنكلترة تؤيده
وتشد أزره وتسعى للتوفيق بين العرب والإسرائيليين في فلسطين وتسهر على منع
رجال الأحزاب الذين هاجروا إلى شرقي الأردن من دخول سورية، وقال الوزير:
وليس في تعاوننا مع آل الشريف معارضة لمصالح فرنسة. وأثنى على الأمير عبد
الله ثناءً طيبًا وقال: إنهم عهدوا إليه بإعادة النظام وتعهد بمنع الاعتداء على
الفرنسيس ثم قال: إننا لا نريد إكراه العراق على قبول ما لا يختاره أهله، وعسى
العراقيون أن يحسنوا الاختيار بحرية وحكمة بإرشاد السير بريس كوكس - قال -
وهناك سياستان في معاملة الجنس العربي: إحداهما إبقاء العرب منقسمين وإنشاء
إدارة من أعيانهم تعتمد على الغيرة والتنافر، والثانية إنشاء دولة عربية حول بغداد
إلخ. قال: وهذه هي السياسة التي تصلح دون سواها.
وتكلم عن جعفر باشا العسكري في حرب طرابلس والدردنيل وأنه أنعم عليه
بوسام القديسين ميخائيل وجورج، وقال: إن نفقات الجيش العربي تسدد من إيرادات
العراق. قال: وإذا نجح تدبيرنا فالدولة العربية وحاكمها العربي تكون قائمة في بغداد
قبل انقضاء السنة المالية.
بلاغ المندوب السامي البريطاني في بغداد
عن جريدة (دجلة) عدد ١١ المؤرخ ٣٠ شوال سنة ١٣٢٩ - ٦ تموز سنة ١٩٢١
لا شك في أنه غير خافٍ على العموم أنه في يوم ١٦ يونيو (الموافق ٩
شوال) انتهى إلى بغداد بيان خطاب ألقاه جناب المستر تشرشل في مجلس العموم
البريطاني في يوم ١٤ يوليو الموافق (٧ شوال) وقد شرح فيه وزير الدولة
لسامعيه الحالة السياسية في بلدان الشرق الأدنى، ثم أعطى بيانًا شافيًا عن سياسة
حكومة جلالة الملك فيما يتعلق بهذه البلدان.
إن ما ورد في ذلك الخطاب بشأن العراق قد صار نشره في الحال بإذن مني
بصفة كوني المندوب السامي في الجرائد الإنكليزية والعربية في بغداد والبصرة
وقد ظهر أن ما نشر قد أتى ببيان واضح عن سياسة الحكومة البريطانية، على أنه
بعد نشر ذلك البلاغ قد عرض علي تكرارًا بأن العموم يرغب جدًّا بتصريح مني
بصفة كوني المندوب السامي ورئيس الحكومة العراقية المؤقتة أشرح فيه النقط
المهمة كما وردت في الخطاب المذكور فبناء على ذلك رأيت أن من الواجب علي
أن أقوم بذلك، فأقول:
١- مما يذكر أنه بعد بداءة الحرب العظمى قطعت العهود مرارًا لأهالي
العراق ولجلالة ملك الحجاز بأنه لن يسمح بوجه من الوجوه أن تعود العراق أو أي
مقاطعة من المقاطعات المحررة إلى السلطة التي كانت تابعة لها عند نشوب الحرب
وأن الحكومة البريطانية تقصد المحافظة على هذه العهود بحزم وثبات وتشعر أنها
تكون مقصرة في القيام بواجباتها بموجب هذه العهود فيما لو أهملت تقديم المساعدة
للعراق في هذا الدور الابتدائي من حياته وأنها تتركه بإهمال كهذا فريسة
للاضطراب وعدم النظام، وفي ذات الوقت أن بريطانية العظمى غير مستعدة
للاستمرار على حمل العبء المالي الثقيل والتبعة (المسئولية) السياسية بمراقبة
الإدارة (إدارة العراق) للحد الذي كان ضروريًّا ريثما تعاد الأمور إلى أحوال السلم.
إن الحكومة البريطانية كانت دائمًا ولا تزال ترى أن أفضل طريقة للقيام
بعهودها وواجباتها هي مساعدة أهالي العراق على إقامة حكومة وطنية منهم
بمساعدتنا فتنشأ بذلك دولة عربية مصادقة تكون بغداد عاصمة لها، أما حكومة
جلالة الملك نفسها فترى أن أفضل أنواع الإدارات للعراق هو حكومة دستورية
برئاسة وازع (حاكم) مقبول لدى أهالي البلاد، على أن حكومة جلالة الملك
ترغب في أن تبين بوضوح كما سبق وبينت تكرارًا بأن ليس لها من قصد أو رغبة
في إكراه الشعب على قبول وازع ما معين بل الأمر بالعكس فإنها ترغب في وجود
الحرية التامة في الاختيار وإبداء الرأي، ومع ذلك أن الحكومة البريطانية بصفة
كونها الدولة التي تحملت مصاريف طائلة في العراق في أثناء السبع السنوات
الأخيرة لا يمكنها أن تقف موقف العديم الاكتراث أمام هذه المسألة فلها الثقة بأن
الشعب العراقي سيستعمل الحكمة والحرية معًا في اختياره للوازع.
وهنا أود أن أشير بإيجاز إلى قدوم صاحب السمو الأمير فيصل إلى العراق،
فأقول: إن موقف حكومة جلالة الملك في هذا الصدد هو كما يأتي:
إن عائلة الشريف هي العائلة التي نشرت اللواء العربي في صف الحلفاء
أثناء الحرب التي لعبت دورًا ذا شأن في ربحها، وإن القضية التي من أجلها دخلت
في صفوف المحاربين كانت قضية حرية العرب يعني عين القضية التي قد تعهدت
بريطانية العظمى بمظاهرتها ونجاحها في العراق، فبناء على ذلك عندما سأل
أنصار عائلة الشريف في العراق عن موقف الحكومة البريطانية إزاء دعوتهم
للأمير فيصل ليأتي العراق أجيبوا على ذلك بأن حكومة جلالة الملك لن تضع عثرة
في سبيل ترشيح سمو الأمير لعرش العراق، وإذا وقع عليه انتخاب الشعب سيلقى
تأييد بريطانية له، فبناء على ذلك بينما وزير الدولة (المستر تشرشل) يردد
رغبته في أن يستعمل أهالي العراق الحرية في الاختيار يرى أن ليس هناك من
سبب للامتناع من أن يبين بوضوح بأن حكومة جلالة الملك تعتبر أن الأمير فيصلاً
هو مرشح موافق لا بل حقًّا أوفق مرشح في الميدان ونرجو أن ينال معاضدة أكثرية
الشعب العراقي.
وإذا تم انتخاب الأمير فيصل تعتقد حكومة جلالة الملك أنه يكون قد توصل
بذلك إلى حل ينطوي على أكبر الآمال في مستقبل سعيد مقبل للبلاد.
إن حكومة جلالة الملك تعلم أن قد بحث في حلول أخرى ممكنة، منها (أولاً)
تأسيس جمهورية و (ثانيًا) عرض أمير تركي. أما في ما يخص الأول فمن رأي
حكومة جلالة الملك أن درجة العراق من الرقي غير موافقة قطعيًّا لتأسيس جمهورية،
وأما فيما يخص عرض أمير تركي فهذا حل ليست الحكومة مستعدة لإفساح
المجال له.
ومن المؤمل أن العبارات التي أوردت أعلاه تفسر بوضوح سياسة حكومة
جلالة الملك، وهي سياسة قد استحسنها بالإجمال الجمهور البريطاني والصحافة
البريطانية حسب ما بينت في خطاب المستر ونستون تشرشل وإني أوافق عليها كل
الموافقة.
((يتبع بمقال تالٍ))