للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح مخلص رضا


شذرات أدبية [*]

١- آداب المكاتبة أو المجاملة والقناعة
كان محمد بن حازم الشاعر جار سعيد بن حميد [١] الكاتب الطوسي فهجاه
لأمرٍ كان بينهما، فبلغ سعيدًا هجوُه فأغضى عنه مع القدرة، ثم إن محمدًا ساءت حاله
فتحول عن جواره، فبلغ ابن حميد ذلك فبعث إليه عشرة آلاف درهم وتخوت ثياب
وفرسًا بآلته ومملوكًا وجارية، وكتب إليه:
(ذو الأدب يحمله ظرفه على نعت الشيء بغير هيئته، وتبعثه قدرته على
وصفه بغير حليته، ولم يكن ما شاع من هجائك فيَّ جاريًا إلا هذا المجرى، وقد
بلغني من سوء حالك وشدة خلتك ما لا غضاضة به عليك مع كبر همتك وعظم
نفسك، ونحن شركاء فيما ملكنا ومتساوون فيما تحت أيدينا، وقد بعثت إليك بما
جعلته - وإن قل - استفتاحًا لما بعده وإن جل) فرد ابن حازم جميعه ولم يقبل منه
شيئًا وكتب إليه:
وفعلت بي فعل المهلب إذ ... غمر الفرزدق بالندى والدثر
فبعثت بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر
لا أقبل النعماء من رجل ... ألبسته عارًا على الدهر
***
٢- آداب المعاشرة
إني ليهجرني الصديق تجنبًا ... فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته ... فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متغافل ... يدعو المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا
... ... ... ... ... ... ... ... ... الناشئ الأصغر [٢]
***
٣- التقسيم العجيب
لُح كوكبًا وابدُ غصنًا والتفت ريمًا ... فإن عداك أسماؤهما لم تعدُك السيما
وجه أغر وجيد زانه جيد ... وقامة تخجل الخطى تقويما
يا من تجل عن التشبيه صورته ... أأنت مثلتَ روح الحسن تجسيما؟
لو شاهدتك النصارى في معابدها ... ممثَلاً ربعت فيك الأقانيما
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... حبوبي [٣]
٤- ومنه في وصف مغنٍ
رنا ظبيًا وغنى عندليبًا ... ولاح شقائقًا ومشى قضيبا
بعض الشعراء في عصر الثعالبي [٤]

٥- ومنه
بدت قمرًا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرًا ورنت غزالا
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المتنبي [٥]
٦- ومن الإبداع في هذا
وبيض بألحاظ العيون كأنما ... هززن سيوفًا واستللن خناجرا
تَصَدَّيْنَ لي يومًا بمنعرج اللوى ... فغادرن قلبي بالتصير غادرا
سفرن بدورًا وانتقبن أهلة ... ومسن غصونًا والتفتن جآذرا
وأطلعن في الأجياد بالدر أنجمًا ... جعلن لحبات القلوب ضرائر
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الزاهي [٦]
***
٧- الانحياز إلى العدو عداوة
إذا المرء عادى من يودك صدره ... وكان لمن عاداك خدنًا مصافيا
فلا تسألن عما لديه فإنه ... هو الداء لا يخفى بذلك خافيا
... ... ... ... ... ... ... ... ... صعصعة بن ناجية
وأخذه بعضهم فقال:
إذا صافى صديق من تعادي ... فقد عاداك وانقطع الرجاء
***
٩- رثاء برذون
كان لمحمد بن عبد الملك برذون أشهب لم يُرَ مثله فراهة وحسنًا فسعى ساعٍ
إلى المعتصم ووصف له فراهته فبعث المعتصم إليه فأخذه منه فقال ابن عبد الملك
يرثيه:
كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودعنا الأحم الأشهب
ومنها:
فالآن إذ كملت أداتك كلها ... ودعا العيون إليك لون معجب
واختير من سر الحدائد خيرها ... لك خالصًا ومن الحلي الأغرب
وغدوت طنان الحديد كأنما ... في كل عضو منك صنج يضرب
وكأن سرجك إذ علاك غمامة ... وكأنما تحت الغمامة كوكب
ورأى علي بك الصديق جلالة ... وغدا العدو وصدره يتلهب
ومنها:
أضمرت منك اليأس حين رأيتني ... وقوى حبالي من قواك تقضب
ورجعت حين رجعت منك بحسرة ... لله ما فعل الأحم الأشهب
***
١٠- توافق الخاطرين بين الشاعرين
خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام بن عبد الملك الأموي
وهو يومئذ بالرصافة، فنزل جرير لقضاء حاجة فجعلت الناقة تتلفت فضربها
الفرزدق وقال:
إلام تلتفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي
متى تَرِدي الرصافة تستريحي ... من التهجير والدبر الدوامي
ثم قال: الآن يأتيني الفرزدق فأنشده هذين البيتين فيقول:
تلتفت إنها تحت ابن قين ... إلى الكيرين والفأس الكهام
متى ترد الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام
فجاء جرير والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده
البيتين الأولين، فأنشده جرير البيتين الآخرين فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذين
فقال جرير: أما علمت أن شيطاننا واحد؟
(يتلى)