للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


العبر التاريخية
في أطوار المسألة المصرية

(٢)
نشرنا تحت هذا العنوان في الجزء الأول نص البلاغ الرسمي الذي رفعه
عدلي باشا رئيس الوفد الرسمي المصري إلى السلطان بشأن مفاوضته مع الدولة
البريطانية في عاصمتها، وفيه ترجمة المذكرة التي وضعتها نظارة خارجيتها
لمشروع الاتفاق بينها وبين مصر، وترجمة رد الوفد المصري عليها، وعدم قبوله
إياها، وانقطاع المفاوضات بذلك.
ثم ترجمة البلاغ الذي أنهاه نائب ملك الإنكليز إلى سلطان مصر في شأن
تفسير مشروع نظارة الخارجية البريطانية وتأييده، وقفَّينا عليه بتعليقٍ وجيزٍ في
بيان سوء تأثير المشروع، وبلاغ نائب الملك في الأمة المصرية، ونفعه إياها
بإجماع الكلمة على رده، والاستمساك بالاستقلال التام للبلاد، حتى أشد الناس
مقاومة لسعد باشا وحزبه، ورغبة في الاتفاق مع الإنكليز.
وقد كنا نريد أن نكتب مقالاً مطولاً في تفنيد الشبهات البريطانية، وما فيها من
العبر لنا في مصر، والعراق، وسورية وسائر بلاد العرب التي يدب فيها دبيب
الدسائس البريطانية، والمطامع الاستعمارية، ولكن إجماع كلمة الأمة المصرية
على مقاومة المشروع البريطاني بكل شدة، وعدم الخنوع لما فيه من تهديد
الغطرسة، والعظمة، وشروعها في مقاطعة التجارة الإنكليزية، وكل ما هو
إنكليزي من الأشياء، والأناسِيّ، واغتيال الموظفين والجند عند الإمكان، وتعذر
تأليف وزارة تكون آلة للمستشارين، ونائب الملك في استمرار الإدارة السابقة - قد
حمل نائب الملك (لورد اللنبي) على السفر إلى عاصمة حكومته بأمرها ليطلعه
على حقيقة الحال في هذا القطر، وما يراه من وجوب الاعتراف باستقلال، وترك
إدارة البلاد لأهلها، مع قيود تُحفظ بها المصالح البريطانية فيها، فذهب يصحبه
اثنان من أعقل رجالهم في هذه الديار وهما: مستشار الداخلية الجنرال جلبرت
كليتون، ومستر إيمس مستشار الحقانية، فمكثا أيامًا قليلة في لندن، أقنعا فيها
الوزارة بوضع المشروع الآتي الذي جاء به، وهذا نص البلاغ الرسمي فيه:
***
الوثيقة الأولى
كتاب اللورد اللنبي إلى عظمة السلطان:
يا صاحب العظمة:
١- أتشرف بأن أعرض لمقام عظمتكم أن الناس قد ذهبوا في تأويل بعض
عبارات المذكرة التفسيرية التي قدمتها إلى عظمتكم في الثالث من شهر ديسمبر -
مذاهب تخالف أفكار الحكومة البريطانية وسياستها، وهو ما آسف له أشد الأسف.
٢- ولقد يخال المرء مما نُشر عن هذه المذكرة من التعليقات العديدة أن كثيرًا
من المصريين أُلقي في روعهم أن بريطانيا العظمى توشك أن ترجع في نيتها
القائمة على التسامح، والعطف على الأمانيّ المصرية، وأنها تنوي الانتفاع
بمركزها الخاص بمصر لاستبقاء نظامٍ سياسيٍّ إداريٍّ لا يتفق، والحريات التي
وعدت بها.
٣- غير أنه لا شيء أبعد عن خاطر الحكومة البريطانية من هذه الفكرة، بل
إن الأساس الذي بُنيت عليه المذكرة التفسيرية هو أن الغاية من الضمانات التي
تطلبها بريطانيا العظمى ليست إبقاء الحماية حقيقةً أو حكمًا، وقد نصت المذكرة
على أن بريطانيا العظمى صادقة الرغبة في أن ترى مصر متمتعة بما تتمتع به
البلاد المستقلة من مَيْزَات أهلية ومن مركز دولي.
٤- وإذا كان المصريون قد رأوا في هذه الضمانات أنها تجاوزت الحد الذي
يلتئم مع حالة البلاد الحرة - فقد غاب عنهم أن إنجلترة إنما ألجأها إلى ذلك حرصها
على سلامة نفسها تلقاء حالة تطلب منها أشد الحذر، خصوصًا فيما يتعلق بتوزيع
القوات العسكرية. على أن الأحوال التي يمر بها العالم الآن لن تدوم، ولا يلبث
كذلك أن يزول الاضطراب السائد في مصر منذ الهدنة، والأمل وطيد في أن
الأحوال العالمية صائرة إلى التحسن، هذا من جانب [١] ، ومن جانب آخر، فكما قيل
في المذكرة: (سيجيء وقت تكون فيه حالة مصر مدعاة إلى الثقة بما تقدمه هي
من الضمانات المصرية لصيانة المصالح الأجنبية) .
٥- أما أن تكون إنجلترة راغبة في التدخل في إدارة مصر الداخلية فذلك ما
قالت فيه الحكومة البريطانية ولا تزال تقول: إن أصدق رغباتها وأخلصها هو أن
تترك للمصريين إدارة شئونهم. ولم يكن يخرج مشروع الاتفاق - الذي عرضته
بريطانيا العظمى - عن هذا المعنى، وإذا كان قد ورد فيه ذكر موظفين بريطانيين
لوزارتي المالية والحقانية فإن الحكومة البريطانية لم ترمِ بذلك إلى استخدامهما
لتتدخل في شئون مصر، وكل ما قصدته هو أن تستبقي إدارة اتصال تستدعيها
حماية المصالح الأجنبية.
٦- هذا هو كل مرمى الضمانات البريطانية، ولم تصدر هذه الضمانات قط
عن رغبة في الحيلولة بين مصر وبين التمتع بحقوقها الكاملة في حكومة أهلية.
٧- فإذا كانت هذه هي نية إنجلترة فلا يمكن لأحدٍ أن ينكر أن إنجلترة يعزُّ
عليها أن ترى المصريين يؤخرون بعملهم حلول الأجل الذي يبلغون فيه مطمحًا
ترغب فيه إنجلترة كما تَتُوقُ إليه مصر، أو أن يُنكر أنها تكره أن ترى نفسها
مضطرة إلى التدخل لرد الأمن إلى نصابه كلما أدركه اختلال يثير مخاوف الأجانب،
ويجعل مصالح الدول في خطر، وإنه ليكون مما يؤسف له أن يرى المصريون
في التدابير الاستثنائية - التي اتُّخِذت أخيرًا - أي مساسٍ بمطمحهم الأَسْمى، أو أية
دلالة على تغيير القاعدة السياسية التي سبق بيانها، فإن الحكومة البريطانية لم يعد
غرضها أن تضع حدًّا لتهييج ضار، قد يكون لتوجيهه إلى أهواء العامة نتائج
تذهب بثمرة الجهود القومية المصرية؛ ولذلك كان الذي رُوعي بوجهٍ خاصٍّ - فيما
اتُّخِذ من التدابير - مصلحة القضية المصرية التي تستفيد من أن البحث فيها يجري
في جو قائم على الهدوء والمناقشة بإخلاص.
٨- والآن وقد بدأت تعود السكينة إلى ما كانت عليه بفضل الحكومة التي
هي قوام الخلق المصري، والتي تتغلب في الساعات الحاسمة - فإنني لَسعيد أن
أنهي إلى عظمتكم أن حكومة جلالة الملك تنوي أن تشير على البرلمان بإقرار
التصريح الملحق بهذا، وإنني على يقين بأن هذا التصريح يُوجِد حالة تسود فيها
الثقة المتبادلة، ويضع الأساس لحل المسألة المصرية حلاًّ نهائيًّا مُرضيًا.
٩- وليس ثمَّت ما يمنع الآن من إعادة منصب وزير الخارجية، والعمل
لتحقيق التمثيل السياسي والقنصلي لمصر.
١٠- أما إنشاء برلمان يتمتع بحق الإشراف، والرقابة على السياسة والإدارة
في حكومة مسئولة على الطريقة الدستورية - فالأمر فيه يرجع إلى عظمتكم وإلى
الشعب المصري. وإذا أبطأ لأي سبب من الأسباب إنفاذ قانون التضمينات (إقرار
الإجراءات التي اتخذت باسم السلطة العسكرية) الساري على جميع ساكني مصر،
والذي أشير إليه في التصريح الملحق بهذا - فإنني أود أن أحيط عظمتكم علمًا
بأنني إلى أن يتم إلغاء الإعلان الصادر في ٢ نوفمبر سنة ١٩١٤ سأكون على
استعداد لإيقاف تطبيق الأحكام العرفية في جميع الأمور المتعلقة بحرية المصريين
في التمتع بحقوقهم السياسية.
١١- فالكلمة الآن لمصر، وإنه ليرجى أنها وقد عرفت مبلغ حسن استعداد
الحكومة البريطانية ونيتها - أن تسترشد في أمرها بالعقل، والروية، لا بعامل
الأهواء.
ولي مزيد الشرف أن أكون الخادم المطيع.
... ... ... ... ... ... ... ... ... اللنبي فيلد مارشال ... القاهرة في ٢٨ فبراير سنة ١٩٢٢
***
الوثيقة الثانية
مرفوعة من لدن فخامة المندوب السامي إلى عظمة سلطان مصر باسم تصريح لمصر:
بما أن حكومة جلالة الملك - عملاً بنيتها التي جاهرت بها - ترغب في
الحال في الاعتراف بمصر دولةً مستقلةً ذات سيادة.
وبما أن للعلاقات بين حكومة جلالة الملك وبين مصر أهمية جوهرية
للإمبراطورية البريطانية، فبموجب هذا تعلن المبادئ الآتية:
١- انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتكون مصر دولة مستقلة ذات
سيادة.
٢- حالما تُصدر حكومة عظمة السلطان قانون تضمينات (إقرار الإجراءات
التي اتخذت باسم السلطة العسكرية) نافذ الفعل على جميع ساكني مصر - تُلغَى
الأحكام العرفية التي أُعلنت في ٢ نوفمبر سنة ١٩١٤.
٣- إلى أن يحين الوقت الذي يتسنى فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة
الملك، وبين الحكومة المصرية فيما يتعلق بالأمور الآتي بيانها، وذلك بمفاوضات
ودية غير مقيدة بين الفريقين - تحتفظ حكومة جلالة الملك بصورة مطلقة بتولي
هذه الأمور وهي:
(أ) تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر.
(ب) الدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تدخل أجنبي بالذات أو الواسطة.
(ج) حماية المصالح الأجنبية في مصر و (حماية الأقليات) .
(د) السودان.
وحتى تبرم هذه الاتفاقات تبقى الحال - فيما يتعلق بهذه الأمور - على ما هي
عليه الآن.
***
تأليف الوزارة الجديدة
أمر كريم نمرة ١٣ لسنة ١٩٢٢
صادر لحضرة صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا:
عزيزي عبد الخالق ثروت باشا:
إن القرار الذي أبلغَنَا إياه حضرة صاحب المقام الجليل المندوب السامي لدولة
بريطانيا العظمى، فيما يختص بانتهاء الحماية البريطانية على مصر، وبالاعتراف
بها دولة مستقلة ذات سيادةٍ - يحقق أعز أمنية لنا، ولشعبنا العزيز، وهو ثمرة
الجهاد القومي الذي تعهدناه على الدوام بالتشجيع والتأييد، ولا ريب عندنا في أن
استمساك الأمة بروابط الوئام، والاتحاد، والتزامها جانبَ الحكمة في هذا الدور
الجديد من حياتها السياسية - كفيلٌ بتحقيق كامل أمانيها.
ونظرًا لما نعرفه لكم من الجهد المشكور في خدمة القضية المصرية، ولما لنا
من الثقة التامة بكم، وما نعهده فيكم من الجدارة الكاملة للقيام بمهام الأمور؛
اقتضت إرادتنا السلطانية توجيه سند رئاسة مجلس وزرائنا مع رتبة الرئاسة
الجليلة - لعهدتكم. وقد أصدرنا أمرنا هذا لدولتكم للأخذ في تأليف وزارة جديدة
يكون من بينها وزير للخارجية، وعرْض مشروعه لجانبنا لصدور مرسومنا العالي
به.
ولما كان من أَجَلَّ رغباتنا أن يكون للبلاد نظامٌ دستوريٌّ يحقق التعاون بين
الأمة، والحكومة؛ لذلك يكون من أول ما تُعنَى به الوزارة إعداد مشروع ذلك
النظام.
وإنَّا نسأل الله العلي القدير أن يجعل التوفيق رائدنا فيما يعود على بلادنا
ورعايانا بالخير والسعادة، وهو المستعان.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الإمضاء
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... فؤاد
صدر بسراي عابدين في ٢ رجب سنة ١٣٤٠ - أول مارس سنة ١٩٢٢.
***
برنامج الوزارة
يا صاحب العظمة:
أتقدم إلى سدَّة عظمتكم بفائق الشكر على ما تفضلت فأوليْتَنِي من الثقة السامية؛
إذ عهدت إليَّ بتأليف الوزارة الجديدة، ووجهت لي رتبة الرئاسة الجليلة.
وإني لأتشرف بأن أعرض على عظمتكم أسماء الوزراء الذين تتألف منهم
هيئة الوزارة، وقد قبلوا مشاركتي في العمل وهم:
إسماعيل صدقي باشا ... ... ... لوزارة المالية
وإبراهيم فتحي باشا ... ... ... وزارة الحربية والبحرية
وجعفر والي باشا ... ... ... لوزارة الأوقاف
ومصطفى ماهر باشا ... لوزارة المعارف العمومية
ومحمد شكري باشا ... ... ... لوزارة الزراعة
ومصطفى فتحي باشا ... ... ... لوزارة الحقانية
وحسين واصف باشا ... ... ... لوزارة الأشغال العمومية
وواصف سميكة بك ... ... ... لوزارة المواصلات
وقد احتفظت بوزارتي الداخلية والخارجية.
فإذا وقع هذا الاختيار موقع الاستحسان - لدى عظمتكم - يصدر المرسوم
العالي بالتصديق عليه.
يا صاحب العظمة:
لم يكن لزملائي ولي - ونحن نشاطر الأمة أمانيها في الاستقلال - إلا أن نقر
الوفد الرسمي الذي تولى المفاوضات لعقد اتفاق مع بريطانيا العظمى على ما فعل،
فلم يكن يسعنا أن نتولى أعباء الحكم ما دامت المبادئ التي تسترشد الحكومة
البريطانية في سياستها نحو مصر - هي تلك التي كانت تظهر من مشروع ١٠
نوفمبر من العام الماضي، ومن المذكرة التفسيرية التي تلته، فإن تولِّي الحكم في
ظل مثل هذه المبادئ قد يكون فيه معنى القبول بها.
غير أن الكتاب الذي رفعه فخامة المندوب السامي البريطاني إلى عظمتكم،
وتصريح الحكومة البريطانية في البرلمان - قد أحدثا في الحالة تغييرًا كبيرًا،
فأصبح من الممكن أن تتألف هذه الوزارة؛ إذ إنها ترى أن الشعور القومي أصاب
ترضية من هاتين الوثيقتين، لا من ناحية الاعتراف باستقلال مصر حالاً، وقبل
أي اتفاق فحسب، بل ولأن المفاوضات المقبلة ستكون حرة غير مقيدة بأي تعهد
سابق.
أما وقد جزنا هذا الدور بخير فلم يبق على مصر إلا أن تُثبت لبريطانيا
العظمى أن ليس بها في سبيل حماية مصالحها من حاجة للتشدد في طلب ضمانات
قد يكون فيها مساس باستقلالنا، وأن خير الضمانات في هذا الصدد، وأجلَّها أثرًا
هي حسن نية مصر، ومصلحتها في حفظ العهود.
على أن الوزارة ترى أنه لكي تكون جهود البلاد في سبيل تحقيق كامل أمانيها
بحيث تؤتي جميع ثمرها - يجب أن يؤلف بين عمل الحكومة، وبين عمل هيئة
تنوب عن الأمة، وأن تسعى الهيئتان متساندتين لأغراضٍ متحدةٍ.
ولذلك فإن [٢] الوزارة - عملاً بأوامر عظمتكم - ستأخذ في الحال في إعداد
مشروع دستور طبقًا لمبادئ القانون العام الحديث، وسيقرر هذا الدستور مبدأ
المسئولية الوزارية، ويكون بذلك للهيئة النيابية حق الإشراف على العمل السياسي
المقبل.
وغني عن البيان أن إنفاذ هذا الدستور يقتضي إلغاء الأحكام العرفية، وأنه
على أي حال يجب أن تجري الانتخابات في أحوال عادية، وفي ظل نظام تمتنع
معه جميع التدابير الاستثنائية، وقد سَلَّمَتْ بهذا الوثيقتان اللتان أُبلغتا أخيرًا إلى
عظمتكم، وستتخذ الوزارة - بلا إمهال - ما يدعو إليه الأمر في ذلك من التدابير،
كما أنها ستبذل جهدها اعتمادًا على حُسن موقف الأمة في الحصول على الرجوع
فيما اتُّخِذ من التدابير المقيدة للحرية عملاً بالأحكام العرفية.
هذا، وإن إعادة منصب وزير الخارجية سيعين على العمل لتحقيق التمثيل
السياسي والقنصلي لمصر في الخارج.
ونظرًا لأن النظام الإداري الحالي لا يتفق مع النظام السياسي الجديد، ومع
الأنظمة الديموقراطية التي ستمنحها البلاد - فإن الوزارة قد اعتزمت أن تتولى
الأمر بنفسها، وبلا شريك في الحكم الذي ستتحمل كل مسئوليته أمام الهيئة النيابية
المصرية، وسيكون رائدها في إدارة شئون الأمة توجيهها إلى المصلحة القومية
دون غيرها.
والوزارة موقنة بأن أكبر عامل لنجاح مصر في تسوية المسائل التي بقي حلها
وأقوى حجة تستعين بها في تأييد وجهة نظرها - هو أن تُقبِل على هذا الدور الجديد
متحدة الكلمة مؤلفة القلوب، وأن تأخذ بدواعي النظام وتلتزم جانب الحكمة.
والوزارة تحيي العصر الجديد الذي كان لعظمتكم أجلّ أثر في طلوعه على
الأمة بفضل ما بذلته عظمتكم من المساعي الوطنية العالية، وهي واثقةٌ أن ستلقى
من لدن عظمتكم كل تأييد في عمل الغد، وإنها لَترجُو أن يجيء مكلّلاً لمجهود البلاد.
وإني لا أزال لعظمتكم العبد الخاضع المطيع، والخادم المخلص الأمين.
... ... ... ... ... ... ... ... عبد الخالق ثروت
القاهرة في ٢ رجب سنة ١٣٤٠ (أول مارس سنة ١٩٢٢)
***
المرسوم السلطاني بتأليف الوزارة
نحن سلطان مصر
بعد الاطلاع على الأمر الكريم الصادر في ٢١ سبتمبر سنة ١٨٧٩، وبعد
الاطلاع على أمرنا الكريم الصادر في ٢ رجب سنة ١٣٤٠ (أول مارس سنة
١٩٢٢) وبناءً على ما عرضه علينا رئيس مجلس الوزراء - رسمنا ما هو آتٍ:
المادة الأولى:
عُين عبد الخالق ثروت باشا ... ... وزيرًا للداخلية والخارجية
إسماعيل صدقي باشا ... ... ... ... وزيرًا للمالية
إبراهيم فتحي باشا ... ... ... ... وزيرًا للحربية والبحرية
جعفر باشا والي ... ... ... ... ... وزيرًا للأوقاف
مصطفى ماهر باشا ... ... ... ... وزيرًا للمعارف العمومية
محمد شكري باشا ... ... ... ... وزيرًا للزراعة
مصطفى فتحي باشا ... ... ... ... وزيرًا للحقانية
حسين واصف باشا ... ... ... ... وزيرًا للأشغال العمومية
واصف سميكة بك ... ... ... ... وزيرًا للمواصلات
المادة الثانية: على رئيس مجلس وزرائنا تنفيذ مرسومنا هذا.
صدر بسراي عابدين في ٢ رجب سنة ١٣٤٠ - أول مارس سنة ١٩٢٢ (فؤ اد)
بأمر الحضرة السلطانية رئيس مجلس الوزراء (ثروت)

(المنار)
هذا ما نشرته الحكومة في الصحف، وعُلم مما نشر قبله أنه كان نتيجة لسعي
جماعة رشدي باشا، وعدلي باشا، ولكن الذي تولى العمل وظهر به في هذه الكَرَّة
عبد الخالق ثروت باشا؛ فهو الذي أخذ على عاتقه مواصلة المفاوضة مع اللورد
اللنبي في أمر تأليف وزارة بالشروط التي يقترحها مغتنمًا فرصة فشل الإنكليز في
تأليف وزارة يتخذونها آلة لإدارة البلاد كدأبهم منذ تمكنوا في أرض مصر،
وما زالت المساومة في ذلك دائرة بين القاهرة، ولندن؛ حتى انتهت بما ذكرنا في
مقدمة هذه البلاغات الرسمية من سفر اللورد اللنبي إلى لندن، وعودته بهذا
المشروع، وعلم بذلك أن ثروت باشا ذو شجاعة أدبية يقل مثله فيها، كما أنه ذو
ذكاء وفطنة نافذة، وقد انبرى لهذا العمل وهو يعلم أن المعارضين يكيدون له،
ويستعدون لاغتياله، وقد شرعوا في ذلك بالفعل؛ فأنجاه الله من الموت، واكتُشِفت
الجمعية التي تواطأت على ذلك، وحاولته وحُكم على بعض أفرادها بعقاب شديد.
هذا، وإن الأمة قد قابلت هذا التصريح البريطاني بإلغاء الحماية على مصر،
والاعتراف باستقلالها التام، وتأليف الوزارة - بفتور ونفور، وعدّوه خداعًا
بريطانيًّا، وإن لم يشترط على مصر أن تعترف لهم في مقابلته بحق من الحقوق؛
ذلك بأنه تم على أيدي أصدقاء الإنكليز، وبأنهم أخرجوا سعد باشا، وبعض بطانته
وأنصاره من البلاد، ووضعوهم في جزيرةٍ صغيرةٍ في أقصى البحار، وبأن
الاحتلال العسكري باقٍ، والحكم العرفي باقٍ، وبأن ما حفظوه لأنفسهم من الحقوق
مثار لأخطارٍ كثيرةٍ، ولا سيما مسألة السودان. وسنذكر في جزء آخر ما فيه العبرة
من الأنباء والآراء في هذا الطور الجديد.
((يتبع بمقال تالٍ))