للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محيي الدين آزاد


الخلافة الإسلامية
ألَّفه باللغة الأُوردية أحد زعماء النهضة الهندية
مولانا أبو الكلام محيي الدين آزاد - صاحب مجلة (الهلال) الهندية
وترجمه بالعربية أحد تلاميذ دار الدعوة والإرشاد
الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي - محرر جريدة (بيغام) الهندية

فصل
إجماع أهل السنة والشيعة
ومثل الصحابة والتابعين كانت سيرة أئمة العترة - عليهم السلام - مع خلفاء
بني أمية، وبني العباس، وإن كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة منهم، ولكن مع
ذلك لم يخرج عليهم أحد منهم، ولا انحرف عن طاعتهم، بل ظلوا تحت أمرهم
طائعين؛ لأن حكومتهم كانت قد تمكَّنت، ولما خرج من أهل البيت زيد، أنكر
عليه الإمام جعفر الصادق عمله لنفس هذه العلة، ولأجلها قَبِلَ الإمام علي الرضا
عهد المأمون بالخلافة إليه؛ لأنه لو لم يكن من المُسَلِّمين لخلافته لما قَبِلَ العهد، بل
لردَّه، واجتنبه منه، ولكنه لما لم يفعل ذلك ثبت أنه كان يرى خلافة المأمون
صحيحة وشرعية.
ولا يُؤثْر عن هؤلاء الأئمة الأطهار شيءٌ يثبت أنهم منعوا أحدًا من طاعة
خلفاء بني أمية، أو بني العباس، بل في كتب الحديث للإمامية - مثل أصول
الكافي وغيره - ما يُثْبِتُ أنهم مع إظهار استحقاقهم للخلافة، وشكوى الغصب
والتعدي عليهم - منعوا الناس من الخروج والغدر.
وأقطع برهان على ذلك عمل أمير المؤمنين علي - عليه السلام - نفسه،
الذي تدَّعي الإمامية أن خلافته كانت منصوصة، وأنه لم تكن الخلافة جائزة لغيره
في حياته، ولكن مع ذلك معلوم لكل الناس أنه عليه السلام لم يخرج على الخلفاء
الثلاثة الذين مَضَوْا قبله، ولا تخلَّف عن بيعتهم، ولا تنحَّى عنهم، بل ظل عشرين
سنة على طاعتهم، ومؤازرتهم، ومناصحتهم، حتى لحقوا بربهم، وآلت الخلافة
إليه، فأثبت بعمله هذا أن الأمة إذا اجتمعت على رجل فلا تجوز مخالفته وعصيانه،
والخروج عليه، بل على كل الناس أن يطيعوه، ويسمعوا له، فإذا كان هذا غير
جائز للخليفة المنصوص على خلافته فكيف يجوز لعامة الناس؟ !
فأهل السنة والإمامية كلاهما متفقان في هذه المسألة، وأما الخلاف المشهور
بينهما فإنما هو في الخلافة الجمهورية، أي إذا قدرت الأمة على نصب الخليفة فمَن
تنصب؟ فالشيعة تشترط أن يكون من أهل البيت فقط، وأهل السنة ينكرون هذا
الشرط، ولكن إذا لم يبق هذا النظام، ولم تقدر الأمة على الانتخاب لتغلُّب
المتغلِّبين على الخلافة، فإن قويت شوكتهم، وانقادت لهم الأمور انقيادًا - فكل من
الشيعة وأهل السنة يقول قولاً واحدًا، وهو أنه يجب طاعته، وإلى هذا ذهبت
الزيدية، وغيرها من الفرق الإسلامية.
***
فصل
الشواهد من كتب العقائد والفقه
وإِنَّا لنورد ههنا بعض مقالات كتب العقائد والفقه التي يتدارسها المسلمون في
مدارسهم ومساجدهم من قرون عديدة؛ ليسهل على الناس مراجعتها:
ففي شرح المقاصد: (وأما إذا لم يوجد مَن يصلح لذلك، أو لم يقدر على
نصبه لاستيلاء أهل الباطل وشوكة الظلمة وأرباب الضلال - فلا كلام في جواز
تقليد القضاء، وتنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وجميع ما يتعلق بالإمام من كل ذي
شوكة) ، ثم بعد بيان شروط الإمامة - يقول: (نعم، إذا لم يقدر على اعتبار
الشرائط جاز ابتناء الأحكام المتعلقة بالإمامة على كل ذي شوكة يقتدر، تغلب أو
استولى) ، وفيه أيضًا: (فإن لم يوجد من قريش مَن يجمع الصفات المعتبرة وُلِّيَ
كناني، فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل، فإن لم يوجد فرجل من العجم) .
وفي المرقاة شرح المشكاة: (وأما الخروج عليهم، وقتالهم فمحرم، وإن
كانوا فسقة ظالمين) ، ويكتب في شرح حديث: (مَن أتاكم وأمرُكُمْ جميعٌ على
رجلٍ واحدٍ ... ) -: (أي له أهلية الخلافة أو التسلُّط والغَلَبَة) .
وفي الشامي: (ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو
بكر، وأما ببيعة جماعة من العلماء، أو من أهل الرأي) .
وفي المسامرة: (والمتغلب تصح منه هذه الأمور - أي ولاية القضاء
والإمارة والحكم بالاستفتاء ونحوها - للضرورة، وصار الحال عند التغلب كما لو
لم يوجد قرشي عدل، أو وُجد ولم يقدر - أي لم توجد قدرة على توليته لغلبة
الجَوَرَة -، إذ يُحكم في كل من الصورتين بصحة ولاية مَن ليس بقرشي، ومَن
ليس بعدل للضرورة) .
وفي شرح المواقف - بعد بيان شروط الإمامة -: (ولكن للأمة أن ينصبوا
فاقدها؛ دفعًا للمفاسد التي تندفع بنصبه) (٦٣٤) .
وقد أعطى البحث حقه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، حيث
يقول: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب والجهاد معه، وأن
طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، ولم
يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح - فلا تجوز طاعته في ذلك،
بل تجب مجاهدته لمَن قدر عليها كما في الحديث) (ج ١٣: ٧) ، ويكتب في
شرح حديث حذيفة: ( ... فاعتزل الفرقَ كلها) ... إلخ، (قال ابن بطال: فيه
حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة
الجور؛ لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم، ومع ذلك أمر
بلزوم الجماعة) (كتاب الفتن، ج ١٣، صفحة ٣١) .
ويشرح حديث: (اسمعوا، وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبد حبشي) -
بقوله: (وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة)
(فتح، ١٣: ١٠٩) .
وقال النواوي في شرح مسلم: (وهذه الأحاديث في الحث على السمع
والطاعة في جميع الأحوال، وسببها اجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب
لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم، وقوله: صلى الله عليه وسلم: (وإن كان عبدًا
مجدع الأطراف) ، يعني مقطوعها، والمراد أخس العبيد، أي اسمع وأطع للأمير،
وإن كان دنيء النسب ... ويتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة، أو تغلب
على البلاد بشوكته) .. إلخ (ج٢: ١٢٥) .
وقال الشوكاني في الدرر البهية: (وطاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله،
ولا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة) (شرح الدرر: ٤١٤) .
وفي حجة الله البالغة لشاه ولي الله الدهلوي: (إن الخليفة إذا انعقدت خلافته
ثم خرج آخر ينازعه حل قتله) .
وقال رضي الله عنه في كتابه (إزالة الخفاء) بالفارسية ما ترجمته - وقد
بحث في هذا الكتاب مسألة الخلافة بحثًا مفصلاً وجامعًا لم يبحث مثله أحد قبله -
(والخروج على السلطان الفاقد للشروط أيضًا حرام بعد اجتماع المسلمين
عليه، إلا أن يُظهر كفرًا بواحًا، وقد تواتر هذا معنى) (ج ١، ص ١٣٢) .
وحاصل هذه الشواهد ما مر بك من قبل، وهو أنه يجب أن يكون للأمة إمام
وخليفة ذو شوكة ومَنَعَة في كل زمان، فإن استطاعت الأمة نصبه فعليها أن تراعي
الشروط التي شرطتها الشريعة في الخليفة، وإن استولى على الخلافة رجل مسلم
بقوته وعصبيته، وانعقدت حكومته - فيجب على كل الناس طاعته، وقبول
خلافته، سواء أكان قرشيًّا أو غير قرشي، عادلاً أو ظالمًا، عالي النسب أو دانيه،
حتى وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدع الأطراف، فيجب طاعته، ومناصرته على
أعدائه، إلا أن يُرَى منه كفرٌ ظاهرٌ، فلا طاعة في هذه الحالة، ولا سمع ولا بيعة،
بل يجب الخروج عليه ومقاتلته، ومَن لم يستطع ذلك يهاجر من بلده، قال
العسقلاني في الفتح: (فمَن قام على ذلك فله الثواب، ومَن داهن فعليه الإثم، ومَن
عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) (١٠٩: ١٣) .
وعلم من هذا أيضًا أن الكفار إذا استولوا على بلد إسلامي يجب على أهله
الخروج عليهم، ومقاتلتهم، ولا يحل لهم أن يداهنوهم، ويداروهم، ومَن عجز
فعليه الهجرة من ذلك البلد؛ لأنه لا يجوز لمسلمٍ البقاء تحت حكم الكفار.
((يتبع بمقال تالٍ))