للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


انتحال السيد حسين أمير مكة للخلافة

إننا لم نر في كل ما علمناه من عبر التاريخ أدل على الحكمة النبوية في منع
طلاب الولاية منها , وعدم توليتهم شيئًا من أمور الناس - كالعبرة التي رأيناها في
السيد حسين المكي وأولاده.
رأينا أناسًا تعدى الأجانب على بلادهم , وغلبوهم على السلطان فيها
فساعدوهم على إدارتها؛ ليشاركوهم في التمتع بنصيب من أموالها ولذة الحكم
الصوري فيها، ولكننا لا نعرف في التاريخ القديم ولا الحديث رجلاً وضع بسوء
اجتهاده ومحض اختياره خطة لجعل أمته وملته وبلاده تحت سيادة دولة أجنبية
مخالفة له في الدين والجنس واللغة والاشتراع والآداب لأجل أن يكون تحت ظل
حمايتها متمتعًا هو وأولاده بألقاب الإمارة والملك , كما فعل حسين المكي بمقررات
نهضته المخزية الخاسرة.
وأغرب من ذلك وأخزى أنه قد أسرف هو وأولاده في التبجح بنسبهم وادّعاء
انحصار حق الملك والإمارة والإمامة فيهم دون من هم أصح وأصرح منهم نسبًا
وأكرم حسبًا , بما لهم مع شرف النسب من شرف الوراثة النبوية بالعلم والعمل , ثم
إنه على هذا الإسراف يسعى لنيل خلافة النبوة بنفوذ أعدى أعداء النبي صلى الله
عليه وسلم في أمته وملته وقومه وشرعه ولغته.
أما (مقررات النهضة) فقد وضعها بنفسه واختياره بدون مشاورة أحد من
العرب أو غيرهم من المسلمين , حتى إن ولده فيصلاً قد صرح وأذن بنشر
تصريحه بأنه لم يطلع على هذه المقررات إلا بعد ذهابه إلى لندن عقب هدنة
الحرب , وهو الذي نشرها في جريدة المفيد بدمشق.
وقد جاء في أول المادة الأولى منها: (تتعهد بريطانيا العظمى بتشكيل حكومة
عربية مستقلة) ... وفي أول الثانية: (تتعهد بريطانيا العظمى بالمحافظة على هذه
الحكومات وصيانتها من أي مداخلة كانت في داخليتها , وسلامة حدودها البرية
والبحرية من أي تعد بأي شكل يكون , حتى ولو وقع قيام داخلي من دسائس
الأعداء , أو من حسد بعض الأمراء فيه؛ تساعد الحكومة المذكورة مادة ومعنًى على
دفع ذلك القيام لحين اندفاعه , وهذه المساعدات في القيامات أو الثورات الداخلية
تكون مدتها محدودة؛ أي: لحين يتم للحكومة العربية المذكورة تشكيلاتها المادية اهـ
بنصه. ومعناه الصريح أن الإنكليز يظلون محتلين للبلاد العربية التي عهد إليهم
إيجاد حكومتها , وحامين لها إلى أن يصير عند حسين أو خلوفه أسطول كأسطولهم ,
وجيوش يقهر بها أعداء أمراء العرب! !
وقد كان وضعه لهذه المقررات إثر مراسلات بينه وبين المعتمد البريطاني
بمصر , أقرته فيها الحكومة البريطانية على انتحال الخلافة كما صرح به السير
(هنري مكماهون) في الكتاب الذي أرسله إليه في ١٩ شوال سنة ١٣٣٣- ٣٠
أغسطس سنة ١٩١٥ وهذا نص عبارته العربية بالحرف (من ص ٦١٦ج ٨م ٢٣
المنار) :
(فنحن نؤكد لكم أقوال فخامة اللورد (كتشنر) التي وصلت إلى سيادتكم عن يد
(علي أفندي) وهي التي كان موضحًا بها رغبتنا في استقلال بلاد العرب وسكانها ,
مع استصوابنا للخلافة العربية عند إعلانها، وإننا نصرح هنا مرة أخرى أن
جلالة ملك بريطانيا العظمى رحب باسترداد الخلافة إلى يد عربي صميم من فروع
تلك الدوحة النبوية المباركة) ! ! !
اعتقد هذا الرجل منذ وصل إليه هذا الكتاب أنه لم يبق بينه وبين منصب
الخلافة إلا أن يخرج الترك من الحجاز أو من مكة وما حولها , فإن ترحيب ملك
الإنكليز باستردادها كافٍ بعد ذلك لنيلها , وكان قد تقرر أن يبايع بها في موسم الحج
الذي أخرج الترك في أيامه من مكة وجدة والطائف , ولكن الله سلم , وكان من
فضله تعالى على كاتب هذا أنه كان سببًا لصرفه عن تلك المبايعة كما بيناه في
المنار مرارًا، وهو لم يقبل نصحنا له بترك مسألة الخلافة إلى ما بعد الحرب؛ إلا
لأننا أقنعناه بأن العالم الإسلامي كله ساخط عليه , وكاره لثورته , ويرجو انتصار
الدولة العثمانية مع حلفائها والعاقبة مجهولة , وبأن فشل انتحاله للخلافة معلوم
بالقطع.
على أنه كان مطمئنًّا بما يتمناه من انكسار الدولة؛ لأنه يعتقد أن الدولة
البريطانية لا تغلب، فانتظر وأعلن في بعض منشوراته الرسمية ترك مسألة
الخلافة إلى العالم الإسلامي , ثم صرح مرارًا بأنه لا يقبل منصب الخلافة إلا إذا
أجمع المسلمون على تقليده إياه، ونقل عنه هذا كثير من الجرائد، كما أنه صرح
مرارًا تصريحًا نقلته عنه جريدته (القبلة) بأن الخلافة قد ماتت وصارت إلى
رحمة الله تعالى، وذلك شأنه ودأبه في الإتيان بالنقائض والكلام المتعارض، وقد
يتعمد بعض هذا؛ لأجل أن يحتج لدى كل قوم من المختلفين في الرأي بما يراه
مقبولاً عندهم، أو لدفع بعض التهم، كما يكتب ويقول كثيرًا: إنه لا يطمع في ملك
ولا جاه ولا مال , وإنما يريد الخدمة العامة، وإنه مستعد لمبايعة كل من يرضاه
المسلمون للخلافة. ولكن أعماله وكذا أقواله تنقض هذا كله , وآخره انتحاله للخلافة
الآن.
على أنه كان منذ ذلك العهد يسعى للخلافة سعيها، ويبث الدعاة لها، وأول
من عرفناه منهم (رضا أفندي الصبان الدمشقي) الذي كان يتردد في أثناء الحرب
بين سورية ومكة، وقد أطلعنا مرة على (ورقة مبايعة) فيها أسماء كثير من
أهل الشام , ودعانا إلى إمضائها مع بعض وجهاء السوريين الذين كانوا هنا، فأبينا
(شرعًا وطبعًا) , وقال لنا بعض فضلاء أهل دمشق الذين اطلعوا على تلك
الورقة: إن بعض الأسماء التي فيها قد مات أصحابها , وبعضها لا مسميات لها،
وأكثرها أسماء بعض العوام الذين لا يفهمون معنى المبايعة , ولا يمتنعون من كتابة
أسمائهم، أو أذن الأمي منهم بكتابة اسمه بأدنى استمالة.
ولما دخل (الأمير فيصل) سورية مع الفاتحين من الخلفاء اعتقد أهلها أن البلاد
السورية بل العربية كلها قد استقلت , وخلصت السيادة عليها لأبيه إنجازًا لما وعدت
به على ألسنة دعاة الحجاز والإنكليز , ونصوص جرائدهم (كالقبلة) في مكة ,
و (الكوكب) في مصر، ونصوص المنشورات الهاشمية , والمنشورات المبهمة التي
كان الإنكليز يمطرونها على جميع البلاد العربية في زمن الحرب. وكانت الثقة بصدق
الإنكليز يومئذ لا تقل عن الثقة بكذبهم الآن! لهذا دعا فيصل ورجاله المسلمين إلى
مبايعة والده بالخلافة , فلبوا الدعوة مسرعين يقلد بعضهم بعضًا.
وقلما كان يوجد أحد منهم يشك في كون الملك حسين حل محل السلطان
العثماني في البلاد العربية , فصار يسمى ملكًا وخليفة , وكان خطباء المساجد
يذكرون اسمه في دعاء الخطبة ويلقبونه بأمير المؤمنين , ويذكرون بعده اسم الأمير
فيصل، وكان السيد حسين نفسه يعتقد ذلك أيضًا , حتى إنه أصدر أمره مرة بهبة
بعض المباني الأميرية في الشام؛ لأجل أن يتخذ مدرسة - ولكن لم ينفذ - وكان
يصدر إرادته بتوجيه الرتب العسكرية وترقية الضباط. حدثني ياسين باشا الهاشمي
أن الأمير فيصلاً بلغه مرة نص إرادة هاشمية بنقل بعض الضباط إلى رتب فوق
رتبهم , فرد عليه فيما معناه: إن هذا إفساد للنظام العسكري لا يمكن تنفيذه. (قال) :
ولكم أنتم أن تعطوهم من الألقاب والرواتب المالية ما شئتم , على شرط أن لا
يعدو أحد طوره ولا لقبه، ولا راتبه عندي في الجيش إلا بمقتضى القانون
العسكري.
ذلك - وإنني لما أمكنني زيارة سورية بعد الهدنة وكانت فرنسة قد استولت
على سواحلها من حدود فلسطين إلى حدود الأناضول كان مسلمو سواحل ولاية
بيروت يعتقدون أنها ستكون مع البلاد الداخلية إمارة واحدة , يتولاها فيصل من قبل
والده (ملك العرب وخليفة المسلمين) بمساعدة الدولة البريطانية! ! غرورًا بشهادة
فيصل الذي كان يقول لهم: يجب أن تربوا أولادكم على حب الإنكليز! ! وكان
من النادر أن ترى فيها من يفهم كنه اتفاق هذه الدولة مع فرنسة على اقتسام البلاد
العراقية والسورية , وعزم إنكلترة وحدها على سلب استقلال جزيرة العرب نفسها
واستعباد أهلها.
وكان أذكياء الناس يستغربون ما نبينه لهم من الحقائق عن الحجازيين
والبريطانيين- وهو ما لو سمعوه من غيرنا لكذبوه وعادوه- وكان بعضهم يناشدنا
أن لا نذيع عن الشريف ما يبطل الثقة به؛ لئلا يشمت النصارى بالمسلمين! !
ولكن لم تمض بضعة أشهر حتى عرف المتمرسون بالسياسة كثيرًا من الحقائق
ظهر أثرها في قرار المؤتمر السوري العام الذي أعلن به استقلال البلاد ووحدتها ,
فإنه لم يجعل لحكومة الحجاز ولا لملك الحجاز أدنى شأن في سورية لا باسم
الخلافة ولا باسم السيادة ولا باسم الاتحاد، فكان وقع ذلك الاستقلال كالصاعقة على
الملك حسين , وغضب على الملك فيصل غضبة مضرية عرفها جميع الناس.
على أن فيصلاً لم يكن يقدر على أن يجعل لأبيه من الأمر شيئًا لو أراد ذلك , وهو
لم يكن يريد؛ لأنه أعلم الناس بأن سلطة والده لا تطيقها الحجارة الصم. على أنه
لم يستطع إقناع إخواننا بقبول ما سموه (العلم العربي) إلا بعد عناء عظيم , فقبلوه
على شرط زيادة نجم فيه تفرقة بينه وبين علم الحجاز.
ولما تمكن الأمير عبد الله من أرض شرق الأردن؛ ليصد للإنكليز تعدي
العرب على فلسطين , ويؤمن لهم اختراق قلب صحراء العرب إلى العراق؛ طفق
يبث الدعاية فيها وفي فلسطين وسائر سورية لخلافة والده , وصرح بذلك لمراسل
جريدة اللواء المصري وغيره في الإسكندرية؛ إذ مر بها مسافرًا إلى إنكلترة
وفرنسة ... , وقد بلغت دعايته ما كان مجالاً للسخرية والانتقاد الأدبي؛ إذ
وضع فوق باب مسجد قرية عمان عاصمة شرق الأردن عند ترميمه حجرًا نقش فيه
أبياتًا نظمها له قاضي قضاته الشيخ سعيد الكرمي قال فيها:
حسين بن عون من بنى مجد عدنان ... فأضحى أمير المؤمنين بلا ثاني
أعاد له عرش الخلافة بعد ما ... ثوت زمنًا بالغصب في آل عثمان
فعجب الأدباء كيف خفيت على القاضي والأمير وشاعره الشريقي وغيرهم
النكتة التي في البيت الأول (أمير بلا ثان) ولها حكاية مشهورة مع بعض الشعراء.
ثم كثر الدعاة لذلك توطئة لقدوم الملك حسين إلى أطراف البلاد السورية
ولا سيما في موسم الحج الماضي (أي: سنة ١٣٤٢) , كما أشرنا إليه في المقال
الذي عقدناه لزيارته هذه وأسبابها ونتيجتها , ونشرناه في الجزء الثالث من هذا
المجلد وقلنا فيه: إن التخيلات ازدوجت بالواهمات، ولقحت بالأماني المستعذبات،
حتى جاءها المخاض بسقوط الخلافة التركية، أجهضت فولدت الخلافة العربية،
فالتقطها (ملك العرب الخيالي) سقطًا لم يستهل، ومضغة لم تكتمل، معتقدًا أن
الدعاية تتم خلقها، وتنفخ الروح فيها، كما فعلت بمنصب (ملك البلاد العربية
قبلها) !! إلخ.
كيف كانت مبايعة السيد حسين المكي في شونة شرق الأردن؟
بعد أن مهد الدعاة السبل أولاً في القدس الشريف مع رجال الوفد الفلسطيني
المرتبطين بالملك بالمساعدات المالية والسياسية وهم الذين تولوا جمع الوفود من
فلسطين ثم في سائر سورية، وبعد إعداد حكومة شرق الأردن وسائل الاحتفال لأجل
البيعة، بدأ البيعة أهل شرق الأردن ووفد المؤتمر الفلسطيني، وخالفه كثير من أهل
البلاد وجمعياتها وأحزابها , وتلا ذلك إرسال برقيات الدعاة إلى مدن سورية
المشهورة وغيرها بأن أهل الحل والعقد في فلسطين وسائر البلاد العربية وغيرها
قد بايعوا فلانًا، فكانت كل برقية تصل إلى بلد توهم أهلها أن هذه البيعة عامة ,
اشترك فيها ممثلو جميع شعوب العالم الإسلامي , وقد ساعدتهم وكالة البرقيات
الفلسطينية على هذه الدعاية , حتى كان في تلك البرقيات أن الخليفة التركي عبد
المجيد ومسلمي مصر والهند قد بايعوا وهم أبعد الخلق عن هذه المبايعة.
نموذج من برقيات الدعاية:
جاء في جريدة (الجزيرة) الفلسطينية ما نصه:
تلقينا يوم ١٠ الجاري آذار (مارس) من القدس التلغراف الآتي:
بايعت وفود فلسطين جلالة الحسين بالخلافة (يونس الخطيب) وتلقينا يوم
١١ الجاري من شونة عمان التلغراف الآتي:
اليوم بايع مندوبو فلسطين وقضاتها وأهل الحل والعقد جلالة الملك حسين
بالخلافة في مقره بالشونة بحفلة بالغة منتهى الجلال: البطاركة ورؤساء الأديان
(! !) ومراسلو الصحف ومشايخ العشائر كانوا حاضرين، أمير إحدى مقاطعات
الهند , شجاع الملك وحاشيته بايعته وشهدت الحفلة، الحماس شديد، والسرور عام
والمظاهرات على ساق وقدم- سورية بايعت وخطب باسم جلالته في الجامع
الأموي [١] . ... ... ... ... ... ... ... (المظفر) ... ... ... ... ...
***
الخليفة السابق يبايع الخليفة العربي
روت وكالة البرقيات الفلسطينية أنه شاع أن الخليفة السابق عبد المجيد أرسل
برقية إلى الملك حسين يبايعه فيها بالخلافة باسم آل عثمان.
***
مبايعة الهند
وروت أن الهنود أرسلوا برقية إلى الملك حسين , يبايعونه فيها بالخلافة.
ومن البرقيات التي نشرتها الجرائد السورية والفلسطينية ما ننقله عن
مراسل جريدة المقتبس الدمشقية في عمان , وهي التي أرسلها إليها في ١٣ شعبان -
٢٠ آذار (مارس) مع (منشور العودة) وهذا نصه:
(بيعة الهند) وردت على جلالة الملك برقية من الهند تفيد بمبايعة الهند
لجلالته , وهم يذكرون جلالته بلزوم تأسيس مجلس شورى عام من جميع الأقطار
الإسلامية مركزه للنظر في شؤون الإسلام بصورة عامة. كما أن برقية وردت
على جلالته من الوفد الفلسطيني الموجود في الهند تفيد مبايعة الأهالي لجلالة أمير
المؤمنين، وعند انعقاد المؤتمر الأول في الهند يدعون بالخلافة لصاحب الجلالة
بدون ريب) اهـ.
وهاتان البرقيتان من أغرب الأكاذيب الصريحة التي أحاطت بهذا الرجل
ولا سيما في مبايعته , فأهل الهند أشد المسلمين كرهًا له وطعنًا فيه وإنكارًا على
خلافته , ولكن صح أنه هنأه وبايعه رجلان من زهاء تسعين مليون مسلم في الهند
أحدهما يسمى الشيخ عبد الحي اللكنوي من شيوخ الجمود والحشو , والثاني أحد
أنصار الإنكليز في بمبي , وهو وأعوانه لا يمتنعون عن التعبير عن ذلك بأهل الهند ,
ورأينا لذلك نظائر في التعبير عن أهل مصر وغيرها؛ إذ هنأه وبايعه رجل
واحد من المعروفين فيها , وقد أذاعت جريدة (القبلة) تلك البرقيات الكاذبة , وأغرب
ما جاء فيها ما يأتي:
***
نموذج من برقيات جريدة القبلة غير السرية
ورد في آخر الصفحة الرابعة من عدد جريدة القبلة , الذي صدر بمكة في ٣٠
رجب متضمنًا مبايعة الحجاز ثلاث برقيات من (شونة عمان) نص الأول:
(أصبح في حكم المقرر إلغاء الخلافة , وإخراج الخليفة وكافة الأسرة العثمانية من
تركيا , وربما أعلن هذا بعد غد , فالرأي تعجيل العرب بمبايعة ملكهم الحسين بن
علي بها بمجرد إعلان مصطفى كمال لذلك) ومضمون الثانية: أن مجلس أنقرة قد
قرر ما أشير إليه في الأولى وهذا نص الثالثة:
**
ترشيح المقطم أمير الحجاز بالمبايعة وشهادته
بأهلية حسين للخلافة
(أمر مدير البوليس بإخراج الخليفة والأسرة. الصحف اليوم طافحة بالسخط
والآراء في الموضوع. صرحت المقطم بأن (الملك حسين) خير كفء للخلافة
مستجمع لشروطها) .
***
مقدمة مبايعة
وفد مؤتمر فلسطين ونص المبايعة
اجتماع الوفود في القدس للنظر في أمر الخلافة [٢]
(اجتمع في القدس وفود المدن الفلسطينية، خلا طبرية وبئر السبع
للمذاكرة في أمر الخلافة، وقد امتنع وفد نابلس عن الاشتراك في المذاكرة؛ لأن
النابلسيين يرون: إما عقد مؤتمر فلسطيني إسلامي للنظر في هذا الأمر , أو انتظار
ما تفعله بقية الأقطار الإسلامية، ولكن بوجود أهل الحل من كل مدينة (؟) تم
انعقاد المؤتمر الذي يقولون عنه فلم يبق من داعٍ للتأخير، بيد أنهم أصروا على
رأيهم، على أن معظم أهل نابلس يريدون مبايعة الملك حسين , وإنما هم
يستحسنون التربص في الأمر. أما رأي سائر الوفود فهو مبايعة الملك حسين
بالخلافة بعد مفاوضته في بعض الشؤون التي تهم فلسطين والأمة العربية والعالم
الإسلامي.
وقد عقد الوفود الجلسة الأولى في الساعة العاشرة من صباح يوم الإثنين
برئاسة الحاج أمين أفندي الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وانتخب السيد
شكري أفندي التاجي كاتبًا لضبط مقررات الجلسة، فشرح سماحة الرئيس الغاية من
الاجتماع وما آلت إليه الخلافة , وأنه لا يجوز بقاؤها عاطلة , وطلب إلى الوفود
المجتمعة أن تنظر في الأمر، فقال بعضهم: إننا جميعًا نؤيد فكرة مبايعة جلالة
الحسين، ولكن يجب أن نتفق وإياه على شروط البيعة. وسأل آخر عما إذا كان
يحق لنا انتخاب الخليفة باجتماعنا هذا , مع أننا جزء صغير من العالم الإسلامي؟
فأجيب بأن أمامنا ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب باختياره ستة من خيرة
الصحابة لانتخاب خليفة بعد وفاته وذلك خير منهج تنهج عليه الأمة [٣] وقد أقر
المجتمعون هذا الرأي، ثم دار البحث حول اشتراك وفد نابلس في الجلسة ,
ووجوب جمع الرأي الفلسطيني في الأمر وعدم تفرقه، وأخيرًا تقرر تأجيل الجلسة
إلى الساعة الثانية بعد الظهر.
***
الجلسة الثانية
افتتحت الجلسة الثانية الساعة الثالثة بعد الظهر في دار المجلس الإسلامي
الأعلى , فأعرب سماحة رئيس المجلس عن أسفه؛ لأن أهل نابلس ومفوضيهم
مصرون بكل أسف على عدم الاشتراك؛ ما لم يعقد مؤتمر إسلامي غير هذا، فطلبت
الهيئة البت في أمر البيعة , فوافق الجميع عليها. واقترح شكري أفندي التاجي
مندوب الرملة أن يكلف جلالة الملك تأليف مجلس من ثلاثين مندوبًا من الأقطار
الإسلامية يستشيره في أمور المسلمين , فأيد رأيه سليم أفندي عبد الرحمن ورفيق
بك التميمي، وهنا بين الشيخ محيي الدين أفندي الملاح عدم جواز البيعة بشروط ,
فأجابه فضيلة مفتي عكا الشيخ عبد الله أفندي الجزار: إن الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ
يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ
يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الممتحنة:
١٢) هي من قبيل نص الشروط في البيعة , فإذا أمر الله النبي بذلك في المبايعة
فلماذا نحيد نحن عنها؟ !
وهنا طلب البعض عدم وضع قيد أو شرط في المبايعة , ثم اتفق الرأي على
أن توضع شروط في مصلحة الأمة. ووضعت صيغة المبايعة وهذا نصها:
***
نص صيغة المبايعة التي قررت في القدس
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(نحن مفتي وقضاة وعلماء وأشراف ووفود البلاد الفلسطينية أهل الحل
والعقد [٤] بايعنا صاحب الجلالة الهاشمية ملك العرب الحسين بن علي بن عون
الهاشمي بالخلافة الإسلامية , على أن يكون الأمر شورى كما أمر الله تعالى، وعلى
أن لا يجري ما يخالف المصلحة العامة للمسلمين، وأن لا يكون البت في أمر البلاد
الفلسطينية , وفي شكل حكومتها ورأسها إلا برأي أهلها.
{فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا
عَظِيمًا} (الفتح: ١٠) ثم يلي ذلك أسماء الموقعين، ولكثرة المواد لم نستطع
سردها.
***
البيعة في دمشق [٥]
أرسل بعض أفاضل دمشق وأدبائها وتجارها البرقية الآتية:
عمان: أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الحسين بن علي , نصره الله وأبقاه.
نحيي جلالتكم بتحية الخلافة , ونبايعكم البيعة الشرعية على السمع
والطاعة عاقدين على ناصيتكم الغراء الآمال بمعزة الإسلام ومجد العرب.
عثمان الشراباتي , الحاج ياسين دياب , سعيد الباني , محمد علي دياب ,
شكري الشربجي , عبد الغني العسلي , موفق الحسيبي , محمد صائب العظم ,
درويش البكري , شفيق دياب , عبد القادر راضي , زكي الركابي , فهمي قزما ,
أحمد المنجد , محمد سعيد عبيد , أكرم الركابي , حمدي الشبندر , توفيق القباني ,
محمد الإمام , وجيه المالكي , نسيب شهاب , منير العيطه , أديب الصفدي , ثابت
القباني , عبد الوهاب أبو السعود , عبد الوهاب مغربية , حسام الدين الكزبري ,
إحسان العابد , ياسين الخانجي , رشدي الدقر , جميل الموره لي , فوزي الدقر.
واتصل بالصحف أن وفدًا كبيرًا يتألف من علماء دمشق ومفكريها يبرحها
قريبًا إلى عمان , يحمل مضبطة موقعة من العلماء والأعيان وهيئات الطبقات
الاجتماعية؛ لمبايعة جلالته , وتقديم التهاني باسم السوريين؛ لعودة الإمامة الكبرى
إلى أصحابها [٦] . اهـ
***
صورة بيعة مسلمي بيروت وملحقاتها
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ
عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح: ١٠)
هذه بيعة رضوان تشهدها الجماعة، ويشهد عليها الرحمن، ويلزم طائرها
العنق، بيعة شريفة بها السلامة في الدين والدنيا مضمونة.
ولما أصبح مقام الخلافة شاغرًا بسبب طرد الخليفة , وعجزه عن القيام بالأمر،
ولما كان نصب الإمام واجبًا على الأمة , وحيث لم يكن في البيت القرشي ولا في
الأقطار الإسلامية من تسلم إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم مقاليد أمورها ألا
وهو (كذا) , من انحصر فيه استحقاق ميراث أجداده الأطهار , المجتمع فيه
شروط الإمامة والقائم بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم , وخليفته سيدنا ومولانا
عبد الله ووليه (الحسين بن علي) أمير المؤمنين أيد الله تعالى ببقائه الدين، وكتب
له النصر إلى يوم الدين، وأعاد بعدله أيام الخلفاء الراشدين، والأئمة المجتهدين.
وحيث قد صحت إمامته , وانعقدت له البيعة من أهل الحل والعقد والعلماء
وذوي الرأي والعقل في كثير من الأقطار الإسلامية.
وحيث أصبحت طاعته واجبة للحديث الشريف (من خرج عن الطاعة وفارق
الجماعة مات ميتة جاهلية) فإننا نحن مسلمي بيروت نبايع جلالته على أن يهتم
بمصالح الإسلام , ويقدم الفتوى أمامه، ويقرن عليها أحكامه (كذا) , ويتبع
الشرع الشريف ويقف عنده ويوقف الناس، وأن جلالته يشهد وخليفته (كذا)
على أنه لا يريد سوى وجه الله (كذا) , ولا يحابي أحدًا في دين، ولا يحامي عن
أحد في حق (كذا) , وأن يسير بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
بيعة صحيحة شرعية , انعقد عليها الإجماع , ووصل بها الحق إلى مستحقه إن
شاء الله تعالى) .
بيروت في غرة شعبان المعظم سنة ١٣٤٢
(المنار)
هذه الصيغة منقولة عن جريدة الحقيقة البيروتية التي كانت أشد الصحف
إسرافًا في الدعاية لهؤلاء الحجازيين , وعلمنا أن المفتي وكبار العلماء وأكثر
الفضلاء لم يوقعوها بغير توقيع , وهي أشد الصيغ خطأً وكذبًا , ولا سيما الحيثيات
فكلها كذب كما سنبينه، وسنذكر في الجزء التالي بقية مبايعة سورية وصفه المبايعة
في الحجاز , ثم نعلق على المسألة ما نبين به الحق إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))