للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


صدمة جديدة على اللغة العربية
(٢)
ألمعنا في العدد السالف من جريدتنا إلى أن الساعين في محو اللغة العربية
الصحيحة من الوجود قد استنبطوا لهذه الغاية حروفًا لإحياء اللغة المصرية العامية،
حروفًا إفرنجية تقرب من يتعلمها من اللغات الإفرنجية، وتقصيه عن لغة كتابه
ودينه وأسلافه الذين يفتخر بهم، ويباهي بعلومهم وآدابهم، وتقطع النسبة بينه وبين
مشاركيه في الدين واللغة من أهل البلاد الحجازية المقدسة، وسائر البلاد العربية
التي تكتنف البلاد المصرية وترجو أن يلمع نور إحياء العربية من ربوع مصر
وأكنافها، فيستضيء به كل من ينطق بالضاد.
جاء في أول الكراسة التي ألفت في بيان فوائد هذا الاختراع أن الذي (استنبط
هذه الحروف (ولهلم سبتَّا) بك أمين الكتباخانة الخديوية، اللغوي الألماني المحقق،
الذي توفي سنة ١٨٨٣، وهو في الثلاثين من عمره. وقد استعد لذلك بدرس
حروف الهجاء وأساليبها في كل لغات الأرض، ولا سيما تغييرات حروف الهجاء
اللاتينية المستعملة الآن في أوروبا وأمريكا) .
وجاء فيها أيضًا ما نصه: (وألف سبتا بك كتابًا ألمانيًّا في صرف هذه اللغة
العربية المصرية ونحوها، وهو الكتاب العلمي الوحيد الذي وضع للغة من اللغات
العربية العامة. وجمع كتابًا أيضًا في الأمثال العامة، وقصصًا في اللغة العربية
المصرية، وترجمها إلى اللغة الفرنسوية. وكان عارفًا تمام المعرفة باللغة المستعملة
في كل القطر المصري، ومحبًا للمصريين، وغيورًا على مصلحتهم ومهتماً بخيرهم
ونجاحهم) . اهـ.
أما هذه المحبة والغيرة فإن آثارها تشبه آثار العداوة والبغضاء. متى وجد
غربي يسعى في خير الشرق للشرق؟ أما إنه لم يوجد إلا أناس تظاهروا بأعمال
مفيدة لأهل الشرق، فساعدهم عليها أهل الشرق، لكنهم لم ينالوا منها إلا الحرمان،
واجتنى ثمارها دونهم العاملون (تأمل ترعة السويس وغيرها)
إنهم ليختلبون عقولنا بالقول المموه الظاهر الذي ينخدع به المعتقدون
عظمتهم، والمشاهدون صدقهم في بلادهم، ولبني أوطانهم، ولكن أصحاب البصائر
يعرفونهم في لحن القول، ويتنسمون أغراضهم في مطاوي الكلام، بل يتهمونهم في
كل ما يدعون، وإن لم يظهر فيه وجه للخديعة، عملاً بالقاعدة العامة التي
عرفوها بالاختبار، وهي أن الغربي لا يعمل عملاً إلا لمنفعة وطنه وأمته. على
أن بعض دعاويهم الكاذبة لإصلاح الشرقيين هي من الظهور بحيث يراها العميان،
ولا تخفى على الصبيان (نعم إنها تخفى على الخشب المسندة) ، كالمسألة التي نحن
فيها الآن. أما حجج صاحب الكراسة الأربع، فهي داحضة عند من يبصر
ويسمع، وإنَّا نشرح ذلك بالتفصيل الذي يسمح به المقام على ما وعدنا في العدد
السالف، فنقول:
قال مبين فوائد الاختراع ومؤلف الكراسة (ولا ندري مَنْ هو ولا سبب إخفاء
اسمه، ولعله للإخلاص في هذه الخدمة) : إن نتيجة ذلك ستكون خيرًا على القطر
المصري:
أولاً: أن استعمال هذه الحروف يفيد تجاريًّا؛ لأنه إذا قدر التجار الأجانب
والعملاء الذين يرسلونهم إلى القطر المصري أن يتعلموا اللسان المستعمل هنا
بحروف سهلة التعلم، فكثيرون منهم يتعلمون هذا اللسان فيصير التاجر المصري
قادرًا على المعاملة معهم بلسانه من غير أن يتعلم اللغة الإنكليزية أو اللغة
الفرنسوية، فتسهل المعاملة التجارية والاجتماعية على كل طبقات الناس.
(المنار)
إن سهولة المعاملة التجارية على الأوربيين وتعميمها في القطر هي نكبة شديدة
على المصريين، بل جائحة تتلف عليهم ثمار أعمالهم، بل تنتزع منهم جميع ما
بأيديهم من مال وعقار، وجعلهم أجراء للسادات الذين يمتلكون بلادهم، بما لهم من
المهارة في الكسب والحذق في استعمار الأرض، ثم يعم بلادهم الفجور والخمور
التي تسلبهم ما ينقده لهم السادة المالكون من الأجور على أعمالهم اليومية، وتكون
فائدتهم أنهم خرجوا من كل شيء، وفقدوا كل شيء، وانقطع أملهم من كل شيء إلا
الحركة الدائمة في خدمة سادتهم العظام، كسائر الدواب والأنعام. والسعادة لمن يفوز
بدوام خدمتهم، فإنهم إذا تمكنوا في الأرض يستغنون بالآلات الصناعية عن العمال
والصناع إلا قليلاً منهم، ويضطر أهل البلاد الأصليون إلى المهاجرة والجلاء، إلا
من يلتصق بهم، ويتجنس بجنسيتهم، لغةً وديناً.
لا مبالغة في القول، فهذه طبيعة الوجود الإنساني، تنطق بكل لسان بأن العالم
يستخدم الجاهل، والقوي يستولي على الضعيف، ما وجد الأول للوصول إلى الآخر
سبيلاً، وليس بعد المشاهدة معاندة، ومع العيان لا يحتاج إلى برهان.
قال مختلق الفوائد: (ثانيًا) : إن لاستعمال هذه الحروف فائدة كبيرة في
التعليم؛ فإن عامة المصريين مثل عامة الشعوب الأخرى، لا يمكن تعليمهم ما لم
يتعلموا في المدارس اللغة التي يتكلمونها، ويتعلموها بواسطة حروف هجائية بسيطة
سهلة المأخذ ... إلخ.
(المنار)
إن الغرض من تعليم وتعلم القراءة والكتابة هو نشر العلوم والفنون، فأي علم
وضعت فيه المصنفات، وأي فن دونت فيه الدواوين باللغة العامية المصرية،
فيسهل تناوله من كثب، على من قرأ وكتب، يوجد في اللغة العربية الصحيحة
ألوف وألوف ألوف من كتب العلوم والفنون في اللغة وآدابها، وفي الدين من عقائد
وأخلاق وشريعة، وفي جميع الفنون القديمة والحديثة، فهل يكون صعود المصريين
في مراقي التعليم إلى قنة السعادة العليا بترك هذا كله، وتعلم اللغة العرفية في
المدارس بحروف إفرنجية؟ ! أظن أن الكتابة بالحروف الإفرنجية تكون عزاءً لهم
عما فقدوا، وعزًا وشرفًا فيما وجدوا؛ لأنها إفرنجية.
لعل الساعي بنشر هذا الاختراع يقول في تمويهه وخلابته: إن المصريين إذا
أقبلوا على تعلم هذا الخط، وعم أرجاء القطر، يتعلم الأجانب لغتهم، وإذا تعلموها
ومازجوا أهلها كمال الممازجة، يحملهم حب الإنسانية على تأليف كتب بها في جميع
الفنون، فيصبح القوم في جنة من المعارف عالية، قطوفها منهم دانية.
ويسهل علينا أن نقول في جوابه:
(أولاً) - إن هؤلاء الأجانب لا يحبون منفعة أحد من العالمين إلا أبناء
جنسهم. ومن يوجد منهم محبًا للإنسانية لا تتناول محبته أهل الشرق؛ لأنه يعتقد
خروجهم من نوع الإنسان.
(ثانيًا) - إذا سلمنا أنهم محبون لكل إنسان، ومخلصون بنشر المعارف في
كل مكان، فلا نسلم أنهم يقتدرون على إبراز علومهم في قوالب هذه اللغة السخيفة،
وإلباسها هذه الخلقان الضيقة، كيف وهم يزعمون أن اللغة العربية (سيدة اللغات)
لا تفي ببيان مخترعاتهم، وقاموسها المحيط لا يحيط ببعض مكتشفاتهم، وأنها هي
التي قصرت ببنيها عن التوسع في العلوم والفنون العصرية، كذب الخالبون إن اللغة
العربية ما قصرت، لكن قصرت الهمم، وإن الأمم لا ترتقي بلغاتها ولكن اللغات
ترتقي بالأمم، والوجود أعدل شاهد، لا ينكره إلا مكابر أو معاند.
(ثالثًا) - إذا فرضنا أنهم يقدرون على جعل هذه اللغة الفقيرة لغة علوم
وفنون، وأنهم بعد أن يتعلمها الشعب المصري بحروفهم يتعلمونها ويؤلفون فيها
الكتب المطلوبة - فهل يكون هذا إسراعًا في ارتقاء المصريين، مع أن الشروع به
لا يمكن إلا بعد عشرات من السنين؟ كلا، إن قوله: (إن المصريين لا يمكن
تعليمهم ما لم يتعلموا في المدارس لغتهم التي يتكلمون بها بحروف سهلة كهذه
الحروف) ، قول جاء على خلاف الحقيقة، والصواب: أنهم إذا اقتصروا على تعلم
لغتهم هذه يحرمون من كل علم، سواء كان تعلمها بحروف إفرنجية، أم بحروف
سماوية، وإذا تعلموها مع غيرها من اللغات التي يمكن تحصيل العلم بها، كلغة
أجدادهم، أو لغات الطامعين فيهم، فإنها تكون عائقًا لهم عن التعلم والتحصيل؛
لأنها تزاحم العلوم النافعة، وتأخذ زمنًا من وقتها، فإذا قيل: إنه لا يمكن تعلمها هي
(اللغة العامية) إلا بمثل هذه الحروف السهلة. قلنا: إن نهيق (الحمارة)
وصلصلة (اللجام) وتزيب (الغزالة) وبغومها (صوتها) يكذب هذا القول؛ فإن
لم يقنع قائله سلطت عليه (الشيطان) [*] ، فهو أولى بإقناعه من الحيوان.
نعم، يعسر تعلم العامية بالحروف العربية إذا كان مشروطًا معه عدم تعلم شيء
من العربية (كما هو المقصود) ، ولكن هذا ضرر على المصريين، لا نفع لهم،
فليكن متعذرًا لا متعسراً.
قال مبتدع الفوائد: (ثالثًا) إن استعمال هذه الحروف يحفظ اللغة العربية
(أي العامية) ، فإن كل تلميذ في المدارس العليا يتعلم الآن الإنكليزية أو الفرنسوية،
ولا تمضي مدة طويلة حتى يشيع تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الابتدائية أيضًا،
في المدن والأرياف، فيضطر أغلب السكان إلى تعلم لسان أجنبي، فكم تبقى اللغة
العربية بعد ذلك، سواء كانت معربة أو غير معربة؟ كم بقي إلى الآن من اللغة
القبطية، وقد كانت اللغة العامة في هذا القطر؟ وكم تبقى عربية أهل الجزائر،
حيث صارت المدارس فرنسوية؟ فالطريق الوحيد لحفظ اللغة العربية - مما حل
باللغة القبطية - هو حفظ اللسان الحي من الضياع باستعمال حروف هجائية يُكتب
بها.
(المنار)
إن هذه النصيحة (لو كتبت - كما قال ألف ليلة وليلة - بالإبر، على آماق
البصر، لكانت عبرة لمن اعتبر) ، إذا كان أدهى الناس وأشدهم حذقا في الخلابة
والخديعة هو الذي يستطيع أن يبرز المضرة في صورة المنفعة، ويقيم من الخزي
والشقاء مثالا للفوز والسعادة، فلا جرم أن من ينخدع له يكون أحمق الناس وأرسخهم
قدمًا في البلادة والهمجية. لقد وضع صاحب هذه الكراسة أصلاً صحيحًا وبنى عليه
حكمًا باطلاً. الأصل الصحيح: هو أن اللغة العربية معرضة للتلاشي والإمحاء من
القطر المصري الذي يتبعه سائر الأقطار؛ لأن من سنة الله تعالى في الكون أن
الضعيف يقلد القوي، والمغلوب يحتذي مثال المتغلب عليه في سائر شؤونه، وبذلك
انتشرت اللغة العربية في بلاد الروم والفرس والبربر، وانتشرت اللغة الإنجليزية
في أميركا وأستراليا ...
كانت هذه السنة جارية مع عدم مجاراة المتغلبين لها ومساعدتها بقهر
المغلوبين وإجبارهم على تقليدهم، وانتحال عوائدهم ودينهم ولغتهم، أو بأخذهم
بالتربية والتعليم اللذين يفيدان ما لا يفيد الإلزام والإكراه، كما تعلم من تاريخ دولتي
الإسلام العظيمتين العربية والتركية. فكيف يكون سيرها إذا ساعدها المتغلب عن
عقل وحكمة، فسهل أمامها الطرق، ومهد لها العقبات؟ إن المعارضة كما تكون
في القواعد الفكرية والشرعية، تكون أيضًا في السنن والنواميس الطبيعية،
ويمكن للإنسان في هذه أن يقوي المرجوح، ويضعف الراجح، بما يهديه إليه
العلم، فيختلف الترجيح.
كانت اللغة العربية سائرة على سنن الطبيعة مع فتوحات الإسلام، فعارضها
ما أوقف سيرها في بلاد الفرس وغيرها، ثم أرجعها القهقرَى، ولو كان لها
أنصار عارفون بعلم طبيعة الكون لأمكنهم إزالة تلك العوارض، وجعلها لغة جميع من
أظله لواء الإسلام. إن الأمم الغربية هي التي أفادها العلم الطبيعي ما تقدر به على
محو كل لغة تبوأت أرض أهلها إذا لم يعارضها أهل تلك اللغة بما يدفع تيارها عن
علم وبصيرة. وما يقال في اللغة يأتي في الدين، وفي سائر الشؤون. هذا هو
الأصل الصحيح الذي جاء به صاحب الكراسة، وأشار إلى إثباته بشهادة التاريخ وقد
زدناه بيانًا وإيضاحًا.
وأما الفرع الباطل الذي بناه على هذا الأصل فهو: أنه يجب معارضة
الناموس الطبيعي الذي ذكره بنبذ اللغة العربية ظهريًّا، وتعلم العامية (التي سماها:
عربية) بحروف إفرنجية، أيها الأحمق، بل العاقل المستحمق لجميع المصريين،
إذا كانت لغة العلم والدين لا تقوى على صد هذا التيار المنحدر، ولا يمكنها البقاء
معه (كما زعمت) ، فأنى يمكن بقاء هذا الهذر والخطل والكلام المعسلط (الذي لا
نظام له) ، ألا إنك تعلم أن ما قلت: إنه يحفظ العربية، هو إجهاز سريع عليها،
ولكنك غوي مبين.
لا ريب أننا في أشد الحاجة إلى تغيير طريقة التعليم التي عليها أهل الأزهر
وسائر المدارس العربية، وإلى إعصار فيه نار تحرق الكتب المملوءة بالآراء
والخلافات والشكوك والظنون والخرص والتخمين والإيجاز المخل والتطويل الممل
وإلا فلا يمكن أن نخطو خطوة، أو ننهض من كبوة، والبحث في هذا من أهم ما
أنشئ له المنار ولكل قدر أجل، ولكل وقت عمل.
قال منتحل الفوائد: (رابعًا) : إن هذه الحروف تقل بها نفقات الطبع،
فيسهل تأليف كتب جديدة متقنة للتعليم، ويزول بها خليط الألسن المستعمل الآن في
القطر المصري؛ لأنها تسهل على الأجانب تعلم لسان السكان، فيصيرون
يستعملونه في مخاطبة الأهالي بدل لغتهم المتخلفة، ويسهل بها استعمال آلة الخط.
(المنار)
أما قلة نفقات الطبع، فلا شك فيها، بل إن الطبع ينعدم بالكلية إلا من الأجانب؛
لأن هذه اللغة لا يمكن أن تكون لغة علم، ولا هي لغة دين، فلا حاجة لكتب تطبع
فيها، إلا ما يتعلم به الخط المخترع، ويكفي له الكراسة التي ألفها وأمثالها من
الرسائل الصغيرة التي يمكن طبعها في المطابع الإفرنجية (وهي كثيرة في مصر) ،
وتنطمس رسوم المطابع العربية بتعميم هذا التعليم، ويستغنى عما طبع وعما كتب
بالحروف القديمة واللغة البائدة، ويكون ذلك من الاقتصاد وتقليل النفقات التي
تستفيدها البلاد المصرية! ! (نعوذ بالله من الوقاحة ومن غمط الحق واحتقار
الناس) .
أما قوله: (ويزول بها خليط الألسن ... إلخ) فهو مما لا ريب فيه أيضًا،
ومما يحسن التنبيه عليه: أن اللغة العامية التي لأجلها استنبط هذا الخط المخترع
(كما زعم) هي مما يزول قبل اللغة العربية الصحيحة؛ لأن هذه تتوكأ على الدين،
فلا تمحق بالكلية حتى لا يبقى له بقية (والعياذ بالله تعالى) ، كما هو شأن
اللغة اللاتينية في البلاد الأوربية. يزول هذا الخليط كما قال ولا يبقى إلا لغة أو ثنتان
من اللغات الأجنبية، وهذه هي العلة الغائية للاختراع، والاهتمام في نشره.
وقوله: (وتقوى الرابطة الوطنية بين كل طوائف السكان) يصدق بالوطنية
الأجنبية الطارئة، فإنها هي التي تبقى ويزول كل ما عداها، فمن أمكنه أن يلتصق
بها كان من أهلها، وينقرض باقي الأمة، كما انقرضت هنود أميركا، وبهذا الشرح
تفهم النتيجة التي استنتجها حق الفهم، كما يفهمها هو لا كما يريد أن يفهمها
المصريون وهي قوله: (ونتيجة ذلك جعل الأمة المصرية أمة متعلمة عزيزة
الجانب متحدة الكلمة) ، ولا يكون ذلك إلا بقطع كل علاقة ورابطة بينها وبين ما
يتصل بها من الأقطار، وتعميم لغة أجنبية فيها ليتمكن أهلها في الأرض، ويكونوا
هم الوارثين. عند ذلك تكون الأمة التي تتبوأ مصر عزيزة الجانب كما هي عزيزة
الجانب في سائر الأقطار والأمصار! ! !
إذا أُلْقِيَ ما شرحناه على المتحذلقين من المصريين، يُنغضون رءوسهم،
ويحدجون بأبصارهم ويقولون: (إكبار وتهويل، وصياح وعويل، وما هو إلا كلام
بكلام) .
أما العقلاء فيعلمون أنه كلام حق، وأن الإفرنج إذا قالوا فعلوا، وإذا عملوا
أدركوا، وأنهم ما دخلوا قرية، ولا خالطوا أمة، إلا أفسدوا كيانها، {وَجَعَلُوا
أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل: ٣٤) .
إن نفوس سكان الولايات المتحدة نيف وسبعون مليونًا، وليس فيهم هندي من
السكان الأصليين. لا أُبعد عليك في المثال، هذه بلادك التي تسكنها أيها الغافل،
انظر فيها إن كان لك بصر، واعقل إن كان لك لب، ثم ارجع إلي باللوم والتفنيد،
أو بالشكر والتحبيذ [**] .