للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الوهابيون والحجاز
عود على بدء

المقالة الثالثة
ذكرنا في المقالة الأولى من هذه المقالات أننا استأنفنا الكتابة في هذا
الموضوع , في وقت لا نملك فيه مراجعة شيء مما عندنا من المحفوظات المتعلقة
به , وهو وقت نقل مكتبنا وما فيه إلى دار أخرى , فكان اعتمادنا على ما نَذْكُر مما
سمعنا وقرأنا , ومنه الكثير مما كتبه أجراء الدعاية الحجازية الحسينية العلوية في
المعاهدة البريطانية النجدية وغيرهم , وأننا على اعتقاد أن أكثر ما يكتبونه مفتريات
وأباطيل وخداع وتضليل , قد عَلِقَ في ذهننا بعضه , فتوهمنا أن في هذه المعاهدة
نصوصًا في تقييد استقلال سلطان نجد فوق ما بيناه في المقالة الثانية التي كتبناها ,
بعد أن أتيح لنا الاطلاع على نصها الذي نشر في العراق ثم في سائر الأقطار
العربية , إذ كان قد طال عهدنا بالاطلاع على ذلك الأصل , وكان من هذا الوهم أن
من القيود السلبية التي قيد بها سلطان نجد , أنه لا يستطيع أن يحارب بلاد موالية
للدولة البريطانية بدون إذنها , إذا أكثر أنصار حسين وعلي من اللغط بأنه تحت
الحماية البريطانية , وأنه لم يهاجم الحجاز إلا باتفاق مع الدولة الحامية له , ولكننا
رأينا رجاله يهاجمون العراق وشرق الأردن أيضًا , وتتصدى الطيارات البريطانية
للمهاجمين عليها من الوهابيين فتدفعهم عنهما؛ فلهذا ولما ذكرنا من اتفاق سلطان نجد
مع السيد محمد علي الإدريسي من قبل ومع الإمام يحيى من بعد , ولما عرفه
القاصي والداني من اتفاقه مع نوري باشا الشعلان أمير قبائل الرولة , على أن
يشغل هذا بقبائله (الجوف) بشرط أن يمنع الإنكليز من مد سكة حديدية بين
فلسطين والعراق تمر منه؛ لهذا كله قلنا: إن تلك المعاهدة أمست قصاصة ورق لا
قيمة لها.
وقد اتفق لنا عند الشروع في كتابة المقالة الثانية أن رأينا نص المعاهدة في
بعض الجرائد قبل أن يتيسر لنا مراجعة الأوراق , فلم نر فيها شيئًا يمنع سلطان
نجد أن يكون غازيًّا ولا فاتحًا , ولا أن يتصرف في بلاده بما يشاء كما يشاء , إذا
لم يدخل فيها نفوذ دولة أجنبية , وهذا قيد يمنعه مما يضره ولا ينفعه , وأما منعه
إياه من عقد الاتفاقات مع الحكومات والدول , فإذا كان يشمل الحكومات العربية
المجاورة له , فقد نقض المعاهدة بمخالفته , وإن كان لا يشملها فلا يضره هذا
الشرط الآن , إذ ليس من مصلحة نجد أن تكون ذات علاقة بالدول الأجنبية , ولا
هي مستعدة لذلك , وللمستقبل حكمه واستعداده.
وإننا قبل أن نبين ما وعدنا به من المقابلة بين سلطان نجد وبين الشريف
حسين وأولاده , نقول: إننا كنا ذكرنا في المقالة الأولى أننا سمعنا خبر المعاهدة
البريطانية النجدية أول مرة من الملك فيصل في الشام , (وكان اجتماعنا به هنالك
سنة ١٩٢٠) , كما ذكرنا أننا سمعنا خبر اختيار ابن السعود عدم الدخول في الحرب
العامة في جانب الدولة العثمانية ولا في جانب الدولة البريطانية , وذكرنا تعليله نقلاً
عن صديقنا السيد طالب بك النقيب , ونتذكر أننا سمعنا منه أنه كان قد كلف
مخاطبته في هذه المسألة وأنه نصح له بما يليق به من حيث هو أمير مسلم وهو ما
فيه مصلحته , وقد فهم المشار إليه أننا نعني بما قلناه: إنه كان هو الذي وسط بين
الإنكليز والأمير وابن السعود في عقد هذه المعاهدة , فكتب في الجرائد تصحيحًا
للخبر هو أنه كان أخبرنا بأنه هو الذي توسط بين الأمير ابن السعود وبين الدولة
العثمانية في عقد الاتفاق الذي أشرنا إليه في المقالة الأولى , وكان ذلك قبل الحرب
وأما المعاهدة المذكورة فقد عقدت بعد نفيه من العراق في أوائل الحرب , وحدد لنا
الزمان والمكان اللذين أخبرنا فيهما بما ذكر , وهو إنه كان على مائدة الإفطار بدارنا
في شهر رمضان من سنة ١٩١٦ , وذكر بعض الذين كانوا معنا ليلتئذ , وقد تذكرنا
ولكن هذا غير ذاك فنحن لم نقل ولم نقصد بعبارتنا الوجيزة المبهمة أن صديقنا
توسط في معاهدة سنة ١٩١٥ , إذا صرحنا بأننا لم نسمع خبرها إلا من الملك
فيصل سنة ١٩٢٠ , وإنما العالق بذهننا أن الإنكليز لما أعلنوا الحرب مع حلفائهم
على الدولة العثمانية , وشرعوا يغرون أمراء جزيرة العرب بأن يكونوا معهم عليها
كان نصيبهم من ابن السعود ما ذكرنا من الاتفاق السلبي , ولم نكن نعلم أنه كان
بمقتضى معاهدة مكتوبة وقد ذكرنا هذا مرارًا في المنار وغيره؛ أي الاتفاق السلبي
فإن كنا واهمين في سماع هذا الخبر من صديقنا (طالب بك) , وأنه كان كلف
مخاطبة ابن سعود فنصح له , فإننا نسغفر الله تعالى , ولا نرى عليه غضاضة فيه
فنستغفره هو , وإنما نعد ذلك من حسناته.
أما بعد فهذا أوجز ما يقال: في مسألة المعاهدة البريطانية النجدية على فرض
صحتها , وكون هذا الذي نشره الحجازيون هو نصها , ليس فيه تحريف ولا تزوير
مما اعتادوه حتى في الرسميات , كما حرفوا نص ما كتبته جمعية الخلافة في الهند
لملك جدة الشريف علي تحريفًا يغير المعنى , وإن زعم نصيرهم المقطم أنه لا فرق
بين الأصل الذي كتبه إليه رئيس وفد الخلافة وبين تحريف الكتاب الأحمر
الحجازي في المعنى , كأن المقطم يرى أن إذا الشرطية بمعنى ما المصدرية ,
وسيأتي بيان هذا في مقال آخر.
والأمر الواقع الذي لا يحتمل التحريف ولا التأويل أن السلطان ابن السعود
سلطان مستقل في بلاد نجد وملحقاتها , ليس في بلاده أجنبي مسيطر ولا غير
مسيطر عليه أو له نفوذ ما في بلاده - وأنه يغزو ويضم بلادًا إلى بلاده , ويعقد
المعاهدات بينه وبين من يتفق معه من الحكومات المجاورة له بدون أدنى تدخل من
الإنكليز وغيرهم - وأن رجاله قد غزوا بعض قبائل العراق وشرق الأردن , التي
هي بمقتضى سياسة أمراء أو ملوك البيت الحسيني تحت سلطان الإنكليز بالفعل ,
وقاومهم هؤلاء بطياراتهم , وأخيرًا هاجم الحجاز , وطرد منه رئيس هذا البيت
الذي سمي ملك العرب وخليفة المسلمين , واحتل عاصمته , وحصر ولي عهده
الذي ادعى الملك في أحَدِ ثغوره , وقد ظهر للقاصي والداني كراهة الإنكليز لهذا
الأمر وما قبله , وعلموا أنهم أرسلوا إليه من يفاوضه فيه بصفة غير رسمية , فأبى
أن يقابله وأن يكلمه في ذلك فعاد خائبًا.
هذا هو الحق الواقع الذي لا تستطيع حكومات البيت الحسيني البريطانية ولا
دعاتها ومقطمها أن يحرفوه , ولا أن ينقضوا منه شيئًا , ولا أن ينكروا أن نجدًا
كانت إمارة صغيرة , قد تقلص ظل أمرائها آل سعود عنها , فأعاده السلطان عبد
العزيز بن عبد الرحمن الفيصل هذا , ووسع الإمارة , فصارت سلطنة , شهد أهل
المعرفة من الشرقيين والأوربيين أنها أعظم قوة في بلاد العرب.
فماذا فعل البيت الحسيني الحجازي؟
سنحت للشريف حسين فرصة لتأليف قوة عربية بوحدة حلفية تحت رياسته ,
كانت تكون هي الوسيلة الوحيدة لتأليف مملكة قوية مستقلة , فلم يعقل ذلك ولا
رضي به , وفاوضه الإنكليز في موالاته لهم , وإثارة العرب على الدولة العثمانية ,
فلو اشترط في القبول اعترافهم واعتراف أحلافهم باستقلال البلاد العربية بنص
رسمي لأمكن قولهم , ولكنه استبد بالأمر , وعرض عليهم من تلقاء نفسه تلك المواد
التي سماها (مقررات النهضة) التي صرح فيها بأن الأمة العربية بمنزلة القاصر
في حجر الدولة البريطانية , وأن هذه الدولة هي التي تؤسس له مملكة عربية
وصفها بكلمة مستقلة , وبأن على الدولة البريطانية أن تكون حامية لها من الداخل
والخارج حتى من الفتن الداخلية والثورات المحلية , وأن تختار لها العمال
والموظفين , وأن الدولة البريطانية تحتل البصرة من ولايات العراق؛ لأجل تأمين
حماية البلاد العربية , إلى أن يصير للدولة العربية في ظلها من القوة ما يكفي
لحماية نفسها بقوتها , ثم اعترف لها بحقوق خاصة في جميع العراق , وبتأجيل
البت في مسألة سورية الشمالية لما تدعيه فرنسة من الحقوق فيها إلخ.
كانت هذه المقررات سرًّا مكتومًا فأفشاه الأمير فيصل , ونشره في جريدة
المفيد بدمشق الشام , ثم قرأنا في جريدة الملك حسين التي سماها القبلة أنه قد كتب
إلى الدولة الإنكليزية مرارًا بالاستقالة من ملك الحجاز , وأن يعينوا فيه ملكًا غيره! !
هذا شأن الحجاز الذي تفتخر الدعاية الحجازية بأن حسينًا جعله مستقلاً بالفعل
وما جعله مستقلاً إلا مكانته الدينية , التي منعت الإنكليز من تنفيذ ما اقترحه حسين
في قرارات نهضته من حمايتهم له من الداخل والخارج.
وأما فيصل فخدع أهل سورية خداعًا فوق خداع والده , الذي نومهم تنويمًا
كانوا يحلمون فيه بالمملكة العربية المستقلة , خدعهم بتلك الخطب التي كانت تهدر
بها شقاشقه بكفالة الاستقلال التام الناجز لسورية , وبأنه هو ابن محمد صلى الله
عليه وسلم , ويتبرأ منه إن كان يرضى لسورية بما عدا الاستقلال المطلق من قيود
الوصاية والحماية وغيرها - وقد رضي فبرئ - فلما جاءت لجنة الاستفتاء
الأميركانية إلى سورية للوقوف على رأي أهلها , أمره سادته الإنكليز بأن يحمل
الأهالي على طلب الوصاية البريطانية , ففعل , ولكنه لم يطع وصرح بأنه غير
سياسته فجأة؛ لأنه علم علمًا قطعيًّا بأن الوصاية لا بد منها , وأن طلب الاستقلال
التام المطلق يفضي إلى جعل الوصاية لفرنسة , فهو إذًا خيانة للوطن أو هو الخيانة
العظمى (!) .
ثم ذهب إلى إنكلترا فأمرته حكومتها بأن يتفق مع مسيو كلمنصو الرئيس
الفرنسي على قبول انتداب فرنسا لسورية , وإقناع السوريين بذلك , فأطاع , وعاد
إلى سورية؛ لإقناع زعمائها بذلك , فأعجزه الإقناع , وأعلنت البلاد استقلالها ,
وجعلته ملكًا عليها ليرجع عن هذا الرأي , ويكون لها على الأجنبي دون العكس ,
فرجع في الظاهر دون الباطن , ولما أرسل إليه الجنرال غورو إنذاره المعروف في
يونيو سنة ١٩٢٠ , حاول أن يخدع المؤتمر السوري؛ ليفوض الأمر إليه , فعجز ,
فحل عقد المؤتمر , وقبل الإنذار الفاضح , وحل الجيش المدافع , وخرج من دمشق ,
فأقام في ضواحيها إلى أن احتلها الجيش الفرنسي , فلما تم الاحتلال عاد إليها
ليكون في ظل الانتداب الفرنسي ملكًا عليها.
وبعد طرده منها عاد إلى أولياء أمره الإنكليز الذين سل سيفه تحت قيادتهم ,
وساعدهم على فتح القدس الشريف والشام , وأخذ ثأر القرون الطويلة من العرب
والإسلام , شاكيًا لهم ما أصابه , معلنًا لهم ثباته على إخلاصه لهم , فأرسلوه إلى
العراق , وجعلوه ملكًا عليه , فجاهد ولا يزال يجاهد في سبيل توطيد نفوذهم فيه
بالاسم الذي يريدونه.
وأما عبد الله فقد جاء شرق الأردن بعد فرار أخيه من سورية , في أثر
مكاتبات بين بعض أحرار السوريين الذين لجؤا إليها وبين والده , وكانت هي
المنطقة الحرة التي لم تدخل في الانتداب لا لفلسطين ولا لسورية , وكان لأولئك
الوطنيين الأحرار من الآمال فيها وفي الملك حسين وفي الأمير عبد الله ما كنت في
حيرة منه , ولم أجد له تأويلاً - بعد أن علموا من كذب هذه الأسرة وخداعها ما لا
يمكن تأويله - إلا تعلق الغريق بحبال الهواء (كما يقال في تلك البلاد) فما زال
الأمير عبد الله يجاهد في هؤلاء الأحرار , ويسرف في أموال المنطقة , ويحكم فيها
عبيده , ويتزلف إلى الإنكليز والصهيونيين , حتى وضع المنطقة في دائرة الانتداب
الفلسطيني , وأوصل نفوذ الإنكليز واليهود إلى حدود الحجاز بإذن والده (المنقذ
الأعظم) ورضاه , وهو أَحَبُّ أولاده إليه.
وأما علي ولي عهد والده , وهو الذي كان يظن أنه خيرهم إن كان فيهم خير
فهو (يمثل الآن شر دور من أدوار القضية العربية) كما يقال في التعبير العصري ,
فإن الداء الذي جعل أباه وأخويه نكبة على العرب والإسلام متمكن منه كتمكنه
منهم أو أشد , وفيه جميع مساويهم إلا خزوانة الجبروت فلم يحك لنا عنه منها شيء؛
لأنه ضعيف الإرادة [١] .
أما الداء الذي نعنيه فهو الافتتان بلقب الملك ومظاهر عظمته , ولو في ظل
دولة أجنبية , بل هو متواطئ معهم على أن يكونوا كلهم ملوكًا في حماية الدولة
البريطانية , وقد أخبرني رئيس الوفد الهندي أنه ثبت عندهم في جدة أنه عرض
على المعتمد البريطاني فيها أن يكون الحجاز تحت الحماية البريطانية رسميًّا
ليصدوا سلطان نجد عنه , وكلفه أن يكتب إلى دولته بذلك , فأجابه: بأن دولته
قررت الحياد رسميًّا فلا تعدل عنه , فكان هذا مصداقًا للروايات الكثيرة المختلفة
المصادر في ذلك وأن كذبها دعاة سياستهم في مقطمهم وغيره , ونبين هذا في مقال
آخر.
وأما المساوي المرادة هنا فهي الجهل والاستبداد , والخداع والكذب , والأثرة
والغرور بالنسب باعتقاد أنهم أولى الناس بالسيادة على العرب , وأحقهم بالملك
والخلافة بنسبهم الذي يشاركهم فيه ألوف لا تحصى , كثير منهم يفضلونهم كل ما
يتوقف عليه الملك من علم وخلق وعمل.
فعلي هذا متواطئ مع أبيه على ادعاء خلعه , وإخراجه من الحجاز , وكون
أهل الحجاز بايعوه على أن يكون ملكًا دستوريًّا على الحجاز وحده - وكونه يعترف
لكل إمارة في جزيرة العرب باستقلالها إذا اعترفوا باستقلاله في الحجاز - وهذا كله
كذب وخداع , وكذا وجود حزب وطني حجازي ينطق بلسان أهل الحجاز , ويعبر
عن رغابتهم , وقد كنا نرتاب في كل خبر من هذه الأخبار عند نشرهم إياه , ثم
تأتينا الأنباء الصادقة باليقين الموافق لرأينا , ومن المؤسفات أننا كنا في شواغل
حالت دون بيان رأينا في الجرائد , على أننا كنا نذكره لكل من نتكلم معهم في هذه
الشؤون , وذكرنا بعضه في الخطاب العام الذي ننشره في هذه الأيام في المنار.
وقد كانت أخبار الوفد الهندي الصادقة آخر ما جاءنا من الحقائق الموافقة
لرأينا , ومنها أن عليًّا لا يزال يخاطب والده بألقاب الملك والخلافة وإمارة المؤمنين
وأن الحزب الوطني مؤلف هنالك من محمد الطويل وطاهر الدباغ من أركان
حكومة علي , ولم يبق ممن كانوا خدعوا به , ودخلوا فيه من الحجازيين أحد ,
والذي نعلمه نحن أن الأول تركي الأصل والثاني مغربي - ولهما مندوبان بمصر
هما: حسين الصبان الذي كان مدير جريدة القبلة وعبد الرؤف الصبان وهما اللذان
ينشران الدعاية باسمه- ومما قاله رئيس الوفد وأعضاؤه وهو معروف عندنا وعند
المختبرين أنه ليس في حكومة علي في جدة نفوذ لأحد من أهل الحجاز , فإن
الجند وضباطه سوريون , وكذا جُلُّ رجال الحكومة على قلتهم.
ومن غريب أحداث الزمان أن أهل هذا البيت الحسيني يبغضون السوريين
أشد البغض وأن السوريين كانوا أشد أنصارهم في الحجاز وسورية وشرق الأردن،
وهم الذين سموا كبيرهم خليفة المسلمين وأمير المؤمنين المرة بعد المرة، ولكن لما
كان كل ذلك في كل وقت مبنيًّا على أساس مُنافٍ للحق ولمصلحة العرب ولشريعة
الإسلام لم تكن عاقبته إلا الخيبة والخذلان.
وجملة القول أن علي بن حسين قد حصن ثغر جدة بمال أبيه ومساعدة أخيه
وبما استأجر له من الجند من شرق الأردن وسائر فلسطين وسورية , وبما ابتاع به
من السلاح والذخائر وعدد القتال من أوربة , وسمى نفسه ملك الحجاز , وقد
عرّض بلاد الحجاز بهذا للحرب والجوع , وهو مستعد لمنع الحج إذا عجز
الوهابيون عن الاستيلاء على جدة قبل الموسم , بل هو يستحل إهلاك الحجاز وأهله
والعرب والعجم لإستعادة ملك الحجاز له والخلافة لوالده , فالخلاف بين علي بن
حسين وحسين بن علي من جهة والسلطان ابن السعود من جهة أخرى قائم على هذه
المسألة , وهي أنه هو يريد إنقاذ الحجاز من أهل هذا البيت الظالم وأهله , وجعل
أمره لأهل العقل والبصيرة من أهله ومن سائر العالم الإسلامي , وهما يريدان أن
يكون ملكًا لهما يتصرفان فيه وفيمن يرد إليه من مسلمي العالم كله , كما يشاء
كبيرهم الذي ثبت بالتواتر العام ظلمه وإلحاده في الحرم , وسوء إدارته ثم من يرثه
منهم.
((يتبع بمقال تالٍ))