للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الحج في هذا العام (١٣٤٣)

كان للدول المستعمرة المسيطرة على الشعوب الإسلامية غرض واحد من
السعي لمنع الحج وهو معروف لكل المسلمين بسياسة الاستعمار، فصار لهم في
هذا العام غرضان، ثانيهما: أن لا ترى شعوبهم إدارة إسلامية صالحة في حرم الله
عز وجل كإدارة السلطان عبد العزيز آل سعود، فيحدث لهم أمل جديد في حكومة
إسلامية عادلة مستعدة لأن تكون دولة قوية، تقدر أن تنقذ الحرمين الشريفين من
وقوعهما تحت سيطرة الاستعمار الذي رضيه لهما الشريف حسين وأولاده علي
وعبد الله فيصل كما رضوه للعراق وسورية وفلسطين، على شرط أن يكونوا
ملوكًا وأمراء فيه تحت السيادة الإنكليزية، كما بيناه مرارًا بالبراهين التي لم يقدر
أن ينقضها أحد منهم ولا من أُجَرائهم.
أذاع السلطان عبد العزيز منشورًا في الدعوة إلى أداء فريضة الحج، ونشر
في جريدة أم القرى المكية، ووزعت منه نسخ مستقلة كثيرة في مشارق العالم
الإسلامي ومغاربه، ونشر في أشهر صحف مصر وسورية والهند وجاوه وغيرها
من الأقطار، ذكر فيه أمن الطريق، وفتح ثلاث من ثغور الحجاز لنزول الحجاج
فيها، القنفذة والليث في جنوب جدة ورابغ في شمالها، فطفق الأجانب يدسون
الدسائس ويثيرون الهواجس والوساوس؛ لتخويف المسلمين من سبيل الحج،
ويدَّعون أن جيوش الشريف على المحصور في جدة وأساطيله واقفة للحجاج
بالمرصاد، فهم على خطر أينما توجهوا من بر وبحر، وأن الحجاز ولا سيما مكة
المكرمة في مجاعة، فيخشى على من يجيئها من الحجاج أن يموتوا جوعًا إن هم
نجوا من جيوش الشريف علي (ملك الحجاز) وتجاوبت بمثل هذا البرقيات
الإنكليزية من جدة ولندن والهند، ولبعضها صفة رسمية بريطانية، كزعم قنصل
الإنكليز في جدة عدم صلاحية الثغور المذكورة لنزول الحجاج، وعدم وجود
الأقوات وغيرها مما يحتاجون إليه، فيها حتى نصحت الحكومة الهندية البريطانية
مسلمي الهند بأن لا يحج أحد منهم في هذا العام، فلم يقبلوا نصحها (وقد يستفيد
الظنة المتنصح) وتابعتها حكومة مصر فنصحت للمصريين بمثل ذلك، وزادت
أن فرضت على من يريد الحج دفع تأمين لها ضِعفَي ما كانت تأخذه من كل حاج
عاقبة ذلك على مثل هذه الإذاعات التي كانت تنشرها جريدة المقطم، المنشأة؛
لخدمة السياسة البريطانية والمنفردة بترويج الدعاية الحجازية، حتى إن أحد
محرريها قال لبعض الناس قبل نشر الحكومة لقرارها بأيام: إننا قد نجحنا في منع
الحج في هذا العام، ولا غرو فنفوذ الإنكليز بمصر في هذه الأيام، أقوى مما كان
في كل زمان، وإننا كنا طبعنا نداء سلطان نجد عند وصوله، ووزعنا منه نسخًا
كثيرة وهذا نصه:
نداء عام إلى جميع المسلمين في
مشارق الأرض ومغاربها.
مكة المكرمة ١ شعبان سنة ١٣٤٣ ... ٢٥ فبراير سنة ١٩٢٥.
من سلطان نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود إلى كافة إخواننا
المسلمين في أقاصي الأرض وأدانيها.
نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه، ونستفتح بالذي هو خير، وبعد فلقد مَنَّ الله علينا وأمدنا بعنايته في دخول
هذه البلاد المقدسة، وتفضَّلَ علينا ومكننا من طرد الحسين وأولاده الفئة الباغية من
هذه الديار المطهرة، وبذلك زالت والحمد لله دولة الظلم والجبروت، وحلت
الشريعة السمحة محل الأغراض والأهواء، وتوزع العدل بين الناس سواء في ذلك
الصغير والكبير والشريف والوضيع، فسَادَ النظام في البلدة المطهرة وفي سائر
أنحاء البلاد، واستتبَّ الأمن وعمَّتْ السكينة والطمأنينة سائر الأرجاء بصورة لم
تعهد من قبل، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة:
٥٤) , وهذا مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من
أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله) تبارك وتعالى.
هذه هي الحقيقة الراهنة في البلاد، ولكن الحسين وأولاده وأشياعهم قعدوا في
الخارج يخلقون الأراجيف، ويشيعون الأكاذيب عن الموقف الحربي في الحجاز
وعما يمكن أن يؤول موسم الحج في هذا العام تضليلاً للأفكار وتشويهًا للحقائق.
ولما كان من أجلِّ مقاصدنا خدمة الإسلام والعالم الإسلامي، وهو المبدأ الذي
اتخذناه عند الشروع في هذه القضية العظيمة الشأن، رأيت الواجب يدعوني لأبين
للمسلمين عامة ما يأتي:
(١) أن جندنا قد حصر علي بن الحسين وجنده وقُواه في بلدة جدة التي
أحاطها بالأسلاك والحصون، وضيق عليه تضييقًا عظيمًا، وسيخرجه منها في
وقت قريب إن شاء الله تعالى.
(٢) أننا نرحب ونبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله الحرام من كافة
المسلمين في موسم هذه السنة، ونتكفل بحول الله بتأمين راحتهم والمحافظة على
جميع حقوقهم، وتسهيل أمر سفرهم إلى مكة المكرمة من إحدى المواني التي
ينزلون إليها وهي رابغ أو (الليث) أو (القنفدة) وقد أحكم فيها النظام واستتب
الأمن استتبابًا تامًّا منذ دخلتها جيوشنا، وسنتخذ من التدابير في هذه المراكز جميع
الوسائل التي تكفل تأمين راحة الحجاج إن شاء الله تعالى.
(٣) أعلن لكافة إخواننا المسلمين أنه لم يبق أثر للمشاكل والعراقيل التي
كان يضعها الحسين ضد المشاريع الخيرية والاقتصادية، وأن أبواب الحجاز
مفتوحة لجميع من يريد القيام بأي عمل خيري أو اقتصادي، وأن الحكومة المحلية
مستعدة للقيام بجميع التسهيلات الممكنة؛ لتنشيط من يريد القيام بهذه المشاريع
الخيرية والاقتصادية.
هذا ما أردنا إعلانه للناس كافة؛ ليحيط الجميع علمًا به، سائلاً الله تعالى أن
يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، ويهدينا وإياكم إلى سبيل الرشاد، إنه ولي التوفيق،
نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... سلطان نجد
... ... عبد العزيز عبد الرحمن
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الفيصل السعود