للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: شكيب أرسلان


بمناسبة كتاب مفتوح [١]

حضرة الأستاذ الثقة الحجة مفخر العالم الإسلامي السيد رشيد رضا نفع الله به.
سنة ١٩١٨ أي السنة الأخيرة من سني الحرب الكبرى بلغني إذ أنا في
الآستانة أن الأمير عليًا بن الملك الحسين بن علي أغار على أطراف حوران وجبل
الدروز واستجاش أهالي تلك الديار للقيام على الدولة العثمانية والالتحاق بالجيش
الحسيني العربي الذي كان يعمل يدًا واحدة مع الجيش البريطاني في جنوبي سورية،
وبلغني أيضًا أن الزعماء الذين استفزهم للثورة أجابوه يومئذ بأنهم يأبون أن يقبلوا
دعوة لم تكن لتفيد غير الأجنبي الطامح إلى الديار، والطامع في القضاء على ما
بقي من ملك الإسلام، وأنذروه بالحرب إن لم يعد من حيث أتى، فحررت كتابًا
مفتوحًا إلى الأمير علي بن الحسين أحذره فيه عاقبة هذه الغارات، وأنهاه عن
التضريب بين العرب خدمة لمصلحة العدو، وأقول له: أتقاتل العرب بالعرب أيها
الأمير حتى تكون ثمرة دماء قاتلهم ومقتولهم استيلاء إنكلترة على جزيرة العرب
وفرنسة على سورية واليهود على فلسطين، وما أشبه ذلك مما ورد في مناركم في
الجزء التاسع من المجلد الخامس والعشرين.
إلا أنه بلغني فيما بعد أن الشريف الحجازي الذي ظهر يومئذ على ماء
الأزرق جنوبي جبل الدروز على مسافة يومين منه لم يكن الشريف علي بن الحسين،
بل شريفًا آخر اسمه علي من قواد الجيش الحجازي، وقد تبجحت بذلك (القبلة)
في أحد أعدادها الصادرة سنة ١٩١٣ في عرض مقالة ردت فيها على كتابي
المذكور بعد نشره بخمس سنوات؛ بمناسبة ظهوره في مجموعة أخبار ووثائق عن
الحرب لأديب مسيحي سوري، وقد جعلت (القبلة) المنحرفة في الواقع عن القبلة
الحجة القاطعة (! !) على عدم صحة ما كتبته في هذا الكتاب المفتوح من أوله إلى
آخره كون الأمير علي بن الحسين لم يذهب إلى الأزرق.
مع أن ذهاب علي بن الحسين أو علي آخر إلى الأزرق لا يقدم ولا يؤخر
شيئًا في جوهر الموضوع، فالموضوع هو نهي هؤلاء الجماعة الثائرين يومئذ على
الدولة عن التهور في مناصرة دولة أجنبية، كانوا يخدمونها ببذل دماء العرب؛
ليصلوا فيما بعد إلى غاية ليس منها شيء للعرب كما حققت ذلك الحوادث، ويا
للأسف من بعد الحرب، وعلى فرض أن الأمير علي بن الحسين لم يكن ذهب إلى
الأزرق قد ذهب أخٌ له من الأشراف إلى الأزرق، وكلهم كانوا في الثورة سواء
الذي ذهب إلى الأزرق والذي لم يذهب.
على أنني أنا كنت بعثت بالكتاب المفتوح المذكور إلى جريدة (الشرق) التي
كانت تطبع بالشام، وصادف أنني يوم ظهوره في تلك الجريدة كنت في برلين، فلم
أطلع على العدد الذي فيه هذا الخطاب من جريدة (الشرق) ، ويظهر أنه قد
سقطت فيه أغلاط كثيرة في الطبع، لا بل جرى تقديم وتأخير في بعض الجمل
وأهملت جمل برمتها، فجاء المجاور لها قلقًا غير مستو على وضين الأصل، ولم
أشعر بذلك في وقته؛ لأنني لم أطلع على (الشرق) إذ أنا في الغرب ومضت
الأيام والأعوام إلى السنة الماضية ١٩٢٤ فإذا بجريدة أبابيل البيروتية، قامت تنشر
هذا المكتوب إما نقلاً عن جريدة (الشرق) أو عن مجموعة الأديب المار ذكره،
لست أعلم عن أي مصدر أخذته، وقصار ما أعلم أنني أول ما رأيته مطبوعًا في
جريدة أبابيل البيروتية أيضًا، والآن أراه في المنار منقولاً عن جريدة (الوطن)
الصادرة في البرازيل، والذي أريد أن أنبه عليه هو:
أولاً - إن المكتوب كان موجهًا لا إلى الملك حسين رأسًا بل إلى ولده علي.
ثانيًا - إنه يوجد في المكتوب إشارة لا إلى إنكلترة فقط بل إلى فرنسة أيضًا،
فالجرائد البيروتية التي نقلته حذفت ما تعلق بفرنسة، ونشرت ما يمس إنكلترة؛
خوفًا من قلم المراقبة.
ثالثًا - يوجد في المكتوب أغلاط كثيرة مطبعية وكلمات محرفة مثل (وبنوة
النبوة) جعلوها (بنور النبوة) وكلمات مثل (أو ذمامًا يحفظونه لك أو بسواك إذا
قضت سياستهم غير ذلك) فأطاحوا جملة (غير ذلك) ومثل (فيما لو قضت
عليهم سياستهم عن سلب إمارتك) وأصلها (بسلب إمارتك) كما لا يخفى ومثل
(وما إخالك تجهل التاريخ وتكابر في التواتر بمن شأنهم في الإخلال بالعهود
والمواثيق، إلى الحد الذي تنكر فيه هذه الحقيقة التي تتجلى في جميع معاملاتهم
سواء مع المسلمين أو مع سائر الأمم) وأصلها (التواتر عمن شأنهم الإخلال
بالعهود والمواثيق إلى الحد الذي لا تقدر أن تنكر فيه هذه الحقيقة التي تتجلى) إلخ؛
ومثل (لا جرم أنك تقدر أن تدعي بوجود بعض عشائر من العرب توفر القوة
التي تكفل دفع إنكلترة بجيوشها الجرارة عن مكة والمدينة، ولا أحد من عقلاء
الخلق يرتاح إلى قبول هذه الدعوة) وهي جملة لا يخرج لها معنى وأصلها (لا
جرم أنك تقدر أن تدعي وجود بعض عشائر من العرب توفر لك القوة التي تكفل بها
دفع إنكلترة بجيوشها الجرارة عن مكة والمدينة، ولا أحد من عقلاء الخلق يرتاح
إلى قبول هذه الدعوى) ومثل (ولا سيما على الحجاز منذ أحتاب) وأصلها (ولا
سيما على الحجاز الذي هو نصب عينها منذ أحقاب) وأما جملة (وإذا كانوا لم
يعترضوك إلى اليوم في داخل إمارة مكة أو في الحجاز فيمكنك أن تريح فكرك منها
منذ الآن، ولا حاولوا إدخال عسكرهم إلى البلد الحرام، ولا وضعوا ضباطهم على
أبواب حجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ تفاديًّا من العجلة إلخ، فإن عبارة
(فيمكنك أن تريح فكرك منها منذ الآن) كانت فيما أتذكره موضوعة بين خطين
هكذا - فيمكنك منذ الآن أن تريح فكرك منها - وهي جملة معترضة، والجملة
الشرطية من عند قولي: (وإذا كانوا لم يعترضوك إلى اليوم) إلى قولي: (ولا
حاولوا إدخال عسكرهم) إلى قولي: (ولا وضعوا ضباطهم إلخ) جوابها (أفليس
عندك أنت بمكانك من الذكاء والفضل ومطالعة التواريخ) إلخ، وأما جملة (فما
يؤثر على الأمة الإسلامية أو يفيدها) فهي من سبق القلم، والمراد أن أقول: فما
يؤثر في الأمة العربية أو الإسلامية) بمعنى ما يؤثر بين الأمة أو في وسط
الأمة، والخلاصة لم أجد فيما نقل عني كتابًا تعاورته الأيدي بالحذف والطرح
والتقديم والتأخير، فضلاً عما أسقطه مرتبو الحروف مثل هذا الكتاب، فأرجو
نشر هذا التصحيح ولكم الفضل.
... ... ... ... ... شكيب أرسلان