للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الإنكليز والحجاز

لا يزال الساسة الإنكليز على افتضاح أمرهم وانتهاك سرائرهم، يعبثون
بالشعوب الإسلامية، ولا سيما في البلاد التي أفسدها نفوذهم فيها، وقد جرأتهم
غفلة هذه الشعوب وخيانة الكثير من أكابر مجرميها لها على الإسراع في القضاء
الأخير على الإسلام والمسلمين الذين يعتقدون أن لا يتم لهم إلا بالاستيلاء على
الحجاز، وقد بدؤوا السعي لذلك باصطناع الشريف حسين بن علي وأولاده،
فأطمعوهم بأن يجعلوهم خلفاء وملوكًا في البلاد العربية الحجاز وغيره تحت حمايتهم
وفي معدة إمبراطوريتهم المستعدة لهضم العالم كله، فرضوا وخدموهم بجد
وإخلاص حتى تم لهم احتلال البلاد العربية من البحر الأحمر إلى شط العرب فخليج
فارس، وكان نفوذهم في الحجاز نفسه أقوى منه في غيره؛ حتى كان الملك حسين
إذا استاء منهم يرفع استقالته إلى الحكومة البريطانية رسميًّا، وينشر ذلك في
جريدته (القبلة) كما نقلناه عنها مرارًا. ٍ
إن أولاد حسين صغار النفوس كبار الشهوات، همهم اللذة وحب الفخفخة
الظاهرة، لذلك رضي فيصل وعبد الله منهم بالملك والإمارة الصورية في خدمة
الإنكليز، وأما حسين فكبير النفس، عاشق للحكم والسلطان الاستبدادي، واسع
الطمع، زاهد في الشهوات البدنية، فلذلك لم يكن راضيًا من الإنكليز بحصرهم
سلطته في الحجاز، وظل يطالبهم بما وعدوه من تأسيس مملكة عربية واسعة تحت
حمايتهم حتى ملوا وسئموا منه، ولم يبالوا بإخراج الوهابية إياه من الحجاز بعد
علمهم بكره العالم الإسلامي له، وعدم طمعهم بخدمة جديدة يسديها إليهم.
ثم أرادوا أن يستفيدوا من التنازع على الحجاز، فساوموا سلطان نجد، فأبى
الدخول في المساومة معهم، ورد مندوبهم مستر (فلبي) بخفي حنين، وأعلن رأيه
الرسمي في الحجاز وهو تفويض أمر شكل الحكم فيه وإصلاحه إلى رأي مؤتمر
إسلامي عام، مع عدم السماح لأدنى نفوذ أجنبي أن يصل إليه.
وأما حسين وأولاده فتربصوا بهم الحاجة إلى المال والذخيرة، وساوموهم
على منطقة العقبة ومعان من شمالي الحجاز فرضوا ببيعها لهم باسم الانتداب،
وجعلها من إمارة عبد الله، فطلبوا خروج (الملك) حسين منها؛ إذ بقاؤه فيها يسوغ
للوهابيين مهاجمتها، فتمنع ظاهرًا أو باطنًا لعدم رضاه بمكان آخر يقيم فيه أو ظاهرًا
فقط - الله أعلم - ثم رضي بالخروج منها بعد إنذار حقيقي أو صوري - الله أعلم -
ثم خرج منقادًا كالجمل الأنف، ولو لم يخرج لما استطاعوا إخراجه إلا بحرب ولن
ترضى الحكومة البريطانية بأن تحاربه هنالك، وستكشف الأيام سر هذه المسألة.
وأما أولاده علي وعبد الله وكذا فيصل - وقد استشير - فكانوا كلهم راضين،
ولكن عليًّا اشترط بل اقترح أن يرجع والده إلى جدة؛ ليتمتع هو بأمواله ونفوذه فلم
يجب إلى اقتراحه، وقد أصدر (إرادته السنية) بفصل المنطقة من (مملكته)
الحجازية، وإلحاقها بمنطقة شرق الأردن، وذكر في نص الإرادة أن التسليم يكون
بعد خروج (الخليفة الأعظم) منها إلى جدة.
ثم أصدر الأمير عبد الله (إرادته السنية) بضم المنطقة الحجازية إلى
(إمارته) ، والاحتفال بذلك رسميًّا، ونشر نص الإرادتين في جريدة (الشرق
العربي الرسمية) وفي غيرها من الجرائد السورية، (وقد نقلناهما في جزء المنار
الثالث م٢٦) .
تم بذلك للإنكليز الاستيلاء على أهم بقعة حربية برية بحرية من أرض
الحجاز المقدسة باسم الانتداب الجديد الذي كان من حقوقه عندهم إنشاء وطن قومي
لليهود في فلسطين، وصاروا على مقربة من المدينة المنورة، كل هذا والشعوب
الإسلامية وعلماء المسلمين لاهون غافلون، لم ترتفع أصواتهم بالاحتجاج على هذا
العدوان الإنكليزي على الإسلام، ناسين وصية نبيهم - عليه أفضل الصلاة
والسلام -، اللهم إلا صوتنا الضعيف في المنار وبعض الأصوات الشخصية
المشابهة له.
وأما أصحاب الأصوات العالية التي تتجاوب أصداؤها في الأقطار، وتطير
بها البرقيات كل مطار، لما لها من الصفة الرسمية أو شبه الرسمية؛ كالملوك،
والأمراء، ورؤساء الهيئات العلمية، والزعماء، فقد ظلوا صامتين - اللهم إلا
جمعية العلماء وجمعية الخلافة في الهند - كأن أمر اعتداء الإنكليز على الحجاز أمر
عادي لا يؤبه له.
ومن العجيب أن وجد في رجال الإنكليز المشهورين أنفسهم من أنكروا على
حكومتهم حق ضم شيء من أرض الحجاز إلى منطقة الانتداب، ولم يوجد من
أمراء المسلمين وحكوماتهم ولا من جماعاتهم الرسمية من فعل ذلك.
إن هؤلاء لا يجهلون أن وضع الإنكليز أقدامهم بقرب المدينة المنورة بحجة
حماية شرق الأردن من الوهابيين أو غيرهم سيحملهم على الاستيلاء على المدينة
المنورة نفسها لحماية العقبة ومعان، ثم الاستيلاء على مكة؛ لأجل حماية المدينة
المنورة، فأين أنتم أيها المسلمون وأين وصية رسولكم - صلى الله عليه وسلم -
في مرض موته؟
وأعجب من هذا السكوت والسكون أن الإنكليز مع هذا العدوان على الإسلام
يهيجون الشعوب الإسلامية على السلطان ابن السعود الذي أعلن رسميًّا أنه يمنع أي
نفوذ أجنبي أن ينفذ إلى الحجاز، ويحملونهم على الانتصار للشريف علي الذي
وهب لهم منطقة من الحجاز حربية بحرية برية، فأذاعوا في العالم أن الوهابيين
أطلقوا رصاصهم أو نارهم على قبة الحرم النبوي الشريف، وأنهم هدموا قبر
حمزة - رضي الله تعالى عنه -، وهي فرية افتراها سماسرة الشريف علي
بمصر، ونشروها في المقطم؛ فطارت بها البرقيات البريطانية، ودبر وفد الشريف
علي في بمبي (الهند) فتنة، هيجوا بها بعض الغوغاء في المسجد ببرقية مزورة من
القدس على الزعيم الكبير شوكت علي رئيس جمعية الخلافة؛ لمقاومته للاستبداد
الإنكليزي في الهند، والعدوان على الإسلام والمسلمين [١] .
وقد طيرت البرقيات البريطانية خبر هذه الفتنة المدبرة، فلم يبق قطر إسلامي
إلا ونشرته فيه، وقد أظهر شيخة الجرائد البريطانية تعجبها من سكوت المصريين
وعدم تهيجهم على ابن السعود، فعلم بهذا من لم يكن يعلم أن غرضها من ذلك هو
التهييج، ومساعدة الشريف علي على الوهابية بالدعاية الباطلة.
إن (التيمس) تعلم أن كذبها وكذب البرقيات الإنكليزية والسياسة البريطانية
نفسها قد صارت مضرب الأمثال عند المسلمين وغيرهم، ولا سيما إذا كانت في
الأمور الإسلامية، وآخرها زعمها أن الرأي الإسلامي العام بمصر مؤيد للشيخ علي
عبد الرازق في زعمه أن حكومة الإسلام لا دينية، وفي إهانته للإسلام والمسلمين المفيدة لسياستهم في الاستعمار، ودعوة مبشريهم إلى تنصير المسلمين.
ولم ينس المسلمون الأكاذيب الحجازية البريطانية التي أذيعت قبل موسم الحج
لصرف المسلمين عن أداء الفريضة، كقولهم: إن أساطيل الحجاز تمنع الحجاج من
النزول في ثغري رابغ والقنفذة، وأن جنود الحجاز تقطع عليهم الطريق إذا أمكنهم
النزول، وإنهم مع ذلك لا يجدون ماءً ولا قوتًا، ثم ظهر أن ذلك كذب صادر عن
سوء نية، فقد ذهب الألوف من أهل الهند الذين لم يصدقوا الإنكليز ولا دعاة
الشريف علي، ونزلوا في تلك الثغور، وأدوا الفريضة بأمان واطمئنان وراحة لم
يسبق لها نظير.
مع هذا كله اغتر بعض الناس بخبر المدينة المنورة؛ فانتدب جلالة مليكنا
العظيم بحكمته، وكشف للأمة الغطاء عن الحقيقة ببرقيته إلى السلطان ابن السعود،
وما جاءه من الجواب المكذب لتلك الفرية [٢] فقطعت جهيزة قول كل خطيب،
وظهر الحق، وبطل ما كانوا يعملون اهـ.
***
ما نشره الديوان الملكي في الجرائد
بعنوان بين الحجاز ومصر
ديوان جلالة الملك:
(١) صورة البرقية المرسلة من حضرة صاحب الجلالة الملك إلى عظمة
السلطان عبد العزيز سلطان نجد في ١١ صفر سنة ١٣٤٤ -٣٠ أغسطس سنة
١٩٢٥.
عظمة السلطان عبد العزيز سلطان نجد:
إن الحرب القائمة حول المدينة المنورة قد أقلقت خواطر المسلمين قاطبة؛ لما
عساه يحدث من تأثيرها في الأماكن النبوية المقدسة التي نجهلها جميعًا؛ ونحافظ
على آثارها الكريمة، ولا يخفى على عظمتكم ما لهذه الأماكن من الحرمة التي
توجب أن تكون بعيدة عن كل أذى، رغم ما يقتضيه أي نزاع أو خلاف، ولكن ما
نعهده في شديد غيرتكم الدينية لما يطمئن قلوبنا والمسلمين عامة على صيانة الحرم
النبوي الشريف، وآثار السلف الصالح الدينية. والسلام عليكم ورحمة الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... فؤاد
(٢) صورة البرقية الواردة من عظمة السلطان عبد العزيز سلطان نجد إلى
حضرة صاحب الجلالة الملك في ١٦ صفر سنة ١٣٤٤ - ٤ سبتمبر سنة ١٩٢٥.
حضرة صاحب الجلالة ملك مصر المعظم الملك فؤاد دامت معاليه:
إني أشكركم من صميم فؤادي على غيرتكم الدينية، وإني أقدر ما شرحتموه
حق قدره - إن حرم المدينة كحرم مكة نفديه بأرواحنا وكل ما نملك، وإن ديننا
يحمينا من الإتيان بأي حدث في المدينة المنورة، وسنحافظ على آثار السلف وكل
ما هو في المدينة مما يهم كل مسلم المحافظة عليه - إن العدو يحاول أن يشوه
وجهة جهادنا بما يفتريه من الكذب والبهتان، يحاول أن ينال بالبهتان ما عجز عنه
بالسنان، ولكن الحق أبلج، والله مؤيد دينه، وآخذ بناصر أهله ولو كره المبطلون،
هذا وأرجو أن تقبلوا تحياتي واحتراماتي.
... عبد العزيز بن عبد الرحمن السعود

(٣) صورة البرقية الواردة من جلالة الملك علي ملك الحجاز إلى حضرة
صاحب الجلالة الملك في ١٣ صفر سنة ١٣٤٤ (أول سبتمبر سنة ١٩٢٥) .
صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر المعظم:
أهدي لجلالتكم الملوكية أعظم الشكر على غيرتكم الإسلامية الجديرة بذاتكم
العلية ومقامكم السامي، فيما رغبتم فيه من تنزه البقاع المقدسة عن أن تكون ساحة
قتال، ولا يستكثر ذلك على سليل محمد علي الكبير الذي سبقت له خدمة هذه الديار
المباركة من قبل، وفي مثل هذه الكارثة نفسها مادة ومعنى، ونبرأ إلى الله أن يكون
أحد منا - نحن أبناء الحرمين الشريفين - أراد القتال أو أخذ على الاستمرار فيه،
سواء ذلك في مكة المشرفة أو المدينة المنورة، ونسجل على المتسبب مسؤولية ما
تهدم منها من آثار، وما لا يزال يصيبها من أذى كجعل القبة الخضراء النبوية هدفًا للرصاص، وسائر قبب وقبور أهل البيت في البقيع، وتخريب مسجد سيدنا
حمزة، وهدم ضريحه الشريف طبقًا للأساس الذي قام عليه المذهب الوهابي
المعلوم، وبهذه المناسبة نؤكد لجلالتكم أننا قائمون بالواجب الديني والوطني من بذل
النفس والنفيس في صيانة ما بقي من تلك الآثار، وترميم ما خرب منها؛ حتى يتم
إخراج المعتدي - بحول الله وقوته - من الوطن المقدس كله، ونثق أن العالم
الإسلامي يشد أزرنا في ذلك، وفي مقدمتهم جلالتكم الملوكية بصفتكم
أكبر ملوك المسلمين وأعزهم غيرة على الله والدين.
أدام الله جلالتكم مؤيدين بالتوفيق والنصر.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... علي
(المنار)
نشر الديوان الملكي هذه البرقيات الثلاث في الجرائد بهذا الترتيب، وقد راب
المفكرين علم الشريف علي بالبرقية المرسلة إلى سلطان نجد قبل وصولها إليه
وجوابه عنها، وجعلها وسيلة للدعاية الهاشمية التي كانت أساس ما يدعيه من
امتلاك الحجاز الذي ترتب عليه بيعه منطقة من أعظم مناطقه البرية البحرية
للإنكليز؛ بجعلها تحت الانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن، كما كانت
أساس ادعاء أبيه الملك على جميع البلاد العربية والخلافة على الأمة الإسلامية.
ولا يزال الشريف علي هذا وأخوته متمسكين بخلافة أبيهم إذ نص في صك
بيعه منطقة العقبة ومعان للإنكليز، أنه يشترط أن يكون التسليم بعد (خروج
الخليفة الأعظم منها) ، وهو يحرض ملك مصر بهذه البرقية على مساعدته على
إخراج سلطان نجد من الحجاز، كما فعل جده محمد علي بإخراج سلف سلطان نجد
منه، ويدعي مع هذا أنه لا يريد الحرب في الحجاز (! !) ، وتحاول الدعاية
الهاشمية بث هذه الفتنة، وتخويف ابن سعود من مصر؛ ليقر الإنكليز على ما
أخذوا من الحجاز، كما فعلت بتخويف المسلمين من خطر الحج فمنعته الحكومة
المصرية.
وفات الشريف علي أن محمد علي وشرفاء مكة كانوا خاضعين لخلافة
السلطان العثماني الذي خلص له ملك الحجاز بإخراج الوهابية منه، والملك فؤاد
غير خاضع لخلافة حسين بن علي؛ فينقذ له الحجاز ويكون تابعًا لخلافته، بل هو
ملك دستوري لا يمكنه الإقدام على عمل كبير كهذا إلا بإقرار برلمان دولته عليه،
ولا يعقل ذلك إلا بمبايعة الملك والبرلمان وكبار العلماء والجند من المصريين
لحسين بالخلافة.
وأما إذا أراد الشريف علي بإنقاذ ملك مصر للحجاز، جعله تابعًا لمصر فما
عليه إلا أن يعلن هو ورجال حكومته ذلك، ويبايعوا ملك مصر، ويخرجوا من هذه
الورطة التي اضطرته إلى بيع جزء من الحجاز للأجانب، ولا يعلم إلى أي حد
تنتهي به، وهو لا يملك مالاً ولا جندًا بل يتكل على الأجانب؛ ليبقى ممتعًا بلقب
ملك الحجاز، وليعود والده خليفة في الحجاز، فما له ولملك مصر ولخداع المسلمين
بالمحافظة على الحجاز والآثار فيه؟
ومتى كان الشريف علي وأبوه وإخوته يعرفون الإسلام أو يعملون بما يعرفه
كل أحد منه؟ في أي كتاب من كتبه تعلموا أن الإسلام مبني على تعظيم القبور،
واستحلال بيع الأراضي المقدسة لغير المسلمين؟ هل أخذوه من وصية النبي صلى
الله عليه وسلم في مرض موته قبيل وفاته، بأن لا يبقى في جزيرة العرب دينان،
وبإخراج المشركين واليهود والنصارى منها؟ أم من لعنه صلى الله عليه وسلم للذين
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (يحذر ما صنعوا) ، كما قالت عائشة راوية الحديث
في الصحيح؟ أم من لعنه صلى الله عليه وسلم لزائرات القبور والمتخذين عليها
المساجد والسرج كما رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم؟ أم من
حديث علي - كرم الله وجهه - في صحيح مسلم، وهو قوله لأبي هياج الأسدي:
ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلا
طمسته، ولا قبرًا مشرفًا (أي: مرتفعًا) إلا سويته: (أي هدمته وسويته
بالتراب) ، وقال الشافعي في الأم: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى:
(أي: من القبور) قال النووي: ويؤيد الهدم قوله: (ولا قبرًا مشرفًا إلا
سويته) اهـ.
نعم إن الألوف من عوام المسلمين في بلاد كثيرة غير نجد يجهلون هذه
الأحاديث الصحيحة ويخالفون هديها، وفيهم تنفع دعاية علي بن حسين وتضليلهم،
ولكن لا تروج هذه الدعاية لدى ملك مصر الذي يحف بعرشه كبار علماء الأزهر،
ويعلم فوق ما يعلمون من سوء عاقبة جعل منطقة العقبة ومعان تحت الانتداب
البريطاني، ومن الخطر على سائر الحجاز وعلى شعائر الإسلام، ويعلم أن الأمير
عبد الله بن حسين ليس له من الحق في إمارة شرق الأردن الحقيرة عشر معشار ما
لدولة مصر من الحق في القطر السوداني العظيم، وقد طرد الإنكليز منه الجيش
المصري الذي فتحه بعد إكراه الإنكليز للحكومة المصرية على التخلي عنه، وهو
الذي عمره بأيديه وبملايين الخزينة المصرية! ! فكيف يطوف بعقل الشريف علي
أن ينصره ملك مصر على ابن السعود، الذي أعلن رسميًّا بأن يجعل أمر الحجاز
مفوضًا إلى العالم الإسلامي، ويخضع لما يقرره المؤتمر الذي يعقد لذلك؟ فهل يأبى
ملك مصر هذا ويرضى بأن يبقى بيده يبيع من أرضه للأجانب ما يشاء؟
إذا كان الوهابية قد هدموا بعض القبور أو الآثار كما قالوا، وقرر المؤتمر
الإسلامي إعادة بنائها، فلا يسع ابن السعود مخالفته، وأما استرجاع ما باعه
الشريف علي للإنكليز فليس رده بالسهل على المؤتمر الإسلامي ولا على غيره
{فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} (الحشر: ٢) .
((يتبع بمقال تالٍ))