للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فؤاد بك سليم

خسرت سورية في ثورتها الحاضرة قائدًا من أكبر قوادها تدبيرًا وبلاء فيها،
وفي الحركة العربية الأخيرة من أولها إلى آخرها، بل خسرت الأمة العربية رجلاً
كان يرجى أن يكون من أكبر رجالها في هذا الطور الانقلابي تأثيرًا بعلمه وعمله،
وعقله وأدبه، ولسانه وقلمه، رب السيف والقلم، شهيد الوطنية الصادقة، صديقنا
فؤاد بك سليم، أصابت رأسه المفكر شظايا قذيفة من مدافع الفرنسيس في المعركة،
فقضت عليه قبل أن يتم ما كان يلقيه على جيش الثورة وقواده من الأوامر والنواهي
الحربية فيها، فلما ذاع نعيه اضطربت له مصر كما اضطربت له سورية، وأبَّنتْه
جرائد القطرين ورثاه شعراؤهما، ولم تتناوب أقلام الكتاب المختلفي المذاهب
والمشارب الرثاء والتأبين بمثل ما كتبته فيه إلا في أفراد معدودين من كبار الزعماء،
ولعل ذلك يجمع في سفر خاص يكون ذكرى وقدوة للنابتة العربية في نهضتها
القومية الحاضرة.
كان فؤاد سليم مغمولاً مجهولاً قدره بإقامته في شرق الأردن إلا عند أصدقائه،
فكان كنود الأمير عبد الله الحجازي له بإخراجه منها جزاء له على إنقاذه إياه من
الهلاك، وإلجائه إياه إلى الإيواء إلى مصر من حُسن حظ الفقيد وخط أُمّته؛ إذ عَرَفه
فيها - على عزلته - كبار العقلاء والكتاب، وأعجبوا بما نشره في أشهر جرائدها من
المقالات السياسية والاجتماعية الدالة على نضوج فكره وسعة علمه وسداد رأيه.
لم تكن دموعي عند فقد الكواكبي والزهراوي أشد حرارة من دموعي على
فؤاد، وكنت أرجو له مستقبلاً عظيمًا في نهضة الأمة العربية، وقد يتعجب قراء
المنار إذا قلت: إنني كنت أرجو أن يكون من أقوى أنصاري في الإصلاح الديني
والأخلاقي، وفي مقاومة تيار التفرنج المفسد للعقائد والأخلاق، وللأبدان والأرواح،
وفي السعي لإعادة طائفة الدروز العربية الباسلة إلى مذهب أهل السنة والجماعة،
مع المحافظة على روابطها وتكافلها ومزاياها الشريفة الموافقة لأصول الإسلام،
وإقناع نابتتها وزعمائها الأذكياء ما عدا ذلك من تعاليم الباطنية كان من دسائس
المجوس وكيدهم للعرب؛ لسلب ملكهم انتقامًا منهم على إسقاطهم لدولة المجوس
ودينهم، فالبلاد كانت أحوج إلى عقل فؤاد ورأيه منها إلى سيفه، فرحمه الله ولا
حول ولا قوة إلا بالله.