للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أحمد بن تيمية


مسألة صفات الله تعالى
وعلوه على خلقه بين النفي والإثبات
جواب سؤالٍ رُفع إلى شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية
رحمه الله تعالى

فصل
فإذا تبين ذلك فوجوب إثبات العلو لله تعالى ونحوه يتبين من وجوه:
(أحدها) أن يقال: إن القرآن والسنن المستفيضة المتواترة وكلام السابقين
والتابعين بل وسائر القرون الثلاثة مملوء بما فيه إثبات العلو لله على عرشه بأنواع
من الدلالات، ووجوه من الصفات، وأصناف من العبارات. تارةً يخبر أنه خلق
السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وقد ذكر الاستواء على
العرش في سبعة مواضع، وتارةً يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه
كقوله تعالى: {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (النساء: ١٥٨) {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ
إِلَيَّ} (آل عمران: ٥٥) {تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعارج: ٤)
وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر: ١٠) وتارةً
يخبر بنزولها منه أو من عنده كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ
مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} (الأنعام: ١١٤) {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَّبِّكَ
بِالْحَقِّ} (النحل: ١٠٢) {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت: ٢)
{حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} (غافر: ١) {تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ
العَزِيزِ الحَكِيمِ} (الزمر: ١) وتارةً يخبر بأنه الأعلى والعلي كقوله تعالى:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى: ١) وقوله: {وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} (البقرة: ٢٥٥) .
وتارةً يخبر بأنه في السماء كقوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ
بِكُمُ الأَرْضَ} (الملك: ١٦) {أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} (الملك: ١٧) فذكر السماء دون الأرض، ولم يعلق بذلك ألوهية أو غيرها
كما ذكر في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} (الزخرف:
٨٤) وقال تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (الأنعام: ٣)
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء؟)
وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
وتارةً يجعل بعض الخلق عنده دون بعض، ويخبر عمن عنده بالطاعة كقوله:
{إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (الأعراف: ٢٠٦) فلو كان موجب العناية معنى عامًّا كدخوله تحت قدرته ومشيئته
وأمثال ذلك لكان كل مخلوق عنده، ولم يكن أحد مستكبرًا عن عبادته، بل مسبحًا له
ساجدًا، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: ٦٠) وهو سبحانه وصف الملائكة بذلك ردًّا على الكفار والمستكبرين عن
عبادته. وأمثال هذا في القرآن لا يحصى إلا بكلفة، وأما الأحاديث والآثار عن
الصحابة والتابعين فلا يحصيها إلا الله تعالى.
فلا يخلو إما أن يكون ما اشتركت فيه هذه النصوص من إثبات علو الله نفسه
وعلى خلقه هو الحق أو الحق نقيضه، إذ الحق لا يخرج عن النقيضين، وإما أن
يكون نفسه فوق الخلق أو لا يكون فوق الخلق كما تقول الجهمية، ثم تارةً يقولون:
لا فوقهم ولا فيهم، ولا داخل ولا خارج ولا مباين ولا محايث، وتارةً يقولون:
هو بذاته في كل مكان، وفي المقالتين كلتيهما يدفعون أن يكون هو نفسه فوق خلقه.
فإما أن يكون الحق إثبات ذلك أو نفيه، فإن كان نفي ذلك هو الحق، فمعلوم
أن القرآن لم يبين هذا قط لا نصًّا ولا ظاهرًا، ولا الرسول ولا أحد من الصحابة
والتابعين وأئمة المسلمين، لا أئمة المذاهب الأربعة ولا غيرهم، ولا يمكن أحدًا أن
ينقل عن واحد من هؤلاء أنه نفى ذلك أو أخبر به، وأما ما نقل من الإثبات عن
هؤلاء فأكثر من أن يحصى أو يحصر، فإن كان الحق النفي دون الإثبات _
والكتاب والسنة والإجماع إنما دل على الإثبات ولم يذكر النفي أصلاً - لزم أن
يكون الرسول والمؤمنون لم ينطقوا بالحق في هذا الباب، بل نطقوا بما يدل إما
نصًّا وإما ظاهرًا على الضلال والخطأ المناقض للهدى والصواب.
ومعلوم أن من اعتقد هذا في الرسول والمؤمنين فله أوفر حظ من قوله تعالى:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ
مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء: ١١٥) .
فإن القائل إذا قال: هذه النصوص أريدَ بها خلاف ما يُفهم منها، أو خلاف
ما دلت عليه، أو أنه لم يُرد إثبات علو الله نفسه على خلقه، وإنما أريد بها علو
المكانة ونحو ذلك، كما قد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع، فيقال له:
فكان يجب أن يبين للناس الحق الذي يجب التصديق (به) باطنًا وظاهرًا، بل
ويبين لهم ما يدلهم على أن هذا الكلام لم يرد به مفهومه ومقتضاه، فإن غاية ما
يقدَّر أنه تكلم بالمجاز المخالف للحقيقة، والباطن المخالف للظاهر، ومعلوم باتفاق
العقلاء أن المخاطِب المبيِّن إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على
إرادة المعنى المجازي، فإذا كان الرسول المبلِّغ المبيِّن الذي بيَّن للناس ما نزل إليهم
يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه، كان عليه أن يقرن بخطابه ما
يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد، لا سيما إذا كان باطلاً لا يجوز
اعتقاده في الله، فإن عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده إذا
كان ذلك مخوفًا عليهم، ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك، فكيف إذا كان خطابه
هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي تقول النفاة: هو اعتقاد باطل، فإذا لم يكن
في الكتاب ولا السنة ولا كلام أحد من السلف والأئمة ما يوافق قول النفاة أصلاً،
بل هم دائمًا لا يتكلمون إلا بالإثبات - امتنع حينئذ أن لا يكون مرادهم الإثبات،
وأن يكون النفي هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه، وهم لم يتكلموا به قط ولم يظهروه،
وإنما أظهروا ما يخالفه وينافيه، وهذا كلام مبين لا مخلص لأحد عنه، لكن
للجهمية المتكلمة هنا كلام وللجهمية المتفلسفة كلام.
***
مذاهب متفلسفة القرامطة في الصفات
أما المتفلسفة القرامطة فيقولون: إن الرسل كلموا الخلق بخلاف ما هو الحق،
وأظهروا لهم خلاف ما يبطنون، وربما يقولون: إنهم كذبوا لأجل مصلحة
العامة، فإن مصلحة العامة لا تقوم إلا بإظهار الإثبات، وإن كان في نفس الأمر
باطلاً. وهذا مع ما فيه من الزندقة البينة والكفر الواضح قول متناقض في نفسه،
فإنه يقال: لو كان الأمر كما تقولون والرسل من جنس رؤسائكم، لكان خواص
الرسل يطَّلعون على ذلك، ولكانوا يُطلِعون خواصهم على هذا الأمر، فكان يكون
النفي مذهب خاصة الأمة وأكملها عقلاً وعلمًا ومعرفة، والأمر بالعكس، فإن من
تأمل كلام السلف والأئمة وجد أعلم الأمة عند الأمة: كأبي بكر وعمر وعثمان
وعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأُبي بن
كعب وأبي الدرداء وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو،
وأمثالهم هم أعظم الخلق إثباتًا، وكذلك أفضل التابعين مثل سعيد بن المسيب وأمثاله،
والحسن البصري وأمثاله وعلي بن الحسين وأمثاله، وأصحاب ابن عباس وهم
من أجلّ التابعين، بل المنقول عن هؤلاء في الإثبات يجبن عن إظهاره كثير من
الناس، وعلى ذلك تأول يحيى بن عمار وصاحبه شيخ الإسلام أبو إسماعيل
الأنصاري، ما يروى أن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل العلم بالله، فإذا
ذكروه لم ينكره إلا أهل الغرة بالله، تأولوا ذلك على ما جاء من الإثبات، لأن ذلك
ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين والتابعين لهم بإحسان، بخلاف
النفي فإنه لا يؤخذ عنهم، ولا يمكن حمله عليه.
وقد جمع علماء الحديث من النقول عن السلف في الإثبات ما لا يُحصِي عدده
إلا رب السموات، ولم يقدر أحد أن يأتي عنهم في النفي بحرف واحد إلا أن يكون
من الأحاديث المختلقة التي ينقلها من هو أبعد الناس عن معرفة كلامهم.
ومن هؤلاء من يتمسك بمجملات سمعها، بعضها كذب وبعضها صدق، مثل
ما ينقلونه عن عمر أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان
وكنت كالزنجي بينهما، فهذا كذب باتفاق أهل العلم بالأثر، وبتقدير صدقه فهو
مجمل، فإذا قال أهل الإثبات: كان ما يتكلمان فيه من هذا الباب لموافقته ما نقل
عنهما كان أولى من قول النفاة: إنهما يتكلمان بالنفي، وكذلك حديث جراب أبي
هريرة لما قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين، أما أحدهما
فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم؛ فإن هذا حديث صحيح لكنه
مجمل، قد جاء مفسرًا أن الجراب الآخر كان فيه حديث الملاحم والفتن، ولو قدر
أن فيه ما يتعلق بالصفات فليس فيه ما يدل على النفي بل الثابت المحفوظ من
أحاديث أبي هريرة كحديث إتيانه يوم القيامة وحديث النزول والضحك وأمثال ذلك
كلها على الإثبات، ولم ينقل عن أبي هريرة حرف واحد في النفي من جنس قول
النفاة.
***
مذهب الجهمية في الصفات
وأما الجهمية المتكلمة فيقولون: إن القرينة الصارفة لهم عما دل عليه
الخطاب هو العقل، فاكتفى بالدلالة العقلية الموافقة لمذهب النفاة، فيقال لهم:
(أولاً) فحينئذ إذا كان ما تكلم به إنما يفيدهم مجرد الضلال، وإنما
يستفيدون الهدى من عقولهم، كان الرسول قد نصب لهم أسباب الضلال، ولم
ينصب لهم أسباب الهدى، وأحالهم في الهدى على نفوسهم، فيلزم على قولهم أن
تركهم في الجاهلية خير لهم من هذه الرسالة التي لم تنفعهم بل ضرتهم.
ويقال لهم (ثانيًّا) : فالرسول صلى الله عليه وسلم قد بين الإثبات الذي هو
أظهر في العقل من قول النفاة، مثل ذكره لخلق الله وقدرته ومشيئته وعلمه ونحو
ذلك من الأمور التي تعلم بالعقل أعظم مما يعلم نفي الجهمية، وهو لم يتكلم بما
يناقض هذا الإثبات، فكيف يحيلهم على مجرد العقل في النفي الذي هو أخفى وأدق،
وكلامه لم يدل عليه بل دل على نقيضه وضده، ومن نسب هذا إلى الرسول صلى
الله عليه وسلم فالله حسيبه على ما يقول.
والمراتب ثلاث، إما أن يتكلم بالهدى أو بالضلال أو يسكت عنهما، معلوم
أن السكوت عنهما خير من التكلم بما يضل، وهنا يعرف بالعقل أن الإثبات لم
يسكت عنه بل بينه، وكان ما جاء به السمع موافقًا للعقل، فكان الواجب فيما ينفيه
العقل أن يتكلم فيه بالنفي كما فعل فيما يثبته العقل، وإذا لم يفعل ذلك كان
السكوت عنه أسلم للأمة.
أما إذا تكلم فيه بما يدل على الإثبات، وأراد منهم أن لا يعتقدوا إلا النفي،
لكون مجرد عقولهم تُعرِّفهم به فإضافة هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من
أعظم أبواب الزندقة والنفاق.
ويقال لهم (ثالثًا) : من الذي سلم لكم أن العقل يوافق مذهب النفاة؟ بل
العقل الصريح إنما يوافق ما أثبته الرسول، وليس بين المعقول الصريح والمنقول
الصحيح تناقض أصلاً، وقد بسطنا هذا في مواضع بينَّا فيها أن ما يذكرون من
المعقول المخالف لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هو جهل وضلال،
تقلده متأخروهم عن متقدميهم وسموا ذلك عقليات، وإنما هي جهليات، ومن طلب
من تحقيق ما قاله أئمة الضلال بالمعقول لم يرجع إلا إلى مجرد تقليدهم، فهم
يكفرون بالشرع ويخالفون العقل تقليدًا لمن توهموا أنه عالم بالعقليات، وهم مع
أئمتهم الضُّلاَّل كقوم فرعون معه، حيث قال: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} (الزخرف: ٥٤) ، قال تعالى عنه: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ
الحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (القصص: ٣٩ - ٤٠) ، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ} (القصص: ٤١) ، {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً
وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ} (القصص: ٤٢) ، وفرعون هو إمام النفاة؛ ولهذا
صرح محققو النفاة بأنهم على قوله، كما يصرح به الاتحادية من الجهمية من
النفاة، إذ هو الذي أنكر العلو وكذَّب موسى فيه، وأنكر تكليم الله. لموسى قال
تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ
فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} (غافر: ٣٦-٣٧) والله تعالى قد أخبر
عن فرعون أنه أنكر الصانع وقال: {وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ} (الشعراء:٢٣) وطلب
أن يصعد ليطع إلى إله موسى، فلو لم يكن موسى أخبره أن إلهه فوق لم يقصد ذلك،
فإنه هو لم يكن مقرًّا به، فإذا لم يخبره موسى به لم يكن إثبات العلو لا منه ولا من
موسى عليه الصلاة والسلام، فلا يقصد الاطلاع ولا يحصل به ما قصده من التلبيس
على قومه، بأنه صعد إلى إله موسى، ولكان صعوده إليه كنزوله إلى الآبار الأنهار،
وكان ذلك أهون عليه، فلا يحتاج إلى تكلف الصرح.
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه لما عرج به ليلة الإسراء ووجد في السماء
الأولى آدم عليه السلام، وفي الثانية يحيى وعيسى، ثم في الثالثة يوسف، ثم في
الرابعة إدريس، ثم في الخامسة هارون، ثم وجد موسى [١] ، ثم عرج إلى ربه،
وفرض عليه خمسين صلاة، ثم رجع إلى موسى فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: (فرجعت إلى ربي فسألته التخفيف
لأمتي) وذكر أنه رجع إلى موسى، ثم رجع إلى ربه مرارًا؛ فصدق موسى في
أن ربه فوق السموات وفرعون كذب موسى في ذلك.
والجهمية النفاة موافقون لآل فرعون أئمة الضلال، وأهل السنة والإثبات
موافقون لآل إبراهيم أئمة الهدى، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً
وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء: ٧٢-٧٣) وموسى
ومحمد من آل إبراهيم، بل هم سادات آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين.
((يتبع بمقال تالٍ))