للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: مهاتما غاندي


الصحة
تأليف زعيم الهندوس الأكبر: مهاتما غاندي
ترجمة الأستاذ الشيخ: عبد الرزاق المليح آبادي

ثم فوق هذا يتوقف نقاء اللبن وعدمه على علف البقرة وحالتها الصحية. وقد
حقق الأطباء بأن الذين يشربون لبن البقرة المسلولة يقعون بأنفسهم فريسة لهذا الداء
الوبيل: ومن الصعب جدًا العثور على بقرة صحيحة. وعلى هذا فاللبن النظيف تام
النظافة ربما لا نعثر عليه إلا بعد عناء شديد، لأنه كثيرًا ما يفسد في نفس منبعه.
كل واحد يعلم أن الطفل الذي يرضع لبن أمه المريضة قد يصاب بمرضها. وكثيرًا
ما نرى الأطباء يعطون الدواء للأمهات إذا أصيب أطفالهن بمرض. وذلك لأن
تأثيره يصل إلى الطفل من طريق ثدي أمه، وهكذا تمامًا تتوقف صحة الرجل الذي
يشرب لبن البقرة على صحتها. فإذا كان شرب اللبن محاطًا بمثل هذا الخطر الكبير
أفليس من الحكمة تركه بتاتًا؟ سيما إن كنا نجد أشياء كثيرة تقوم مقامة، فهذا زيت
الزيتون مثلاً يؤدي هذه الوظيفة إلى حد، واللوز الحلو بدل قوي جدًا للبن إذا وضع
في الماء الساخن وأزيل قشره، ثم سحق جيدًا ومرس ومزج مزجًا، فهو يهيئ
شرابًا محتويًا على جميع مزايا اللبن وسالمًا في الوقت نفسه من جميع مضاره.
لنتدبر في المسألة من جهة سنن الطبيعة: إن العجل لا يرضع لبن أمه حتى
تظهر أسنانه، فإذا ظهرت حجر اللبن واكتفى بالعلف، هذا يدل دلالة واضحة بأن
الطبيعة تطلب من الإنسان أيضًا أن يكون كذلك. فهي ما أرادت منا أن نشرب
اللبن حتى بعد أن نجتاز سن الطفولية. يجب علينا أن نتعود المعيشة على الثمار
مثل التفاح واللوز، أو على خبز القمح إذا ظهرت أسنانًا. وينبغي أن لا تبرح من
فكر القارئ الفوائد الاقتصادية التي نجنيها بتركنا اللبن. وكذلك لا احتياج إلى أي
أكل من المأكولات التي تصنع من اللبن. فعرق الليمون الحامض بدل جيد للبن
الحامض. أما السمن فألوف مؤلفة من اليهود حتى الآن يستعملون مكانه الزيت.
أما اللحم فقد أثبت الفحص الدقيق في الهيكل الإنساني أنه ليس بغذاء طبيعي
للإنسان. والدكتور هيج والدكتور كنجز فورد قد أظهرا بكل وضاحة مضارّه في
جسمنا. فأثبتا أن الآسيد الذي يولده العدس في الجسم يولده اللحم أيضًا. وكذلك
يسبب الأمراض في الأسنان والروماتيزم في الجسم ويحرك الأميال الرديئة -
كالغضب - التي قد قررنا أنها ليست إلا صورًا للأمراض. وقد أخذ بعض آكلي
اللحوم يهجرونها ويعودون إلى الغذاء النباتي البحت ويحثون عليه، الأمر الذي له
معنى كيبر يستحق التأمل فيه.
أما الذين يقتصرون على اللحم وحده فحالتهم من الرداءة بحيث لا تحوجنا إلى
البحث فيهم حتى إنا لو نراها مرة بأعيننا لن نأكل اللحم أبدًا. إن الذين يقتصرون
على اللحم لا يمكن أن يقال عنهم: إنهم أصحاء البنية. ولذلك تراهم بمجرد تقدمهم
وتعلمهم القليل يقللون من أكله ويرغبون في النباتات.
فنتج من كل ذلك أن عدد الذين يعيشون على الثمار وحدها قليل جدًّا، ومن
السهل جدًا المعيشة على الغذاء المركب من الثمار والقمح وزيت الزيتون، الغذاء
الذي يساعد مساعدة كبيرة في تقوية الصحة.
إن الموز له المقام الأول في الفواكة ولكن التمر والعنب والبرقوق والبرتقال
وأمثالها من الثمار كلها مغذية تمامًا ويمكن تناولها مع الخبز. إن الخبز لا يفسد
طعمه إذا بُل بزيت الزيتون، ثم إن هذا الغذاء لا يحتاج فيه إلى الملح
والفلفل واللبن والسكر، وتحضيره سهل جدًّا ورخيص. إن أكل السكر وحده حماقة
والإكثار من الحلويات يضعف الأسنان ويضر بالصحة. إن المأكولات الجيدة التي
يمكن صنعها من البر والثمار جامعة بين الصحة واللذة.
أما المسألة الأخرى، وهي البحث في كمية الغذاء وأوقاته يوميًا فلأنها مهمة جداًّ
نخصص لها بابًا مستقلاًّ.
***
الباب السادس
ما هو المقدار الذي يتناول من الغذاء؟
وكم مرة يجب أن نأكل؟
بين الأطباء اختلاف كبير في مقدار الغذاء الذي يجب أن يتناوله الإنسان فقال
دكتور يجب أن يأكل أكثر ما يستطيع أكله. ثم ذكر مقادير الأطعمة المختلفة التي
يمكن أن تؤكل. وقال دكتور آخر: إن غذاء العمال يجب أن يختلف في مقداره
ونوعه عن غذاء المشتغلين بالأعمال العقلية ويعارضهما دكتور ثالث بقوله: إن
الأمير والفلاح وكل الناس يجب أن يأكلوا مقدارًا واحدًا من الطعام، إن ما لا يصح
النزاع فيه هو أن الضعيف لا يمكنه أن يتناول المقدار الذي يتناوله القوي. وكذلك
غذاء النساء يكون أقل من الرجال ومثلهن الصبيان والشيوخ يأكلون أقل من الشباب
وقد توسع كاتب حتى قال لو مضغ الطعام جيدًا بحيث تمتزج كل ذرة منه باللعاب
فعند ذلك لا تحتاج إلى أكثر من أوقيتين أو أربع أوقيات من الغذاء. قال الدكتور
هذا القول بعد أن جرب تجارب لا تحصى، وقد بيعت نسخ كتابه ألوفًا مؤلفة. فظهر
من كل ذلك أن البت في تعيين مقدار الغذاء ليس من الحكمة في شيء.
إن أكثر الأطباء يسلمون بأن تسعين في المائة من الناس يأكلون أكثر من
حاجتهم. لا ريب أن هذه حقيقة واقعة يمكن مشاهدتها كل يوم وإن لم يعلن عنها
الأطباء.
إن الصحة لا تتقهقر من (قلة الأكل) بل من الضروري جدًّا للمحافظة عليها
تقليل مقدار الأكل الذي نأكله.
وإن من المهم جدًّا، كما قلنا آنفًا، مضغ الطعام جيدًا لتستفيد المواد الغذائية
الكثيرة من طعام قليل. إن المجربين من الناس قد بينوا بأن براز الذي يأكل طعامًا
نافعًا غير كثير ويكون قليل المقدار متماسكًا بعضه ببعض ولينًا ذا لون قاتم وخاليًا من
كل رائحة خبيثة، فالذي ليس برازه هكذا ليعلم أنه يكثر من طعام غير نافع ولا
يمضغ كما ينبغي. وكذلك الذي يشكو الأرق أو ينام نومًا متقطعًا مقلقًا بالأحلام أو
يجد صباحًا على لسانه اللعاب متجمدًا، فهو كذلك يرتكب جناية الإكثار من الأكل.
وإن كان يقوم في الليل مرات عديدة للتبول فمعناه أنه أكثر في الليل من أكل الأشياء
السائلة الرقيقة. فبهذه وغيرها من التجارب يستطيع الإنسان أن يعرف بالضبط
المقدار الذي يحتاج إليه من الغذاء. يصاب كثير من الناس بعفونة في نفسهم،
فهذه العفونة دليل على أن طعامهم لم ينهضم تمامًا. ثم إن كثرة الأكل تسبب أكثر
الأحيان ظهور البثور على الوجه وفي داخل الأنف وتولد الريح في بطون كثير من
الناس. إن أصل هذه المصائب كلها، بكلام صريح، هو أننا قد جعلنا بطوننا
مزبلة، فنحن نحمل هذه المزبلة معنا في كل مكان.
كلما نتفكر في الأمر بجد لا نتمالك من استقباح عملنا هذا استقباحًا شديدًا ولا
سبيل إلى التخلص من جناية كثرة الأكل إلا بأن نعاهد أنفسنا عهدًا أكيدًا بأن لا
نشترك في العزائم والولائم على اختلاف أنواعها. نعم يجب الاعتناء بالضيوف
ولكن ذلك لا يخرج بنا من حدود قوانين الصحة. هل خطر في بالنا مرة أن ندعو
أصحابنا لينظفوا أسنانهم معنا أو ليشربوا كوبة من الماء عندنا؟ أليس الأكل شديد
العلاقة بالصحة مثل هذه الأشياء؟ فلماذا نحن نحدث لأجله كل هذه الضجة الكبيرة؟
لقد أصبحنا نهمين بالعادة حتى أن لساننا لا يزال يتوق إلى ألوان كثيرة جدًّا من
الطعوم في كل حين. فلذلك نرى من واجباتنا المقدسة أن نملأ بطون ضيوفنا
بأطعمة لذيذة ونمني أنفسنا بأنهم أيضاً سيفعلون ذلك معنا في نوبتهم! إننا لو طلبنا
من صديق لنا أن يشم فمَنا بعد ساعة من الأكل، ثم هو يخبرنا بشعوره الحقيقي بلا
محاباة، فلا شك أننا نستر وجهنا من شدة الحياء والخجل! ولكن قد تجرد بعض
الناس من الحياء بتاتًا فلا يستحون من أن يشربوا بعد الأكل مباشرة مسهلاً
ليستطيعوا الإكثار من الأكل أو أنهم يستفرغون كل ما أكلوه ليعودوا حالاً إلى المائدة
ثانية! .
وبما أننا جميعًا حتى أفاضلنا يرتكبون جناية كثرة الأكل على سواء لذلك قد
قرر أجدادنا العقلاء الصوم علينا أحيانًا كثيرة كفريضة دينية. لا شك أن الصوم
مرة في كل أسبوعين نافع جدًّا للصحة. إن كثيرًا من المتمسكين بالدين من
الهندوس يقتصرون على أكلة واحدة في اليوم طول فصل المطر. هذا حسن جدًّا
ومبني على أحسن الأصول الصحية. وذلك لأن القوى الهاضمة تضعف عندما
يكون الهواء رطبًا والسماء مغيمة ولذلك يجب تقليل مقدار الغذاء.
والآن نبحث في عدد المرات التي ينبغي أن نأكل فيها. إن الملايين من
الهنود قد تعودوا على الأكل مرتين كل يوم. والذين يشتغلون بالأعمال الشاقة
يأكلون ثلاث مرات، أما عادة الأكل أربع مرات فقد دخلت بلادنا بعد قدوم الأدوية
الإفرنجية إليها. لقد تأسست أخيرًا في إنجلترا وأمريكا جمعيات مختلفة تنصح
الناس بأن يقتصروا على الأكل مرتين وتمنعهم من الفطور صباحًا مبكرًا. وذلك لأن
نومنا في الليل يؤدي بنفسه وظيفة الفطور. فيجب بمجرد الانتباه صباحًا أن يستعد
الإنسان للشغل عوضًا من الأكل، ثم يتغذى بعد ثلاث ساعات فقط، إن الذين
يتمسكون بهذا الرأي لا يأكلون في اليوم إلا مرتين ولا يشربون خلالها حتى الشاي.
إن دكتورًا محنكًا اسمه ديوي Dewai ألف كتابًا جليلاً في الصوم وأثبت فيه فوائد
ترك الفطور، وأنا كذلك أستطيع أن أؤكد بناءً على تجربتي الشخصية ثماني
سنوات بأنه لا حاجة إلى الأكل أكثر من مرتين للذي جاوز الشباب واستكمل جسمه
كل نموه.
***
الباب السابع
الرياضة
إن الرياضة ضرورية جدًّا للإنسان كضرورة الهواء والماء والغذاء، فالذي لا
يواظب عليها لا يمكن أن يكون صحيحًا. نحن لا نقصد (بالرياضة) مجرد التمشي
أو الألعاب كالصولجان وكرة القدم، بل تدخل في الكلمة جميع الأشغال الجسمية
والعقلية. الرياضة ضرورية كضرورة الغذاء للجسم. فالمخ يضعف لعدم الرياضة
مثل ما يضعف الجسم سواء بسواء، وضعف العقل نوع من المرض بلا ريب.
فالمصارع الماهر في المصارعة لا يعتبر (صحيحًا) بالحقيقة إلا إذا كان
عقله كذلك قويًّا كجسمه. وكما قد بين أن المخ القوي في الجسم الصحيح، هذه
القاعدة وحدها تؤسس صحة حقيقية.
ما هي إذن الرياضات التي يحافظ بها على قوة الجسم والعقل معًا؟ إن
الطبيعة قد قدرت ذلك بطريقة تمكننا من أن نتريض الرياضة الجسمية والرياضة
العقلية في وقت واحد. إن الأكثرية الكبيرة من البشر تعيش بالعمل في المزارع.
فالفلاح مضطر أن يقوم بالرياضة البدنية المتعبة على كل حال؛ لأنه لا بد له من أن
يشتغل من ٨ إلى ١٠ ساعات بل أكثر من ذلك أيضًا ليحصل على قُوته ولباسه.
ثم العمل الجسمي الشاق المتعب يستحيل القيام به إلا إذا كان المخ في حالة حسنة.
والفلاح يكون مخه كذلك، فهو لا بد له من معرفة التفاصيل الكثيرة للزراعة،
وكذلك لا بد من أن يكون له علم وافر بالأرض وأنواعها والفصول وتقلباتها، بل
ربما بحركات الشمس والقمر والنجوم وسيرها، حتى إنه قد يغلب أعلم الناس في هذه
الأمور. ثم هو يعرف حالة الوسط المحيط به كما ينبغي فيستطيع أن يعرف
الجهات بمجرد النظر إلى الكواكب في الليل، ويتنبأ بأمور كثيرة جدًّا بمطار
الطيور ومسير البهائم، فيعرف مثلاً أن المطر على وشك السقوط إذا رأى نوعًا
خاصًّا من الطيور قد اجتمع وأخذ يضج ويصيح. والحاصل أنه يعرف من الأرض
والسماء القدر الضروري لعمله، وكذلك يعلم شيئًا من علم الدين ليتمكن من القيام
بعباداته وتربية أولاده. وهذا العلم هو يحصله بطريقة طبيعية لأنه يعيش تحت
السماء الواسعة والفضاء الفسيح فيعرف بسهولة عظمة الله تعالى.
أجل، الناس كلهم لا يمكن أن يصيروا فلاحين، ولا كتب هذا الفضل
لدعوتهم إليه، بل إنما نذكر لهم معيشة الفلاح؛ لأننا نعتقد أن حياته هي الحياة
الطبيعية للإنسان. فكلما نزداد بعدًا عن هذه الحياة الطبيعية نُصاب في صحتنا
بالمصائب، وقد علمنا من حياة الفلاح أنه يجب علينا العمل على الأقل ثماني
ساعات كل يوم، ويدخل فيه العمل العقلي كذلك.
أما التجار وغيرهم من الذين يعيشون عيشه القعود فلا شك أنهم يعملون العمل
العقلي إلى حد ما، ولكن شغلهم ضيق النطاق وأقل بكثير من أن يسمى (رياضة) .
ولأجل هؤلاء الناس قد اخترع عقلاء الغرب الألعاب كالصولجان وكرة القدم
وغيرها من الألعاب الخفيفة التي تلعب في الحفلات واجتماعات الأعياد.
أما الشغل العقلي فقالوا بقراءة الكتب التي لا تحتاج إلى إجهاد الفكر. لا ريب
أن هذه الألعاب تريض الجسم، ولكن هل هي نافعة للمخ أيضًا؟ كم من المهرة
المبرزين في كرة القدم والصولجان يملكون قوى عقلية عالية؟ كم ترى آثار
الاستعداد العقلي لأولئك الأمراء من الهنود الذين امتازوا كاللاعبين؟ ثم من جهة
أخرى كم نرى من العلماء الكبار من يهتمون بهذه الألعاب؟ يمكننا أن نتأكد بتجربتنا
بأنه قلما يوجد بين اللاعبين من يملك القوى العقلية. الإنكليز مُغرمون ومشهورون
بالألعاب، ولكن شاعرهم kipling يذم الحالة الذهنية للاعبين ذمًّا شديدًا.
أما نحن الهنود فقد سلكنا طريقًا مناقضًا لهذا الطريق تمامًا، فرجالنا يشتغلون
بالأشغال الشاقة العقلية ولكن قلما يتريضون، بل لا يتريضون مطلقًا. فيضعفون
بسبب هذه الأشغال فيقعون فريسة لأمراض مختلفة، ويدعون الدنيا إلى الأبد عندما
تأمل منهم أن تنتفع بعملهم. لا ينبغي أن يكون عملنا جسميًّا محضًا ولا عقليًا محضًا
ولا لمجرد تمضية الوقت والتسلية. إن المثل الأعلى في الرياضة هو تلك الرياضة
التي تقوي الجسم والعقل على سواء، وهي وحدها تهب الإنسان صحة حقيقية،
ومثل الإنسان الصحي هو (الفلاح) .
ولكن الذي ليس بفلاح ماذا ينبغي له أن يفعل؟ الرياضة بالألعاب كالصولجان
غير كافية ولذلك ينبغي إيجاد رياضة أخرى. إن أحسن الرياضات لرجل اعتيادي
هو أن تكون له حديقة صغيرة قرب بيته فيشتغل فيها بضع ساعات كل يوم.
قد يقول بعض الناس (ولكن ماذا نفعل نحن الذين لا نملك حتى البيت الذي
نسكنه؟) إن هذا السؤال حماقة. لأن صاحب البيت مهما كان أجنبيًا عنا لا يمنعنا
من أن نصلح أرضه بالحفر والزراعة فنصلحها ونفرح إذا تصورنا أننا قد ساعدناه
في تنظيف أرضه وإصلاحها. أما الذين لا يجدون الوقت لمثل هذه الرياضة أو لا
يحبونها فيمكنهم أن يواظبوا على المشي الذي هو أحسن الرياضات بعد تلك
الرياضة. وقد صدق من قال إنها (ملكة الرياضات) إن السبب الحقيقي في كون
صحة الرهبان الهنود حسنة جدًا هو أنهم يمشون في طول البلاد وعرضها على
أقدامهم، إن الكاتب الأمريكي الكبير تورو قال أشياء كثيرة مهمة في رياضة المشي
فقال: (إن كتابة أولئك الذين يعيشون دائماً في البيوت ولا يخرجون منها أبدًا في
الهواء الطلق، تكون ضعيفة كأجسامهم) .
وقد ذكر تجربته الشخصية قائلاً: (إن أحسن مؤلفاتي كلها هي التي ألفتها في
الزمن الذي كنت أمشي فيه كثيرًا) ، ولقد كان مشاءً كثيرًا حتى إنه مشي أربع أو
خمس ساعات كل يوم كان شيئاً اعتيادياً عنده! لنكن مغرمين بالرياضة حتى لا
نستطيع البقاء بدونها في حال من الأحوال. يصعب علينا أن نفهم شدة ضعف شغلنا
الدماغي وخفته إذا لم تصحبه الرياضة البدنية المتعبة. إن المشي يحرك جميع
أجزاء الجسم ويقوي دورة الدم، وذلك لأن الهواء النقي يدخل بقوة في الرئة عندما
تمشي بسرعة، ثم هنالك مسرات عظيمة جدًا تقدمها إلينا الطبيعة ومناظرها إذا
خرجنا إلى الميادين والحقول، تلك المسرة التي تأتينا من التدبر في جمال الطبيعة.
أما المشي في الأزقة والشوارع أو في طريق واحد كل يوم فلا فائدة منه أصلاً
يجب أن نخرج إلى الميادين والغابات وهنالك نجد لذة الطبيعة. إن المشي ميلاً أو
ميلين ليس بمشي لأن مشي عشرة أو اثني عشر ميلاً ضروري للرياضة. والذين
لا يستطيعون ذلك كل يوم فليفعلوه أيام الآحاد أيام العطلة. ذهب رجل كان يشكو
سوء الهضم إلى طبيب فنصحه الطبيب بمشي قليل كل يوم، ولكنه اعتذر قائلاً
هيهات أن أمشي فإني ضعيف جدًا. فأخذه الطبيب في عربته وخرج به للنزهة.
فلما أبعد عن العمران قليلاً أسقط سوطه فاضطر المريض أن ينزل تأدبًا ليأتي به.
ولكن الطبيب ساق عربته بدون أن ينتظر. فأخذ المسكين يصيح ويجري وراء
العربة! ولما اطمأن الطبيب بأن المريض قد مشى مشيًا كافيًا حمله في العربة قائلاً
(إن هذه حيلة دبرتها لتضطر إلى المشي) وبما أن المريض أخذ يشعر بالجوع من
ذلك الوقت عرف نصيحة الطبيب ونسي حكاية السوط. ثم رجع إلى بيته وأكل
الطعام برغبة وشهية. فليجرب الذين يشكون سوء الهضم وما شاكله من الأمراض
المشي بأنفسهم، فإنهم يعرفون قيمة الرياضة حالاً.
((يتبع بمقال تالٍ))