للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


ماضي الأزهر وحاضره ومستقبله
(٥)
ذكرنا في المقالة الثانية من هذا البحث جملة مطالب الأزهريين وما قبلته
الحكومة منها، وذكرنا في الثالثة والرابعة تفسير الأزهريين لمطالبهم تلك ووعدنا
بالتعليق عليها. ثم أمسكنا عن إتمام هذا البحث بضعة أشهر لما طرأ على مسألة
الأزهر من التقلب والخلاف بين الحكومة ومشيخته، وما طرأ في العالم الإسلامي
من الأطوار العامة من نبذ الحكومة التركية للشرع الإسلامي وتأثيره في قوة سير
الإلحاد واللادينية في مصر من جهة، ومن الرجاء في قوة الدين من جهة أخرى
بانتصار النجديين في الحجاز على حكومته السابقة الجائرة المفسدة، ونعود الآن إلى
إتمام البحث في حال الأزهر وحاضره، ثم نبني عليه في مجلد المنار السابع
والعشرين الكلام في مستقبله إن شاء الله تعالى فنقول:
إن جُل مطالب الأزهريين من الحكومة منافع ماديَّة وإدارية يتوقف عليها جعل
هذا المعهد العلمي الإسلامي كالعضو الرئيسي العامل في بنية الأمة والدولة، ولكن لن
يكون بها كذلك إلا بالإصلاح العلمي والتهذيبي الذي يشعر الأمة والحكومة معًا
بالحاجة إليه وتوقف ارتقاء البلاد على عمل المتخرجين فيه، وليس في مطالب
أهله ولا في شرحها ولا فيما كتبوا في الصحف من المقالات انتصارًا لها أدنى بيان
لأركان هذا الإصلاح، ولكن في بعضها إشارة إلى بعض المسائل الإصلاحية
بالإجمال كطلب إرسال بعثات من الأزهريين إلى المدارس الأوربية الجامعة وهو
المطلب السابع مما تقدم في المقالة الرابعة، وكذلك انتقاء الكتب وتعديل البرامج بما
يناسب حاجة العصر الحاضر والتقدم العلمي الحالي، وهو المطلب الثاني عشر
منها، وهو الأخير كما تقدم. قد يكون تنفيذ هذين المطلبين ركنًا من أركان
الإصلاح العلمي، وقد يكون من أكبر المفاسد القاضية على هذا المعهد، فقد تعلم
بعض متخرجي الأزهر وحملة شهادة العالمية ومن دونهم في مدارس أوربية فعادوا
إلى مصر يفسدون ولا يصلحون، وهم من دعاة الحكومة اللادينية والإلحاد في
البلاد، وإنما تكون العلوم العصرية إصلاحًا عظيمًا بما سنبينه بعد في الكلام
على مستقبل الأزهر.