للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أمين الرافعي


ساعة مع جلالة الملك عبد العزيز بن السعود
بقلم الأستاذ أمين بك الرافعي
(ونشرت بالسياسة)

قال الأستاذ بعد وصف القصر وتقديم القهوة والشاي:
أخذ جلالته يتحدث إلينا في مختلف الشؤون وهو جهوري الصوت يهش في
وجوه المتحدثين معه وينتقل بسرعة من موضوع إلى آخر، يستدل في أقواله
بالآيات الكريمة والأعمال النبوية والأبيات الشعرية وإذا ذكر اسم النبي صلى الله
عليه وسلم قرنه بالصلاة والتسليم ولو تكرر ذلك عدة مرات.
بدأ جلالة الملك حديثه بإظهار ارتياحه لاتجاه أفكار المسلمين إلى إيجاد رابطة
تربطهم، وأنه قد سر كل السرور من اجتماع الوفود في مكة المكرمة، ومن
التعرف بهم، ثم انتقل إلى الكلام في شئون الدين فقال: إن أساس سعادة المسلمين
قائمة على التمسك بدينهم؛ لأن هذا الدين ضمن لهم سعادة الدارين والقرآن الكريم فيه
كل ما يريده من يقصد الوصول إلى السعادة، فهو قد حثنا على التعليم وحثنا على
الجهاد وحثنا على تدبير شؤوننا الدنيوية المختلفة ونحن نحمد الله على ما تفضل به
علينا من نعمة التمسك بالدين فنحن كلنا نحرص على الدين كل الحرص ونضحي
في سبيل ذلك كل ما نملك ونفديه بأرواحنا وأنفسنا ودمائنا.
إن خصومنا يشنعون علينا ويشيعون عنا أمورًا غير حقيقية ويسموننا بأسماء
لا حقيقة لها. إنهم يسموننا بالوهابيين ويزعمون أن لنا مذهبًا هو الوهابية في حين
أن هذا غير صحيح؛ إذ إننا مسلمون لا نعرف في أصول الدين غير الكتاب والسنة
ونقلد سيدي أحمد بن حنبل في الفروع وكل ما يقال غير ذلك لا يقصد به سوى
التشهير بنا.
ثم استمر جلالته يتكلم عن فضائل الإسلام وضرورة تمسك المسلمين بهذه
الفضائل والعمل على توحيد كلمتهم.
وبعد أن أتم الكلام في هذا الموضوع قلنا لجلالته: إن المسلمين كانوا يبحثون
منذ زمن بعيد عن وسيلة لتوثيق رابطتهم فلمّا ظهرت فكرة المؤتمر الإسلامي ارتاح
لها زعماء المسلمين وهرعوا لتنفيذها، ولما كان جلالته هو صاحب تلك الفكرة
والداعي إلى تحقيقها فهو جدير بشكر العالم الإسلامي. والذي نرجوه الآن هو أن
يكون المؤتمر هو الطريق العملي الموصل لما ينشده كل مسلم في جميع أنحاء العالم
في رفعة شأن المسلمين وإصلاح أمورهم وتوطيد كلمتهم وتسهيل طرق الحج
وتنظيم شؤونه والنهوض بالحجاز والأراضي المقدسة.
فأجابنا جلالته بأن هذه هي أمنيته. ثم أردف ذلك بقوله: إننا ما حضرنا إلى
هذه البلاد تحت تأثير مطامع ذاتية أو تعلقًا بالملك والملكية وإنما جئنا لننقذ حرم الله
المقدس من الأذى الذي لحقه ولحق أهله. إن في الحجاز ثلاثة أقسام من الناس،
فقسم ينتسب إليه دون أن يكون من أهله، وقسم من أبنائه ولكنهم يفسدون أمره وهم
الأمراء والبادية، وقسم آخر يريدون الخير له ولكنهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً.
ولقد جئنا لنعمل لخير الحجاز والحجازيين، ونحن قد جعلنا نفسنا فداء للإسلام
والمسلمين ننزل عن كل شيء مما نملكه ولكننا لا نسلم في شيئين مطلقًا (الأول)
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نعض عليهما بالنواجذ. (الثاني)
شرف عربيتنا فنحن نتمسك به ونذود عنه لأنه أساس نجدنا وسر حياتنا.
ثم انتقل الحديث إلى حالة المسلمين اليوم فقلنا لجلالته أن النكبات التي انتابت
العالم الإسلامي في الأزمنة الغابرة والتي لا تزال تنتابه في العصور الحاضرة يجب
أن تكون درسًا نتعلم منه كيف نزيل كل خلاف فيما بيننا.
فأجابنا جلالته قائلاً: إن هذا حق فإن عدونا الحقيقي فينا وليس أجنبيًّا عنا
ونحن لا نخاف من الأوروبيين وإنما نخاف من أنفسنا فإذا خلصت نيتنا نحو أنفسنا
وطهرنا قلوبنا من أدران العداء أصبحنا أقوياء وأمنا على أنفسنا ولكن إذا دامت
الشحناء فيما بيننا فإن هؤلاء الذين يتسببون في الشحناء يجعلون سبيلاً لتدخل أصبع
الأجنبي، فالأجنبي لا يقوى على التدخل بنفسه وإنما هو يستعين بمن يساعدونه منا.
ثم تحدثنا مع جلالته في الأمن العام فقال جلالته: إن من فضل الله ما نشاهده
من توطيد الأمن في كل الجهات وها أنا قد غادرت نجدًا وليس فيها الآن أحد من
أبنائي فهم قد حضروا لأداء فريضة الحج وكذلك سيدي الوالد ولم أترك هناك سوى
شخص من أتباعي خولته أن يفصل فيما عساه يعرض عليه من الشؤون إذا احتاج
الأمر لذلك فالحالة تدعو للاطمئنان التام.
وفي خلال الحديث الذي دار بيننا ويبن جلالته عرض عليه كاتبه الخاص
ثلاث أوراق قرأ ورقتين منهما وأعطى تعليمات شفوية بشأنهما. أما الورقة الثالثة
فإنه ختمها بخاتم يحمله في خنصر يده اليسرى بعد أن غمسه في ختّامة صغيرة.
ولما مضى على حديث جلالته أكثر من ساعة من الزمن استأذن في
الانصراف شاكرين لجلالته ما لقيناه من حسن ترحيبه وما سمعنا من جميل حديثه.

... ... ... ... ... ... ... أمين الرافعي
... ... ... ... مكة المكرمة في ٢ ذي الحجة (١٣ يونيه)