للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أنباء العالم الإسلامي
(منطقة العقبة ومعان)
قد علم الخاص والعام أن المؤتمر الإسلامي العام قرر بإجماع الآراء مطالبة
ملك الحجاز بالسعي لإعادة منطقة العقبة ومعان إلى الحجاز، وحث العالم
الإسلامي على تأييده في هذا الطلب، ويظهر أن ملك الحجاز بدأ بما يجب عليه
شرعًا وسياسة من السعي لذلك، فإن لم ينقل هذا بخبر رسمي؛ فقد يدل عليه ما
جاءتنا به البرقيات من (لندن) من تصريح الجرائد الإنكليزية بذلك ودفاعها عنه
بأن جمعية الأمم قبلت أن تقيد إلحاق هذه المنطقة بشرق الأردن وجعلها تحت
الانتداب البريطاني (! !) ، وبأن عظمة شأن هذه المنطقة البرية والبحرية
والحربية والجغرافية والاقتصادية يوجب امتلاخها من الحجاز ومن سلطان
العرب والمسلمين، وجعلها تحت إدارة دولة متمدنة كالدولة البريطانية (!) .
ولم يبلغنا في هذه المرة أن جريدة بريطانية تقول في هذه المسألة كلمة حق
وإنصاف كما تفعل بعض الجرائد البريطانية في بعض المسائل وإن لم تسمع لها
حكومتها، ولكن وُجد إنكليزي واحد قال فيها كلمة حق هي وجوب إرجاع المنطقة
إلى أصلها وهو (مستر فلبي) المشهور، وهذا الرجل هو الذي انفرد بدرس شؤون
نجد، وبلاد العرب، وابن السعود، وإظهار الصداقة له ومطالبة حكومته
بمودته، وصداقته، وإظهار ما في ذلك من المنافع لها، كما أن (الكولونيل جاكوب)
قد اختص بدرس شؤون اليمن وإمامها ومطالبة حكومته بمودته وبيان ما في ذلك من
المنافع لها، ولم يفعل أحد من الرجلين شيئًا.
الحكومة الإنكليزية مجتهدة في جعل هذه المنطقة الحجازية بريطانية محضة،
- وهي لم تبتدع نظام جمعية الأمم إلا لتؤيدها في مثل هذا - فهي قد خصصت
أربعة وخمسين ألف جنيه، لبناء معقل عسكري في معان يسع بضعة عشر ألف
جندي، وستجعل هنالك محجرًا صحيًا للحجاج تحول إليه جميع حجاج سوريا
وفلسطين والعراق وإيران، وغير ذلك من الأقطار التي يرغب حجاجها في الحج
من طرق هذه البلاد، وقررت أيضًا مد خط حديدي من معان إلى العقبة لينقل
الحجاج إليها ويسافرون منها إلى جدة أو ينبع من موانئ الحجاز، ويستغنون عن
الإلمام بالثغور المصرية وقنال السويس.
وأما العالم الإسلامي فلما يبدأ بتنفيذ ما قرره المؤتمر في مكة المكرمة من تأييد
حكومة الحجاز في مطالبتها برد هذه المنطقة إلى الحجاز كما توجبه عليهم وصية
النبي صلوات الله عليه وسلامه في مرض موته وهي التي بنى عليها المؤتمر العام
قراره على أن استقلال الحجاز وتأمينه من اعتداء غير المسلمين عليه من أهم
الفروض الإسلامية ولو لم يكن هنالك وصية من النبي - صلى الله عليه وسلم -
بجعل الحجاز بل جزيرة العرب كلها إسلامية محضة.
ينبغي لأعضاء المؤتمر الذين يبثون الدعوة لهذا السعي في بلادهم تنفيذًا
لقراره أن يتدبروا في هذا الأمر حق التدبر، وأن يسلكوا له أقصد السبل، وأهمه
الاستعانة على الحكومة الإنجليزية بشعبها بعد البحث عن خير الوسائل، لإقناعه
بأن مودة العالم الإسلامي له تتوقف على ذلك لأن أمر الحجاز ليس كأمر سائر البلاد
الإسلامية كما هو معلوم بالبداهة، ولا يخفى على ذكي ولا بليد أن انتقاص هذه
المنطقة من الحجاز خطر على الحرمين قريب بل على الإسلام نفسه وسنعود إلى
التفصيل في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.
***
(منصب المندوب السامي الفرنسي لسوريا ولبنان)
قد عزل موسيو جوفنيل المندوب السامي السياسي لسوريا ولبنان واستبدل
به فرنسي آخر اسمه موسيو يصح أن يقال فيه وفيمن قبله من المندوبين ما قاله
الرصافي في تولية حقي باشا لمنصب الصدارة بعد حلمي باشا وكامل باشا في عهد
الاتحاديين.
مضى كامل من قبل حلمي وإن جرى ... كما جريا حقي فمثلهما حقي
نحن قدرنا لموسيو جوفنيل الفشل منذ عرفناه بمصر والغرور بالنفس يملأ
دماغه وجوانحه، وتغرير أولي الأهواء يحيط به من جميع جوانبه، ثم فصلنا
القول في خطل سياسته وضربنا له الأمثال، وكان أبعدها عن المصلحة الفرنسية
عندنا ما كان يظنه هو السياسة المثلى، ويتوهم أنه هو الحز في المفصل،
والضرب على الأكحل، وهو بدء عمله في لندن ثم في أنقرة (!) فهو قد اهتم بأن
يبدأ بالاتفاق مع من ربحوا بسوء عمله من فرنسا ولم تربح منهم فرنسا شيئًا.
إننا والله لنعجب من أمر هذه الأمة ذات التاريخ الفياض بنوابغ الرجال كيف
آل أمرها إلى عوز رجل واحد يستطيع أن يكون مستقلاًّ بعمل صالح في سوريا
دون عبث أولئك الأفراد من اللبنانيين المتعصبين، ومستعمري الفرنسيس
المنهومين، الذين سفكوا دماء الألوف من رجالها، وأخسروها ألوف الملايين من
فرنكاتها، وشوهوا محاسن تاريخها، وكسبوها تجاه ذلك عداوة الأمة العربية ومقت
الشعوب الإسلامية كلها. نعم أن كل ما خسرته فرنسا في سوريا من دماء بعدما
نزفته الحرب العظمى من دماء رجالها، ومن ألوف ملايين الفرنكات في الوقت
الذي خوت فيه خزانتها، وسقطت قيمة ماليتها، ومن تشوية تاريخها وسمعتها، كل
ذلك كان بعبث أولئك الأفراد بالمندوبين الساميَيْن، وغرور هؤلاء بما يتوهمون من
إخلاصهم لفرنسا وهم ليسوا بمخلصين، اللهم إلا لجيوبهم، وإرضاء تعصبهم.
إن أكبر عقل في فرنسا كلها في هذا العصر هو عقل الفيلسوف غوستاف
لوبون الذي نصح لأمته بأن تعتبر بتاريخ الإنكليز وبأعمالهم في الاستعمار، إن
الإنكليز هم الذين استفادوا أكبر الفوائد من سوء سيرة رجال فرنسا في سوريا ومن
الثورة السورية، فهم يوطدون أقدامهم في فلسطين وفي شرق الأردن وفيما ضموه
إليها من أرض الحجاز وفي صحراء سوريا العربية الممتدة إلى العراق بأقل النفقات
(على حساب الثورة السورية! !) .
لقد وجد في العقلاء المنصفين من نصارى سوريا ومن المسلمين، المسلمين
أنفسهم - بل من علمائهم أيضًا - من حاولوا النصح لفرنسا بمنتهى الإخلاص،
ومن كلموا من استطاعوا أن يكلموه من رجالها، وأرشدوهم إلى الجمع بين
مصلحتي سوريا وفرنسا فاقتنعوا ولكن لسان حال فرنسا تمثل لهم بقول البوصيري.
محضتني النصح لكن لست أسمعه ... أذن المحب عن العذال في صمم
لو فوض منصب المفوض السامي في سوريا إلى رجل عليم خبير مستقل في
عقله وفكره وشعوره دون منهومي الاستعمار ومتعصبي الكثلكة الإمبراطورية
المسيحية، وعرف أهل البلاد حق المعرفة، وعرف من حولهم من أمتهم،
لاستطاع أن يرفع اسم فرنسا، وأن يكسبها بعمله في سوريا مالاً ونفوذًا وشرفًا،
ولكن هذا الرجل لم يوجد فهل يوجد قبل أن يقضي الله في سوريا ما يذهب بكل
أماني فرنسا وأحلامها، أو قبل أن تستيقظ الأمة الفرنسية فتعلن بسبب سوريا
حكومتها وحكامها؟ الله أعلم.
***
(الشيخ محمد الخراشي والدعاية البهائية)
قد ذكرنا في الجزء الماضي ما كتب إلينا من بلاد العرب وما كتب إلى غيرنا
من بث الشيخ محمد الخراشي لدعوة البهائية، ثم أخبرنا مخبر آخر أن الخراشي قد
تبرأ من دين البهائية، وأنكره جهرًا أمام الناس، فإن صح هذا عنه فعسى أن يكتب
مقاله في براءته ينشرها في الجرائد تكون صريحة في ذلك بحيث لا تحتمل
التأويلات الباطنية، وإلا فإن البهائية يدعون الإسلام مع المسلمين حتى إن أكبر
رجالهم وملفق ديانتهم عباس أفندي ابن معبودهم البهاء، الملقب (بعبد البهاء) كان
يدعي في مصر الإسلام والدعوة إليه حتى انخدع بكلامه مثل عثمان باشا مرتضى
العلامة القانوني المنطقي، وجادلني في الدفاع عنه بما ذكرته في وقته في المنار،
وانخدع به أيضًا صاحب المؤيد الشيخ علي يوسف وأثنى عليه في المؤيد بما رددته
عليه في مقالة نشرها في المؤيد.
ويسرنا جد السرور أن يتبرأ الشيخ محمد الخراشي من هذا الدين الملفق
الوثني؛ لأنه كان من أصدقائنا وما فرق بيننا وبينه إلا ما نقل إلينا هنا قبل سفره إلى
العراق وبلاد العرب وخليج فارس من دعوته إلى البهائية ودفاعه عنهم، والله
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
***
(سماسرة العروش وطلابها)
فتن أبناء الشريف حسين بن علي بحب ألقاب الملك وعظمتها في ظل دول
الاستعمار، ففيصل ملك العراق قد أستأنف في هذا الصيف في فرنسة ما بدأ به في
صيف العام الماضي هنالك من السعي لجعل أحد أخويه (علي وزيد) ملكًا لسورية في
ظل الانتداب الفرنسي جزاء لما يدعيه من قدرته على إخماد الثورة، وإخضاع البلاد
للانتداب الذي كان فيصل أول من قبله وسعى لإقناع سورية به ليبقى ملكًا عليها في
ظله فأحبط الجنرال غورو عمله، وقد آن لمن كانوا مخدوعين بهذه الأسرة أن
يعلموا ما علمه سائر الناس من سوء حالها وكونه لا يصلح لشيء، على أننا لا نظن
أن فرنسة تنخدع لفيصل إن كان لا يزال في السوريين من ينخدع له. هذا وإن
جعْل الشريف علي أو الشريف زيد ملكًا لسورية فيه عداء لمك الحجاز وسلطان نجد لا
تؤمن عاقبته. وقاعدة الملك فيصل في سعيه الآن هي جعل سورية ملكية مرتبطة مع فرنسة بمعاهدة كالمعاهدة البريطانية العراقية، وإن صك انتداب فرنسة لأهون من
تلك المعاهدة، ولولا سوء تنفيذ رجال فرنسة له لكانت خيرًا من العراق
وأدنى إلى الاستقلال، فمن كان في شك من هذا من زعماء البلاد فليخبرنا ننشر له
ذيول تلك المعاهد التي ليس فيها للعراق إلا الألقاب الضخمة.
***
(أفن رأي دعاة الإلحاد والإباحة)
كلمة من كتاب، لأمير الكتاب
ما كتبتم لي بشأنه أنا منتظر الفرصة له. ولا بد أن أبدي رأيي في الشعر
الجاهلي، وما أشبه ذلك من المواضيع التي أثارها ذلك الأعمى.. . ولكني أجد مع
الأسف في مصر نزعة إلحاد وإباحة من قبيل ما في تركيا وعذرهم كعذر الأتراك
أن هذه الأمور لم تمنع ترقي أوربا، لا بل هي سبب رقيها؛ إذ سبب رقي أوربا هو
الحرية، والإلحاد في العقائد والإباحة في الاجتماع هما من باب الحرية. وهؤلاء
المجانين لا يدركون أن مبدأ رقي أوربا وقع حينما لم تكن هذه الحرية التي يذكرونها
لا بل تأثل ونما وصالت أوربة على العالم وهي بعد رجعية على رأيهم، ولما فشت
فيها مبادئ الإلحاد والإباحة لم تزعزع قوتها إذ كانت رسخت وتأسست والجسم
القوي يتحمل الصدمات.
وأما الإسلام فقد انحط بعوامل عديدة من الداخل ومن الخارج، وقد فقد
استقلاله ولم يبق له شيء يقاتل به إلا هذا الإيمان، فهو يقوم عند المسلم مقام المال
والصناعة والوسائل كلها، وهو الهاتف الوحيد بالمسلم أن يهب ويذب عن حوضه
ويأبى عبودية الأجنبي. وهذه الفئة آتية لتقول للمسلمين:
شريعتكم بالية، وعقائدكم سخيفة، ودعونا من كل ما أنتم فيه ولننشئ نشأة
جديدة وبهذا نحيا، وبهذا يهدمون القوة الوحيدة الباقية بيد الإسلام، وهي العقيدة
والرابطة الإسلامية، ومن الآن إلى أن تتكون الهيئة الاجتماعية العلمية الفلسفية
العصرية في الشرق ينبغي الصبر مائة سنة على الأقل فنكون أضعنا ما بيدنا على
أمل بآت بعد مائة سنة أي نكون تمزقنا كل ممزق وفقدنا وجودنا الشخصي ودخلنا في
تركيب الأمم الأخرى، فإن كان هذا مراد أولاد.. . [١] وأضرابهم أن نفقد كيوننا
السياسي، من حيث إننا أمة ونصير مندمجين في الأمم الأخرى الغالبة الآن، وأن
ذلك لا ضرر به، وأنه أية ضرورة ليقال أمة عربية، أو مصرية، أو عالم
إسلامي فكل البشر خلائق فهكذا يكونون سائرين على خطة منطقية.
وأما استقلال أمم شرقية وهي ضعيفة والأمد أمامها إلى إدراك أوربة [٢] بعيد
وطرحها رأس المال المعنوي الوحيد الذي بيدها وهو الإسلام، فهذا حمق وما وراءه
حمق، وبرهاننا على قوة الإسلام هذه كون الاستعمار لا يحارب مبدأ في الدنيا
بالشدة التي يحاربه بها، وإذا أردت وزن قوة عدو فانظر إلى مقدارها عند عدوه
{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الرعد: ٣٣) . أسفًا على مصر فقد ظهرت
فيها علامات تؤذن بشر مستطير، والله الواقي وحده، والسلام.