للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أنباء العالم الإسلامي

(دعاة الشقاق للحرب بين الإمامين يحيى وعبد العزيز)
لا تزال إشاعات الشر عن استعداد الإمام يحيى لإيقاد نار الحرب تطوف
الأقطار؛ فتشغل الصحف وقراءها، ويتردد في بعض المجالس الخاصة ما هو
شر مما تنشر الصحف منها.
ومن هذا النوع ما ورد في مكتوبات خاصة من عدن , وغيرها من أن محاضيء
الفتنة من روافض الأعاجم، وأنصارهم من الهنود السياسيين قد أرسلوا إلى الإمام
يحيى وفدًا يعرض عليه إمداده بألف ألف جنيه مساعدة له على قتال الملك ابن السعود
لإخراجه من الحجاز، ويقال: إن مع العضو الإيراني من هذا الوفد عضوًا أفغانيًّا.
فيا ليت شعري! هل هو عضو ملفق في الهند أم استطاع شاه إيران استمالة أمير
الأفغان السني المصلح المدني؛ ليساعده على هدم السنة، ومعاداة أنصارها؟ الراجح
عندنا أن الوفد كله ملفق بإغواء أعداء الإسلام والعرب راجا محمود آباد , وأعوانه
الساعين في منع الحج، ولهؤلاء حزب في بعض بلاد الشرق.
وفي سورابايا (جاوه) جريدة عربية لهذا الحزب، تجهر بالدعوة إلى
هذه الحرب، وهي التي كان قد أسسها بعض غلاة الرفض من علوية
الحضارم؛ لدعايته في تلك البلاد التي ينتمي جميع أهلها إلى مذهب الإمام
الشافعي من أئمة السنة، فأحدثوا بينهم من الشقاق ما اشتهر أمره، وكان سببًا
لتأليف عدة جمعيات تطعن في العلويين أقبح الطعن بعدما كان الإجماع على
تعظيمهم وتكريمهم، وفاء لأسلافهم الذين نشروا الإسلام، ومذهب الشافعي هنالك.
تعظم هذه الجريدة أمر الإمام يحيى حميد الدين، وتكبر قوته، وتغلو في
استعداده الحربي، وتحبذ ما عقده من الاتفاق مع الدولة الإيطالية، وتطعن في
الإمام عبد العزيز ابن السعود، وتهون أمره، وتحقر قوته، ولا عجب فقد
سمع بعض علماء مصر , وفضلائها من زعيم من أشهر رجال هذا الحزب أنه
يفضل استيلاء دولة أوربية على الحجاز , ويراه أضعف ضررًا من استيلاء
ابن سعود عليه، ولكن الإمام يحيى أعلم من هؤلاء المتهورين بحقيقة قوته،
وقوة ملك الحجاز ونجد، وأعلم منهم بمصلحته، ومصلحة بلاده، وسيرى العالم
منتهى شوطهم في إغرائه، وتوريطه.
وأما نحن، فإننا نرى أن السياسة المثلى التي يجب أن يتبعها الإمامان
في الجزيرة العربية هي سياسة التآلف، والتحالف، والتعاون على حفظ
استقلال مهد الإسلام أن تمتد إليه يد الاستعمار، ونفوذ الأجانب، ونرى أن
من يوقد نار الحرب منهما على الآخر هو أكبر المجرمين، ولا يقبل له عذر
من الأعذار، ونرى مع هذا أن الخطر على اليمن أقوى وأقرب من الخطر
على الحجاز ونجد، ولعل الإمام يحيى قد شعر بزلته في الاتفاق مع إيطالية،
وإذًا لا يختار لنفسه الدخول في مأزق يضطره إلى تمكينها من قياده، ورسوخ
قدمها في بلاده.
***
(الحج في هذا العام)
نحمد الله تعالى أن أرى حزب الجريدة (الحضرموتية) بوادر خذلانه في
الدعوة إلى هدم ركن الإسلام الركين (الحج) في البلاد التي ينفث سمومه
الرفضية فيها، وهي جزائر جاوه , وما جاورها، فإن المسلمين قد لبوا دعوة الله
تعالى على لسان رسوله وخليله إبراهيم، ولسان رسوله وحبيبه محمد صلوات الله
وسلامه عليهما وعلى آلهما إلى حج بيته الحرام ألوفًا وراء ألوف , وداسوا
بأرجلهم دعوة هذا الحزب الذي كان يرفض السنة؛ فانتهى إلى رفض الفرض،
كما خذل أمثالهم في الهند الإنكليزية أيضًا بالرغم من أنف المتجرين بالدين في سوق
السياسة شوكت علي , ومحمد علي، والمرجو أن لا يقل حجاج هذا العام من البحر
عن مائة وخمسين ألفًا، وقد بلغنا أن حكومة العراق لم تمنع الحج رسميًّا، ولكن
بعض الزعماء من أعداء السنة، ومن أصدقاء الملك هم الذين يصدون عنه صدودًا،
فانحصر المنع الرسمي لأداء هذه الفريضة في الدولة الإيرانية، فأين علماء الشيعة
في بلادها في الهند، والعراق، وجبل عامل؟ كيف يسكتون عنها في هذا العام،
بعد أن ثبت بالتواتر بطلان ما بنت عليه المنع في العام الماضي من عدم الثقة
بالأمن، ودعوى إلزام الناس أن يؤدوا المناسك على مذهب الحاكم دون مذاهبهم؟
ونحن نطلب من علماء النجف، وكربلاء، وجبل عامل إصدار بيان ينشر في
الصحف بأركان الحج، وشروط وجوبه؛ لنعلم هل لحكومة إيران عذر في المذهب
الجعفري , أو الاثني عشري في منع المسلمين من إقامة هذا الركن من أركان الدين
بنص قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (آل عمران: ٩٧) .