للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قانون الأحوال الشخصية بمصر
والتنازع بين جمود الفقهاء المقلدين
وإلحاد زنادقة المتفرنجين
(٢)

قد تضمن مقالنا الأول في هذه المسألة أن الذين يتكلمون في الأمور الإسلامية
العامة باسم الإسلام ثلاث جماعات:
(١) جماعة الفقهاء المقلدين للمذاهب الإسلامية المدونة التي جرى عليها
العمل، ولا يزال السواد الأعظم من عوام المسلمين يتبعونهم، ويثقون بهم، وأما
الخواص من جميع الطبقات؛ فهم يعرضون عنهم، وينبذونهم عامًا بعد عام.
(٢) جماعة المتفرنجين، ويكثر فيها الزنادقة، ويقل المجاهرون بالإلحاد
والكفر قلة تتحول بالتدريج إلى كثرة، وأقل منهم المسلمون الصادقون فيها، وهذه
الجماعة بأصنافها الثلاثة: الزنادقة المنافقون، والملحدون المجاهرون، والمسلمون
الصادقون - هي الجماعة التي تتغلب على مصالح الحكومة وأعمالها يومًا بعد يوم،
وينتصر فيها الإلحاد على الإسلام في مسألة بعد مسألة، كما ثبت في مسألة
الدكتور طه حسين، فقد امتنعت النيابة العامة من محاكمته مع تصريحها الرسمي
بطعنه في الإسلام طعنًا صريحًا لا يحتمل التأويل، وامتنعت وزارة المعارف من
عزله من وظيفة التدريس في الجامعة، وإفساد عقائد النشء المصري , ونصره
أحمد لطفي بك السيد مدير الجامعة نصرًا مؤزرًا.
(٣) جماعة المستقلين في فهم الإسلام من كتابه وسنته وسيرة سلفه الصالح
العارفين بمصلحة المسلمين في هذا العصر , وهذه الجماعة هي الوسطى المرجوة
للوصل بين عقلاء المسلمين الصادقين من الطرفين الآخرين إلا من كان إلحاده
وزندقته لا عن شبهة عارضة , أو توهم تعارض بين الإسلام , وبين حضارة القوة ,
والعزة , والثروة، فإن الملاحدة ثلاثة أصناف:
(١) أولو شبهات سببها الجهل بحقيقة الإسلام , ورجوع هؤلاء إلى حظيرة
الإسلام , ولو بنصر آدابه وسياسته مرجوة.
(٢) مصطنعون لخدمة الأجانب , وهم الذين يطعنون في الإسلام بترجمتهم
لأقوال أعدائه فيه من المبشرين والسياسيين حتى إنهم لينصرون اليهود الصهيونيين
على عرب فلسطين من المسلمين , والنصارى - كما يراه المطلعون على جريدة
السياسة المصرية فيها - وهم إلى إلحادهم , وتعطيلهم مأجورون.
(٣) الذين يعلمون أنهم بترك الأمة للإسلام يكون لهم فيها مقام الزعماء،
والرؤساء، والحكام على فسقهم، وفجورهم الذي لا يمكنهم تركه - وأنهم بتجديد
هداية الإسلام يكونون محتقرين لا قيمة لهم.
بعد هذا الإيضاح لحال الجماعات الثلاث نذكر نص مشروع القانون الجديد،
ثم نقفي عليه بوجهة نظر كل جماعة منهم - وهذا نصه: -
مشروع مرسوم بقانون
خاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية
١- (تعدد الزوجات) :
(المادة ١) لا يجوز لمتزوج أن يعقد زواجه بأخرى , ولا لأحد أن يتولى
عقد هذا الزواج , أو يسجله إلا بإذن من القاضي الشرعي الذي في دائرة اختصاصه
مكان الزوج.
(المادة ٢) لا يأذن القاضي بزواج متزوج إلا بعد التحري , وظهور القدرة
على القيام بحسن المعاشرة , والإنفاق على أكثر ممن في عصمته , ومن تجب
نفقتهم عليه من أصوله وفروعه.
(المادة ٣) لا تسمع عند الإنكار أمام القضاء دعوى زوجية حدثت بعد
العمل بهذا القانون إلا إذا كانت ثابتة بورقة رسمية.
***
٢- (الطلاق) :
(المادة ٤) لا يقع طلاق السكران والمكره.
(المادة ٥) لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء ,
أو تركه.
(المادة ٦) الطلاق المقترن بعدد لفظًا أو إشارة لا يقع إلا واحدة.
(المادة ٧) كنايات الطلاق , وهي ما تحتمل الطلاق , وغيره لا يقع بها
الطلاق إلا بائنًا.
(المادة ٨) كل طلاق يقع رجعيًّا إلا المكمل للثلاث , والطلاق قبل الدخول ,
والطلاق على مال , وما نص على كونه بائنًا في هذا القانون رقم ٢٥ سنة ١٩٢٠.
***
٣- (الفسخ بإخلال الزوج بالشروط) :
(المادة ٩) إذا اشترطت الزوجة في عقد الزواج شرطًا على الزوج فيه
منفعة لها , ولا ينافي مقاصد العقد كألا يتزوج عليها , أو أن يطلق ضرتها , أو أن
لا ينقلها إلى بلدة أخرى؛ صح الشرط , ولزم , وكان لها حق فسخ الزواج إذا لم
يف لها بالشروط , ولا يسقط حقها في الفسخ إلا إذا أسقطته , أو رضيت بمخالفة
الشرط.
***
٤- (الشقاق بين الزوجين والتطليق للضرر) :
(المادة ١٠) إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بما لا يستطاع معه دوام
العشرة عادةً بين أمثالها , وطلبت التفريق طلقها القاضي طلقة بائنة إن ثبت الضرر ,
وعجز عن الإصلاح بينهما , وإن لم يثبت الضرر؛ بعث القاضي حكمين ,
وقضى بما يريانه على ما هو مبين بالمواد (١١ و ١٢ و ١٣ و ١٤ و ١٥
و١٦) .
(المادة ١١) يشترط في الحكمين أن يكونا رجلين عدلين من أهل الزوجين
إن أمكن , وإلا فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما , وقدرة على الإصلاح بينهما
عالمين بأحكام النشوز , ولو بتعليم القاضي.
(المادة ١٢) على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين , ويبذلا
جهدهما في الإصلاح , فإن أمكن على طريقة معينة قرراها.
(المادة ١٣) إذا عجز الحكمان عن الإصلاح , وكانت الإساءة من الزوج ,
أو منهما , أو جهلا الحال؛ قررا التفريق بلا عوض بطلقة بائنة.
(المادة ١٤) إذا كانت الإساءة من الزوجة؛ قررا - الحكمان - ما تعينت فيه
المصلحة من بقاء الزوجة في عصمة زوجها , وائتمانه عليها , أو التفريق بينهما
بعوض عليها بطلقة بائنة , وعند عدم تعيين المصلحة يكون للحكمين الخيار في
تقرير التفريق , أو البقاء إن لم يرد الزوج الطلاق , فإن أراد الطلاق؛ قرراه
بعوض عليها.
(المادة ١٥) إذا اختلف الحكمان؛ أمرهما القاضي بمعاودة البحث، فإن
استمر الخلاف بينهما؛ حكم غيرهما.
(المادة ١٦) على الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه في جميع
الأحوال , وعلى القاضي أن يمضيه.
(المادة ١٧) إذا غاب الزوج سنة فأكثر؛ كان لزوجته أن تطلب من
القاضي أن يطلقها بائنًا إذا تضررت من بُعْدِه عنها , ولو ترك مالاً تستطيع الإنفاق
منه.
(المادة ١٨) إن أمكن وصول الرسائل إلى الغائب؛ ضرب له القاضي
أجلاً , وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها , أو ينقلها إليه , أو
يطلقها , فإذا انقضى الأجل , ولم يفعل؛ فرق القاضي بينهما بتطليقة بائنة , وإن لم
يمكن وصول الرسائل إلى الغائب؛ طلق القاضي عليه بلا إعذار وضَرْبِ أجل.
(المادة ١٩) لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيًّا بعقوبة مقيدة للحرية مدة
ثلاث سنين فأكثر؛ أن تطلب إلى القاضي بعد مضي سنة من حبسه التطليق عليه
بائنًا للضرر , ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه.
***
٥- (دعوى النسب) :
(المادة ٢٠) لا تسمع دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها ,
وبين زوجها من حين العقد.
(المادة ٢١) لا تسمع دعوى النسب لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة
الزوج عنها إذا ثبت عدم التلاقي بينهما في هذه المدة.
(المادة ٢٢) لا تسمع دعوى النسب لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا
أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة.
***
٦- (النفقة) :
(المادة ٢٣) تقدر نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسرًا ,
وعسرًا مهما كانت حالة الزوجة.
(المادة ٢٤) لا تسمع الدعوى بنفقة عدة لمدة تزيد عن سنة من تاريخ
الطلاق.
***
٧- (سن الحضانة) :
(المادة ٢٥) للقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى
تسع , وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تبين له أن مصلحتهما في
ذلك.
(المنار)
هذا نص المشروع , ونرجئ التعليق عليه إلى الجزء التالي.