للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أسئلة من إيبك - يوغو سلاويا: (أوربة)

(س١٢ ١٥) من صاحب الإمضاء
حضرة صاحب الفضل والفضيلة، سيدنا ومولانا العالم العلامة، المحقق
المدقق مفتي الأنام السيد محمد رشيد رضا أطال الله بقاءه وحفظه آمين.
(١) هل يجوز أداء صلاة الظهر في يوم الجمعة بالجماعة لأهل القرى في
القرى، مع أن الجمعة قد أقيمت قبلها؟ هكذا يفتي بعض العلماء , ويخصون هذه
بالقرى دون الأمصار , ونحن نظن أن إقامة صلاتين متغايرتين في وقت واحد من
الجماعة لا تجوز , كما قررت في الأصول، ومع هذا إذا أقيمت صلاة الظهر مع
الجماعة بعد صلاة الجمعة في المسجد؛ هل تبطل الجمعة بأداء الثانية؟ إذ
المصلون هذه يشكون من أن صحة الجمعة ليست قطعية (في القرى) لفوات بعض
شروطها.
(٢) هل يعد من الزكاة الخراج المستأدية للحكومة المطروح من عندها -
أي حكومة كانت - ويسد مسدها؟
(٣) ما معنى حديث: (استنزهوا عن البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) ,
أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنه، والدارقطني عن أنس بلفظ
(تنزهوا) ؟ , وما حكمة تعميم النبي صلى الله عليه وسلم عذاب القبر بالبول؟
(٤) هل (وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر) حديث صحيح أو من
الموضوعات , إن كان من الأحاديث الصحيحة , فما معناه؟ وما سبب إيراد النبي
صلى الله عليه وسلم هذا؟ ومن كان المخاطب بهذا؟
أقدم لفضيلتكم هذا , وأرجو الجواب والإفتاء عنها , مع فائق احترامي
وتشكري.
... ... ... ... ... ... المخلص والمشترك لمجلتكم الغراء
... ... ... ... ... ... ... يحيى سلامي
صلاة الجمعة في القرى والظهر بعدها جماعة
الجواب عن السؤال الأول أنه من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الله
تعالى لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقت واحد.
فمن كان في قرية فيها مسجد تقام فيه الجمعة؛ يجب عليه أن يصليها مع
الجماعة , إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيها باطلة شرعًا لفقد بعض شروطها ,
وحينئذ لا يجوز له أن يصليها لأنه شروع في عبادة باطلة غير مشروعة في اعتقاده ,
وإن كان مخطئًا , وهو عصيان لله تعالى، وإذا عصى وصلاها معتقدًا بطلانها؛
تبقى صلاة الظهر متعلقة بذمته فعليه أن يصليها، وليس له أن يقيم له مع غيره
جماعة أخرى لأنه تفريق بين هؤلاء وبين إخوانهم المسلمين الذين أقاموا الجمعة
قبلهم , وهذه مسألة اجتهادية , هذا ما أراه في حكمها.
وأما إذا صلاها معتقدًا صحتها , فلا يجوز له أن يصلي بعدها ظهرًا لا
منفردًا ولا جماعة؛ لأنه يكون بهذا مخالفًا للمعلوم من الدين بالضرورة , وهو
قطعي بظن بعض الفقهاء.
وهذه المسألة قد بيناها بدلائلها التفصيلية من قبل، وإذا كان لمن تحكون
عنهم شبهات غير ما سبق لنا بيانه والرد عليها , فاذكروها لنا.
وليعلم المسلمون في بلادكم وأمثالها أنه لا ينبغي لهم تقليد من يقول من الفقهاء:
إن صلاة الجمعة لا تصح في القرى , فإن أول جمعة أقيمت في الإسلام قد أقيمت
بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرية جواثي من البحرين
كما في صحيح البخاري وشروحه , ولا تقليد من يشترط لصلاة الجمعة دار الإسلام ,
وإقامة الأحكام الشرعية من قبل الإمام، لأنه تقليد في إبطال شعيرة من أعظم
شعائر الإسلام، قال بعض الأئمة بعدم اشتراط ما ذكر في صحتها.
***
(٢) اجتماع العشر والخراج
الجواب عن الثاني أن مذهب الحنفية عدم اجتماع الخراج والزكاة في أرض
واحدة , ومذهب الجمهور أنهما يجتمعان لأن الخراج أجرة الأرض لبيت المال ,
فهو واجب عليها، وأما الزكاة فهي حق على الغني المسلم لأصحاب الحاجة من
المسلمين ومصالحهم العامة؛ ولذلك لا تجب على الذمي , والخراج يجب عليه،
وهذا كله خاص بالحكومة الإسلامية سواء كانت حكومة الإمام الحق في دار العدل
أو حكومة البغاة المتغلبين منهم.
وأما إذا أقام المسلمون في غير دار الإسلام وملكوا فيها أرضًا , أو تحولت
دار الإسلام إلى دار حرب لغير المسلمين , فالمختار عندنا أنه لا وجه لجعل ما
تأخذه هذه الحكومة من المسلم كالخراج الشرعي في دار الإسلام، وإذا كان للمسلمين
إمام يقيم العدل في قطر آخر؛ فالمصلحة الإسلامية العامة تقتضي أن يرسلوا إليه
من زكاة أموالهم كل ما يتعلق بالمصالح العامة بعد أن يؤدوا للفقراء والمساكين ما
لهم فيها، وكذا المؤلفة قلوبهم والغارمون إن وجدوا، وإلا كان حالهم كحال المسلمين
قبل الهجرة.
وهنا مسائل يفتقر بيانها بأدلتها إلى بحث طويل لا محل له هنا , وهذا الوقت
ليس بوقته.
وإنما أقول للسائل الفاضل - وهو من أهل العلم ومتدارسي الفقه -: إن
أحكام الخراج وما يتعلق بها أحكام اجتهادية لا تعبدية , وإن جعل جماهير الفقهاء
اجتهاد الخليفة الثاني ومن بعده من الراشدين , كنصوص الشارع في التزام العمل به
عند عدم المعارض، وعدوا المتفق عليه منها داخلاً في مسائل الإجماع الأصولي،
والذي نعتقده: أنها من أحكام المصالح العامة المفوضة إلى الأئمة وأولي الأمر من
المسلمين , يقررون بالتشاور في كل زمان وحال ما فيه المصلحة.
وأما الزكاة فهي من العبادات الأساسية , والنصوص القطعية فيها معلومة
وكذا الاجتهادية , ومنها الخلاف في عشر غلات الأرض هل هي زكاة تعبدية أو من
قبيل الخراج؟ ، ومن فروع ذلك: هل يجب الوقوف فيها عند النصوص أم يدخل
فيها القياس؟ فليتذكر هذا على إطلاقه وإجماله , وليجعله محل تذكر وتأمل وبحث
لا موضع مناقشة ومراجعة معنا.
***
(٣) حديث (استنزهوا من البول) إلخ
الحديث رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (استنزهوا من
البول فإن عامة عذاب القبر منه) , والحاكم لم يروه بهذا اللفظ , وإنما روى عن
أبي هريرة وابن عباس: (عامة عذاب القبر من البول) , وأما الدارقطني فرواه
من حديث أنس بلفظ: (تنزهوا) إلخ , ومعناه الأمر بالاحتراز والتوقي من البول
أن يصيب البدن أو الثوب , والتطهر منه إذا أصابهما أو أحدهما: ومعنى أصل
المادة (ن ز هـ) البعد , فالمراد أن يبتعد المسلم من نجاسة البول ويتقيها.
وأما حكمة كون عذاب القبر منه ومن النميمة كما في حديث الصحيحين في
الرجلين اللذين وضع النبي صلى الله عليه وسلم الجريدة على قبورهما؛ فهو من
عالم الغيب الذي لا مجال للرأي فيه، ولم نقف على بيان له من الشارع.
***
(٤) جملة (وجودك ذنب) إلخ.
هذه الجملة لا نعلم أن أحدا رواها حديثًا , وإنما المعروف أنها مصراع بيت
من الشعر من غير كلمة (آخر) فإن كنتم اطلعتم على كتاب ذكر به أنها حديث؛
فأخبرونا بنصه في ذلك.