للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مسلم غيور من مراكش


التمدن الآثم، القاضي مترنيخ، تلقيح القضاء المصري
الجامعة المصرية تحت راية القرآن
رسالة من مسلم عالم غيور من مراكش

لجريدة السياسة خطط متبرقشة وبرنامج متموج يتدفق بالتفرنج الآثم، وتهلل
السياسة في إذاعته مهما كان بشعًا متوحشًا، وإن قراءها يعرفون الكثير من ذلك،
ومن أسمج ما رأينا فيها قصة مترنيخ المنشورة في عدد ١٥١٩ تاريخ ٢٤ ربيع
الأول عام ١٣٤٦ ولا ترى في (قصة اليوم) التي تنشرها السياسة في كل عدد إلا
أمثالها وأشنع منها.
وخلاصتها لمن لم يقرأها أن هذا القاضي الفاجر أو الوحش مترنيخ سطا على
فتاة , ويعلم الله كم استعد لسرقتها , واستشار إبليس اللعين في خداعها حتى تمكن
منها؛ فغصبها أثمن شيء لدى الفتاة (وهو عفافها) , ولا شك أنه دفع لها قناطير
مقنطرة من الأيمان بشرفه وشرف تمدنه أنه سيتزوجها على عادة شأن هذا التمدن
الوحشي.
حملت نيتاشا من ذلك القاضي المتمدن وولدت طفلاً ألقته في البحر خوف
العار والشناعة.
عثر البوليس على جثة طفل حديث الولادة , وشوهدت فتاة تدعى نيتاشا تلقي
به في قاع البحر , فقبض عليها , والبحث جار لمعرفة والد هذا الطفل.
يقول القاضي المتمدن بعد ذلك: ماذا يكون جزاء نيتاشا؟ لا بد أن يقتص منها
القانون , ثم يقول الوحش: تخيلت نيتاشا وهي واقفة تستعطفني في قاعة المحكمة
أن أرحمها وأرحم شبابها الغض , ثم يقول الفاجر مترنيخ بعد أن تكلف إظهار
تشنجات وخيالات مبرقشة كاذبة مغزاها أنه غالب نفسه (المتيمة) , ونفذ القانون
كما يجب.
لقد غصت المحكمة بجمهور المتفرنجين , وبكت نيتاشا واسترحمتني بصوت
مؤثر أهاج الشفقة في القلوب (الله في قلبه القاسي) , وأسال العبرات من العيون ,
ولكن حكمت ... نعم حكمت , ويا لقساوة القانون ... القانون يا دكتور ... العدل
يا عزيزي.
نحن لا نفهم من شر هذه القصة وأمثالها إلا تلقيح الشباب بهذه الجراثيم الفتاكة ,
وإغرائهم بهذه الموبقات , وتعليمهم الاعتذار بعد الوقوع.
إذا كان هذا الوحش خان هذه الفتاة التي تفنن في وصف جمالها بدون خجل ,
فهل ضاق عليه القانون ولم يهتد لحيلة يخلص بها فريسته من العقاب والعار؟ إنه
لو تأمل قليلاً واعتمد على مادة من مواد القانون لما عدم مادة من مواده المرنة يمكنه
بها من تخليص نيتاشا بسهولة.
لا أدري أيهما أشد إجرامًا؟ خداعه إياها وسلب عفافها وحنثه في أيمانه , ثم
افتخاره بتنفيذ القانون الوضعي وهو المجرم المحتال المتعمد؟ , أو فحص مواد
القانون للعثور فيه على بند يخلص تلك الفتاة المخدوعة بلا شك، هلا راجع كتب
الحكمة التي تحض دائمًا على الرحمة والشفقة والتخلق بهما , والإيثار على النفس ,
ولو مع الخصاصة عوض تكرار مواد القصاص القاحلة الجافة؟ هلا درس باب
بدل الغلط الذي هو أصل من أصول الشرع الوضعي كما قيل وإن كنت أستبعده.
***
(بدل الغلط)
وقعت لي محاورة مع محام يقال: إنه بارع في فنه جدًّا في موضوع الغلط
(والعهدة عليه) خلاصته أن غلط القاضي في إلقاء نص الحكم يخلص الجاني أو
يدين البريء، فإذا سرق جانٍ ألف جنيه مثلاً , وثبت ذلك عليه ثبوتًا صريحًا , أو
أقر , وأراد القاضي أن ينطق بنص الحكم في مجلس القضاء كأن قصد أن يقول:
حكمت عليه بأداء الألف جنيه , فسبقه لسانه , وقال: حكمت ببراءته , فإن الألف
جنيه تضيع على ربها , وتذهب مع الإجراءات التي اتخذت تحت الأحكام العرفية
في مصر.
وإن أراد أن ينطق في مجلس الحكم على متهم ثبتت براءته بالحجج القاطعة ,
وأن يقول: حكمت ببراءته , فسبقه لسانه , وقال: حكمت بإعدامه نفذ الحكم،
وهكذا.
وكم انتفخ هذا المحامي انتفاخ العصفور بلله القطر , واغتاظ , وتهجم على
الشرع الإسلامي حين قلت له: إن القضاء الذي يدين البريء , ويفلت الجاني لا
يمكن أن يكون قضاء الإنسانية , وإن قضاء الإنسانية هو القضاء الإسلامي الذي لا
يعتمد إلا النصوص الصريحة والحجج الناهضة , ولا يُعرِّج أبدًا على أبواب الغلط
والشبه والأوهام.
وقد اشتد غيظه جدًا لما قلت له: إن قضاء القاضي الإسلامي لا يحل حرامًا
ولا يحرم حلالاً، وإن خطأ القاضي إذا كان صريحًا أو ظاهرًا فإنه ينقض الحكم ,
ولو طالت عليه الأيام والشهور.
دعاني إلى تسطير ما ذكر تنبيه الرأي العام الإسلامي الذي هو الأكثرية
الساحقة في مصر لما تريده جريدة السياسة وأذنابها من نشر هذه الأقاصيص
السمجة , فهي لا تفتأ تنشر أقاصيص اليونان والرومان والتفرنج الآثم، ولا تزال
ترغب في قراءة اليونان وأدبهم وفنونهم في حالة أنها تسعى هي وطاهاها في
إغراء المصريين بالإعراض عن آداب العرب وعلومهم وتاريخهم، ومع ذلك لا
تأتينا من آداب اليونان وغيرهم إلا بأبشعه وأثقله على النفوس.
ومن أعظم كبائرها وأكبرها جرمًا منصارتها لطه حسين , ونشر حماقته
وإلحاده فيها , والتمويه به وبجراءته , مع أن أكثر الجرائد حكمت بمروقه وتجرده
من القومية المصرية، وبتهجمه على الشريعة الإسلامية، دين الأمة والدولة،
والتحريش بالآداب العربية التي هي مادة الأدب العالي من آداب الإفرنج.
وأدهى من ذلك حماية الجامعة المصرية لذلك الأخرق المتطاول على آداب
الإسلام كأنها خلفت الدولة الإنكليزية في حماية الأقلية التي لم يسلم بها أحرار
المصريين لأعظم دولة على وجه الأرض.
وأدهى من ذلك وأمر ما نراه من استخذاء المصريين بما فيهم مجلس النواب
للجامعة المصرية , مع ظهور مكابرتها وشدة عنادها في ترك طاهاها على طغيانه.
أفلا تغري الجامعة بعملها هذا كثيرًا من الهيئات التي هي أشبه بحكومات
بتمسكهم بقوانينهم الداخلية في حالة أن مصر الفتاة تبذل أكثر جهودها لمحو جميع
الامتيازات.
يظهر أن الجامعة لا تهتبل بالمصريين ولا ببرلمانهم , وأن أساتذتها أو بعضهم
مأجورون لناحية من النواحي إن لم يكونوا مكرهين على حماية طه حسين داعية
الكفر والعصيان.
لو كانت تعتبر المصريين لقرأت انتقاداتهم بإمعان وتدبر , وأحلتها محلها ,
واقتدت على الأقل بمدارس العراق التي أكرهت.... نصولي.... على مغادرة
مدارسها بسبب كتابته على الدولة الأموية التي يحبذها جمهور المسلمين , ومع ذلك
انقادت وزارة المعارف لإرادة الأكثرية , وسكنت الفتنة.
لو قرأت الجامعة كتاب (تحت راية القرآن) لمؤلفه حامل راية البيان
مصطفى صادق الرافعي لما تركت طه حسين لحظة واحدة , ولتنازل كل واحد من
أعضائها والمدرسين فيها عن مرتب شهر , وأخرجوه من مصر , ونفوه إلى جزيرة
لارينون عوض الشهم الكريم بطل الريف العظيم.
من أعظم كبائر الجامعة أنها كادت تمزق شمل الأمة في سبتمبر سنة ١٩٢٦
فاصطدم مجلس النواب مع الحكومة اصدامًا مفزعًا بسبب طاهاها , ولو لم يسع
أحرار مصر والمخلصون لها للتوفيق بينهما لخلاص مصر من ذيول محنها لوقعت
فتنة عظيمة , ولكن الله سلم.
هل تحب الجامعة أن يكون طه حسين في الجامعة أشبه بمومسة عجفاء علق
في أشراكها شاب مهذب عزيز على أهله , وأقاربه وأصدقاؤه يسعون لتخليصه من
تلك الحية الرقشاء , ويتوسلون بكل الوسائل لإنقاذه , والمحافظة على سمعته وسمعة
أهل بيته، والمومسة الفاجرة لا تقاومهم إلا باستبكائها على قلب ذلك الشاب الطيب
السريرة , وقبضها على فؤاده قبضًا محكمًا , وتظاهرها بحبه وتعشقه، ولولا
محافظتهم على فلذة كبدهم لسحقوا المومسة بنعالهم.
وأعجب من ذلك إبقاء المصريين على هذه الجامعة وإرسالُهم , أولادَهم لتعلم
الزندقة والإلحاد فيها؛ ليهلك من هلك عن بينة ويلحد من ألحد على رغم أنف
المصريين.
فسر إلى الإمام يا صادق الرافعي , واحمل كل يوم راية من رايات البيان ,
واحرق كتاب الأدب الجاهلي كما مزقت كتاب الشعر الجاهلي , ولا تفتر عن هدم
الجامعة بريشة قلمك حتى تقضي عليها قضاء مبرمًا كما قضى (أسد الإسلام) السيد
رشيد رضا في مجلته المنار على دولة الحسين طاغية الحجاز فدارت عليه الدوائر ,
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
وهذه جريدة الأخبار الغراء مفتوحة على مصراعيها لنشر كتابتك الرائعة ,
والله في عونكم جميعًا ما دمتم في عون الإسلام دين الإنسانية {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ
حِينٍ} (ص: ٨٨) .
سيقول ساسة السياسة: ما لمراكش ومصر , فإن نظرت القذى الطفيف في
عيون المصريين , فما بالها تعامت عن الأخشاب في أبصار المراكشيين؟
وهلا نظر المراكشيون إلى حالتهم , وما هم فيه من التأخر والانقياد الأعمى
للمحتلين , والجهل الضارب أطنابه حتى إنه لا يوجد في مراكش مدارس ولا جرائد
أو مجلات أو أندية ولا جمعيات خيرية أو سياسية , ولا مجالس شورية أو تشريعية
حتى المجالس البلدية لا وجود لها هناك , فالرعية في مراكش كالغنم في يد الجزار
متى أرادها للذبح يسوقها بسهولة؟
سيقولون ذلك أو أكثر منه , ولهم الحق كل الحق , ونقول في الجواب , ونحن
في غاية الخجل، نقول لهم: لا يذفف على جريح ونقر لهم سلفًا بكل ما قد يدعونه ,
ومع ذلك نعيد عليهم النصيحة بأنه ما قاد المراكشيين إلى جحيم الاحتلال ,
ثم الهوان والخزي إلا أمثال طه حسين بمثل حماقته وانقياد القادة لأمثاله , حتى
حلت الحاقة الحاقة، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وإن العاقبة للمتقين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... مسلم غيور