للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أنباء العالم الإسلامي

خطب جلالة الملك عبد العزيز بن السعود
في الأمصار الحجازية بعد عودته من سياحته في نجد
زار جلالة الملك ابن السعود في هذا العام بلاده النجدية وأقام في عاصمتها
عدة أشهر، ثم عاد منها على طريق القصيم وحائل إلى المدينة المنورة فاستقبلته
فيها وفود البلاد، فألقى عليها خطبة سياسية إضافية في محطة الغبرية (بالمدينة
المنورة) قال فيها:
***
خطبته في المدينة المنورة
(إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث
العابثين ولنا الفخر العظيم في ذلك، وإن خطتي التي سرت ولا أزال أسير عليها
هي إقامة الشريعة السمحة، كما أنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب والأخذ
بالأسباب التى تجعلها في مصاف البلاد الناهضة مع الاعتصام بحبل الدين الحنيف.
إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين وخادم للرعية، إن الملك لله
وحده، وما نحن إلا خدمٌ لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم
وننصح لهم ونسهر على مصالحهم كنا قد خنا الأمانة المودعة إلينا، إننا لا تهمنا
الأسماء ولا الألقاب [١] وإنما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد والنظر في
الأمور التى توفر الراحة والاطمئنان لرعايانا، إن من حقكم علينا النصح لكم في
السر والعلانية، ومن حقنا عليكم النصح لنا، فإذا رأيتم خطأ من موظف أو تجاوزًا
من إنسان عليكم رفع ذلك إلينا لننظر فيه، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم
ووطنكم وولايتكم، وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه على ما يشاء قدير.
***
خطبته في جدة
ثم انتقل من المدينة إلى جدة وألقى فيها على الوفود والأهالي المستقبلة له هذه
الخطبة: حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله لما أعطى من فضله وكرمه ثم قال: إن
العرب في هذه المدن تأخروا كثيرًا وليس لهم من المجد شيء، فوسائل القوة كلها
بيد غيرهم، وإذا لم ترجع العرب للأصل الذي نشأ عليه أولهم فما هم ببالغين شيئًا
إلا أن يشاء الله، إن القوة التي يمكن أن نستند عليها هي الاستمساك بما كان عليه
سلفنا من اتباع كتاب الله وسنة رسوله وليس اتباع الكتاب الكريم بقراءته والتغني
به، ولا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بإعلان صحبته باللسان، والأفعال
تخالف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا الأساس أساس الاتباع
الصحيح هو الذي يمكن أن يجعل لنا وحدة قوية يمكننا أن نعتز بها ونرفع من شأننا،
وبغير ذلك لا مزية لنا ولا احترام، انظروا للعرب في كثير من الأمصار فإن
لديهم من الأموال أكثر مما لديكم، وعندهم من وسائل المدنية أكثر مما عندكم،
ولكن كثرة الأموال ووفرة الوسائل المدنية لم تفك رقابهم من الأسر والذل، ولم
ينفعهم ما جمعوا ولا ما صنعوا، إن المدنية الصحيحة والحياة ما نراه في البلاد
المتمسكة بدينها، وذلك ما يسرني أن أراه في نجد والحجاز، فكلما ازداد هذان
البلدان تمسكًا بدينهم وحافظوا على الأصل الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله كان
له من العز والسؤدد بمقدار ما يظهر من قوة تمسكهم ومحافظتهم، فإن تمسكتم بهذا
الأصل تمسكًا صحيحًا ولا أستثني فإن الله ينصركم ويؤيدكم، إن الدين هو مركز
المغناطيس الذي يجذب قلوب الناس إليكم فتقوى بذلك قلوبكم، ويعظم مركزكم في
الوجود، فدينكم وشرفكم العربي هو المغناطيس الحقيقي فتمسكوا بهما تنجحوا
وتروا الحرية الصحيحة.
ليست الحرية أن يُتْرَك الإنسان لهواه في الوقت الذي يكون فيه عنقه تحت
الرق والأسر، ولكن الحرية الصحيحة هي حرية الإسلام الذين جعل الأمير
والوضيع أمام العدل والحق سواء، وإنه لمما يُثْلِج الصدر أن ترى الأمير
والضعيف يسيران معًا ليقفا أمام الشرع ليقضي بينهما، وإني أسأل الله أن يوفقكم
للخير ويجعلكم ممن ينصرون دينه ويعلون كلمته.
***
خطابه بمكة المكرمة
ولما عاد إلى مكة المكرمة ألقى فيها على مستقبليه خطابًا بمعنى ما تقدم صرَّح
فيه جلالته خلال الحديث بأن الغاية الى يتوخاها والمطمح الأسمى الذي يدعو إليه
ويعمل في سبيله هو إعلاء كلمة التوحيد أولاً ورفع شأن العرب ومجدهم ثانيًا، ثم
تطرَّق إلى الحرية والمدنية فأفاض جلالته في هذه الموضوع مبينًا أن الحرية التي
جاء بها الإسلام هي أوسع من تلك الحرية المهيضة الجناح التى يدعيها الغير، وأن
المدنية الإسلامية التى سطع نورها في العالم وكانت أساسًا لنهضات الأمم والشعوب،
لم تكن مدنية مزيفة تقتصر على الماديات، وعلى الزينات فحسب، وإنما كانت
مدنية علم وعمل، وحث المسلمين على التمسك بالشريعة السمحة كعادته في كل
خطبة.